الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُحَمَّد بن عبد الله الهمذاني فِي ذيله على تَارِيخ الطبرى وَأول من أشرك فِي الدُّعَاء لَهُ على المنابر مَعَ الْخَلِيفَة عضد الدولة ابْن بويه فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة فِي خلَافَة الطائع ثمَّ جرى الْمُلُوك بعده على ذَلِك
وَمِنْهَا انْفِرَاد الْخُلَفَاء بِالْكِتَابَةِ على ولايات الْوَظَائِف كالوزارة وَالْقَضَاء وَسَائِر الولايات وَلم يزل ذَلِك مُخْتَصًّا بهم الى حِين انْقِرَاض الْخلَافَة من بَغْدَاد إِلَّا مَا يوليه الوزراء وَمن فِي معناهم من صغَار الولايات المفوضة اليهم ثمَّ نقل ذَلِك الى الْمُلُوك بِحكم تَفْوِيض الْخُلَفَاء الْأُمُور الْعَامَّة إِلَيْهِم خلا ولايات الْمُلُوك فَإِنَّهَا مِمَّا يخْتَص بِهِ الْخُلَفَاء الى الْآن
وَأما شعار الْخلَافَة
فَمِنْهَا الْخَاتم وَالْأَصْل فِيهِ مَا ثَبت فِي الصَّحِيح أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قيل لَهُ إِن الْمُلُوك لَا يقرأون كتابا غير مختوم فَاتخذ خَاتمًا من ورق وَجعل نقشه مُحَمَّد رَسُول الله فَلَمَّا توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لبسه أَبُو بكر بعده ثمَّ لبسه عمر بعد أبي بكر ثمَّ لبسه عُثْمَان بعد عمر فَوَقع مِنْهُ فِي بِئْر أريس فَلم يقدر عَلَيْهِ
وَاتخذ الْخُلَفَاء بعد ذَلِك خَوَاتِيم لخاتم كل خَليفَة نقش يَخُصُّهُ وبقى الْأَمر على ذَلِك الى حِين انْقِرَاض الْخلَافَة من بَغْدَاد الا أَن المؤرخين أهملوا ذكر خَوَاتِم الْخلَافَة فِي أَوَاخِر الدولة العباسية بالعراق
وَمِنْهَا الْبردَة وَهِي بردة النَّبِي صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَ الْخَلِيفَة يلبسهَا فِي المواكب قَالَ أَبُو السعادات بن الْأَثِير فِي نهايته فِي غَرِيب الحَدِيث وَهِي شملة مخططة وَقيل كسَاء أسود
وَقد اخْتلف فِي وصولها الى الْخُلَفَاء فَحكى الْمَاوَرْدِيّ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة عَن أبان بن تغلب أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ وَهبهَا لكعب بن زُهَيْر واشتراها مِنْهُ مُعَاوِيَة وتناقلها الْخُلَفَاء بعده
وَالَّذِي ذكره غَيره أَن كَعْبًا لم يسمح بِبَيْعِهَا لمعاوية وَقَالَ
لم أكن أوثر بِثَوْب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أحدا فَلَمَّا مَاتَ كَعْب اشْتَرَاهَا مُعَاوِيَة من ورثته بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم
وَحكى الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا عَن ضَمرَة بن ربيعَة أَن هَذِه الْبردَة كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهَا أهل أَيْلَة أَمَانًا لَهُم فَأَخذهَا مِنْهُم عبد الله ابْن خَالِد بن أبي أوفي وَهُوَ عَامل عَلَيْهِم من قبل مَرْوَان ابْن مُحَمَّد آخر خلفاء بني أُميَّة وَبعث بهَا الى مَرْوَان فَكَانَت فِي خزانته حَتَّى أخذت بعد قَتله وَقيل اشْتَرَاهَا أَبُو الْعَبَّاس السفاح أول خلفاء بني الْعَبَّاس بثلاثمائة دِينَار
