الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث المائة وخمسة
154 -
عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه ، قال: خسفت الشّمس على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقام فَزِعاً ، يخشى أن تكون السّاعة ، حتّى أتى المسجد. فقام ، فصلَّى بأطول قيامٍ وسجودٍ ، ما رأيته يفعله في صلاته قطّ ، ثمّ قال: إنّ هذه الآيات التي يرسلها الله عز وجل: لا تكون لموت أحدٍ ولا لحياته. ولكنّ الله يرسلها يخوّف بها عباده ، فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره. (1)
قوله: (فقام النّبيّ صلى الله عليه وسلم فزعاً) بكسر الزّاي صفة مشبّهة، ويجوز الفتح على أنّه مصدر بمعنى الصّفة.
قوله: (يخشى أن تكون السّاعة) بالضّمّ على أنّ كان تامّة ، أي: يخشى أن تحضر السّاعة، أو ناقصة والسّاعة اسمها والخبر محذوف، أو العكس.
قيل: وفيه جواز الإخبار بما يوجبه الظّنّ من شاهد الحال، لأنّ سبب الفزع يخفى عن المشاهد لصورة الفزع ، فيحتمل أن يكون الفزع لغير ما ذكر.
فعلى هذا فيشكل هذا الحديث من حيث إنّ للسّاعة مقدّمات كثيرة لَم تكن وقعت كفتح البلاد ، واستخلاف الخلفاء ، وخروج الخوارج. ثمّ الأشراط كطلوع الشّمس من مغربها والدّابّة والدّجّال والدّخان
(1) أخرجه البخاري (1010) ومسلم (912) من طريق بُريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه.
وغير ذلك.
ويجاب عن هذا:
الاحتمال الأول: أن تكون قصّة الكسوف وقعت قبل إعلام النّبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه العلامات.
الثاني: لعله خشي أن يكون ذلك بعض المقدّمات.
الثالث: أنّ الرّاوي ظنّ أنّ الخشية لذلك ، وكانت لغيره كعقوبةٍ تحدث كما كان يخشى عند هبوب الرّيح. هذا حاصل ما ذكره النّوويّ تبعاً لغيره.
الرابع: زاد بعضهم أنّ المراد بالسّاعة غير يوم القيامة، أي: السّاعة التي جعلت علامة على أمر من الأمور، كموته صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك.
وفي الأوّل نظرٌ ، لأنّ قصّة الكسوف متأخّرة جدّاً، فإنّ موت إبراهيم كان في العاشرة كما اتّفق عليه أهل الأخبار (1) وقد أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بكثيرٍ من الأشراط والحوادث قبل ذلك.
وأمّا الثّالث ، فتحسين الظّنّ بالصّحابيّ يقتضي أنّه لا يجزم بذلك إلَاّ بتوقيفٍ.
وأمّا الرّابع ، فلا يخفى بعده.
(1) فائدة. قال الشارح في " الفتح "(7/ 137): جميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة إلَاّ إبراهيم فإنه كان من جاريته مارية ، والْمُتفق عليه من أولاده منها القاسم. وبه كان يكنى مات صغيراً قبل المبعث أو بعده ، وبناته الأربع زينب ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة ، وقيل كانت أم كلثوم أصغر من فاطمة ، وعبد الله ولد بعد المبعث. فكان يقال له الطاهر والطيب ، ويقال هما اخوان له ، وماتت الذكور صغاراً باتفاق. انتهى
وأقربها الثّاني ، فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدّمة لبعض الأشراط كطلوع الشّمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف والطّلوع المذكور أشياء ممّا ذكر ، وتقع متتالية بعضها إثر بعض مع استحضار قوله تعالى (وما أمر السّاعة إلَاّ كلمح البصر أو هو أقرب).
ثمّ ظهر لي ، أنّه يحتمل أن يُخرَّج على مسألة دخول النّسخ في الأخبار ، فإذا قيل بجواز ذلك زال الإشكال.
وقيل: لعله قدّر وقوع الممكن لولا ما أعلمه الله تعالى بأنّه لا يقع قبل الأشراط تعظيماً منه لأمر الكسوف. ليتبيّن لمن يقع له من أمّته ذلك كيف يخشى ويفزع ، لا سيّما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط أو أكثرها.
وقيل: لعل حالة استحضار إمكان القدرة غلبت على استحضار ما تقدّم من الشّروط لاحتمال أن تكون تلك الأشراط كانت مشروطة بشرطٍ لَم يتقدّم ذكره فيقع المخوف بغير أشراط لفقد الشّرط، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: (إنَّ هذه الآيات التي يرسل الله .. ولكن الله يرسلها يخوّف بها عباده) موافق لقوله تعالى (وما نرسل بالآيات إلَاّ تخويفاً).
واستدل بذلك على أنّ الأمر بالمبادرة إلى الذّكر والدّعاء والاستغفار وغير ذلك ، لا يختصّ بالكسوفين ، لأنّ الآيات أعمّ من ذلك، وهل يُصلِّي عند وجودها؟.
حكى ابن المنذر فيه الاختلاف، وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة.
وعلَّق الشّافعيّ القول به على صحّة الحديث عن عليّ.
وصحّ ذلك عن ابن عبّاس. أخرجه عبد الرّزّاق وغيره.
وروى ابن حبّان في " صحيحه " من طريق عبيد بن عمير عن عائشة مرفوعاً: صلاة الآيات ستّ ركعات وأربع سجدات.
ولَم يقع في هذه الرّواية ذكر الصّلاة، فلا حجّة فيه لمن استحبّها عند كلّ آية.
قوله: (إلى ذكر الله) في رواية الكشميهنيّ " إلى ذكره " والضّمير يعود على الله في قوله " يخوّف الله بها عباده "، وفيه النّدب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره لأنّه ممّا يدفع به البلاء. (1).
قوله: (ودعاءه واستغفاره) ولهما عن المغيرة " فادعوا الله وصلّوا " ووقع الأمر فيه بالدعاء من حديث عائشة وأبي بكرة وغيره.
ومنهم من حمل الذكر والدعاء على الصلاة لكونهما من أجزائها.
والأول أولى ، لأنه جمع بينهما في حديث أبي بكرة. حيث قال (فصلوا وادعوا)(2) ووقع في حديث بن عباس عند سعيد بن منصور " فاذكروا الله وكبروه وسبّحوه وهللوه " وهو من عطف الخاص على العام.
(1) وأخرج البخاري (1045) عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعتاقة في كسوف الشمس.
(2)
حديث أبي بكرة. أخرجه البخاري كما تقدّم ذكره. وقد وقع الجمع بينهما أيضاً في حديث أبي مسعود عقبة بن الحارث. المتقدّم برقم (152).