المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس 164 - عن أمّ عطيّة الأنصاريّة ، قالت: دخل - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٣

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌باب التشهُّد

- ‌الحديث الخامس والسبعون

- ‌الحديث السادس والسبعون

- ‌الحديث السابع والسبعون

- ‌الحديث الثامن والسبعون

- ‌الحديث التاسع والسبعون

- ‌باب الوتر

- ‌الحديث الثمانون

- ‌الحديث الواحد والثمانون

- ‌الحديث الثاني والثمانون

- ‌باب الذكر عقب الصّلاة

- ‌الحديث الثالث والثمانون

- ‌الحديث الرابع والثمانون

- ‌الحديث الخامس والثمانون

- ‌الحديث السادس والثمانون

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌الحديث السابع والثمانون

- ‌باب قصر الصلاة في السفر

- ‌الحديث الثامن والثمانون

- ‌باب الجمعة

- ‌الحديث التاسع والثمانون

- ‌الحديث التسعون

- ‌الحديث الواحد والتسعون

- ‌الحديث الثاني والتسعون

- ‌الحديث الثالث والتسعون

- ‌الحديث الرابع والتسعون

- ‌الحديث الخامس والتسعون

- ‌الحديث السادس والتسعون

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌الحديث السابع والتسعون

- ‌الحديث الثامن والتسعون

- ‌الحديث التاسع والتسعون

- ‌الحديث المائة

- ‌الحديث المائة وواحد

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌الحديث المائة واثنان

- ‌الحديث المائة وثلاثة

- ‌الحديث المائة وأربعة

- ‌الحديث المائة وخمسة

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌الحديث المائة وستة

- ‌الحديث المائة وسبعة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌الحديث المائة وثمانية

- ‌الحديث المائة وتسعة

- ‌الحديث المائة وعشرة

- ‌كتاب الجنائز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس 164 - عن أمّ عطيّة الأنصاريّة ، قالت: دخل

‌الحديث الخامس

164 -

عن أمّ عطيّة الأنصاريّة ، قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفّيت ابنته ، فقال: اغسلنها ثلاثاً ، أو خمساً ، أو أكثر من ذلك إن رأيتنّ ذلك بماءٍ وسدرٍ ، واجعلن في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافورٍ ، فإذا فرغتنّ فآذنّني. فلمّا فرغنا آذنّاه ، فأعطانا حقوه ، وقال: أشعرنها به. تعني إزاره.

وفي روايةٍ: أو سبعاً ، وقال: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ، وإنّ أمّ عطيّة ، قالت: وجعلنا رأسها ثلاثة قرونٍ. (1)

قوله: (عن أمّ عطيّة الأنصاريّة)(2) مدار حديث أمّ عطيّة على محمّد وحفصة ابني سيرين، وحَفِظتْ منه حفصة ما لَم يحفظه محمّد. كما سيأتي مبيّناً.

قال ابن المنذر: ليس في أحاديث الغسل للميّت أعلى من حديث أمّ عطيّة ، وعليه عوّل الأئمّة. انتهى

قوله: (حين توفّيت ابنته) في رواية الثّقفيّ عن أيّوب عن ابن سيرين في البخاري ، وكذا في رواية ابن جريجٍ " دخل علينا ونحن

(1) أخرجه البخاري (165 ، 1195 ، 1196 ، 1197 ، 1198 ، 1199 ، 2000 ، 2001 ، 2002 ، 2003 ، 1204) ومسلم (939) من طريق محمد بن سيرين وحفصة بنت سيرين أم الهذيل عن أم عطية. مطوَّلاً ومختصراً.

(2)

تقدّمت ترجمتها في حديث رقم (150).

ص: 434

نغسّل بنته " (1).

ويجمع بينهما: بأنّ المراد أنّه دخل حين شرع النّسوة في الغسل، وعند النّسائيّ ، أنّ مجيئهنّ إليها كان بأمره، ولفظه من رواية هشام بن حسّان عن حفصة " ماتت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا ، فقال: اغسلنها ".

