الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
162 -
عن عبد الله بن عبّاسٍ رضي الله عنه ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلَّى على قبرٍ ، بعد ما دفن ، فكبّر عليه أربعاً. (1)
قوله: (صلَّى على قبرٍ) وللبخاري من رواية أبي معاوية عن الشيباني " مات إنسانٌ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده فمات بالليل، فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه ، فقال: ما منعكم أن تُعلموني؟ قالوا: كان الليل فكرهنا - وكانت ظلمة - أن نشق عليك ، فأتى قبره فصلَّى عليه ".
وقع في شرح الشّيخ سراج الدّين عمر بن الملقّن ، أنّه الميّت المذكور في حديث أبي هريرة الذي كان يقمّ المسجد. (2)
وهو وهمٌ منه لتغاير القصّتين، فالصّحيح في الأوّل أنّها امرأة ، وأنّها أمّ محجن.
وأمّا هذا فهو رجل. واسمه طلحة بن البراء بن عمير البلويّ حليف الأنصار ، روى حديثه أبو داود مختصراً ، والطّبرانيّ من طريق عروة بن سعيد الأنصاريّ عن أبيه عن حسين بن وحوحٍ الأنصاريّ -
(1) أخرجه البخاري (819 ، 1190 ، 1256 ، 1258 ، 1259 ، 1262 ، 1271 ، 1275) ومسلم (954) من طرق عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس رضي الله عنه
ورواه مسلم (954) من طريقين آخرين الشعبي به.
(2)
أخرجه الشيخان ، وسيأتي لفظه قريبا إن شاء الله. في التعليق الآتي.
وهو بمهملتين بوزن جعفر - أنّ طلحة بن البراء مرض فأتاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقال. إنّي لا أرى طلحة إلَاّ قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجّلوا ، فلم يبلغ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بني سالم بن عوف حتّى توفّي، وكان قال لأهله لَمّا دخل الليل: إذا متّ فادفنوني ، ولا تدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّي أخاف عليه يهود أن يصاب بسببي، فأخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين أصبح فجاء حتّى وقف على قبره فصفّ النّاس معه، ثمّ رفع يديه ، فقال: اللهمّ الق طلحة يضحك إليك وتضحك إليه.
قوله: (بعد ما دفن) زاد البخاري من رواية جرير عن الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجلٍ بعد ما دُفن بليلةٍ ".
وله أيضاً من طريق زائدة عن الشيباني " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبراً فقالوا: هذا دفن أو دفنت البارحة .. ".
ووقع في " الأوسط " للطّبرانيّ من طريق محمّد بن الصّبّاح الدّولابيّ عن إسماعيل بن زكريّا عن الشّيبانيّ " أنّه صلَّى عليه بعد دفنه بليلتين ".
وقال: إنّ إسماعيل تفرّد بذلك.
ورواه الدّارقطنيّ من طريق هريم بن سفيان عن الشّيبانيّ فقال " بعد موته بثلاثٍ " ومن طريق بشر بن آدم عن أبي عاصم عن سفيان الثّوريّ عن الشّيبانيّ ، فقال " بعد شهر ".
وهذه روايات شاذّة، وسياق الطّرق الصّحيحة يدلّ على أنّه صلَّى عليه في صبيحة دفنه.
وفي الحديث الصّلاة على القبر بعدما يدفن ، وهي من المسائل المختلف فيها.
قال ابن المنذر: قال بمشروعيّته الجمهور، ومنعه النّخعيّ ومالك وأبو حنيفة، وعنهم: إن دُفن قبل أن يُصلَّى عليه شرع ، وإلاّ فلا.
وأشار ابن حبان إلى أنّ بعض المخالفين احتجّ بهذه الزّيادة من حديث أبي هريرة " إنّ هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإنّ الله ينوّرها عليهم بصلاتي "(1) على أنّ ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
ثمّ ساق من طريق خارجة بن زيد بن ثابت نحو هذه القصّة وفيها " ثمّ أتى القبر فصففنا خلفه ، وكبّر عليه أربعاً ".
قال ابن حبّان: في ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من صلَّى معه على القبر بيان
(1) أخرجه البخاري (438) ومسلم (1588) من طريق حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة، أنَّ امرأة سوداء كانت تقم المسجد - أو شاباً - ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها أو عنه؟ فقالوا: مات، قال: أفلا كنتم آذنتموني؟ قال: فكأنهم صغروا أمرها أو أمره. فقال: دلُّوني على قبره. فدلّوه، فصلَّى عليها.
