الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث المائة
149 -
عن جابرٍ رضي الله عنه ، قال: شهدت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم العيد. فبدأ بالصّلاة قبل الخطبة ، بلا أذانٍ ولا إقامةٍ. ثمّ قام متوكّئاً على بلالٍ ، فأمر بتقوى الله تعالى ، وحثّ على طاعته ، ووعظ النّاس وذكّرهم ، ثمّ مضى حتّى أتى النّساء فوعظهنّ وذكّرهنّ ، وقال: يا معشر النّساء ، تصدّقن. فإنّكنّ أكثر حطب جهنّم ، فقامت امرأةٌ من سِطَة النّساء ، سفعاء الخدّين ، فقالت: لِمَ يا رسولَ الله؟ فقال: لأنّكنّ تكثرن الشّكاة ، وتكفرن العشير.
قال: فجعلن يتصدّقن من حليّهنّ. يلقين في ثوب بلالٍ من أقرطتهنَّ وخواتيمهنّ. (1)
قوله: (فبدأ بالصّلاة قبل الخطبة) تقدّم الكلام عليه ، وللبخاري " فبدأ بالصلاة ثمّ خطب، فلمّا فرغ نزل فأتى النساء ". فيه إشعارٌ بأنّه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على مكانٍ مرتفعٍ لِمَا يقتضيه قوله " نزل " ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يخطب في المصلَّى على الأرض (2). فلعل الرّاوي ضمّن النّزول
(1) أخرجه البخاري (915 ، 918 ، 935) ومسلم (885) من طريق ابن جريج مختصراً. ومسلم (885) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان (واللفظ له) كلاهما عن عطاء عن جابر رضي الله عنه به.
(2)
روى البخاري في الصحيح (956) من طريق زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلَّى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم، فإن كان يريد أنْ يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف.
قال أبو سعيد: فلم يزلِ الناس على ذلك حتى خرجتُ مع مروان - وهو أمير المدينة - في أضحى أو فطر، فلمَّا أتينا المصلَّى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يُصلِّي، فجبذت بثوبه .. الحديث " وبوَّب عليه البخاري (باب الخروج إلى المصلى بغير منبر)
قال الحافظ في " الفتح "(2:579): قول البخاري: (باب الخروج إلى المصلى بغير منبر) يشير إلى ما ورد في بعض طرق حديث أبي سعيد الذي ساقه في هذا الباب، وهو ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه من طريق الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال: أخرج مروانُ المنبر يوم عيد. وبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام إليه رجل فقال: يا مروان خالفتَ السنة. الحديث.
قوله: (ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس) في رواية ابن حبان من طريق داود بن قيس عن عياض " فينصرف إلى الناس قائماً في مصلاه " ولابن خزيمة في رواية مختصرة " خطب يوم عيد على رجليه " وهذا مشعر بأنه لَم يكن بالْمُصلى في زمانه صلى الله عليه وسلم منبر.
ويدلُّ على ذلك قول أبي سعيد " فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجتُ مع مروان " ومقتضى ذلك أنَّ أول من اتخذه مروان، وقد وقع في المدونة لمالك. ورواه عمر بن شبة عن أبي غسان عنه قال: أول من خطب الناس في المصلَّى على المنبر عثمان بن عفان ، كلَّمهم على منبرٍ من طين ، بناه كثير بن الصلت.
وهذا مُعضل، وما في الصحيحين أصحُّ ، فقد رواه مسلم من طريق داود بن قيس عن عياض نحو رواية البخاري. ويحتمل: أن يكون عثمان فعل ذلك مرة ثم تركه حتى أعاده مروان ، ولَم يطلع على ذلك أبو سعيد رضي الله عنه. انتهى كلامه.
معنى الانتقال.
وزعم عياضٌ. أنّ وعظه للنّساء كان في أثناء الخطبة ، وأنّ ذلك كان في أوّل الإسلام ، وأنّه خاصٌّ به صلى الله عليه وسلم.
وتعقّبه النّوويّ: بهذه المصرّحة بأنّ ذلك كان بعد الخطبة ، وهو قوله " فلمّا فرغ نزل فأتى النّساء " والخصائص لا تثبت بالاحتمال.
قوله: (بلا أذانٍ ولا إقامةٍ) وللبخاري عن عطاء عن ابن عباس وجابر قالا: لَم يكن يُؤذَّن يوم الفطر ولا يوم الأضحى. بفتح الذّال
على البناء للمجهول ، والضّمير ضمير الشّأن.
