الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبل وَفَاة المتَوَكل وانتقال الْخلَافَة بالبيعة لِابْنِهِ المستعين بِنَحْوِ ثَمَان سِنِين فاتفق أَن كَانَ هُوَ الذى ولى الْخلَافَة بعده من اولاده
وَهَذِه نسخته
هَذَا عهد سعيد الطالع مَيْمُون الطَّائِر مبارك الأول جميل الْأَوْسَط حميد الآخر تشهد بِهِ حضرات الْأَمْلَاك وترقمه كف الثريا باقلام الْقبُول فِي صَحَائِف الأفلاك وتباهى بِهِ مُلُوك الأَرْض مَلَائِكَة السما وتسرى بنشره الْقبُول فتنشر لَهُ بِكُل نَاحيَة علما وتطلع بِهِ سَعَادَة الْجد من مُلُوك الْعدْل فِي كل أفق نجما وترقص من فرحها الْأَنْهَار فتنقطها شمس النَّهَار بِذَهَب الْأَصِيل على صفحات الما عهد بِهِ عبد الله ووليه أَبُو عبد الله مُحَمَّد المتَوَكل على الله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى وَلَده السَّيِّد الْجَلِيل عدَّة الدّين وذخيرته وصفى أَمِير الْمُؤمنِينَ من وَلَده وَخيرته المستعين بِاللَّه أَبى الْفضل الْعَبَّاس بلغ الله
فِيهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ غَايَة الأمل وَأقر بِهِ عين الْخلَافَة العباسية كَمَا أقرّ بِهِ عين أَبِيه وَقد فعل
أما بعد فَالْحَمْد لله حَافظ نظام الاسلام وواصل سَببه وَرَافِع بَيت الْخلَافَة وماد طنبه وناظم عقد الْإِمَامَة المعظمة فِي سلك بنى الْعَبَّاس وجاعلها كلمة بَاقِيَة فِي عقبه
وَالْحَمْد لله الذى عذق أَمر الْأمة مِنْهُم بأعظمهم خطرا وأرفعهم قدرا وأرجحهم عقلا وأوسعهم صَدرا وأجزلهم رَأيا وأسلمهم فكرا
وَالْحَمْد لله الذى أقرّ عين أَمِير الْمُؤمنِينَ بِخَير ولى وَأفضل ولد وَشد ازره بأكرم سيد وأعز سَنَد وَصرف اخْتِيَار اخْتِيَاره إِلَى من إِذا قَامَ بِالْأَمر بعده قيل هَذَا الشبل من ذَاك الْأسد
وَالْحَمْد لله الَّذِي جمع الآراء على اخْتِيَار العاهد فَمَا قلوه وَلَا رفضوه وجبل الْقُلُوب على حب الْمَعْهُود إِلَيْهِ فَلم يرَوا الْعُدُول عَنهُ إِلَى غَيره بِوَجْه من الْوُجُوه
وَالْحَمْد لله الذى جدد للرعية نعْمَة مَعَ بَقَاء النِّعْمَة الأولى وَأقَام لأمر الْأمة من بنى عَم نبيه الْمُصْطَفى الأولى بذلك
فَالْأولى وَاخْتَارَ لعهد الْمُسلمين من سبقت إِلَيْهِ فِي الْأَزَل إِرَادَته فَأصْبح فِي النُّفُوس مُعظما وَفِي الْقُلُوب مَقْبُولًا
وَالْحَمْد لله الذى أضْحك الْخلَافَة العباسية بِوُجُود عباسها وأطاب بِذكرِهِ رياها فتعطر الْوُجُود بِطيب أنفاسها وَرفع قدرَة بالعهد إِلَيْهِ إِلَى أَعلَى رُتْبَة منيفة وَخَصه بمشاركة جده الْعَبَّاس فِي الأسم والكنية ففاز بِمَا لم يفز بِهِ قبله مِنْهُم سِتّ وَأَرْبَعُونَ خَليفَة
وَالْحَمْد لله الذى أوجب على الكافة طَاعَة إولى الْأَمر من الْأَئِمَّة وألزمهم الدُّخُول فِي بيعَة الإِمَام والانقياد إِلَيْهِ وَلَو كَانَ عبدا أسود فَكيف بِمن أجمع على سؤدده الْأمة وأوضح السَّبِيل فِي التَّعْرِيف بمقام الْآل والعزة النَّبَوِيَّة فَلَا {يكن أَمركُم عَلَيْكُم غمَّة}
يحمده أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا منحه من طيب أرومة سمت أصلا وزكت فرعا وحباه من شرف محتد راق نظرا وشاق
