الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَذْهَب الرَّابِع
من البيعات الَّتِى تكْتب للخلفاء أَن تفتتح الْبيعَة بِالْحَمْد لله وَهُوَ الذى اسْتَقر عَلَيْهِ الْعَمَل فِي زَمَاننَا جَريا على طَريقَة متأخرى كتاب الديار المصرية فِي كِتَابه عهود الْخُلَفَاء والملوك
وَهَذِه نُسْخَة بيعَة أنشأتها مرتبَة على موت الْخَلِيفَة الذى قبله وهى
الْحَمد لله الذى جعل الْأمة المحمدية أبذخ الْأُمَم شرفا وَأَكْرمهَا نجارا وأفضلها سلفا وَجعل رُتْبَة الْخلَافَة أَعلَى الرتب رُتْبَة وأعزها كنفا وَخص الشَّجَرَة الطّيبَة من قُرَيْش بِأَن جعل مِنْهُم الْأَئِمَّة الْخُلَفَاء وآثر الأسرة العباسية مِنْهَا بذلك دَعْوَة سبقت من ابْن عمهم الْمُصْطَفى وَحفظ بهم نظامها على الدَّوَام فَجعل مِمَّن سلف مِنْهُم خلفا
نحمده على أَن هيأ من مُقَدمَات الرشد مَا طَابَ الزَّمَان
بِهِ وَصفا وجدد من رسوم الْإِمَامَة بِخَير إِمَام مَا درس مِنْهَا وَعَفا وَأقَام للْمُسلمين إِمَامًا تأرج الجو بنشره فَأصْبح الْوُجُود بعرفه معترفا
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة مخلص تمسك بعهدها فوفى وَأَعْطَاهَا صَفْقَة يَده للمبايعة فَلَا يبغى عَنْهَا مصرفا وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الذى تدارك الله بِهِ الْعَالم بعد أَن أشفى فشفى وَنسخت آيَة دينه الْأَدْيَان وجلا بشرعته المنيرة من ظلمه الْجَهْل سدفا وَجعل مبايعة مبايعا لله يَأْخُذهُ بالنكث ويوفيه أجره على الوفا صلى الله عليه وسلم وعَلى آله الْأَطْهَار وعترته الشرفا وَرَضي الله عَن أَصْحَابه الَّذين لَيْسَ مِنْهُم من عَاهَدَ الله فغدر وَلَا وَاد فِي الله فجفا خُصُوصا من جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ فَكَانَ لَهُ قرَابَة الْقرب وصفوة الصَّفَا والمرجوع اليه فِي الْبيعَة يَوْم السَّقِيفَة بَعْدَمَا اشرأبت نَحْوهَا نفوس كَادَت تذوب عَلَيْهَا اسفا والقائم فِي قتال اهل الرِّدَّة من بني حنيفَة حَتَّى استقاموا على الحنيفة السمحة حنفا وَمن اسْتَحَالَ دلو الْخلَافَة فِي يَده غربا فَكَانَ اشد عبقري
قَائِم بأمرها فَكفى وعمت فتوحه الْأَمْصَار وحملت اليه اموالها فَلم يمْسِكهَا إقتارا وَلم يبذر فِيهَا سَرفًا وَمن كَانَ فَضله لسهم الِاخْتِيَار من بَين اصحاب الشورى هدفا وَجمع النَّاس فِي الْقُرْآن على صحيفَة وَاحِدَة وَكَانَت قبل ذَلِك صحفا وَمن سرى اليه سر أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى فغدى يجر من ذيل الفخار سجفا وَاسْتولى على المكارم من كل جَانب فحاز اطرافها طرفا طرفا وعَلى سَائِر الْخُلَفَاء الرَّاشِدين بعدهمْ مِمَّن سلك سَبِيل الْحق ولطريق الْهدى اقتفى صَلَاة ورضوانا يذهبان الدَّاء العضال من وخامة الْغدر ويجلبان الشفا ويرفعان قدر صَاحبهمَا فِي الدُّنْيَا ويبوئان منتحلهما من جنَّات النَّعيم غرفا