ولمسلم من طريق عبد الرّزّاق عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ عن جابرٍ قال: لا أذان للصّلاة يوم العيد ولا إقامة ولا شيء. وفي رواية يحيى القطّان عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ ، أنّ ابن عبّاسٍ قال لابن الزّبير: لا تؤذّن لها ولا تقم. أخرجه ابن أبي شيبة عنه. (1)
ولأبي داود من طريق طاوسٍ عن ابن عبّاسٍ ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى العيد بلا أذانٍ ولا إقامةٍ. إسناده صحيحٌ.
وفي الحديث عن جابر بن سمرة عند مسلمٍ ، وعن سعد بن أبي وقّاصٍ عند البزّار ، وعن البراء عند الطّبرانيّ في " الأوسط ".
وقال مالكٌ في " الموطّأ ": سمعت غير واحدٍ من علمائنا يقول: لَم يكن في الفطر ولا في الأضحى نداءٌ ولا إقامةٌ منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم ، وتلك السّنّة التي لا اختلاف فيها عندنا.
واستدل بقول جابرٍ " ولا إقامة ولا شيء " على أنّه لا يقال أمام صلاتها شيءٌ من الكلام، لكن روى الشّافعيّ عن الثّقة عن الزّهريّ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذّن في العيدين أن يقول: الصّلاة جامعةٌ.
(1) وأصله في البخاري (916) ومسلم (886) من طريقين عن ابن جريج أخبرني عطاء، أنَّ ابن عباس، أرسل إلى ابن الزبير أول ما بويع له: أنه لم يكن يُؤذَّن للصلاة يوم الفطر، فلا تؤذن لها، قال: فلم يؤذِّن لها ابن الزبير يومه، وأرسل إليه مع ذلك: إنما الخطبة بعد الصلاة، وإنِّ ذلك قد كان يُفعل، قال: فصلَّى ابن الزبير قبل الخطبة. واللفظ لمسلم.
وهذا مرسلٌ يعضده القياس (1) على صلاة الكسوف لثبوت ذلك فيها كما سيأتي.
قال الشّافعيّ: أحبّ أن يقول: الصّلاة، أو الصّلاة جامعةٌ، فإن قال: هلمّوا إلى الصّلاة لَم أكرهه، فإن قال: حيّ على الصّلاة أو غيرها من ألفاظ الأذان أو غيرها كرهت له ذلك.
واختلف في أوّل من أحدث الأذان فيها أيضاً.
فروى ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيحٍ عن سعيد بن المسيّب ، أنّه معاوية، وروى الشّافعيّ عن الثّقة عن الزّهريّ مثله ، وزاد: فأخذ به الحجّاج حين أمّر على المدينة.
وروى ابن المنذر عن حصين بن عبد الرّحمَن قال: أوّل من أحدثه زيادٌ بالبصرة.
وقال الدّاوديّ: أوّل من أحدثه مروان.
وكلّ هذا لا ينافي أنّ معاوية أحدثه كما تقدّم في البداءة بالخطبة. (2)
وقال ابن حبيبٍ: أوّل من أحدثه هشامٌ.
وروى ابن المنذر عن أبي قلابة قال: أوّل من أحدثه عبد الله بن الزّبير. وقد وقع في البخاري ، أنّ ابن عبّاسٍ أخبره أنّه لَم يكن يؤذّن لها
(1) قال الشيخ ابن باز رحمه الله (2/ 583): مراسيل الزهري ضعيفة عند أهل العلم ، والقياس لا يصحُّ اعتباره مع وجود النصِّ الثابتِ الدالِّ على أنه لَم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العيد أذان ولا إقامة ولا شيء ، ومن هنا يُعلم أنَّ النداء للعيد بدعة بأيِّ لفظٍ كان. والله أعلم.
(2)
انظر حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه رقم (146)
، لكن في رواية يحيى القطّان ، أنّه لَمّا ساء ما بينهما أذّن - يعني ابن الزّبير - وأقام.
قوله: (حتّى أتى النّساء فوعظهنّ وذكّرهنّ) في رواية لهما ، قال ابن جريج: قلت لعطاء: أحقاً على الإمام الآن أن يأتي النساء حين يفرغ فيذكرهن؟ قال: إِيْ، لعمري إنِّ ذلك لحق عليهم، وما لهم لا يفعلون ذلك؟.