وَمِنْهَا الْقَضِيب وَهُوَ عَمُود كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَأْخُذهُ بِيَدِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَهُوَ من تَرِكَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم الَّتِي هِيَ صَدَقَة
قلت وَكَانَ الْقَضِيب والبردة جَمِيعًا عِنْد خلفاء بني الْعَبَّاس بِبَغْدَاد الى أَن انتزعهما السُّلْطَان سنجر السلجوقي من المسترشد بِاللَّه ثمَّ أعيدا الى المقتفى عِنْد ولَايَته فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَالَّذِي يظْهر أَنَّهُمَا بقيا عِنْدهم الى انْقِرَاض الْخلَافَة من بَغْدَاد فِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة فَإِن مِقْدَار مَا بَينهمَا مائَة واحدى وَعِشْرُونَ سنة وَهِي مُدَّة قريبَة لَا تمنع تفاوتهما اليها
وَمِنْهَا ثِيَاب الْخلَافَة وَقد ذكر السُّلْطَان عماد الدّين صَاحب حماة فِي تَارِيخه عِنْد الْكَلَام على تَرْجَمَة الْملك السعيد اسماعيل أحد مُلُوك بني أَيُّوب بِالْيمن أَنه كَانَ بِهِ هوج فَادّعى أَنه من بني أُميَّة وَلبس ثِيَاب الْخلَافَة ثمَّ قَالَ وَكَانَ طول الْكمّ يَوْمئِذٍ عشْرين شبْرًا فَيحْتَمل أَنه أَرَادَ زمن بني أُميَّة وَأَنه أَرَادَ زمن بني أَيُّوب
وَمِنْهَا لون الْأَعْلَام وَالْخلْع وَنَحْوهَا
فبنو أُميَّة يُقَال إِنَّه كَانَ شعارهم الخضرة وَقد حكى صَاحب حماة عَن الْملك السعيد صَاحب الْيمن الْمُقدم ذكره أَنه حِين ادّعى الْخلَافَة وَأَنه من بني أُميَّة لبس الخضرة وَهَذَا
صَرِيح فِي أَن شعارهم الخضرة
وَأما بَنو الْعَبَّاس فشعارهم السوَاد وَقد اخْتلف فِي اختيارهم السوَاد فَذكر القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ فِي كِتَابه الْحَاوِي الْكَبِير فِي الْفِقْه أَن السَّبَب فِي ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم عقد لِعَمِّهِ الْعَبَّاس رضي الله عنه فِي يَوْم حنين وَيَوْم الْفَتْح راية سَوْدَاء
وَذكر أَبُو هِلَال العسكري فِي كِتَابه الْأَوَائِل أَن السَّبَب فِي ذَلِك أَن مَرْوَان بن مُحَمَّد آخر خلفاء بني أُميَّة حِين أَرَادَ قتل ابراهيم بن مُحَمَّد العباسي الْمَعْرُوف بِالْإِمَامِ أول القائمين من بني الْعَبَّاس لطلب الْخلَافَة قَالَ لشيعته لَا يهولنكم قَتْلَى فَإِذا تمكنتم من أَمركُم فاستخلفوا عَلَيْكُم أَبَا الْعَبَّاس يعْنى السفاح فَلَمَّا قَتله مَرْوَان لبس شيعته عَلَيْهِ السوَاد فلزمهم ذَلِك وَصَارَ شعارا لَهُم
وَمن غَرِيب مَا وَقع مِمَّا يتَعَلَّق بذلك مَا حَكَاهُ ابْن سعيد فِي كِتَابه الْمغرب أَن الظافر أحد خلفاء الفاطميين بالديار المصرية لما قَتله وزيره عَبَّاس بعث نسَاء الْخَلِيفَة شعورهن طى الْكتب إِلَى الصَّالح طلائع بن رزيك وَهُوَ يَوْمئِذٍ