قوله: (ابنته زينب)(2) لَم تقع في شيء من رواية البخاريّ مسمّاة، والمشهور أنّها زينب زوج أبي العاص بن الرّبيع والدة أُمامة التي تقدّم ذكرها في الصّلاة (3)، وهي أكبر بنات النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

وكانت وفاتها فيما حكاه الطّبريّ في " الذّيل " في أوّل سنة ثمان، وقد وردتْ مسمّاة في هذا عند مسلم من طريق عاصم الأحول عن حفصة عن أمّ عطيّة قالت: لَمّا ماتت زينبُ بنتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله: اغسلنها. فذكر الحديث.

ولَم أرها في شيء من الطّرق عن حفصة ولا عن محمّد مسمّاة إلَاّ في رواية عاصم هذه، وقد خولف في ذلك ، فحكى ابن التّين عن الدّاوديّ الشّارح ، أنّه جزم بأنّ البنت المذكورة أمّ كلثوم زوج عثمان ،ولَم يذكر مستنده.

(1) وكذا أخرجه مسلم في " الصحيح "(939) من طريق يزيد بن زريع عن أيوب ، ولمسلم أيضاً عن يزيد بن هارون بلفظ " أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل إحدى بناته "

(2)

التصريح في تسميتها في صحيح مسلم ، ولَم تأت مسماة في البخاري كما ذكر الشارح.

(3)

انظر حديث رقم (98)

ص: 435

وتعقّبه المنذريّ: بأنّ أمّ كلثوم توفّيت. والنّبيّ صلى الله عليه وسلم ببدرٍ فلم يشهدها.

وهو غلطٌ منه فإنّ التي توفّيت حينئذٍ رقيّة، وعزاه النّوويّ تبعاً لعياضٍ لبعض أهل السّير.

وهو قصور شديد ، فقد أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الوهّاب الثّقفيّ عن أيّوب ولفظه " دخل علينا ونحن نغسّل ابنته أمّ كلثوم " وهذا الإسناد على شرط الشّيخين، وفيه نظر (1).

وكذا وقع في " المبهمات " لابن بشكوال من طريق الأوزاعيّ عن محمّد بن سيرين عن أمّ عطيّة قالت: كنت فيمن غسّل أمّ كلثوم " الحديث.

وقرأت بخطّ مغلطاي: زعم التّرمذيّ. أنّها أمّ كلثوم ، وفيه نظرٌ.

كذا قال، ولَم أر في التّرمذيّ شيئاً من ذلك. وقد روى الدّولابيّ في " الذّرّيّة الطّاهرة " من طريق أبي الرّجال عن عمرة ، أنّ أمّ عطيّة كانت ممّن غسّل أمّ كلثوم ابنة النّبيّ صلى الله عليه وسلم الحديث.

فيمكن دعوى ترجيح ذلك لمجيئه من طرق متعدّدة.

ويمكن الجمع: بأن تكون حضرتهما جميعاً، فقد جزم ابن عبد البرّ رحمه الله في ترجمتها بأنّها كانت غاسلة الميّتات.

ووقع لي من تسمية النّسوة اللاتي حضرن معها ثلاث غيرها، ففي

(1) نظَّره الشارح ، لأنَّ الحديث رواه البخاري (1261) من طريق ابن جريج ، أنَّ أيوب أخبره عن ابن سيرين. وفي آخره قال: لا أدري أيَّ بناته. وسيأتي قريباً.

ص: 436

" الذّرّيّة الطّاهرة " أيضاً من طريق أسماء بنت عميس أنّها كانت ممّن غسّلها ، قالت: ومعنا صفيّة بنت عبد المطّلب. ولأبي داود من حديث ليلى بنت قانف - بقافٍ ونون وفاء - الثّقفيّة قالت: كنت فيمن غسّلها ، وروى الطّبرانيّ من حديث أمّ سليمٍ شيئاً يومئ إلى أنّها حضرت ذلك أيضاً.

