الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع عشر
173 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد الجنازة حتّى يُصلِّي عليها فله قيراطٌ. ومن شهدها حتّى تدفن فله قيراطان ، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين. (1)
ولمسلمٍ: أصغرهما مثل أحدٍ. (2)
تمهيد: وقع لي حديث الباب من رواية عشرة من الصّحابة غير أبي هريرة وعائشة (3): من حديث ثوبان عند مسلم، والبراء وعبد الله بن مغفّل عند النّسائيّ، وأبي سعيد عند أحمد، وابن مسعود عند أبي عوانة. وأسانيد هؤلاء الخمسة صحاح.
ومن حديث أُبيّ بن كعب عند ابن ماجه، وابن عبّاس عند البيهقيّ في " الشّعب "، وأنس عند الطّبرانيّ في " الأوسط "، وواثلة بن الأسقع عند ابن عديّ، وحفصة عند حميد بن زنجويه في " فضائل الأعمال " ، وفي كلّ من أسانيد هؤلاء الخمسة ضعف.
وسأشير إلى ما فيها من فائدة زائدة في الكلام على الحديث.
قوله: (من شهد الجنازة) ولمسلم من وجه آخر " من تبع جنازة فله قيراط من الأجر .. " وقد تمسّك بهذا اللفظ من زعم أنّ المشي
(1) أخرجه البخاري (1261) ومسلم (945) من طريق الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه به. وله طرق أخرى عندهما سيوردها الشارح رحمه الله.
(2)
أخرجه مسلم (945) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
(3)
حديث عائشة رضي الله عنها. أخرجه البخاري (1324) ومسلم (2238).
خلفها أفضل، ولا حجّة فيه ، لأنّه يقال تبعه إذا مشى خلفه أو إذا مرّ به فمشى معه، وكذلك اتّبعه بالتّشديد وهو افتعل منه، فإذا هو مقول بالاشتراك.
وقد بيّن المرادَ الحديثُ الآخر المصحّح عند ابن حبّان وغيره من حديث ابن عمر في المشي أمامها ، (1) وأمّا أتبعه بالإسكان فهو بمعنى لحقه إذا كان سبقه، ولَم تأت به الرّواية هنا.
والاتّباع إنّما هو وسيلة لأحد مقصودين: إمّا الصّلاة وإمّا الدّفن، فإذا تجرّدت الوسيلة عن المقصد لَم يحصل المرتّب على المقصود، وإن كان يرجى أن يحصل لفاعل ذلك فضل ما بحسب نيّته.
وروى سعيد بن منصور من طريق مجاهد قال: اتّباع الجنازة أفضل النّوافل. وفي رواية عبد الرّزّاق عنه: اتّباع الجنازة أفضل من صلاة التّطوّع.
قوله: (حتّى يُصلَّى عليها) واللام للأكثر مفتوحة ، وللبخاري " حتى يُصلِّي " بكسرها، ورواية الفتح محمولة عليها ، فإنّ حصول القيراط متوقّف على وجود الصّلاة من الذي يحصل له كما سيأتي تقريره.
ولَم يبيّن في هذه الرّواية ابتداء الحضور، وقد بيّنه في رواية أبي سعيد المقبريّ عن أبي هريرة في البخاري حيث قال: من تبِعها من أهلها حتى يُصلِّي عليها ، فله قيراط. وفي رواية خبّاب المدني عن أبي هريرة
(1) تقدَّم نقل الخلاف في المسألة. انظر الحديث رقم (167).
عند مسلم: من خرج مع جنازة من بيتها.
ولأحمد في حديث أبي سعيد الخدريّ " فمشى معها من أهلها " ومقتضاه أنّ القيراط يختصّ بمن حضر من أوّل الأمر إلى انقضاء الصّلاة، وبذلك صرّح المحبّ الطّبريّ وغيره.
والذي يظهر لي أنّ القيراط يحصل أيضاً لمن صلَّى فقط ، لأنّ كلّ ما قبل الصّلاة وسيلة إليها، لكن يكون قيراط من صلَّى فقط دون قيراط من شيّع مثلاً وصلى.
