الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس والتسعون
144 -
عن سلمة بن الأكوع - وكان من أصحاب الشّجرة رضي الله عنه ، قال: كنّا نُصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ، ثمّ ننصرف. وليس للحيطان ظلٌّ نستظلّ به. (1)
وفي لفظٍ: كنّا نجمّع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشّمس ، ثمّ نرجع فنتتبّع الفيء. (2)
قوله: (عن سلمة بن الأكوع) واسم الأكوع سنان. وموت سلمة سنة أربع وسبعين على الصحيح.
قوله: (وكان من أصحاب الشجرة) أي: التي كانت بيعة الرضوان تحتها. (3)
قوله: (ثمّ ننصرف. وليس للحيطان ظلٌّ نستظلّ به) استدل به لمن يقول بأنّ صلاة الجمعة تجزئ قبل الزّوال، لأنّ الشّمس إذا زالت ظهرت الظّلال.
وأجيب: بأنّ النّفي إنّما تسلط على وجود ظلٍّ يستظلّ به لا على وجود الظّل مطلقاً، والظّلّ الذي يستظلّ به لا يتهيّأ لا بعد الزّوال بمقدارٍ يختلف في الشّتاء والصّيف.
(1) أخرجه البخاري (3935) ومسلم (860) من طريق يعلى بن الحارث المحاربي عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه.
(2)
أخرجه مسلم (860) من طريق يعلى بن الحارث عن إياس عن أبيه به.
(3)
سيأتي الكلام إن شاء الله عليها. انظر حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه في النذور. رقم (367)
وأغرب ابن العربيّ. فنقل الإجماع على أنّها لا تجب حتّى تزول الشّمس، إلَاّ ما نقل عن أحمد. أنّه إن صلاها قبل الزّوال أجزأ. انتهى.
وقد نقله ابن قدامة وغيره عن جماعة من السّلف كما سيأتي.
وروى أبو نعيمٍ شيخ البخاريّ في " كتاب الصّلاة " له. وابن أبي شيبة من رواية عبد الله بن سيدان قال: شهدتُ الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النّهار، وشهدتها مع عمر رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النّهار.
رجاله ثقات إلَاّ عبد الله بن سيدان - وهو بكسر المهملة بعدها تحتانيّة ساكنة - فإنّه تابعيّ كبير إلَاّ أنّه غير معروف العدالة.
قال ابن عديّ: شبه المجهول. وقال البخاريّ: لا يُتابع على حديثه.
بل عارضه ما هو أقوى منه. فروى ابن أبي شيبة من طريق سويد بن غفلة ، أنّه صلَّى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشّمس. إسناده قويّ.
وفي الموطّأ عن مالك بن أبي عامر قال: كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربيّ، فإذا غشيها ظلّ الجدار خرج عمر. إسناده صحيح.
وهو ظاهر في أنّ عمر كان يخرج بعد زوال الشّمس.
وفهم منه بعضهم عكس ذلك، ولا يتّجه إلَاّ إن حمل على أنّ
الطّنفسة كانت تفرش خارج المسجد وهو بعيد، والذي يظهر أنّها كانت تفرش له داخل المسجد، وعلى هذا فكان عمر يتأخّر بعد الزّوال قليلاً.
وفي حديث السّقيفة عن ابن عبّاسٍ قال: فلمّا كان يوم الجمعة وزالت الشّمس ، خرج عمر فجلس على المنبر. (1)
وأمّا عليّ. فروى ابن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق ، أنّه صلَّى خلف عليّ الجمعة بعدما زالت الشّمس. إسناده صحيح.
وروى أيضاً من طريق أبي رزين قال: كنّا نُصلِّي مع عليّ الجمعة فأحياناً نجد فيئاً وأحياناً لا نجد. وهذا محمول على المبادرة عند الزّوال أو التّأخير قليلاً.
وأمّا النّعمان بن بشير. فروى ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيح عن سماك بن حرب قال: كان النّعمان بن بشير يُصلِّي بنا الجمعة بعدما تزول الشّمس.
قلت: وكان النّعمان أميراً على الكوفة في أوّل خلافة يزيد بن معاوية.