وللبخاري قال ابن سيرين (1): ولا أدري أيَّ بناته. وهذا يدلّ على أنّ تسميتها في رواية ابن ماجه وغيره ممّن دون ابن سيرين. والله أعلم.

قوله: (اغسلنها) قال ابن بزيزة: استدل به على وجوب غسل الميّت، وهو مبنيّ على أنّ قوله فيما بعد " إن رأيتنّ ذلك " هل يرجع إلى الغسل أو العدد؟ والثّاني أرجح، فثبت المدّعى.

قال ابن دقيق العيد: لكن قوله " ثلاثاً " ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء، فيتوقّف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظٍ واحد ، لأنّ قوله " ثلاثاً " غير مستقلّ بنفسه فلا بدّ أن يكون داخلاً تحت صيغة الأمر. فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنّسبة إلى أصل الغسل، والنّدب بالنّسبة إلى الإيتار. انتهى.

وقواعد الشّافعيّة لا تأبى ذلك.

(1) كذا قال الشارح رحمه الله. أنَّ القائل ابن سيرين. أما في " باب كيف الإشعار للميت " حيث رواه البخاري (1261) فيه ، فجزم الشارح بأن القائل هو أيوب. ثم قال: وفيه دليل على أنه لَم يسمع تسميتها. اهـ

ص: 437

ومن ثَمَّ ذهب الكوفيّون وأهل الظّاهر والمزنيّ إلى إيجاب الثّلاث. وقالوا: إن خرج منه شيء بعد ذلك يغسل موضعه ولا يعاد غسل الميّت، وهو مخالف لظاهر الحديث.

وجاء عن الحسن مثله ، أخرجه عبد الرّزّاق عن هشام بن حسّان عن ابن سيرين قال: يغسّل ثلاثاً ، فإن خرج منه شيء بعد فخمساً، فإن خرج منه شيء غسّل سبعاً ، قال هشام: وقال الحسن: يغسّل ثلاثاً، فإن خرج منه شيء غسل ما خرج. ولَم يزد على الثّلاث.

وقد نقل النّوويّ الإجماع على أنّ غسل الميّت فرض كفاية.

وهو ذهول شديد، فإنّ الخلاف مشهور عند المالكيّة. حتّى إنّ القرطبيّ رجّح في شرح مسلم أنّه سنّة، ولكنّ الجمهور على وجوبه.

وقد ردّ ابن العربيّ على من لَم يقل بذلك، وقد توارد به القول والعمل، وغُسّل الطّاهر المطهّر فكيف بمن سواه؟.

قوله: (ثلاثاً أو خمساً) وفي رواية لهما من رواية هشام بن حسّان عن حفصة " اغسلنها وتراً ثلاثاً أو خمساً " و " أو " هنا للتّرتيب لا للتّخيير.

قال النّوويّ: المراد اغسلنها وتراً وليكن ثلاثاً فإن احتجن إلى زيادة فخمساً، وحاصله أنّ الإيتار مطلوب والثّلاث مستحبّة، فإن حصل الإنقاء بها لَم يشرع ما فوقها وإلا زيد وتراً حتّى يحصل الإنقاء، والواجب من ذلك مرّة واحدة عامّة للبدن. انتهى.

وقد سبق بحث ابن دقيق العيد في ذلك.

ص: 438

وقال ابن العربيّ: في قوله " أو خمساً " إشارة إلى أنّ المشروع هو الإيتار ، لأنّه نقلهنّ من الثّلاث إلى الخمس ، وسكت عن الأربع.

وقوله فيه " وتراً ثلاثاً أو خمساً " استدل به على أنّ أقلّ الوتر ثلاث، ولا دلالة فيه لأنّه سيق مساق البيان للمراد ، إذ لو أطلق لتناول الواحدة فما فوقها.