ظاهره أنّ عطاءً كان يرى وجوب ذلك، ولهذا قال عياضٌ: لَم يقل بذلك غيره. وأمّا النّوويّ فحمله على الاستحباب. وقال: لا مانع من القول به، إذا لَم يترتّب على ذلك مفسدةٌ.
قوله: (ووعظ النّاس وذكّرهم ، ثمّ مضى) وللبخاري عن ابن عباس " خرج النبي صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يُجلِّس بيده، ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء معه بلال.
وقوله " حين يُجلِّس " بتشديد اللام المكسورة، وحذف مفعوله، وهو ثابتٌ في رواية مسلمٍ بلفظ " يُجلِّس الرّجال بيده " وكأنّهم لَمّا انتقل عن مكان خطبته أرادوا الانصراف فأمرهم بالجلوس حتّى يفرغ من حاجته ثمّ ينصرفوا جميعاً، أو لعلهم أرادوا أن يتبعوه فمنعهم.
قوله: (سفعاء الخدين) السَّفعة بفتح المهملة ويجوز ضمّها وسكون الفاء بعدها عينٌ مهملةٌ. وحكى عياضٌ: ضمّ أوّله.
قال إبراهيم الحربيّ: هو سوادٌ في الوجه ، ومنه سفعة الفرس سواد
ناصيته ، وعن الأصمعيّ: حمرةٌ يعلوها سوادٌ ، وقيل: صفرةٌ ، وقيل: سوادٌ مع لونٍ آخر. وقال بن قتيبة: لونٌ يخالف لون الوجه.
وكلّها متقاربةٌ. وحاصلها أنّ بوجهها موضعاً على غير لونه الأصليّ ، وكأنّ الاختلاف بحسب اللون الأصليّ ، فإن كان أحمر فالسّفعة سوادٌ صرفٌ ، وإن كان أبيض فالسّفعة صفرةٌ ، وإن كان أسمر فالسّفعة حمرةٌ يعلوها سوادٌ.
وذكر صاحب البارع في اللّغة (1): أنّ السّفع سواد الخدّين من المرأة الشّاحبة ، والشّحوب بمعجمةٍ ثمّ مهملةٍ تغيّر اللون بهزالٍ أو غيره. ومنه سفعاء الخدّين ، وتطلق السّفعة على العلامة. ومنه بوجهها سفعة غضبٍ ، وهو راجعٌ إلى تغيّر اللون ، وأصل السّفع الأخذ بقهرٍ ومنه قوله تعالى (لنسفعاً بالنّاصية).
ويقال: إنّ أصل السّفع الأخذ بالنّاصية ، ثمّ استعمل في غيرها ، وقيل: في تفسيرها لنعلمنّه بعلامة أهل النّار من سواد الوجه ونحوه.
قوله: (وقال: يا معشر النّساء ، تصدّقن
…
الخ) في رواية لهما " فقال (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) الآية، ثم قال حين فرغ منها: آنتن على ذلك؟ قالت امرأة واحدة منهن، لَم يجبه غيرها: نعم. زاد مسلمٌ: يا نبيّ الله.
(1) هو أبو علي القالي. إسماعيل بن القاسم بن هارون بن عيذون البغدادي اللغوي. ولد بقليقلا من ديار بكر سنة 280. وتوفي بقرطبة سنة 356.
وفيه دلالةٌ على الاكتفاء في الجواب بنعم. وتنزيلها منزلة الإقرار، وأنّ جواب الواحد عن الجماعة كافٍ إذا لَم ينكروا ، ولَم يمنع مانعٌ من إنكارهم.
ولَم أقف على تسمية هذه المرأة، إلَاّ أنّه يختلج في خاطري ، أنّها أسماء بنت يزيد بن السّكن التي تُعرف بخطيبة النّساء، فإنّها روت أصل هذه القصّة في حديثٍ أخرجه البيهقيّ والطّبرانيّ وغيرهما من طريق شهر بن حوشبٍ عن أسماء بنت يزيد ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى النّساء وأنا معهنّ ، فقال: يا معشر النّساء إنّكنّ أكثر حطب جهنّم. فناديت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنتُ عليه جريئةً -: لِمَ يا رسولَ الله؟ قال: لأنّكنّ تكثرن اللعن، وتكفرن العشير. الحديث.
