الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متلازمان وإن تغاير المفهوم.
الحديث الثالث عشر
172 -
عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، أنّه قال: ليس منّا من ضرب الخدود ، وشقّ الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهليّة. (1)
قوله: (ليس منّا) أي: من أهل سنّتتا وطريقتنا، وليس المراد به إخراجه عن الدّين، ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ ، المبالغة في الرّدع عن الوقوع في مثل ذلك ، كما يقول الرّجل لولده عند معاتبته: لست منك ولست منّي، أي: ما أنت على طريقتي.
وقال الزّين بن المنير ما ملخّصه: التّأويل الأوّل يستلزم أن يكون الخبر إنّما ورد عن أمر وجوديّ، وهذا يصان كلام الشّارع عن الحمل عليه. والأولى أن يقال: المراد أنّ الواقع في ذلك يكون قد تعرّض لأن يهجر ويعرض عنه. فلا يختلط بجماعة السّنّة تأديباً له على استصحابه حاله الجاهليّة التي قبّحها الإسلام، فهذا أولى من الحمل على ما لا يستفاد منه قدر زائد على الفعل الموجود.
وحكي عن سفيان ، أنّه كان يكره الخوض في تأويله ، ويقول: ينبغي أن يمسك عن ذلك ليكون أوقع في النّفوس وأبلغ في الزّجر.
وقيل: المعنى ليس على ديننا الكامل، أي: أنّه خرج من فرع من
(1) أخرجه البخاري (1235 ، 1236 ، 3331) ومسلم (103) من طريق عبد الله بن مرة ، والبخاري (1232) من طريق إبراهيم كلاهما عن مسروق عن ابن مسعود به.
فروع الدّين ، وإن كان معه أصله، حكاه ابن العربيّ.
ويظهر لي أنّ هذا النّفي يفسّره التّبرّي المتقدّم في حديث أبي موسى (1) حيث قال: برئ منه النّبيّ صلى الله عليه وسلم " وأصل البراءة الانفصال من الشّيء، وكأنّه توعّده بأن لا يدخله في شفاعته مثلاً.
وقال المُهلَّب: قوله " أنا بريء " أي: من فاعل ما ذكر وقت ذلك الفعل، ولَم يرد نفيه عن الإسلام.
قلت: بينهما واسطة تعرف ممّا تقدّم أوّل الكلام، وهذا يدلّ على تحريم ما ذكر من شقّ الجيب وغيره. وكأنّ السّبب في ذلك ما تضمنّه ذلك من عدم الرّضا بالقضاء.
فإن وقع التّصريح بالاستحلال مع العلم بالتّحريم أو التّسخّط مثلاً بما وقع ، فلا مانع من حمل النّفي على الإخراج من الدّين.
قوله: (ضرب الخدود) وللبخاري " لطم الخدود " خصّ الخدّ بذلك لكونه الغالب في ذلك، وإلا فضرب بقيّة الوجه داخل في ذلك.
قوله: (وشقّ الجيوب) جمع جيب بالجيم الموحّدة وهو ما يفتح من الثّوب ليدخل فيه الرّأس، والمراد بشقّه إكمال فتحه إلى آخره وهو من علامات التّسخّط.
قوله: (ودعا بدعوى الجاهليّة) في رواية مسلم " بدعوى أهل الجاهليّة "، أي من النّياحة ونحوها، وكذا النّدبة كقولهم: واجبلاه،
(1) حديث أبي موسى رضي الله عنه تقدّم برقم (169).
وكذا الدّعاء بالويل والثّبور. ففي حديث أبي أُمامة عند ابن ماجه وصحّحه ابن حبّان ، إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الخامشة وجهها ، والشّاقّة جيبها ، والدّاعية بالويل والثّبور.
تكميل: قال البخاري: وقال عمر رضي الله عنه: دعهن يبكين على أبي سليمان ما لَم يكن نقع أو لقلقة " (1) والنقع: التراب على الرأس، واللقلقة: الصوت " انتهى
قوله " ما لَم يكن نقع أو لقلقة " بقافين الأولى ساكنة وقد فسره البخاري بأن النقع التراب. أي: وضعه على الرأس ، واللقلقة الصوت. أي: المرتفع ، وهذا قول الفراء ، فأما تفسير اللقلقة فمتفق عليه. كما قال أبو عبيد في غريب الحديث.
وأما النقع. فروى سعيد بن منصور عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم ، قال: النقع الشق. أي: شق الجيوب وكذا قال وكيع فيما رواه بن سعد عنه.
وقال أبو عبيد: الذي رأيت عليه أكثر أهل العلم ، أنه رفع الصوت يعني بالبكاء.
وقال بعضهم: هو وضع التراب على الرأس ، لأنَّ النقع هو الغبار.
(1) قال ابن حجر في " لفتح "(3/ 206): هذا الأثر وصله البخاري في " التاريخ الأوسط " من طريق الأعمش عن شقيق ، قال: لَمَّا مات خالد بن الوليد اجتمع نسوة بني المغيرة ، أي: ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ، وهنَّ بنات عم خالد بن الوليد بن المغيرة ، يبكين عليه ، فقيل لعمر: أرسل إليهن فانْهَهُنَّ. فذكره. وأخرجه ابن سعد عن وكيع وغير واحد عن الأعمش. انتهى
وقيل: هو شق الجيوب. وهو قول شمر.
وقيل: هو صوت لطم الخدود. حكاه الأزهري.
وقال الإسماعيلي معترضاً على البخاري: النقع لعمري هو الغبار ، ولكن ليس هذا موضعه ، وإنما هو هنا الصوت العالي ، واللقلقة ترديد صوت النواحة. انتهى
ولا مانع من حمله على المعنيين بعد أن فسر المراد بكونه وضع التراب على الرأس ، لأنَّ ذلك من صنيع أهل المصائب ، بل قال ابن الأثير: المرجح أنه وضع التراب على الرأس.
وأما من فسَّره بالصوت. فيلزم موافقته للقلقة ، فحمل اللفظين على معنيين أولى من حملهما على معنى واحد.
وأجيب: بأن بينهما مغايرة من وجه كما تقدم ، فلا مانع من إرادة ذلك.