سمعا وَوَصله بِهِ من نعم آثرت نَفَّاعًا وأثرت نفعا
وَيشْهد أَن لَا إِلَه الا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة يتوارثونها كالخلافة كَابِرًا عَن كَابر ويوصى بهَا أبدا الأول مِنْهُم الآخر وَيُؤذن قيامهم بنصرتها أَنهم مَعْدن جوهرها النفيس ونظام عقدهَا الفاخر وَيشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الذى خص عَمه الْعَبَّاس بكريم الحباء وشريف الإنافة وَنبهَ على بَقَاء الْأَمر فِي بنيه بقول ضل من اظهر عناده أَو أضمر خلَافَة حَيْثُ أسر إِلَيْهِ أَلا أُبَشِّرك يَا عَم بى ختمت النُّبُوَّة وبولدك تختم الْخلَافَة صلى الله عليه وسلم وعَلى آله وَصَحبه صَلَاة تعم بركتها الْوَلَد وَالْوَالِد ويشمل معروفها الْمَعْهُود إِلَيْهِ وَيعرف شرفها العاهد ويعترف بفضلها الْمقر وَلَا يسع إنكارها الجاحد مانوة بِذكر الْخلَافَة العباسية على أَعْوَاد المنابر وخفقت الرَّايَات السود على عَسَاكِر المواكب ومواكب العساكر وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
هَذَا وكل رَاع مسئول عَن رَعيته وكل امْرِئ مَحْمُول على نِيَّته مخبر بِظَاهِرِهِ عَن جميل مَا أكنه فِي صَدره وَمَا أسره فِي طويته وَالْإِمَام مَنْصُوب للْقِيَام بِأَمْر الله
تَعَالَى فِي عباده مَأْمُور بِالنَّصِيحَةِ لَهُم جهد طاقته وطاقة اجْتِهَاده مَطْلُوب بِالنّظرِ فِي مصالحهم فِي حَاضر وقتهم ومستقبله وبدء أَمرهم ومعاده وَمن ثمَّ اخْتلفت آراء الْخُلَفَاء الرَّاشِدين فِي الْعَهْد بالخلافة وتباينت مقاصدهم وتنوعت اختياراتهم بِحَسب الِاجْتِهَاد وَاخْتلفت مواردهم فعهد الصّديق إِلَى عمر بن الْخطاب متثبتا وَتركهَا عمر شُورَى فِي سِتَّة وَقَالَ أتحمل أَمركُم حَيا وَمَيتًا وأتى رضى الله عَنهُ لكل من المذهبين بِمَا أذعن لَهُ الْخصم وَسلم فَقَالَ إِن أَعهد فقد عهد من هُوَ خير منى ابو بكر وَإِن أترك فقد ترك من هُوَ خير منى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأخذ الْخُلَفَاء فِي ذَلِك بسنتهما وَمَشوا فِيهِ على طريقتهما فَمن رَاغِب عَن الْعَهْد وراغب فِيهِ وَعَاهد إِلَى بعيد مِنْهُ وَآخر إِلَى ابْنه اَوْ أَخِيه كل مِنْهُم بِحَسب مَا يُؤدى إِلَيْهِ اجْتِهَاده وتقوى عَلَيْهِ عزيمته ويترجح لَدَيْهِ اعْتِمَاده
وَلما كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أحسن الله مثابه قد
نور الله عين بصيرته وَخَصه بِطَهَارَة سره وصفاء سَرِيرَته وآتاه الله الْملك وَالْحكمَة وَإِقَامَة لمصَالح الرّعية وَصَلَاح أَمر الْأمة وَعلمه مِمَّا يَشَاء فَكَانَ لَهُ من علم الفراسة أوفر قسم واصطفاه على أهل عصره وزاده بسطة فِي الْعلم والجسم فَلَا يعزم أمرا إِلَّا كَانَ رشادا وَلَا يعْتَمد فعلا إِلَّا ظهر سدادا وَلَا يرتئى رَأيا إِلَّا ألفى صَوَابا وَلَا يُشِير بشئ إِلَّا حمدت آثاره بدايه وَنِهَايَة واستصحابا وَمَعَ ذَلِك فقد بِلَا النَّاس وَخَيرهمْ وَعلم بالتجربة حَالهم وخبرهم وأطلع بِحسن النّظر على خفايا أُمُورهم وَمَا بِهِ مصلحَة خاصتهم وجمهورهم وترجح عِنْده جَانب الْعَهْد على جَانب الإهمال وَرَأى الْمُبَادرَة إِلَيْهِ أولى من الْإِمْهَال وَلم يزل يرْوى فكرته وَيعْمل رويته فِيمَن يصلح لهَذَا الْأَمر بعده وينهض بأعبائه الثَّقِيلَة وَحده وَيتبع فِيهِ سبله ويسلك طرائقه ويقتضى فِي السِّيرَة الْحَسَنَة أَثَره ويشيم فِي الْعدْل بوارقه وَيقبل على الْأَمر بكليته وَيقطع النّظر عَمَّا سواهُ ويتفرغ لَهُ من كل شاغل فَلَا يخالطه بِمَا عداهُ