ورواية مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ " أصغرهما مثل أحد " يدلّ على أنّ القراريط تتفاوت.
ووقع أيضاً في رواية أبي صالح المذكورة عند مسلم " من صلَّى على جنازة ولَم يتبعها فله قيراط " وفي رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند أحمد " ومن صلَّى ولَم يتبع فله قيراط " فدلَّ على أنّ الصّلاة تحصّل القيراط وإن لَم يقع اتّباع. ويمكن أن يحمل الاتّباع هنا على ما بعد الصّلاة.
وهل يأتي نظير هذا في قيراط الدّفن؟ فيه بحث.
قال النّوويّ في " شرح البخاريّ " عند الكلام على طريق محمّد بن سيرين عن أبي هريرة في صحيح البخاري بلفظ " من اتّبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً ، وكان معها حتّى يُصلِّي ويفرغ من دفنها ، فإنّه يرجع من الأجر بقيراطين. الحديث: ومقتضى هذا أنّ القيراطين إنّما يحصلان لمن كان معها في جميع الطّريق حتّى تدفن، فإن صلَّى مثلاً ،
وذهب إلى القبر وحده فحضر الدّفن لَم يحصل له إلَاّ قيراط واحد. انتهى
وليس في الحديث ما يقتضي ذلك إلَاّ من طريق المفهوم، فإن ورد منطوق بحصول القيراط لشهود الدّفن وحده كان مقدّماً.
ويُجمع حينئذٍ بتفاوت القيراط، والذين أبوا ذلك جعلوه من باب المطلق والمقيّد.
نعم. مقتضى جميع الأحاديث أنّ من اقتصر على التّشييع فلم يصلِّ ، ولَم يشهد الدّفن فلا قيراط له إلَاّ على الطّريقة التي سنذكرها عن ابن عقيل، لكن الحديث عن البراء (1) في ذلك ضعيف.
وأمّا التّقييد بالإيمان والاحتساب فلا بدّ منه ، لأنّ ترتّب الثّواب على العمل يستدعي سبق النّيّة فيه ، فيخرج من فعل ذلك على سبيل المكافأة المجرّدة ، أو على سبيل المحاباة. والله أعلم.
قوله: (فله قيراطٌ) القيراط بكسر القاف. قال الجوهريّ: أصله قرّاط بالتّشديد لأنّ جمعه قراريط فأبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء قال: والقيراط نصف دانق. وقال قبل ذلك: الدّانق سدس الدّرهم.
(1) كذا قال الشارح رحمه الله ، ولعلَّ الصواب (أبو هريرة) كما سيورده الشارح بعد قليل لتقوية كلام ابن عقيل.
مَّا حديث البراء. فأخرجه النسائي (1940) - وقد عزاه الشارح له كما تقدم - من طريق برد أخي يزيد بن أبي زياد عن المسيّب بن رافع، قال: سمعت البراء بن عازب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تبع جنازة حتى يُصلَّى عليها كان له من الأجر قيراط، ومن مشى مع الجنازة حتى تُدفن كان له من الأجر قيراطان، والقيراط مثل أحد.
إسناده جيد ، وبُرد وثّقه العجلي والنسائي ، وذكره ابن حبان في الثقات
فعلى هذا يكون القيراط جزءاً من اثني عشر جزءاً من الدّرهم.
وأمّا صاحب النّهاية فقال: القيراط جزء من أجزاء الدّينار، وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وفي الشّام جزء من أربعة وعشرين جزءاً.
ونقل ابن الجوزيّ عن ابن عقيل أنّه كان يقول: القيراط نصف سدس درهم أو نصف عشر دينار. والإشارة بهذا المقدار إلى الأجر المتعلق بالميّت في تجهيزه وغسله وجميع ما يتعلق به، فللمصلي عليه قيراط من ذلك، ولمن شهد الدّفن قيراط. وذكر القيراط تقريباً للفهم لَمّا كان الإنسان يعرف القيراط ويعمل العمل في مقابلته وعد من جنس ما يعرف ، وضرب له المثل بما يعلم. انتهى.