فلا يبعد أن تكون هي التي أجابته أوّلاً بنعم، فإنّ القصّة واحدةٌ، فلعلَّ بعض الرّواة ذكر ما لَم يذكره الآخر كما في نظائره. والله أعلم.
وقد روى الطّبرانيّ من وجهٍ آخر عن أمّ سلمة الأنصاريّة - وهي أسماء المذكورة - أنّها كانت في النّسوة اللاتي أخذ عليهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخذ الحديث، ولابن سعدٍ من حديثها: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق. الحديث.
قوله: (تصدَّقنَ) هو فعل أمرٍ لهنّ بالصّدقة ، ومناسبته للآية من قوله (ولا يعصينك في معروفٍ) ، فإنّ ذلك من جملة المعروف الذي أمرن به.
قوله: (وتُكثرنَ الشكاة) أي: الذم والعيب.
قوله: (وتَكفرنَ) أي: يجحدن إحسانه فالمراد كفر النّعمة.
وظاهر اللفظ غير مراد ، وإنّما ورد على سبيل التّغليظ والزّجر لفاعل ذلك، أو المراد بإطلاق الكفر أنّ فاعله فعل فعلاً شبيهاً بفعل أهل الكفر ، خلافاً للخوارج الذين يكفّرون بالذّنوب.
ونصُّ القرآن يردّ عليهم ، وهو قوله تعالى (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فصيّر ما دون الشّرك تحت إمكان المغفرة ، والمراد بالشّرك في هذه الآية الكفر ، لأنّ من جحد نبوّة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم مثلاً كان كافراً ، ولو لَم يجعل مع الله إلهاً آخر ، والمغفرة منتفيةٌ عنه بلا خلافٍ ، وقد يرِدُ الشّركُ ويراد به ما هو أخصّ من الكفر كما في قوله تعالى (لَم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين)
قوله: (العشير)(1) العشير الزّوج ، قيل له: عشيرٌ بمعنى معاشرٍ ، مثل أكيلٍ بمعنى مؤاكل. وهو مأخوذ من المعاشرة ، وكل معاشر عشير ، وعشيرة الرجل بنو أبيه الأدنين.
قال القاضي أبو بكر بن العربيّ: فيه أنّ الطّاعات كما تسمّى إيماناً كذلك المعاصي تسمّى كفراً ، لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد الكفر المخرج من الملة.
(1) أخرج البخاري (1052) ومسلم (2147) من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف. وفيه " ورأيت النار. فلم أر كاليوم منظراً قطُّ، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بِمَ يا رسولَ الله؟ قال: بكفرهن، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: بكفر العشير، وبكفر الإحسان، لو أحسنتَ إلى إحداهنَّ الدهر، ثم رأتْ منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط ".
قال: وخصَّ كفران العشير من بين أنواع الذّنوب لدقيقةٍ بديعةٍ ، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: لو أمرت أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " (1) فقَرَن حقّ الزّوج على الزّوجة بحقّ الله ، فإذا كفرت المرأة حقّ زوجها ، وقد بلغ من حقّه عليها هذه الغاية ، كان ذلك دليلاً على تهاونها بحقّ الله ، فلذلك يطلق عليها الكفر. لكنّه كفرٌ لا يخرج عن الملة. انتهى.
قوله: (فجعلنَ يتصدّقنَ من حليّهنَّ يُلقين في ثوب بلالٍ
…
) وللبخاري " فبسط بلال ثوبه، ثم قال: هلمّ، لكنَّ فدا أبي وأمي ، فيلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال ". القائل هو بلالٌ.
و" هلمّ " على اللّغة الفصحى في التّعبير بها للمفرد والجمع. قوله " لكُنَّ " بضمّ الكاف وتشديد النّون، وقوله " فدا " بكسر الفاء والقصر. والفتخ بفتح الالفاء والمثناة من فوق وبالخاء والمعجمة.
قال عبد الرّزّاق: الفتخ الخواتيم العظام كانت في الجاهليّة. انتهى.
لَم يذكر عبد الرّزّاق في أيّ شيءٍ كانت تُلبس، وقد ذكر ثعلبٌ ،
(1) أخرجه الترمذي (1159) وابن حبان في " صحيحه "(4162) والبيهقي في " الكبرى "(7/ 291) وابن أبي الدنيا في " العيال "(534) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال. فذكره. وزادو إلا الترمذي: لِما عظَّم الله من حقه عليها.