وَقد علم أَن الأحق بِأَن يكون لَهَا حليفا من كَانَ بهَا
خليقا وَالْأولَى بَان يكون لَهَا قرينا من كَانَ بوصلها حَقِيقا والأجدر أَن يكون لَدَيْهَا مكينا من اتخذ مَعهَا يدا وَإِلَى مرضاتها طَرِيقا والأليق بمنصبها الشريف من كَانَ مطلوبها مَلِيًّا والأحرى بمكانها الرفيع من كَانَ بمقصودها وفيا والأوفق لمقامها العالى من كَانَ خيرا مقَاما وَأحسن نديا وَكَانَ وَالِده السَّيِّد الْأَجَل أَبُو الْفضل الْعَبَّاس الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ الذى وجهت الْخلَافَة وَجههَا إِلَى قبلته وبالغت فِي طلبه وألحت فِي خطبَته على أَنه قد أرضع بلبانها وربى فِي حجرها وانتسب إِلَيْهَا بِالنُّبُوَّةِ فضمته إِلَى صدرها وَكَيف لَا تتشبث بجماله وتتعلق بأذياله وتطمع فِي قربه وتتغالى فِي حبه وتميل إِلَى أنسه وتراوده عَن نَفسه وَهُوَ كفؤها المستجمع لشرائطها المتصف بصفاتها ونسيبها السامى إِلَى أعاليها الراقى على شرفاتها إِذْ هُوَ شبلها النَّاشِئ فِي آجامها بل أسدها الحامى لحماها ومجيرها الوافى بذمامها وفارسها الْمُقدم فِي حلبه سباقها ووارثها الْحَائِز لجَمِيع سهامها وحاكمها الطائع لأمرها ورشيدها الْمَأْمُون على سرها وناصرها الْقَائِم بواجبها
ومهديها الهادى إِلَى أفضل مذاهبها فقد التحف من الْخلَافَة بردائها وَسكن من الْقُلُوب فِي سويدائها وتوسمت الْآفَاق تَفْوِيض الْأَمر إِلَيْهِ بعد أَبِيه فَظهر الخلوق فِي أرجائها وَاتبع سيرة ابيه فِي الْمَعْرُوف واقتفى أَثَره فِي الْكَرم وتشبه بِهِ فِي المفاخر وَمن يشابه أبه فَمَا ظلم وَتقبل الله دُعَاء أَبِيه فوهب لَهُ من لَدنه وليا وَأجَاب نداءه فِيهِ فمكن لَهُ فِي الأَرْض وآتاه الحكم صَبيا فاستوجب أَن يكون حِينَئِذٍ للْمُسلمين ولى عَهدهم واليا على أُمُورهم فِي حلهم وعقدهم متكفلا بِالْأَمر فِي قربَة وَبعده معينا لِأَبِيهِ فِي حَيَاته خَليفَة لَهُ من بعده وَأَن يُصَرح لَهُ بالاستخلاف ويوضح وَيَتْلُو عَلَيْهِ بِلِسَان التَّفْوِيض {اخلفني فِي قومِي وَأصْلح}
واقتضت شَفَقَة أَمِير الْمُؤمنِينَ ورأفته ورفقه بالأمة وَرَحمته أَن ينصب لَهُم ولى عهد يكون بِهَذِهِ الصِّفَات متصفا وَمن بحره مغترفا وَمن ثمار مَعْرُوفَة الْمَعْرُوف مقتطفا ولمنهله العذب واردا وعَلى بَيته الشريف وَسَائِر الْأمة بِالْخَيرِ عَائِدًا فَلم يجد من هُوَ