وليس الذي قال ببعيدٍ.
وقد روى البزّار من طريق عجلان عن أبي هريرة مرفوعاً " من أتى جنازة في أهلها فله قيراط، فإن تبعها فله قيراط، فإن صلَّى عليها فله قيراط، فإن انتظرها حتّى تدفن فله قيراط " ، فهذا يدلّ على أنّ لكل عمل من أعمال الجنازة قيراطاً ، وإن اختلفت مقادير القراريط ، ولا سيّما بالنّسبة إلى مشقّة ذلك العمل وسهولته.
وعلى هذا فيقال: إنّما خصّ قيراطي الصّلاة والدّفن بالذّكر لكونهما المقصودين، بخلاف باقي أحوال الميّت فإنّها وسائل، ولكنّ هذا يخالف ظاهر سياق الحديث الذي في البخاري فإنّ فيه " إنّ لمن تبعها حتّى يُصلَّى عليها ويفرغ من دفنها قيراطين " فقط.
ويجاب عن هذا: بأنّ القيراطين المذكورين لمن شهد، والذي ذكره ابن عقيل لمن باشر الأعمال التي يحتاج إليها الميّت فافترقا.
وقد ورد لفظ القيراط في عدّة أحاديث:
فمنها: ما يحمل على القيراط المتعارف.
ومنها: ما يحمل على الجزء في الجملة ، وإن لَم تُعرف النّسبة.
فمن الأوّل. حديث كعب بن مالك مرفوعاً " إنّكم ستفتحون بلداً يذكر فيها القيراط "(1).
وحديث أبي هريرة مرفوعاً: كنت أرعى غنماً لأهل مكّة بالقراريط (2).
قال ابن ماجه عن بعض شيوخه: يعني كلّ شاة بقيراطٍ. وقال غيره: قراريط جبل بمكّة.
ومن المحتمل حديث ابن عمر في الذين أوتوا التّوراة " أعطوا قيراطاً قيراطاً "(3) وحديث الباب، وحديث أبي هريرة: من اقتنى
(1) كذا قال الشارح عن كعب ، والحديث المذكور أخرجه مسلم (6658) من حديث أبي ذر رضي الله عنه فذكره. وتمامه " فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمةً ورحماً .. الحديث.
أمَّا حديث كعب بن مالك رضي الله عنه. فأخرجه الطبراني في " الكبير "(19/ 61) والبيهقي في " الدلائل "(2576) والطبري في " تاريخه "(1/ 173) بلفظ " إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً. فإن لهم ذمة ورحماً ". ولَم أره باللفظ الذي ذكره الشارح رحمه الله من حديث كعب.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2262)
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(557)
كلباً نقص من عمله كلّ يوم قيراط. (1)
وقد جاء تعيين مقدار القيراط في حديث الباب بأنّه مثل أحد كما سيأتي الكلام عليه، وفي رواية عند أحمد والطّبرانيّ في " الأوسط " من حديث ابن عمر ، قالوا: يا رسولَ الله مثل قراريطنا هذه؟ قال: لا. بل مثل أحد.
قال النّوويّ وغيره: لا يلزم من ذِكر القيراط في الحديثين تساويهما ، لأنّ عادة الشّارع تعظيم الحسنات وتخفيف مقابلها. والله أعلم.
وقال ابن العربيّ القاضي: الذّرّة جزء من ألف وأربعة وعشرين جزءاً من حبّة ، والحبّة ثلث القيراط، فإذا كانت الذّرّة تخرج من النّار. فكيف بالقيراط؟ قال: وهذا قدر قيراط الحسنات، فأمّا قيراط السّيّئات فلا.
وقال غيره: القيراط في اقتناء الكلب جزء من أجزاء عمل المقتنى له في ذلك اليوم، وذهب الأكثر: إلى أنّ المراد بالقيراط في حديث الباب جزء من أجزاء معلومة عند الله؛ وقد قرّبها النّبيّ صلى الله عليه وسلم للفهم بتمثيله القيراط بأحدٍ.