قال الترمذي: وفي الباب عن معاذ بن جبل وسراقة بن مالك بن جعشم وعائشة وابن عباس وعبد الله بن أبي أوفي وطلق بن علي وأم سلمة وأنس وابن عمر. وحديث أبي هريرة حديث حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة. انتهى
أنّهنّ يلبسنها في أصابع الأرجل. انتهى.
ولهذا عطف عليها الخواتيم ، لأنّها عند الإطلاق تنصرف إلى ما يلبس في الأيدي، وقد وقع في بعض طرقه عند مسلمٍ هنا ذكر الخلاخيل.
وحكي: عن الأصمعيّ ، أنّ الفتخ الخواتيم التي لا فصوص لها، فعلى هذا هو من عطف الأعمّ على الأخصّ.
قوله: (أقرطَتهنَّ) جمع قرط - بضمّ القاف وسكون الرّاء بعدها طاء مهملة -: ما يُحلَّى به الأذن ذهباً كان أو فضّة ، صِرفاً أو مع لؤلؤ وغيره ، ويعلّق غالباً على شحمتها.
وللبخاري عن ابن عبّاس قال: أمرهنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالصّدقة، فرأيتهنّ يهوين إلى آذانهنّ وحلوقهنّ " ، ومعنى الإهواء: الإيماء باليد إلى الشّيء ليؤخذ، وقد ظهر أنّه في الآذان إشارة إلى الحلق،
وأمّا في الحلوق. فالذي يظهر أنّ المراد القلائد فإنّها توضع في العنق وإن كان محلّها إذا تدلت الصّدر.
واستدل به على جواز ثقب أذن المرأة لتجعل فيها القرط وغيره. ممّا يجوز لهنّ التّزيّن به.
وفيه نظرٌ ، لأنّه لَم يتعيّن وضع القرط في ثقبة الأذن، بل يجوز أن يشبك في الرّأس بسلسلةٍ لطيفة حتّى تحاذي الأذن وتنزل عنها، سلّمنا ، لكن إنّما يؤخذ من ترك إنكاره عليهنّ.
ويجوز أن تكون آذانهنّ ثُقبت قبل مجيء الشّرع. فيغتفر في الدّوام ما
لا يغتفر في الابتداء، ونحوه قول أمّ زرع " أناسَ مِن حُليٍّ أُذُنَيَّ "(1) ولا حجّة فيه لِمَا ذكرنا.
وقال ابن القيّم: كره الجمهور ثقب أذن الصّبيّ ، ورخّص بعضهم في الأنثى.
قلت: وجاء الجواز في الأنثى عن أحمد للزّينة، والكراهة للصّبيّ.
قال الغزاليّ في " الإحياء ": يحرم ثقب أذن المرأة ، ويحرم الاستئجار عليه إلَاّ إن ثبت فيه شيء من جهة الشّرع.
قلت: جاء عن ابن عبّاس فيما أخرجه الطّبرانيّ في " الأوسط ": سبعة في الصّبيّ من السّنّة. فذكر السّابع منها. وثقب أذنه. وهو يَستدرك على قول بعض الشّارحين: لا مستند لأصحابنا في قولهم: إنّه سنّة.
قوله: (وخواتيمهنّ) تقدّم قبل قليل.
وفي هذا الحديث من الفوائد.
استحباب وعظ النّساء وتعليمهنّ أحكام الإسلام وتذكيرهنّ بما يجب عليهنّ، ويستحبّ حثّهنّ على الصّدقة وتخصيصهنّ بذلك في
(1) أخرجه البخاري (4893) ومسلم (2448) من حديث عائشة ضمن حديث طويل مشهور.
قال النووي في " شرح مسلم "(15/ 217): قولها (أَنَاسَ من حُليٍّ أذنيَّ) هو بتشديد الياء من أذني على التثنية ، والْحُلي بضم الحاء وكسرها لغتان مشهورتان ، والنوس بالنون والسين المهملة الحركة من كل شئ متدلٍّ يقال منه ناس ينوس نوساً وأناسه غيره أناسة. ومعناه حلَاّني قرطة وشنوفاً فهي تنوس. أي: تتحرك لكثرتها. انتهى
مجلسٍ منفردٍ، ومحلّ ذلك كله إذا أمن الفتنة والمفسدة.