مُسْتَكْمل لجميعها مستوعب لأصولها وفروعها وَهُوَ بمطلوبها املى وعَلى قُلُوب الرّعية أحلى وللغليل أشفى وبالعهد الْجَمِيل أوفى من وَلَده الْمشَار إِلَيْهِ فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِك أهل الْحل وَالْعقد من قُضَاته وعلمائه وأمرائه ووزارئه وَذَوِيهِ وأقاربه وبنيه وأعيان اهل الْعَصْر وعامته وجمهوره وكافته فرأوه صَوَابا فَلم تعرهم فِيهِ ظنة وَلَا مسترابا وَلَا وجد أحد مِنْهُم إِلَى بَاب غَيره طَرِيقا وَلَا إِلَى طَرِيق غَيره بَابا فاستخار الله تَعَالَى فِيهِ فَأقبل خاطره الشريف عَلَيْهِ وَكرر الاستخارة فَلم يجد عَنهُ محيدا إِلَّا إِلَيْهِ فَلَمَّا راى أَن ذَلِك أَمر قد انْعَقَد عَلَيْهِ الْإِجْمَاع قولا وفعلا وَعدم فِيهِ الْمُخَالف بل لم يكن أصلا حمد الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ التَّوْفِيق وَرغب إِلَيْهِ وجدد الاستخارة وعهد إِلَيْهِ بِأَمْر الْأمة وقلده مَا هُوَ متقلده من الْخلَافَة المقدسة بعده على عَادَة من تقدمه من الْخُلَفَاء الماضين وَقَاعِدَة من سلف من الْأَئِمَّة المهديين وفوض إِلَيْهِ مَا هُوَ من احكامها ولوازمها وأصولها ومعالمها من عهد ووصاية وعزل وَولَايَة وتفويض
وتقليد وانتزاع وتخليد وتفريق وَجمع وَإِعْطَاء وَمنع وَوصل وَقطع وصلَة وإدرار وتقليل وإكثار جزئيها وكليها وخفيها وجليها ودانيها وقاصيها وطائعها وعاصيها تفويضا شَرْعِيًّا تَاما مرضيا جَامعا لأحكام الْولَايَة جمعا يعم كل نطاق وَيرى حكمه فِي جَمِيع الْآفَاق وَيدخل تَحْتَهُ سَائِر الأقاليم والأمصار على الْإِطْلَاق لَا يُغير حكمه وَلَا ينجلى رسمه وَلَا يطيش سَهْمه وَلَا يأفل نجمه
قبل الْمَعْهُود إِلَيْهِ أَعلَى الله مقَامه ذَلِك بِمحضر من الْقُضَاة الْحُكَّام وَالْعُلَمَاء الْأَعْلَام وَلزِمَ حكمه وانبرم وَكتب فِي سجلات الأفلاك وارتسم وحملت رسائله مَعَ برد السَّحَاب وطافت بِهِ على سَائِر الْأُمَم وَهُوَ أبقاه الله مَعَ مَا طبعت عَلَيْهِ طباعة السليمة وجبلت عَلَيْهِ سجاياه الشَّرِيفَة وأخلاقه الْكَرِيمَة قد تلقى عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ من شرِيف الْآدَاب مَا غذى بِهِ فِي مهده وتلقف مِنْهُ من حسن الأدوات مَا يرويهِ بالسند عَن أَبِيه
وجده مِمَّا انطبع فِي صفاء ذهنه الصَّقِيل وانتقش فِي فهمه وَاخْتَلَطَ من حَال طفوليته بدمه ولحمه حَتَّى صَار طبعا ثَانِيًا وخلقا على ممر الزَّمَان بَاقِيا وَاجْتمعَ لَدَيْهِ الغريزى فَكَانَ أصلا ثَابتا وفرعا على ذَلِك الأَصْل القوى نابتا لَكِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يوصيه تبركا ويشرح لَهُ مَا يكون بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى متمسكا والمرء إِلَى الْأَمر بِالْخَيرِ مَنْدُوب وَوَصِيَّة الرجل لِبَنِيهِ مَطْلُوبَة فقد قَالَ تَعَالَى {ووصى بهَا إِبْرَاهِيم بنيه وَيَعْقُوب}
فَعَلَيْك بمراقبة الله تَعَالَى فَمن راقب الله نجا وَالتَّقوى رَأس مَا لَك {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} والجأ إِلَى الْحق فقد فَازَ من إِلَى الْحق لجا وَكتاب الله هُوَ الْحَبل المتين وَالْكتاب الْمُبين والمنهج القويم والسبيل الْوَاضِح والصراط الْمُسْتَقيم فتمسك مِنْهُ بالعروة الوثقى واسلك طَرِيقَته المثلى واهتد بهديه فَلَا تضل وَلَا تشقى وَسنة نبيه مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم عَلَيْك بالاقتداء