قوله: (أو أكثر من ذلك) بكسر الكاف لأنّه خطاب للمؤنّث، ولهما في رواية أيّوب عن حفصة " ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً ".

ولَم أر في شيء من الرّوايات بعد قوله " سبعاً " التّعبير بأكثر من ذلك إلَاّ في رواية لأبي داود، وأمّا ما سواها فإمّا " أو سبعاً " وإمّا " أو أكثر من ذلك ".

فيحتمل تفسير قوله " أو أكثر من ذلك " بالسّبع، وبه قال أحمد، فكره الزّيادة على السّبع.

وقال ابن عبد البرّ: لا أعلم أحداً قال بمجاوزة السّبع، وساق من طريق قتادة ، أنّ ابن سيرين كان يأخذ الغسل عن أمّ عطيّة ثلاثاً وإلَّا فخمساً وإلَّا فأكثر. قال: فرأينا أنّ أكثر من ذلك سبع.

وقال الماورديّ: الزّيادة على السّبع سرف.

وقال ابن المنذر: بلغني أنّ جسد الميّت يسترخي بالماء ، فلا أحبّ الزّيادة على ذلك.

قوله: (إن رأيتنّ ذلك) معناه التّفويض إلى اجتهادهنّ بحسب الحاجة لا التّشهّي.

ص: 439

وقال ابن المنذر: إنّما فوّض الرّأي إليهنّ بالشّرط المذكور وهو الإيتار.

وحكى ابن التّين عن بعضهم قال: يحتمل قوله " إن رأيتنّ " أن يرجع إلى الأعداد المذكورة.

ويحتمل: أن يكون معناه ، إن رأيتنّ أن تفعلن ذلك. وإلا فالإنقاء يكفي.

قوله. (بماءٍ وسدر) قال ابن العربيّ: هذا أصل في جواز التّطهّر بالماء المضاف إذا لَم يسلب الماء الإطلاق. انتهى.

وهو مبنيّ على الصّحيح أنّ غسل الميّت للتّطهير كما سيأتي.

قال الزّين بن المنير: جعلهما البخاري (1) معاً آلة لغسل الميّت، وهو مطابق لحديث الباب، لأنّ قوله " بماءٍ وسدر " يتعلق بقوله " اغسلنها " وظاهره أنّ السّدر يخلط في كلّ مرّة من مرّات الغسل، وهو مشعر بأنّ غسل الميّت للتّنظيف لا للتّطهير، لأنّ الماء المضاف لا يتطهّر به. انتهى.

وقد يمنع لزوم كون الماء يصير مضافاً بذلك (2)، لاحتمال أن لا يغيّر السّدر وصف الماء بأن يُمعك بالسّدر ثمّ يغسل بالماء في كلّ مرّة. فإنّ لفظ الخبر لا يأبى ذلك.

(1) أي: لَمَّا ترجم للحديث بقوله (باب غسل الميت ووضوءه بالماء والسدر)

(2)

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: الصواب أنَّ يقال: إنَّ في هذا الحديث دلالةً على أنَّ الماء المضاف إليه طهورٌ ما دام اسم الماء ثابتاً له إذا كان المضاف إليه طاهراً كالسدر ونحوه. وقد اختار ذلك أبو العباس بن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله كما قال ابن العربي.

ص: 440

وقال القرطبيّ: يجعل السّدر في ماء ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسده ، ثمّ يُصبّ عليه الماء القراح، فهذه غسلة.

وحكى ابن المنذر: أنّ قوماً قالوا: تطرح ورقات السّدر في الماء. أي: لئلا يمازج الماء فيتغيّر وصفه المطلق.

وحكي عن أحمد أنّه أنكر ذلك ، وقال: يغسل في كلّ مرّة بالماء والسّدر.

وأعلى ما ورد في ذلك ، ما رواه أبو داود من طريق قتادة عن ابن سيرين ، أنّه كان يأخذ الغسل عن أمّ عطيّة. فيغسل بالماء والسّدر مرّتين والثّالثة بالماء والكافور.

