الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
160 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: نَعَى النّبيُّ صلى الله عليه وسلم النّجاشيَّ في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم إلى الْمُصلَّى ، فصفَّ بهم ، وكبّر أربعاً. (1)
قوله: (نعى النّبيُّ صلى الله عليه وسلم) ترجم عليه البخاري " الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه ".
قال ابن رشيد: وفائدة هذه التّرجمة الإشارة إلى أنّ النّعي ليس ممنوعاً كلّه، وإنّما نهي عمّا كان أهل الجاهليّة يصنعونه ، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميّت على أبواب الدّور والأسواق.
وقال ابن المرابط: مراده أنّ النّعي الذي هو إعلام النّاس بموت قريبهم مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمّة لِمَا يترتّب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره والصّلاة عليه والدّعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه ، وما يترتّب على ذلك من الأحكام.
وأمّا نعي الجاهليّة ، فقال سعيد بن منصور: أخبرنا ابن عُليّة عن ابن عون قال: قلت لإبراهيم: أكانوا يكرهون النّعي؟ قال: نعم. قال ابن عون: كانوا إذا توفّي الرّجل ركب رجلٌ دابّة ثمّ صاح في النّاس: أنعي فلاناً.
(1) أخرجه البخاري (1188 ، 1255 ، 1263 ، 1268 ، 3667 ، 3668) ومسلم (951) من طرق عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وبه إلى ابن عون قال: قال ابن سيرين: لا أعلم بأساً أن يُؤذِن الرّجل صديقه وحميمه.
وحاصله. أنّ محض الإعلام بذلك لا يُكره، فإن زاد على ذلك فلا.
وقد كان بعض السّلف يشدّد في ذلك حتّى كان حذيفة إذا مات له الميّت ، يقول: لا تؤذنوا به أحداً، إنّي أخاف أن يكون نعياً، إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذنيَّ هاتين ، ينهى عن النّعي. أخرجه التّرمذيّ وابن ماجه بإسنادٍ حسن.
قال ابن العربيّ: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات:
الأولى: إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصّلاح ، فهذا سنّة.
الثّانية: دعوة الحفل للمفاخرة ، فهذه تكره.
الثّالثة: الإعلام بنوعٍ آخر كالنّياحة ونحو ذلك ، فهذا يحرم.
قال الزّين بن المنير: وجه دخول قصّة النّجاشيّ كونه كان غريباً في ديار قومه فكان للمسلمين من حيث الإسلام أخاً ، فكانوا أخصّ به من قرابته.
قلت: ويحتمل. أن يكون بعض أقرباء النّجاشيّ كان بالمدينة حينئذٍ ممّن قدم مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة كذي مخمر ابن أخي النّجاشيّ.
قوله: (النّجاشيّ)(1) زاد الشيخان " صاحب الحبشة " وهو بفتح النّون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثمّ ياء ثقيلة كياء
(1) سيأتي في حديث جابر بعده إن شاء الله التصريح باسمه.
النّسب.
وقيل: بالتّخفيف ورجّحه الصّغانيّ، وأفاد ابن التّين ، أنّه بسكون الياء. يعني: أنّها أصليّة لا ياء النّسب، وحكى ابن دحية كسر نونه. وهو لقب مَن مَلَكَ الحبشة، وحكى المطرّزيّ تشديد الجيم عن بعضهم ، وخطّأه.
قوله: (في اليوم الذي مات فيه) وقعت وفاته بعد الهجرة سنة تسع عند الأكثر، وقيل: سنة ثمان قبل فتح مكّة كما ذكره البيهقيّ في " دلائل النّبوّة ".
قوله: (وخرج بهم إلى الْمُصلّى) زاد ابن ماجه من طريق عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة " فخرج وأصحابه إلى البقيع ، فصفّنا خلفه ".
والمراد بالبقيع بقيع بطحان ، أو يكون المراد بالمصلى موضعاً معدّاً للجنائز ببقيع الغرقد غير مُصلّى العيدين ، والأوّل أظهر.
