الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والتسعون
146 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعمر يصلّون العيدين قبل الخطبة. (1)
قوله: (يصلّون العيدين قبل الخطبة) صريح وظاهر في المسألة.
واختلف في أوّل من غيّر ذلك.
فرواية طارق بن شهابٍ عن أبي سعيدٍ عند مسلمٍ صريحةٌ في أنّه مروان قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان. فقام إليه رجل، فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد تُرك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكراً .. الحديث.
وقيل: بل سبقه إلى ذلك عثمان، وروى ابن المنذر بإسنادٍ صحيحٍ إلى الحسن البصريّ قال: أوّل من خطب قبل الصّلاة عثمان، صلَّى بالنّاس ثمّ خطبهم - يعني على العادة - فرأى ناساً لَم يدركوا الصّلاة، ففعل ذلك. أي: صار يخطب قبل الصّلاة.
وهذه العلة غير التي اعتلَّ بها مروان (2). لأنّ عثمان رأى مصلحة
(1) أخرجه البخاري (914 ، 920) ومسلم (888) من طرق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه.
(2)
روى البخاري في الصحيح (956) عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الصلاة قبل الخطبة ثم قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان - وهو أمير المدينة - في أضحى أو فطر، فلمَّا أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه، فجبَذَني فارتفع، فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيَّرتم والله، فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة.
قال ابن حجر في " الفتح "(2/ 580): وهذا يشعر بأنَّ مروان فعل ذلك باجتهادٍ منه .. وفيه جواز عمل العالم بخلاف الأولى إذا لم يوافقه الحاكم على الأولى ، لأنَّ أبا سعيد حضر الخطبة ولم ينصرف، فيستدل به على أنَّ المبادأة بالصلاة فيها ليس بشرط في صحتها. والله أعلم.
قال ابن المنير في الحاشية: حمَلَ أبو سعيد فعلَ النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على التعيين، وحمله مروان على الأولوية، واعتذر عن ترك الأَوْلى بما ذكره من تغير حال الناس، فرأى أنَّ المحافظة على أصل السنة - وهو إسماع الخطبة - أولى من المحافظة على هيئة فيها ليست من شرطها. والله أعلم. انتهى.
الجماعة في إدراكهم الصّلاة، وأمّا مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة، لكن قيل: إنّهم كانوا في زمن مروان يتعمّدون ترك سماع خطبته لِمَا فيها من سبِّ من لا يستحقّ السبَّ والإفراط في مدح بعض النّاس، فعلى هذا إنّما راعى مصلحة نفسه.
ويحتمل: أن يكون عثمان فعل ذلك أحياناً، بخلاف مروان فواظب عليه، فلذلك نسب إليه. وقد روي عن عمر مثل فعل عثمان، قال عياضٌ ومن تبعه: لا يصحّ عنه.
وفيما قالوه نظرٌ، لأنّ عبد الرّزّاق وابن أبي شيبة روياه جميعاً عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ عن يوسف بن عبد الله بن سلامٍ، وهذا إسنادٌ صحيحٌ.
لكن يعارضه حديث ابن عبّاسٍ: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلّهم كانوا يصلون قبل الخطبة. متفق عليه، وكذا حديث الباب.
فإن جُمع بوقوع ذلك منه نادراً ، وإلا فما في الصّحيحين أصحّ.
وقد أخرج الشّافعيّ عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عبّاسٍ. وزاد: حتّى قدم معاوية فقدّم الخطبة ، فهذا يشير إلى أنّ مروان إنّما فعل ذلك تبعاً لمعاوية ، لأنّه كان أمير المدينة من جهته.
وروى عبد الرّزّاق عن ابن جريجٍ عن الزّهريّ قال: أوّل من أحدث الخطبة قبل الصّلاة في العيد معاوية.
وروى ابن المنذر عن ابن سيرين ، أنّ أوّل من فعل ذلك زيادٌ بالبصرة.
قال عياضٌ: ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان، لأنّ كلاًّ من مروان وزيادٍ كان عاملاً لمعاوية ، فيحمل على أنّه ابتدأ ذلك وتبعه عمّاله، والله أعلم.