زاد مسلم عن أبي كامل عن حماد. ثم قال: إن هذه القبور مملوءةٌ ظُلمة على أهلها، وإنَّ الله عز وجل ينوّرها لهم بصلاتي عليهم.
قال الشارح في " الفتح "(1/ 553): وإنما لَم يخرِّج البخاري هذه الزيادة ، لأنها مدرجة في هذا الإسناد ، وهي من مراسيل ثابت. بيَّن ذلك غيرُ واحد من أصحاب حماد بن زيد ، وقد أوضحتُ ذلك بدلائله في كتاب " بيان المدرج ".
قال البيهقي: يغلب على الظن أنَّ هذه الزيادة من مراسيل ثابت كما قال أحمد بن عبدة. أو من رواية ثابت عن أنس.
يعني: كما رواه ابن منده ، ووقع في مسند أبي داود الطيالسي عن حماد بن زيد وأبي عامر الخزاز كلاهما عن ثابت بهذه الزيادة. وزاد بعدها ، فقال رجلٌ من الأنصار: إن أبي أو أخي مات أو دفن فصلِّ عليه. قال: فانطلق معه رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى
جواز ذلك لغيره، وأنّه ليس من خصائصه.
وتعقّب: بأنّ الذي يقع بالتّبعيّة لا ينهض دليلاً للأصالة.
واستُدلَّ بخبر الباب على ردّ التّفصيل بين من صُلِّي عليه فلا يُصلَّى عليه ، بأنّ القصّة وردت فيمن صلي عليه.
وأجيب: بأنّ الخصوصيّة تنسحب على ذلك.
واختلَفَ مَن قال بشرع الصّلاة لمن لَم يصل.
فقيل: يؤخّر دفنه ليصلي عليها من كان لَم يصل.
وقيل: يبادر بدفنها ويصلي الذي فاتته على القبر.
وكذا اختلف في أمد ذلك:
فعند بعضهم: إلى شهر، وقيل: ما لَم يَبْلَ الجسد.
وقيل: يختصّ بمن كان من أهل الصّلاة عليه حين موته ، وهو الرّاجح عند الشّافعيّة، وقيل: يجوز أبداً
وفي الحديث الرد على من منع الدفن بالليل ، محتجّاً بحديث جابر ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم زجر أن يقبر الرّجل ليلاً إلَاّ أن يضطرّ إلى ذلك. أخرجه ابن حبّان.
لكن بيّن مسلم في روايته السّبب في ذلك. ولفظه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم خطب يوماً ، فذكر رجلاً من أصحابه قبض وكفّن في كفن غير طائل وقبر ليلاً، فزجر أن يقبر الرّجل بالليل حتّى يُصلِّي عليه، إلَاّ أن يضطرّ إنسان إلى ذلك. وقال: إذا ولِي أحدكم أخاه فليُحسن كفنه. فدلَّ على أنّ النّهي بسبب تحسين الكفن.
وقوله " حتّى يُصلِّي عليه " مضبوط بكسر اللام. أي: النّبيّ صلى الله عليه وسلم فهذا سبب آخر يقتضي أنّه إن رجي بتأخير الميّت إلى الصّباح صلاة من ترجى بركته عليه استحبّ تأخيره، وإلا فلا، وبه جزم الطّحاويّ.
واستدل البخاري للجواز بما ذكره من حديث ابن عبّاس ، ولَم ينكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم دفنهم إيّاه بالليل، بل أنكر عليهم عدم إعلامهم بأمره ، وأيّد ذلك بما صنع الصّحابة بأبي بكر، أخرجه البخاري من حديث عائشة وفيه " ودفن أبو بكر قبل أن يصبح ".
ولابن أبي شيبة من حديث القاسم بن محمّد قال: دفن أبو بكر ليلاً. ومن حديث عبيد بن السّبّاق ، أنّ عمر دفن أبا بكر بعد العشاء الآخرة ، وصحّ أنّ عليّاً دَفَنَ فاطمة ليلاً ، وكان ذلك كالإجماع منهم على الجواز.
قوله: (فكبّر عليه أربعاً) تقدم الكلام عليه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه. زاد البخاري " فصففنا خلفه ، ثم صلَّى عليه ".