وحكى ابن بطّال عن ابن حبيب: أنّ مُصلّى الجنائز بالمدينة كان لاصقاً بمسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم من ناحية جهة المشرق. انتهى
قال ابن بطّال: أومأ البخاري (1) إلى الرّدّ على عطاء حيث ذهب إلى أنّه لا يشرع فيها تسوية الصّفوف، يعني كما رواه عبد الرّزّاق عن ابن جريجٍ قال: قلت لعطاءٍ: أحقّ على النّاس أن يسوّوا صفوفهم على الجنائز كما يسوّونها في الصّلاة؟ قال: لا، إنّما يكبّرون ويستغفرون.
(1) بوَّب البخاري على حديث الباب. فقال (باب الصفوف على الجنازة).
وأشار البخاري بصيغة الجمع إلى ما ورد في استحباب ثلاثة صفوف، وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث مالك بن هبيرة مرفوعاً: من صلَّى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب. حسّنه التّرمذيّ. وصحّحه الحاكم (1) ، وفي رواية له " إلَاّ غفر له ".
قال الطّبريّ: ينبغي لأهل الميّت إذا لَم يخشوا عليه التّغيّر أن ينتظروا به اجتماع قوم يقوم منهم ثلاثة صفوف لهذا الحديث. انتهى.
وتعقّبَ بعضهم التّرجمة: بأنّ أحاديث الباب ليس فيها صلاة على جنازة، وإنّما فيها الصّلاة على الغائب أو على من في القبر.
وأجيب: بأنّ الاصطفاف إذا شرع والجنازة غائبة ، ففي الحاضرة أولى.
وأجاب الكرمانيّ: بأنّ المراد بالجنازة في التّرجمة الميّت ، سواء كان مدفوناً أو غير مدفون، فلا منافاة بين التّرجمة والحديث.
قوله: (فكبّر أربعاً) في رواية لهما " وكبَّر عليه أربع تكبيرات ".
واختلف السّلف في ذلك.
فروى مسلم عن زيد بن أرقم ، أنّه يكبّر خمساً ، ورفع ذلك إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وروى ابن المنذر عن ابن مسعود ، أنّه صلَّى على جنازة رجل من بني أسد ، فكبّر خمساً.
(1) قال الشيخ ابن باز رحمه الله (3/ 238): لكن في إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلّس ، وقد رواه بالعنعنة ، وهي عِلَّة مؤثرة في حق المدلِّس ، وعليه لا تقوم بهذا الحديث حجة حتى يوجد ما يشهد له بالصحة. والله أعلم
وروى ابن المنذر وغيره عن عليّ ، أنّه كان يكبّر على أهل بدر ستّاً ، وعلى الصّحابة خمساً ، وعلى سائر النّاس أربعاً.
وروى أيضاً بإسنادٍ صحيح عن أبي معبد ، قال: صليت خلف ابن عبّاس على جنازة ، فكبّر ثلاثاً.
واختلف على أنس في ذلك.
فروى عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة عن أنس ، أنّه كبّر على جنازة ثلاثاً ، ثمّ انصرف ناسياً، فقالوا: يا أبا حمزة إنّك كبّرت ثلاثاً ، فقال: صُفّوا فصفّوا، فكبّر الرّابعة.
وروي عن أنس الاقتصار على ثلاث. قال ابن أبي شيبة: حدّثنا معاذ بن معاذ عن عمران بن حدير قال: صلّيت مع أنس بن مالك على جنازة ، فكبّر عليها ثلاثاً لَم يزد عليها.
وروى ابن المنذر من طريق حمّاد بن سلمة عن يحيى بن أبي إسحاق قال: قيل لأنسٍ: إنّ فلاناً كبّر ثلاثاً ، فقال: وهل التّكبير إلَاّ ثلاثاً؟ انتهى.
قال مغلطاي: إحدى الرّوايتين وهْمٌ.
قلت: بل يمكن الجمع بين ما اختلف فيه على أنس.