وأمّا عمرو بن حريثٍ. فأخرجه ابن أبي شيبة أيضاً من طريق الوليد بن العيزار ، قال: ما رأيت إماماً كان أحسن صلاة للجمعة من عمرو
(1) أخرجه البخاري (6830) وفيه قال ابن عبّاس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجَّلت الرواح حين زاغت الشمس، حتى أجدَ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب. الحديث.
بن حريثٍ، فكان يُصلِّيها إذا زالت الشّمس. إسناده صحيح أيضاً، وكان عمروٌ ينوب عن زياد ، وعن ولده في الكوفة أيضاً.
وأمّا ما يعارض ذلك عن الصّحابة.
فروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن سلِمة - وهو بكسر اللام - قال: صلَّى بنا عبد الله - يعني ابن مسعود - الجمعة ضحىً ، وقال: خشيت عليكم الحرّ. وعبد الله صدوق إلَاّ أنّه ممّن تغيّر لَمّا كبر. قاله شعبة وغيره.
ومن طريق سعيد بن سويدٍ قال: صلَّى بنا معاوية الجمعة ضحىً. وسعيد ذكره ابن عديّ في الضّعفاء.
واحتجّ بعض الحنابلة: بقوله صلى الله عليه وسلم: إنّ هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين.
قال: فلمّا سمّاه عيداً جازت الصّلاة فيه وقت العيد كالفطر والأضحى.
وتعقّب: بأنّه لا يلزم من تسمية يوم الجمعة عيداً أن يشتمل على جميع أحكام العيد، بدليل أنّ يوم العيد يحرم صومه مطلقاً سواء صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة باتّفاقهم.
قوله: (كنّا نجمّع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشّمس) وللبخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي الجمعة حين تميل الشمس.
فيه إشعار بمواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة الجمعة إذا زالت الشّمس.
أمّا رواية حميدٍ عن أنس عند البخاري: كنّا نبكّر بالجمعة ، ونقيل بعد الجمعة. فظاهره أنّهم كانوا يصلّون الجمعة باكر النّهار، لكنّ طريق الجمع أولى من دعوى التّعارض.
وقد تقرّر فيما تقدّم أنّ التّبكير يطلق على فعل الشّيء في أوّل وقته أو تقديمه على غيره وهو المراد هنا.
والمعنى أنّهم كانوا يبدءون بالصّلاة قبل القيلولة، بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظّهر في الحرّ فإنّهم كانوا يقيلون ثمّ يصلّون لمشروعيّة الإبراد
تنبيهٌ: لَم يقع التّصريح عند البخاري برفع حديث أنس الثّاني. وقد أخرجه الطّبرانيّ في " الأوسط " من طريق فضيل بن عياض عن حميدٍ فزاد فيه " مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم " وكذا أخرجه ابن حبّان في " صحيحه " من طريق محمّد بن إسحاق حدّثني حميدٌ الطّويل.
وله شاهد من حديث سهل بن سعد في الصحيحين قال: كُنا نقيل ونتغدَّى بعد الجمعة (1). وفيه ردٌّ على من زعم أنَّ الساعات المطلوبة في الذهاب إلى الجمعة من عند الزوال ، لأنهم كانوا يتبادرون إلى الجمعة قبل القائلة.
واستُدلّ بحديث سهل لأحمد على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال ، وترجم عليه ابن أبي شيبة " باب من كان يقول الجمعة أول النهار "
(1) زاد مسلم (859) في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية للبخاري (941): كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم تكون القائلة.
وأورد فيه حديث سهل هذا. وحديث أنس: كنا نبكر إلى الجمعة، ثم نقيل (1). وعن ابن عمر مثله ، وعن عمر وعثمان وسعد وابن مسعود مثله من قولهم.
وتعقّب: بأنه لا دلالة فيه على أنهم كانوا يصلّون الجمعة قبل الزوال ، بل فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء والقائلة بالتهيؤ للجمعة ثم بالصلاة ، ثم ينصرفون فيتداركون ذلك.
بل ادعى الزين بن المنير. أنه يؤخذ منه أنَّ الجمعة تكون بعد الزوال ، لأنَّ العادة في القائلة أن تكون قبل الزوال فأخبر الصحابي أنهم كانوا يشتغلون بالتهيؤ للجمعة عن القائلة ويؤخرون القائلة حتى تكون بعد صلاة الجمعة.
(1) وأخرجه البخاري في " صحيحه "(940). باب القائلة بعد الجمعة.