أما بعد فَإِن عقد الْإِمَامَة لمن يقوم بِأَمْر الْأمة وَاجِب الْإِجْمَاع مُسْتَند لأقوى دَلِيل تَنْقَطِع دون نقضه الأطماع وتنبو عَن سَماع مَا يُخَالِفهُ الأسماع إِذْ الْعباد مجبولون على التباين والتغاير مطبوعون على التخالف والتنافر مضطرون الى التعاون والتجاور مفتقرون الى التعاضد
والتناصر فَلَا بُد من زعيم يمنعهُم من التظالم ويحملهم على التناصف فِي التداعي والتحاكم وَيُقِيم الْحُدُود فتصان الْمَحَارِم عَن الانتهاك وَتحفظ الْأَنْسَاب عَن الِاخْتِلَاط والاشتراك ويحمى بَيْضَة الْإِسْلَام فَيمْنَع ان تطرق ويصون الثغور أَن يتَوَصَّل اليها أَو يتَطَرَّق ليعز الْإِسْلَام دَارا ويطمئن المستخفى لَيْلًا ويأمن السارب نَهَارا ويذب عَن الْحرم فتحترم ويذود عَن الْمُنْكَرَات فَلَا تغشى بل تصطلم ويجهز الجيوش فتنكأ الْعَدو ويغير على بِلَاد الْكفْر فيمنعهم الْقَرار والهدو ويرغم أنف الفئة الباغية ويقمعها ويزجر الطَّائِفَة المبتدعة ويردعها وَيَأْخُذ اموال بَيت المَال بِحَقِّهَا فيطاوع ويصرفها الى مستحقيها فَلَا يُنَازع لَا جرم اعْتبر للْقِيَام بهَا أكمل الشُّرُوط وَأتم الصِّفَات وَأكْرم الشيم وَأحسن السمات
وَكَانَ السَّيِّد الْأَعْظَم الإِمَام النَّبَوِيّ سليل الْخلَافَة وَولي الْإِمَامَة أَبُو فلَان فلَان العباسي المتَوَكل على الله مثلا امير الْمُؤمنِينَ رضوَان الله عَلَيْهِ وعَلى آبَائِهِ الرَّاشِدين
هُوَ الَّذِي جمع شُرُوطهَا فوفاها وأحاط مِنْهَا بِصِفَات الْكَمَال واستوفاها ورامت بِهِ ادنى مراتبها فبلغت بِهِ الى اغياها وتسور الى معاليها فرقى الى اعلاها واتحد بهَا فَكَانَ معنى صورتهَا ومغناها وَكَانَت الْإِمَامَة قد تأيمت مِمَّن يقوم بأعبائها وعزت خطابها لقلَّة أكفائها فَلم تلف لَهَا بعلا تطلبه يكون لَهَا قرينا وَلَا كفوا تخطبه يكون لَدَيْهَا مكينا إِلَّا الإِمَام الْفُلَانِيّ الْمشَار اليه فدعَتْ لخطبتها وَهِي بنت عرسه {وراودته الَّتِي هُوَ فِي بَيتهَا عَن نَفسه} فَأجَاب خطبتها ولبى دعوتها لتحققه رغبتها اليه وَعلمه بِوُجُوب إجابتها عَلَيْهِ إِذْ هُوَ شبلها النَّاشِئ بغابها وغيثها المستمطر من سحابها بل هُوَ اسدها الهصور وقطب فلكها الَّذِي عَلَيْهِ تَدور ومعقلها الأمنع الْحصين وعقدها الْأَنْفس الثمين وفارسها الأروع وليثها الشهير وَابْن بجدتها الساقطة مِنْهُ على الْخَبِير وتلادها الْعَلِيم بأحوالها والجدير بِمَعْرِِفَة أقوالها وأفعالها وترجمانها الْمُتَكَلّم بلسانها وعالمها المتفنن فِي افنانها وطبيبها