قال الطّيبيّ: قوله " مثل أحد " تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ القيراط، والمراد منه أنّه يرجع بنصيبٍ كبير من الأجر، وذلك لأنّ لفظ القيراط مبهم من وجهين، فبيّن الموزون بقوله " من الأجر " وبيّن المقدار المراد منه بقوله " مثل أحد ".
(1) انظر الحديث الآتي في الصيد (392)
وقال الزّين بن المنير: أراد تعظيم الثّواب فمثّله للعيان بأعظم الجبال خلقاً وأكثرها إلى النّفوس المؤمنة حبّاً، لأنّه الذي قال في حقّه " إنّه جبل يحبّنا ونحبّه "(1) انتهى.
ولأنّه أيضاً قريب من المخاطبين يشترك أكثرهم في معرفته، وخصّ القيراط بالذّكر لأنّه كان أقلّ ما تقع به الإجارة في ذلك الوقت، أو جرى ذلك مجرى العادة من تقليل الأجر بتقليل العمل.
واستدل بقوله " من تبع " على أنّ المشي خلف الجنازة أفضل من المشي أمامها، لأنّ ذلك هو حقيقة الاتّباع حسّاً.
قال ابن دقيق العيد: الذين رجّحوا المشي أمامها حملوا الاتّباع هنا على الاتّباع المعنويّ. أي: المصاحبة، وهو أعمّ من أن يكون أمامها أو خلفها أو غير ذلك، وهذا مجاز يحتاج إلى أن يكون الدّليل الدّالّ على استحباب التّقدّم راجحاً. انتهى.
وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك ، وذكرنا اختلاف العلماء في ذلك بما يغني عن إعادته (2).
قوله: (ومن شهدها) وللبخاري " ومن شهد " بحذف المفعول.
قوله: (حتّى تدفن) ظاهره أنّ حصول القيراط متوقّف على فراغ الدّفن، وهو أصحّ الأوجه عند الشّافعيّة وغيرهم.
(1) أخرجه البخاري (1481) ومسلم (3437) من حديث أبي حميد رضي الله عنه وأخرجاه أيضاً من حديث أنس وغيره
(2)
انظر حديث أبي هريرة المتقدِّم برقم (167)
وقيل: يحصل بمجرّد الوضع في اللحد.
وقيل: عند انتهاء الدّفن قبل إهالة التّراب.
وقد وردت الأخبار بكل ذلك.
ويترجّح الأوّل للزّيادة، فعند مسلم من طريق معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في إحدى الرّوايتين عنه " حتّى يفرغ منها " ، وفي الأخرى " حتّى توضع في اللحد " ، وكذا عنده في رواية أبي حازم عن أبي هريرة بلفظ " حتّى توضع في القبر ".
وفي رواية ابن سيرين والشّعبيّ " حتّى يفرغ منها " ، وفي رواية أبي مزاحم عند أحمد " حتّى يقضى قضاؤها " ، وفي رواية أبي سلمة عند التّرمذيّ " حتّى يقضى دفنها ".
وفي رواية ابن عياض عند أبي عوانة " حتّى يسوّى عليها " أي: التّراب، وهي أصرح الرّوايات في ذلك.
ويحتمل: حصول القيراط بكلٍّ من ذلك، لكن يتفاوت القيراط كما تقدّم.
قوله: (فله قيراطان) ظاهره أنّهما غير قيراط الصّلاة، وهو ظاهر سياق أكثر الرّوايات، وبذلك جزم بعض المتقدّمين. وحكاه ابن التّين عن القاضي أبي الوليد.
لكن سياق رواية ابن سيرين يأبى ذلك ، وهي صريحة في أنّ الحاصل من الصّلاة ومن الدّفن قيراطان فقط، وكذلك رواية خبّاب - صاحب المقصورة -عند مسلم بلفظ " من خرج مع جنازة من بيتها
ثمّ تبعها حتّى تدفن كان له قيراطان من أجر، كلّ قيراط مثل أحد، ومن صلَّى عليها ثمّ رجع كان له قيراط " ، وكذلك رواية الشّعبيّ عن أبي هريرة عند النّسائيّ بمعناه، ونحوه رواية نافع بن جبير.