وفيه أنّ الأدب في مخاطبة النّساء في الموعظة أو الحكم. أن لا يحضر من الرّجال إلَاّ من تدعو الحاجة إليه من شاهدٍ ونحوه، لأنّ بلالاً كان خادم النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومتولي قبض الصّدقة.
وفيه خروج النّساء إلى المصلى كما سيأتي في الحديث الذي بعده.
وفيه جواز التّفدية بالأب والأمّ، وملاطفة العامل على الصّدقة بمن يدفعها إليه.
واستدل به.
وهو القول الأول: على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقّفٍ على إذن زوجها ، أو على مقدارٍ معيّنٍ من مالها كالثّلث. وبهذا الحكم قال الجمهور.
ووجه الدّلالة من القصّة ترك الاستفصال عن ذلك كله. وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة.
القول الثاني: خالف طاوس ، فمنع مطلقاً.
القول الثالث: عن مالك: لا يجوز لها أن تعطي بغير إذن زوجها ، ولو كانت رشيدة إلَاّ من الثلث.
القول الرابع: عن الليث: لا يجوز مطلقا إلَاّ في الشيء التافه.
واحتج لطاوس بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه: لا تجوز عطية امرأة في مالها إلَاّ بإذن زوجها. أخرجه أبو داود والنسائي.
وقال ابن بطال: وأحاديث الباب أصح (1). وحملها مالك على الشيء اليسير ، وجعل حده الثلث فما دونه.
قال القرطبيّ: ولا يقال في هذا: إنّ أزواجهنّ كانوا حضوراً ، لأنّ ذلك لَم ينقل ، ولو نُقل فليس فيه تسليم أزواجهنّ لهنّ ذلك ، لأنّ من ثبت له الحقّ فالأصل بقاؤه حتّى يصرّح بإسقاطه ، ولَم ينقل أنّ القوم صرّحوا بذلك. انتهى.
وأمّا كونه من الثّلث فما دونه. فإن ثبت أنّهنّ لا يجوز لهنّ التّصرّف فيما زاد على الثّلث لَم يكن في هذه القصّة ما يدلّ على جواز الزّيادة.
وفيه أنّ الصّدقة من دوافع العذاب لأنّه أمرهنّ بالصّدقة ثمّ علل بأنّهنّ أكثر أهل النّار لِمَا يقع منهنّ من كفران النّعم وغير ذلك كما في حديث أبي سعيد.
ووقع نحوه عند مسلمٍ من وجهٍ آخر في حديث جابرٍ، وعند البيهقيّ من حديث أسماء بنت يزيد كما تقدّمت الإشارة إليه.
(1) قال البخاري في " صحيحه "(باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها، إذا كان لها زوج فهو جائز، إذا لَم تكن سفيهة، فإذا كانت سفيهة لَم يجز) قال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} . ثم روى البخاري الأدلة على الجواز. منها عن أسماء قالت: قلت: يا رسولَ الله. ما لي مال إلَاّ ما أدخل عليَّ الزبير، فأتصدق؟ قال: تصدقي، ولا توعي فيوعى عليك " وفي رواية " أنفقي، ولا تحصي، فيحصي الله عليك، ولا توعي، فيوعي الله عليك.
وحديث ميمونة ، أنها أعتقت وليدة ، ولَم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه، قالت: أشعرت يا رسولَ الله أني أعتقت وليدتي، قال: أوفعلت؟، قالت: نعم، قال: أما إنكِ لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك ". وكذا حديث هبة سودة يومها لعائشة رضي الله عنهم.
وفيه بذل النّصيحة والإغلاظ بها لمن احتيج في حقّه إلى ذلك، والعناية بذكر ما يحتاج إليه لتلاوة آية الممتحنة لكونها خاصّةٌ بالنّساء.
وفيه جواز طلب الصّدقة من الأغنياء للمحتاجين ، ولو كان الطّالب غير محتاجٍ.
وأخذ منه الصّوفيّة جواز ما اصطلحوا عليه من الطّلب.
ولا يخفى ما يشترط فيه من أنّ المطلوب له أيكون غير قادرٍ على التّكسّب مطلقاً ، أو لِمَا لا بدّ له منه.؟
وفي مبادرة تلك النّسوة إلى الصّدقة بما يعزّ عليهنّ من حليّهنّ مع ضيق الحال في ذلك الوقت. دلالةٌ على رفيع مقامهنّ في الدّين وحرصهنّ على امتثال أمر الرّسول صلى الله عليه وسلم ورضي عنهنّ.