وَإِلَى منية بنى خصيب من صَعِيد مصر فَحَضَرَ إِلَيْهِم الصَّالح وَقد رفع تِلْكَ الشُّعُور على الرماح وَأقَام الرَّايَات السود إِظْهَارًا للحزن على الظافر وَدخل الْقَاهِرَة وَهُوَ على ذَلِك فَكَانَ ذَلِك من الفأل العجيب وَهُوَ ان مصر انْتَقَلت إِلَى بنى الْعَبَّاس وأقيمت فِيهَا الْأَعْلَام السود بعد خمس عشرَة سنة
وَأما كَيْفيَّة تَوْلِيَة الْمُلُوك الْخُلَفَاء وترتيبهم فِي ذَلِك فَلهُ حالتان
الْحَالة الأولى مَا كَانَ الْأَمر عَلَيْهِ فِي الزَّمن الأول والخلافة بالعراق وَالْحَال فِيهِ مُخْتَلف فَتَارَة تكون السلطنة الَّتِى تولى بِحَضْرَة الْخلَافَة كسلطنة بنى بوية وَآل سلجوق وَغَيرهم وَتارَة تكون بِبَعْض الْأَطْرَاف كالديار المصرية حِينَئِذٍ وَنَحْوهَا فَإِن كَانَت السلطنة بِحَضْرَة الْخلَافَة فقد جرت عَادَتهم فِي ذَلِك أَن يجلس الْخَلِيفَة بمجلسه الْعَام على كرسى عَال ويحضر السُّلْطَان الذى تولى فيجلس على كرسى لطيف أَمَام
كرسى الْخَلِيفَة ويحضر أَعْيَان المملكة ورؤساؤها ويخاطب الْخَلِيفَة السُّلْطَان بِالْولَايَةِ على لِسَان الْوَزير ثمَّ يخلع على السُّلْطَان خلعة الْخلَافَة وَيحمل على مراكب من إصطبلات الْخَلِيفَة وَيذْهب السُّلْطَان إِلَى دَاره فَيُرْسل السُّلْطَان التقادم السّنيَّة
كَمَا حكى ابْن الاثير وَغَيره أَن السُّلْطَان طغرلبك ابْن ميكائل السلجوقى لما تقلد السلطنة عَن الْقَائِم بِأَمْر الله فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة جلس لَهُ الْخَلِيفَة على كرسى ارتفاعه عَن الأَرْض نَحْو سَبْعَة أَذْرع وَعَلِيهِ الْبردَة وَأَقْبل طغرلبك فِي جماعته وأعيان بَغْدَاد حاضرون فَقبل طغرلبك الأَرْض وَيَد الْخَلِيفَة ثمَّ جلس على كرسى نصب لَهُ ثمَّ قَالَ رَئِيس الرؤساء وَزِير الْخَلِيفَة للسُّلْطَان عَن لِسَان الْخَلِيفَة إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد ولاك جَمِيع مَا ولاه الله تَعَالَى من بِلَاده ورد إِلَيْك أَمر عبَادَة فَاتق الله فِيمَا ولاك واعرف نعْمَته عَلَيْك ثمَّ خلع على طغرلبك سبع جبات سود بزيق وَاحِد وعمامة سَوْدَاء وطوق بطوق من ذهب وسور بسوارين من ذهب وَأعْطى سَيْفا بغلاف من
ذهب ولقبه الْخَلِيفَة وَقُرِئَ عَهده عَلَيْهِ فَقبل الأَرْض وَيَد الْخَلِيفَة ثَانِيًا وَانْصَرف وَقد جهز لَهُ فرس من إسطبلات الْخَلِيفَة بمركب من ذهب مقندس فَركب وَانْصَرف إِلَى دَاره فَبعث إِلَى الخيفة خمسين ألف دِينَار وَخمسين مَمْلُوكا من التّرْك بخيولهم وسلاحهم مَعَ ثِيَاب وَغَيرهَا
فَهَذَا كَانَ شَأْنهمْ فِي تَوْلِيَة السلطنة بِحَضْرَة الْخلَافَة