الْعَارِف بطبها ومنجدها الكاشف لكربها
وَحين بلغت من الْقَصْد سولها ونالت بالإجابة مِنْهُ مأمولها وَحرم على غَيره أَن يسومها لذَلِك تَلْوِيحًا أَو يعرج على خطبتها تعريضا وَتَصْرِيحًا احْتَاجَت الى ولي يُوجب عقدهَا وشهود تحفظ عهدها فَعندهَا قَامَ السُّلْطَان الْأَعْظَم الْملك الْفُلَانِيّ بِالْأَلْقَابِ السُّلْطَانِيَّة الى آخرهَا خلد الله سُلْطَانه وَنصر جُنُوده وجيوشه واعوانه فانتصب لَهَا وليا وَأقَام يفكر فِي أمرهَا مَلِيًّا فَلم يجد احق بهَا مِنْهُ فتجنب عضلها فَلم تكن تصلح الا لَهُ وَلم يكن يصلح الا لَهَا فَجمع أهل الْحل وَالْعقد المعتزين للاعتبار والعارفين بِالنَّقْدِ من الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء والأمراء ووجوه النَّاس وأعيان الدولة والوزراء وَأهل الْخَيْر والصلحاء وأرباب الرَّأْي والنصحاء فاستشارهم فِي ذَلِك فصوبوه وَلم يرَوا الْعُدُول عَنهُ الى غَيره بِوَجْه من الْوُجُوه فاستخار الله تَعَالَى وَبَايَعَهُ فَتَبِعَهُ أهل الِاخْتِيَار فَبَايعُوا وانْتهى ذَلِك الى الكافة فتابعوا وانقادوا لحكمه
وطاوعوا فقابل عقدهَا بِالْقبُولِ بِمحضر من الْقُضَاة وَالشُّهُود فلزمت وَمضى حكمهَا على الصِّحَّة وانبرمت وَلما تمّ عقدهَا وطلع بصبح الْيمن سعدها التمس الْمقَام الشريف السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ الْمشَار إِلَيْهِ أَعلَى الله شرف سُلْطَانه وَرفع مَحَله وَقرن بالتوفيق فِي كل أَمر عقده وحله أَن يَنَالهُ عهدها الوفي وَيرد مِنْهَا موردها الصفي ليرْفَع بذلك عَن أهل الدّين حجبا ويزداد من الْبَيْت النَّبَوِيّ قربا فتعرض لنفحاتها من مقراتها وتطلب بركاتها من مظناتها وَرغب الى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَابْن عَم سيد الْمُرْسلين صلوَات الله عَلَيْهِم اجمعين أَن يجدد لَهُ بِعَهْد السلطنة الشَّرِيفَة عقدا وَيَأْخُذ لَهُ من أهل الْبيعَة بذلك عهدا ويستحلفهم على الْوَفَاء لهمابما عَاهَدُوا وَالْوُقُوف عِنْدَمَا بَايعُوا عَلَيْهِ وعاقدوا ليقترن السعدان فَيعم نوؤهما ويجتمع النيرَان فيبهر ضوؤهما فلباه تَلْبِيَة رَاغِب وأجابه إِجَابَة مَطْلُوب وَإِن كَانَ هُوَ الطَّالِب وعهد اليه فِي كل مَا تَقْتَضِيه احكام إِمَامَته فِي الْأمة عُمُوما وشيوعا وفوض لَهُ حكم الممالك الإسلامية جَمِيعًا وَجعل اليه أَمر السلطنة المعظمة بِكُل نطاق وَألقى اليه