قال ابن عبد البرّ: كان يقال: كان ابن سيرين من أعلم التّابعين بذلك.

وقال ابن العربيّ: مَن قال الأولى بالماء القراح ، والثّانية بالماء والسّدر أو العكس ، والثّالثة بالماء والكافور ، فليس هو في لفظ الحديث. انتهى.

وكأنّ قائله أراد أن تقع إحدى الغسلات بالماء الصّرف المطلق ، لأنّه المطهّر في الحقيقة، وأمّا المضاف فلا.

القول الأول: تمسّك بظاهر الحديث ابن شعبان وابن الفرضيّ وغيرهما من المالكيّة ، فقالوا: غسل الميّت إنّما هو للتّنظيف فيجزئ بالماء المضاف كماء الورد ونحوه، قالوا: وإنّما يكره من جهة السّرف.

القول الثاني: المشهور عند الجمهور أنّه غسل تعبّديّ يشترط فيه ما

ص: 441

يشترط في بقيّة الأغسال الواجبة والمندوبة.

القول الثالث: قيل: شرع احتياطاً لاحتمال أن يكون عليه جنابة.

وفيه نظرٌ. لأنّ لازمه أن لا يشرع غسل من هو دون البلوغ وهو خلاف الإجماع.

قوله: (واجعلن في الآخرة كافوراً) هو الطِّيْب المعروف (1) ، ويطلق على الوعاء ، قال بعضهم: وعاءُ كلِ شيءٍ كافوره وكفراه ، ويقال للعنب إذا خرج كافور وكفري.

قوله: (أو شيئاً من كافور) هو شكّ من الرّاوي أي اللفظتين قال ، والأوّل محمول على الثّاني لأنّه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه.

وجزم في رواية أيوب عن ابن سيرين بالشّقّ الأوّل، وكذا في رواية ابن جريجٍ، وظاهره جعل الكافور في الماء. وبه قال الجمهور.

وقال النّخعيّ والكوفيّون: إنّما يجعل في الحنوط ، أي: بعد إنهاء الغسل والتّجفيف.

وقد ورد في رواية النسائي بلفظ " واجعلن في آخر ذلك كافوراً ".

قيل: الحكمة في الكافور - مع كونه يطيّب رائحة الموضع - لأجل من يحضر من الملائكة وغيرهم ، أنّ فيه تجفيفاً وتبريداً وقوّةَ نفوذ. وخاصّيّة في تصليب بدن الميّت وطرد الهوامّ عنه ، وردع ما يتحلل من

(1) قال الليث: الكافور. نباتٌ له نورٌ أبيض كنور الأقحوان، والكافور: من أخلاط الطيب، والكافور: وعاء الطلع. تهذيب اللغة (10/ 115).

ص: 442

الفضلات ، ومنع إسراع الفساد إليه، وهو أقوى الأراييح الطّيّبة في ذلك، وهذا هو السّرّ في جعله في الأخيرة. إذ لو كان في الأولى مثلاً لأذهبه الماء.

وهل يقوم المسك مثلاً مقام الكافور؟ إن نُظر إلى مجرّد التّطيّب فنعم، وإلا فلا، وقد يقال: إذا عُدم الكافور قام غيره مقامه ولو بخاصّيّةٍ واحدة مثلاً.

قوله: (فإذا فرغتنّ فآذنّني) أي: أعلمنني.

قوله: (فلمّا فرغنا) كذا للأكثر بصيغة الخطاب من الحاضر، وللأصيليّ " فلمّا فرغن " بصيغة الغائب.

قوله: (حقوه) بفتح المهملة ويجوز كسرها - وهي لغة هذيل - بعدها قاف ساكنة، والمراد به هنا الإزار كما وقع مفسّراً في آخر هذه الرّواية.

والحقو في الأصل معقد الإزار، وأطلق على الإزار مجازاً، وللبخاري من رواية ابن عون عن محمّد بن سيرين بلفظ " فنزع من حقوه إزاره " والحقو في هذا على حقيقته.