قال النّوويّ: رواية ابن سيرين صريحة في أنّ المجموع قيراطان، ومعنى رواية الأعرج على هذا كان له قيراطان. أي: بالأوّل، وهذا مثل حديث " من صلَّى العشاء في جماعة فكأنّما قام نصف الليل، ومن صلَّى الفجر في جماعة فكأنّما قام الليل كلّه "(1) أي: بانضمام صلاة العشاء.
قوله: (قيل: وما القيراطان) لَم يعيّن في هذه الرّواية القائل ، ولا المقول له.
وقد بيّن الثّاني مسلم في رواية الأعرج هذه ، فقال: قيل: وما القيراطان يا رسولَ الله؟ " وعنده في حديث ثوبان " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيراط ".
وبيّن القائل أبو عوانة من طريق أبي مزاحم عن أبي هريرة. ولفظه " قلت: وما القيراط يا رسولَ الله؟ "، ووقع عند مسلم ، أنّ أبا حازم أيضاً سأل أبا هريرة عن ذلك.
قوله: (مثل الجبلين العظيمين) سبق أنّ في رواية ابن سيرين وغيره " مثل أحد " وفي رواية الوليد بن عبد الرّحمن عند ابن أبي شيبة " القيراط مثل جبل أحد " وكذا في حديث ثوبان عند مسلم ، والبراء
(1) أخرجه مسلم في الصحيح (1523) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه -
عند النّسائيّ ، وأبي سعيد عند أحمد. ووقع عند النّسائيّ من طريق الشّعبيّ " فله قيراطان من الأجر كلّ واحد منهما أعظم من أحد ".
وتقدّم أنّ في رواية أبي صالح عند مسلم " أصغرهما مثل أحد "
وفي رواية أبيّ بن كعب عند ابن ماجه " القيراط أعظم من أحد هذا " كأنّه أشار إلى الجبل عند ذكر الحديث.
وفي حديث واثلة عند ابن عديّ " كُتب له قيراطان من أجر أخفّهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد " ، فأفادت هذه الرّواية بيان وجه التّمثيل بجبل أحد ، وأنّ المراد به زنة الثّواب المرتّب على ذلك العمل.
وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدّم.
التّرغيب في شهود الميّت، والقيام بأمره، والحضّ على الاجتماع له، والتّنبيه على عظيم فضل الله وتكريمه للمسلم في تكثير الثّواب لمن يتولى أمره بعد موته، وفيه تقدير الأعمال بنسبة الأوزان إمّا تقريباً للأفهام وإمّا على حقيقته. والله أعلم.
فائدةٌ: أخرج عبد الرّزّاق من طريق عمرو بن شعيب عن أبي هريرة قال: أميران وليسا بأميرين: الرّجل يكون مع الجنازة يُصلِّي عليها فليس له أن يرجع حتّى يستأذن وليّها " الحديث، وهذا منقطع موقوف.
وروى عبد الرّزّاق مثله من قول إبراهيم، وأخرجه ابن أبي شيبة عن المسور من فعله أيضاً.
وقد ورد مثله مرفوعاً من حديث جابر. أخرجه البزّار بإسنادٍ فيه مقال، وأخرجه العقيليّ في " الضّعفاء " من حديث أبي هريرة مرفوعاً بإسنادٍ ضعيف.
وروى أحمد من طريق عبد الله بن هرمز عن أبي هريرة مرفوعاً: من تبع جنازة فحمل من علوها ، وحثا في قبرها ، وقعد حتّى يؤذن له رجع بقيراطين. وإسناده ضعيف.
والذي عليه معظم أئمّة الفتوى ، قول حميد بن هلال: ما علمنا على الجنازة إذناً ، ولكن من صلَّى ثمّ رجع فله قيراط.
وحكي عن مالك ، أنّه لا ينصرف حتّى يستأذن.