بأفعالها الْوَاضِحَة والإصغاء لآثار أقوالها الشارحة عَالما بَان الْكتاب وَالسّنة أَخَوان لايفترقان ومتلازمان بِحَبل التباين لايعتلقان والبلاد والرعايا فحطمها بنظرك مَا اسْتَطَعْت وَتثبت فِي كل قطع وَوصل فَأَنت مسؤول عَن كل مَا وصلت وَقطعت والآل والعزة النَّبَوِيَّة ففهما حق الْقَرَابَة مِنْك وَمن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الذى شرفت بِهِ وَاعْلَم أَنَّك إِذا أكرمت أحداص مِنْهُم فَإِنَّمَا أكرمته بِسَبَبِهِ وَاتبع فِي السِّيرَة سيرة آبَائِك الْخُلَفَاء الرَّاشِدين لاتزغ عَنْهَا وَلَا تعْمل إِلَّا بهَا وَبِمَا هُوَ إِن اسْتَطَعْت خير مِنْهَا وَاقِف فِي الْمَعْرُوف آثَارهم المقدسة لتحوى من المآثر مَا حووا وأحذ حذوهم فِي طريقهم الْمُبَارَكَة وَابْن الْمجد كَمَا بنوا وأحى من الْعَمَل سنة سلفك المصطفين الأخيار واحرص أَن تكون من الْأَئِمَّة الَّذين يظلهم الله تَحت ظلّ عَرْشه {وَيَوْم يقوم الأشهاد يَوْم لَا ينفع الظَّالِمين معذرتهم وَلَهُم اللَّعْنَة وَلَهُم سوء الدَّار}
وأسلف خَبرا تذكر بِهِ على مر الليالى وينتظم ذكره لَك فِي عُقُود الْأَيَّام كَمَا تنتظم فِي السلك اللآئى وَليكن قصدك وَجه الله ليَكُون فِي نصرتك فَإِن من كَانَ الله تَعَالَى ف نصرته لايبالى ولتعلم حق الْيَقِين أَن حسنه الإِمَام تضَاعف بِحَسب مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْمصَالح أَو يَتَجَدَّد بِسَبَبِهَا وسيئته كَذَلِك فَمن سنّ سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ إثمها وإثم من عمل بهَا ودر مَعَ الْحق كَيفَ دَار ومل مَعَه حَيْثُ مَال وَاعْلَم {إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم وَإِذا أَرَادَ الله بِقوم سوءا فَلَا مرد لَهُ وَمَا لَهُم من دونه} وَلَا يخْطر ببالك أَن هَذَا الْأَمر انْتهى إِلَيْك بِقُوَّة أَو يغرك مَا قدمْنَاهُ من الثَّنَاء عَلَيْك فالتأثر بالمدح مخل بالمروة ولاتتكل على نسبك فَمن اطاع الله أدخلهُ الْجنَّة وَلَو كَانَ عبدا حَبَشِيًّا وَمن عَصَاهُ أدخلهُ النَّار وَلَو كَانَ هاشميا قرشيا واستنصر الله واستعن بِهِ يكن لَك عونا وظهيرا واستهده يهدك {وَكفى بِرَبِّك هاديا ونصيرا} وَكن لله خَائفًا
وَمن مكره من المشفقين فَإِن {الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين}
هَذَا عهد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك ووصيته تملى عَلَيْك {وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ} وَالله تَعَالَى يبلغهُ مِنْك أملا ويحقق فِيك علما ويزكى بك عملا
والاعتماد على الْخط الْمُقَدّس الإمامى المتوكلى أَعْلَاهُ الله تَعَالَى اعلاه حجَّة فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
تَنْبِيه قد تقدم فِي آخر البيعات نقلا عَن مُحَمَّد بن عمر المدائنى أَنه كَانَ يكْتب للخلفاء فِي قرطاس من ثلثى طومار وَهُوَ الثُّلُثَانِ من الْقطع البغدادى وَأَن الذى يظْهر أَن ذَلِك كَانَ فِي أَوَائِل أَمرهم وَأَنه كَانَ يكْتب لَهُم أخيرا فِي قطع البغدادى الْكَامِل أما الذى اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال فِيمَا يكْتب من العهود بالخلافة عَن خلفاء بنى الْعَبَّاس بالديار المصرية انه يكْتب لَهُم فِي قطع الشامى الْكَامِل بقلم الثُّلُث الْخَفِيف