قوله: (أشعرنها إيّاه) أي: اجعلنه شعارها. أي الثّوب الذي يلي جسدها، زاد البخاري " وزعم أنَّ الإشعار الففنها فيه " وفيه اختصار والتّقدير ، وزعم أنّ معنى قوله أشعرنها إيّاها الففنها، وهو ظاهر اللفظ، لأنّ الشّعار ما يلي الجسد من الثّياب.

والقائل في هذه الرّواية " وزعم " هو أيّوب. وذكر ابن بطّال: أنّه

ص: 443

ابن سيرين.

والأوّل أولى، وقد بيّنه عبد الرّزّاق في روايته عن ابن جريجٍ قال: قلت لأيّوب قوله أشعرنها. تؤزر به؟ قال: ما أراه إلَاّ قال: الففنها فيه.

قيل: الحكمة في تأخير الإزار معه إلى أن يفرغن من الغسل ولَم يناولهنّ إيّاه أوّلاً ، ليكون قريب العهد من جسده الكريم ، حتّى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل، وهو أصل في التّبرّك بآثار الصّالحين (1).

وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرّجل ، وبوّب عليه البخاري " هل تكفّن المرأة في إزار الرجل؟ " وشاهِد التّرجمة قوله فيه " فأعطاها إزاره ".

قال ابن رشيد: أشار بقوله " هل " إلى تردّد عنده في المسألة، فكأنّه أومأ إلى احتمال اختصاص ذلك بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم ، لأنّ المعنى الموجود فيه من البركة ونحوها قد لا يكون في غيره ولا سيّما مع قرب عهده بعرقه الكريم، ولكنّ الأظهر الجواز، وقد نقل ابن بطّال الاتّفاق على ذلك، لكن لا يلزم من ذلك التّعقّب على البخاريّ ، لأنّه إنّما ترجم بالنّظر إلى سياق الحديث وهو قابل للاحتمال.

وقال الزّين بن المنير نحوه ، وزاد احتمال الاختصاص بالمحرم ، أم بمن يكون في مثل إزار النّبيّ صلى الله عليه وسلم وجسده من تحقّق النّظافة وعدم نفرة

(1) سبق التنبيه عليه. وأنه خاصٌّ بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 444

الزّوج وغيرته أن تلبس زوجته لباس غيره.

قوله: (ابدأْنَ) هو الوجه ، لأنّه خطاب للنّسوة. وللبخاري " ابدؤوا "

قوله: (بميامنها ومواضع الوضوء منها) استدل به على استحباب المضمضة والاستنشاق في غسل الميّت خلافاً للحنفيّة، بل قالوا: لا يستحبّ وضوءه أصلاً.

وإذا قلنا باستحبابه ، فهل يكون وضوءاً حقيقيّاً بحيث يعاد غسل تلك الأعضاء في الغسل ، أو جزءاً من الغسل بدئت به هذه الأعضاء تشريفاً؟.

الثّاني أظهر من سياق الحديث.

والبداءة بالميامن وبمواضع الوضوء ممّا زادته حفصة في روايتها عن أمّ عطيّة على أخيها محمّد، وكذا المشط والضّفر كما سيأتي

قوله: (وجعلنا رأسها ثلاثة قرونٍ) أي: ضفائر ، قال سفيان " ناصيتها وقرنيها ": والقرنان الجانبان ، زاد البخاري " وألقيناه خلفها ".

وللبخاري من رواية حفصة عن أم عطية " أنهن جعلن رأس بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون نقضنه، ثم غسلنه، ثم جعلنه ثلاثة قرون ".

وفائدة النّقض تبليغ الماء البشرة وتنظيف الشّعر من الأوساخ.

ولمسلمٍ من رواية أيّوب عن حفصة عن أمّ عطيّة " مشطناها ثلاثة

ص: 445

قرون " وهو بتخفيف المعجمة. أي: سرّحناها بالمشط.