وَإِن كَانَ الذى يوليه الْخَلِيفَة السلطنة من مُلُوك الْأَطْرَاف جهز لَهُ التشريف من بَغْدَاد صُحْبَة رَسُول من جِهَة الْخَلِيفَة وَهُوَ جُبَّة أطلس أسود بطراز مَذْهَب وطوق من ذهب يَجْعَل فِي عُنُقه وسوران من ذهب يجعلان فِي يَدَيْهِ وَسيف قرَابه ملبس بِالذَّهَب وَفرس بمركب من ذهب وَعلم أسود مَكْتُوب عَلَيْهِ بالبياض اسْم الْخَلِيفَة ينشر على رَأسه وصحبة وَذَلِكَ تَقْلِيده بالسلطنة وَرُبمَا جهز مَعَ خلعة السُّلْطَان خلع أُخْرَى لوَلَده أَو وزيره أَو أحد أَقَاربه بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ الْحَال حِينَئِذٍ كَمَا كَانَ يبْعَث مثل ذَلِك إِلَى السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بالديار المصرية ثمَّ إِلَى أَخِيه الْعَادِل فَمن بعده من مُلُوك بنى أَيُّوب
إِلَى أَن كَانَ آخر من وصل إِلَيْهِ ذَلِك مِنْهُم من بَغْدَاد الْملك النَّاصِر يُوسُف بن السُّلْطَان الْعَزِيز بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين عَن المستعصم بِاللَّه فِي سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة
وَكَانَ من عَادَتهم فِي ذَلِك أَنه إِذا وصل التشريف والتقليد إِلَى سُلْطَان تِلْكَ النَّاحِيَة أَن يلبس السُّلْطَان الخلعة والعمامة ويتقلد السَّيْف ويركب الْفرس ويسير فِي موكبه حَتَّى يصل إِلَى مقرّ ملكه
الْحَالة الثَّانِيَة مَا الْأَمر مُسْتَقر عَلَيْهِ بعد انْتِقَال الْخلَافَة إِلَى الديار المصرية وَالْأَمر فِيهِ على نَحْو مَا سبق فِي الْحَالة الأولى فِيمَا إِذا كَانَ السُّلْطَان الذى يُولى بِحَضْرَة الْخلَافَة لِأَن الخلعة تكون جُبَّة وَاحِدَة بزيق لَا سبع جبات بزيق وَاحِد وَقد كَانَ فِيمَا تقدم يلبس السُّلْطَان طوق الذَّهَب دون السوارين ثمَّ ترك الطوق والسواران جَمِيعًا وبقى مَا عدا ذَلِك من أَصْنَاف التشريف
وَأول تَقْلِيد قَلّدهُ سُلْطَان من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالديار المصرية تَقْلِيد الْملك الظَّاهِر بيبرس البندقدارى صَاحب الديار
المصرية عَن الإِمَام الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن الظَّاهِر بِاللَّه بن النَّاصِر لدين الله أول خلفائهم بالديار المصرية فِي شعْبَان من شهور سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة وَذَلِكَ أَنه بعد ان بَايع السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر الْمُسْتَنْصر بِاللَّه الْمُقدم ذكره بِالْمَجْلِسِ الْعَام قَلّدهُ السلطنة وَكتب لَهُ بذلك عهد من إنْشَاء صَاحب ديوَان إنْشَاء السُّلْطَان الصاحب فَخر الدّين إِبْرَاهِيم بن لُقْمَان وَكتب السُّلْطَان الْكتب إِلَى النواب والملوك بالأقطار بِأَن يخْطب لَهُ على المنابر مَعَ السُّلْطَان وَيبدأ بِهِ فِي الذّكر وينقش اسْمه مَعَه فِي السِّكَّة على الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة بعد ذَلِك خطب الْخَلِيفَة بِنَفسِهِ بِجَامِع القلعة ثمَّ لما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ بعد ذَلِك ركب السُّلْطَان إِلَى خيمة ضربت لَهُ بالبستان الْكَبِير بِظَاهِر الْقَاهِرَة المحروسة من الْجِهَة البحرية وَنزل بهَا هُوَ والخليفة وَلبس مِنْهُ خلعة الْخلَافَة وهى عمامه بنفسجى وجبة سَوْدَاء وطوق ذهب فِي عُنُقه وَسيف بداوى تقلده وَجلسَ السُّلْطَان مَجْلِسا عَاما بِحَضْرَة الْخَلِيفَة والوزير والقضاة والأمراء وَالْعُلَمَاء وَنصب لكاتب سره الصاحب فَخر الدّين ابْن لُقْمَان مِنْبَر فَصَعدَ عَلَيْهِ وَقَرَأَ تَقْلِيد السُّلْطَان