إمّا بأنّه كان يرى الثّلاث مجزئة والأربع أكمل منها.
وإمّا بأنّ من أطلق عنه الثّلاث لَم يذكر الأولى لأنّها افتتاح الصّلاة ، كما روى سعيد بن منصور من طريق ابن عليّة عن يحيى بن أبي إسحاق ، أنّ أنساً قال: أو ليس التّكبير ثلاثاً؟ فقيل له: يا أبا حمزة
التّكبير أربعاً. قال: أجل، غير أنّ واحدة هي افتتاح الصّلاة.
وقال ابن عبد البرّ: لا أعلم أحداً من فقهاء الأمصار قال: يزيد في التّكبير على أربع إلَاّ ابن أبي ليلى. انتهى.
وفي المبسوط للحنفيّة قيل: إنّ أبا يوسف قال: يكبّر خمساً.
وسيأتي القول عن أحمد في ذلك.
ثمّ أورد البخاري حديث أبي هريرة في الصّلاة على النّجاشيّ، وقد تقدّم الجواب عن إيراد من تعقّبه بأنّ الصّلاة على النّجاشيّ صلاة على غائب لا على جنازة.
ومحصّل الجواب: أنّ ذلك بطريق الأولى. وقد روى ابن أبي داود في " الأفراد " من طريق الأوزاعيّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلَّى على جنازة فكبّر أربعاً.
وقال: لَم أر في شيء من الأحاديث الصّحيحة أنّه كبّر على جنازة أربعاً إلَاّ في هذا.
قال ابن المنذر: ذهب أكثر أهل العلم إلى أنّ التّكبير أربع، وفيه أقوال أخر، فذكر ما تقدّم.
قال: وذهب بكر بن عبد الله المزنيّ إلى أنّه لا ينقص من ثلاث ولا يزاد على سبع. وقال أحمد مثله ، لكن قال: لا ينقص من أربع.
وقال ابن مسعود: كبِّر ما كبَّر الإمام.
قال: والذي نختاره ما ثبت عن عمر، ثمّ ساق بإسنادٍ صحيح إلى سعيد بن المسيّب قال: كان التّكبير أربعاً وخمساً، فجمع عمر النّاس
على أربع.
وروى البيهقيّ بإسنادٍ حسن إلى أبي وائل قال: كانوا يكبّرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً وستّاً وخمساً وأربعاً، فجمع عمر النّاس على أربع كأطول الصّلاة.
تكميل: روى البخاري عن طلحة بن عبد الله بن عوف، قال: صليت خلف ابن عباس رضي الله عنه على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب قال: لتعلموا أنها سنة.
ليس فيه بيان محل قراءة الفاتحة ، وقد وقع التصريح به في حديث جابر. أخرجه الشافعي بلفظ " وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى " أفاده شيخنا في شرح الترمذي ، وقال: إنَّ سنده ضعيف.
وروى عبد الرزاق والنسائي عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف. قال: السُّنة في الصلاة على الجنازة أنْ يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يُصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يُخلص الدعاء للميت ، ولا يقرأ إلَاّ في الأولى. إسناده صحيح
وروى الحاكم أيضا من طريق شرحبيل بن سعد عن ابن عباس ، أنه صلَّى على جنازة بالأبواء فكبَّر ، ثم قرأ الفاتحة رافعاً صوته ، ثم صلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: اللهمَّ عبدك وابن عبدك أصبح فقيراً إلى رحمتك ، وأنت غنيٌ عن عذابه. إن كان زاكياً فزكِّه ، وإنْ كان مخطئاً فاغفر له ، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده ، ثم كبَّر ثلاث تكبيرات ثم انصرف. فقال: يا أيها الناس إني لم أقرأ عليها. أي جهراً ،
إلَاّ لتعلموا أَنَّها سُنة.
قال الحاكم: شرحبيل لم يحتجّ به الشيخان ، وإنَّما أخرجته ، لأنه مفسِّر للطرق المتقدمة. انتهى.
وشرحبيل مختلف في توثيقه.