وفيه حجّة للشّافعيّ ومن وافقه على استحباب تسريح الشّعر.

وذهب مَن منعه إلى أنّه قد يفضي إلى انتتاف شعره.

وأجاب من أثبته: بأنّه يضمّ إلى ما انتثر منه. والرّفق يؤمن معه ذلك. وكذا الرّجل إذا كان له شعر يُنقض لأجل التّنظيف وليبلغ الماء البشرة.

واستدل به على ضفر شعر الميّت خلافاً لمن منعه.

فقال ابن القاسم: لا أعرف الضّفر بل يكفّ ، وعن الأوزاعيّ والحنفيّة: يرسل شعر المرأة خلفها وعلى وجهها مفرّقاً.

قال القرطبيّ: وكأنّ سبب الخلاف أنّ الذي فعلته أمّ عطيّة. هل استندت فيه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعاً، أو هو شيء رأته ففعلته استحساناً؟.

كلا الأمرين محتمل، لكن الأصل أن لا يُفعل في الميّت شيءٌ من جنس القرب ، إلَاّ بإذنٍ من الشّرع محقّق. ولَم يرد ذلك مرفوعاً. كذا قال.

وقال النّوويّ: الظّاهر اطّلاع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وتقريره له.

قلت: وقد رواه سعيد بن منصور بلفظ الأمر من رواية هشام عن حفصة عن أمّ عطيّة قالت: قال لنا رسول الله: اغسلنها وتراً واجعلن شعرها ضفائر.

وقال ابن حبّان في " صحيحه ": ذِكر البيان بأنّ أمّ عطيّة إنّما مشّطت

ص: 446

ابنة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأمره لا من تلقاء نفسها ، ثمّ أخرج من طريق حمّاد عن أيّوب قال: قالت حفصة عن أمّ عطيّة: اغسلنها ثلاثة أو خمساً أو سبعاً واجعلن لها ثلاثة قرون.

في هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدّم.

تعليم الإمام من لا علم له بالأمر الذي يقع فيه، وتفويضه إليه إذا كان أهلاً لذلك بعد أن ينبّهه على عِلَّة الحكم.

واستدل به على أنّ الغسل من غسل الميّت ليس بواجبٍ ، لأنّه موضع تعليم ولَم يأمر به.

وفيه نظرٌ. لاحتمال أن يكون شرع بعد هذه الواقعة.

وقال الخطّابيّ: لا أعلم أحداً قال بوجوبه. وكأنّه ما درى أنّ الشّافعيّ علَّق القول به على صحّة الحديث، والخلاف فيه ثابت عند المالكيّة ، وصار إليه بعض الشّافعيّة أيضاً.

وقال ابن بزيزة: الظّاهر أنّه مستحبّ، والحكمة فيه تتعلق بالميّت، لأنّ الغاسل إذا علم أنّه سيغتسل لَم يتحفّظ من شيء يصيبه من أثر الغسل فيبالغ في تنظيف الميّت وهو مطمئنّ.

ويحتمل: أن يتعلق بالغاسل ليكون عند فراغه على يقين من طهارة جسده ممّا لعله أن يكون أصابه من رشاش ونحوه. انتهى

واستدل به بعض الحنفيّة على أنّ الزّوج لا يتولى غسل زوجته، لأنّ زوج ابنة النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان حاضراً. وأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم النّسوة بغسل ابنته دون الزّوج.

ص: 447

وتعقّب: بأنّه يتوقّف على صحّة دعوى أنّه كان حاضراً، وعلى تقدير تسليمه فيحتاج إلى ثبوت أنّه لَم يكن به مانع من ذلك ولا آثر النّسوة على نفسه.

وعلى تسليمه فغاية ما فيه أن يستدلّ به على أنّ النّسوة أولى منه لا على منعه من ذلك لو أراده. والله أعلم بالصّواب.

ص: 448