الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع والتسعون
148 -
عن جندب بن عبد الله البجليّ رضي الله عنه ، قال: صلَّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم النّحر ، ثمّ خطب ، ثمّ ذبح ، وقال: من ذبح قبل أن يُصلِّي فليذبح أخرى مكانها ، ومن لَم يذبح فليذبح باسم الله. (1)
قوله: (عن جندب بن عبد الله البجليّ رضي الله عنه) هو جندب بن عبد الله بن سفيان العلقي البجلي نُسب إلى جده. الصحابي المشهور. وهو من صغار الصحابة. وكان من أهل الكوفة ثم تحوَّل إلى البصرة. قاله الكلاباذي. (2)
قوله: (وقال: من ذبح) هو من جملة الخطبة ، وليس معطوفاً على
(1) أخرجه البخاري (942 ، 5181 ، 5242 ، 6297 ، 6956) ومسلم (1960) من طرق عن الأسود بن قيس عن جندي رضي الله عنه بزيادة في أوله: ضحَّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحاة ذات يوم، فإذا أناس قد ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة، فلمَّا انصرف رآهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة، فقال: من ذبح قبل الصلاة. الحديث. واللفظ للبخاري
(2)
أبو عبد اللَّه ، قال ابن السكن: وأهل البصرة يقولون: جندب بن عبد اللَّه، وأهل الكوفة يقولون جندب بن سفيان غير شريك وحده ، ويقال له جندب الخير. وأنكره ابن الكلبيّ.
وقال البغويّ: يقال له جندب الخير، وجندب الفاروق، وجندب ابن أم جندب.
وفي الطّبرانيّ من طريق أبي عمران الجوني، قال: قال لي جندب: كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماًحزوّراً. وفي صحيح مسلم من طريق صفوان بن محرز ، أنَّ جندب بن عبد اللَّه البجلي بعث إلى عسعس بن سلامة زمن فتنة ابن الزّبير، قال: اجمع لي نفراً من إخوانك. وفي الطّبرانيّ من طريق الحسن، قال: جلست إلى جندب في إمارة المصعب- يعني ابن الزبير. قاله في الإصابة.
قوله " ثمّ ذبح " لئلا يلزم تخلّل الذّبح بين الخطبة وهذا القول، وليس الواقع ذلك على ما بيّنه حديث البراء الذي قبله.
قوله: (ومن لَم يذبح فليذبح باسم الله) أي: فليذبح قائلاً بسم الله أو مسمّياً، والمجرور متعلق بمحذوفٍ، وهو حال من الضّمير في قوله " فليذبح " وهذا أولى ما حمل عليه الحديث. وصحّحه النّوويّ.
ويؤيّده ما في حديث أنس " وسَمّى وكبّر "(1) ، وفي رواية للبخاري " ومن كان لَم يذبح حتّى صلّينا فليذبح على اسم الله ".
وقال عياض: يحتمل: أن يكون معناه فليذبح لله، والباء تجيء بمعنى اللام، ويحتمل: أن يكون معناه بتسمية الله، ويحتمل: أن يكون معناه متبرّكاً باسمه كما يقال: سر على بركة الله، ويحتمل: أن يكون معناه فليذبح بسنّة الله.
قال: وأمّا كراهة بعضهم. افعل كذا على اسم الله ، لأنّه اسمه على كلّ شيء. فضعيفٌ.
قلت: ويحتمل وجهاً خامساً: أن يكون معنى قوله " بسم الله " مطلق الإذن في الذّبيحة حينئذٍ، لأنّ السّياق يقتضي المنع قبل ذلك والإذن بعد ذلك، كما يقال للمستأذن بسم الله ، أي: ادخل.
وقد استدل بهذا الأمر في قوله " فليذبح مكانها أخرى " مَن قال بوجوب الأضحيّة.
قال ابن دقيق العيد: صيغة " من " في قوله " من ذبح " صيغة
(1) حديث أنس متفق عليه. وسيأتي إن شاء الله شرحه في كتاب الأضاحي.
عموم في حقّ كلّ من ذبح قبل أن يُصلِّي، وقد جاءت لتأسيس قاعدة، وتنزيل صيغة العموم إذا وردت لذلك على الصّورة النّادرة يستنكر، فإذا بعُد تخصيصه بمن نذر أضحيّة معيّنة. بقي التّردّد. هل الأولى حمله على من سبقت له أضحيّة معيّنة ، أو حمله على ابتداء أضحيّة من غير سبق تعيين؟.
فعلى الأولى: يكون حجّة لِمَن قال بالوجوب على من اشترى الأضحيّة كالمالكيّة، فإنّ الأضحيّة عندهم تجب بالتزام اللسان وبنيّة الشّراء وبنيّة الذّبح.
وعلى الثّاني: يكون لا حجّة لمن أوجب الضّحيّة مطلقاً، لكن حصل الانفصال ممّن لَم يقل بالوجوب بالأدلة الدّالة على عدم الوجوب فيكون الأمر للنّدب.
واستَدلَّ به من اشترط تقدُّم الذّبح من الإمام بعد صلاته وخطبته، لأنّ قوله " من ذبح قبل أن يُصلِّي فليذبح مكانها أخرى " إنّما صدر منه بعد صلاته وخطبته وذبحه فكأنّه قال: من ذبح قبل فعل هذه الأمور فليعد، أي: فلا يعتدّ بما ذبحه.
قال ابن دقيق العيد: وهذا استدلال غير مستقيم، لمخالفته التّقييد بلفظ الصّلاة والتّعقيب بالفاء.
قال نعيم بن حمّاد في " الرّدّ على الجهميّة ": دلَّت الأحاديث يعني الواردة في الاستعاذة بأسماء الله وكلماته، والسّؤال بها مثل حديث الباب، وحديث عائشة، وأبي سعيد " بسم الله أرقيك " وكلاهما عند
مسلم.
وفي الباب عن عبادة وميمونة وأبي هريرة وغيرهم عند النّسائيّ وغيره بأسانيد جياد، على أنّ القرآن غير مخلوق. إذ لو كان مخلوقاً لَم يستعذ بها. إذ لا يستعاذ بمخلوقٍ، قال الله تعالى (فاستعذ بالله) وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم " وإذا استعذت فاستعذ بالله ". (1)
وقال الإمام أحمد في " كتاب السّنّة " قالت الجهميّة لِمَن قال: إنّ الله لَم يزل بأسمائه وصفاته، قلتم بقول النّصارى حيث جعلوا معه غيره، فأجابوا: بأنّا نقول إنّه واحد بأسمائه وصفاته، فلا نصِف إلَاّ واحداً بصفاته كما قال تعالى (ذرني ومن خلقت وحيداً) وصفه بالوحدة مع أنّه كان له لسان وعينان وأذنان وسمع وبصر ، ولَم يخرج بهذه الصّفات عن كونه واحداً. ولله المثل الأعلى.
(1) لم أره بهذا اللفظ. والمشهور حديث ابن عباس في وصيّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم له: واذا ستعنتَ فاستعن بالله. أخرجه الإمام أحمد وغيره.