مقاليدها وَصَرفه فِيهَا على الْإِطْلَاق وأقامه على الْأمة بِعَهْد الْخلَافَة وَصِيّا وَجعله للْإِمَامَة بتفويض الْأَمر اليه وليا وَنشر عَلَيْهِ لِوَاء الْملك وقلده سَيْفه العضب والبسه الخلعة السَّوْدَاء فابيض من سوادها وَجه الشرق والغرب وَكتب لَهُ بذلك عهدا كبت عدوه وَزَاد شرفه وضاعف سموهُ وطولب أهل الْبيعَة بالتوثيق على البيعتين بِالْإِيمَان فأذعنوا واستحلفوا على الْوَفَاء فبالغوا فِي الْأَيْمَان وأمعنوا وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم بعد أَن اشْهَدُوا الله عَلَيْهِم فِي إسرارهم وإعلانهم وأعطوا المواثيق الْمُغَلَّظَة الْمُشَدّدَة وحلفوا بالأيمان الْمُؤَكّدَة المعقدة على انهم ان اعرضوا عَن ذَلِك وأدبروا أَو بدلُوا فِيهِ أَو غيروا أَو عرجوا عَن سَبيله أَو حادوا أَو نَقَصُوا مِنْهُ أَو زادوا فَكل مِنْهُم برِئ من حول الله وقوته إِلَى حول نَفسه وقوته وخارج من ذمَّته الحصينة إِلَى ذمَّته وكل امْرَأَة فِي نِكَاحه أَو يَتَزَوَّجهَا فِي الْمُسْتَقْبل فهى طَالِق ثَلَاثًا بتاتا وَكلما رَاجعهَا فهى طَالِق طَلَاقا لَا يقتضى إِقَامَة وَلَا ثباتا وكل مَمْلُوك فِي ملكه أَو مَا يملكهُ فِي الْمُسْتَقْبل حر لَاحق بأحرار الْمُسلمين وكل مَا ملكه أَو يملكهُ من جماد وحيوان صَدَقَة على الْفُقَرَاء
وَالْمَسَاكِين وَعَلِيهِ الْحَج إِلَى بَيت الله الْحَرَام وَالْوُقُوف بِعَرَفَة وَسَائِر المشاعر الْعِظَام محرما من دويرة أَهله مَاشِيا حاسرا عَن رَأسه وَإِن كَانَ بِهِ أَذَى حافيا يأتى بذلك فِي ثَلَاثِينَ حجَّة متتابعة على التَّمام لايجزئه وَاحِدَة مِنْهَا عَن حجَّة الْإِسْلَام وإهداء مائَة بدنه للبيت الْعَتِيق كل سنة على الدَّوَام وَعَلِيهِ صَوْم جَمِيع الدَّهْر إِلَّا المنهى عَنهُ من الْأَيَّام وَأَن يفك ألف رَقَبَة مُؤمنَة من أسر الْكفْر فِي كل عَام يَمِين كل مِنْهُم فِي ذَلِك على نِيَّة أَمِير الْمُؤمنِينَ وسلطان الْمُسلمين فِي سره وجهره وأوله وَآخره لانية للْحَالِف فِي ذَلِك فِي بَاطِن الْأَمر وَلَا فِي ظَاهر لَا يورى فِي ذَلِك وَلَا يسْتَثْنى وَلَا يتَأَوَّل وَلَا يستفتى ولايسعى فِي نقضهَا وَلَا يُخَالف فِيهَا وَلَا فِي بَعْضهَا مَتى جنح إِلَى شئ من ذَلِك كَانَ آثِما وَمَا تقدم من تعقيد الْإِيمَان لَهُ لَازِما لَا يقبل الله مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا وَلَا يُجزئهُ عَن ذَلِك كَفَّارَة أصلا كل ذَلِك على أَشد الْمذَاهب بالتخصيص وأبعدها عَن التساهل والترخيص وأمضوها بيعَة مَيْمُونَة بِالْيمن مُبتَدأَة بالنجح مقرونة وَأشْهدُوا عَلَيْهِم بذلك من حضر مجْلِس هَذَا العقد من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام وَالشُّهُود