ثمَّ ركب السُّلْطَان بالخلعة والطوق وَدخل من بَاب النَّصْر من الْمَدِينَة وهى مزينة لَهُ وَحمل وزيره الصاحب بهاء الدّين ابْن حنا التَّقْلِيد على رَأسه وَمَشى بِهِ فِي الموكب بَين يدى السُّلْطَان والأمراء مشَاة حوله وأمامه
وَرَأَيْت فِي بعض التواريخ أَن الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن المستكفى بِاللَّه أَبى الرّبيع سُلَيْمَان حِين عهد بالسلطنة إِلَى الْملك الْمَنْصُور أَبى بكر بن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون بعد مبايعته الْحَاكِم الْمَذْكُور عِنْد موت أَبِيه فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة طلع الْأُمَرَاء والقضاة إِلَى القلعة واجتمعوا بدار الْعدْل وَجلسَ الْخَلِيفَة على الدرجَة الثَّالِثَة من التخت وَعَلِيهِ خلعه خضراء وعَلى رَأسه طرحة سَوْدَاء مرقومة بالبياض وَخرج السُّلْطَان من الْقصر إِلَى الإيوان من بَاب السِّرّ على الْعَادة فَقَامَ لَهُ الْخَلِيفَة والقضاة والأمراء وَجَاء السُّلْطَان فَجَلَسَ على الدرجَة الأولى من التخت دون الْخَلِيفَة ثمَّ قَامَ الْخَلِيفَة فَقَرَأَ {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} إِلَى آخر الْآيَة وَأوصى السُّلْطَان
بالرفق بالرعية وَإِقَامَة الْحق وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام ونصرة الدّين ثمَّ قَالَ فوضت إِلَيْك جَمِيع أَمر الْمُسلمين وقلدتك مَا تقلدته من أُمُور الدّين ثمَّ قَرَأَ {إِن الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله} إِلَى آخر الاية ثمَّ أَتَى الْخَلِيفَة بخلعة سَوْدَاء وعمامة سَوْدَاء مرقومة الطّرف بالبياض فألبسها السُّلْطَان وقلده سَيْفه ثمَّ أَتَى بالعهد الْمَكْتُوب عَن الْخَلِيفَة فَكتب عَلَيْهِ مَا صورته فوضت إِلَيْهِ ذَلِك وَكتب أَحْمد بن عَم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَكتب الْقُضَاة الْأَرْبَعَة شَهَادَتهم بالتولية ثمَّ اتى بالسماط على الْعَادة
وأخبرنى من حضر تَقْلِيد الإِمَام المتَوَكل على الله أَبى عبد الله مُحَمَّد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج بن الظَّاهِر برقوق بعد وَفَاة وَالِده الظَّاهِر أَن الْخَلِيفَة حضر هُوَ وَشَيخ الْإِسْلَام سراج الدّين البلقينى والقضاة الْأَرْبَعَة وَأهل الْعلم وأمراء الدولة إِلَى مقْعد بالإسطبلات السُّلْطَانِيَّة وَجلسَ الْخَلِيفَة فِي صدر الْمَكَان على مقْعد مفروش لَهُ ثمَّ أَتَى السُّلْطَان وَهُوَ يَوْمئِذٍ حدث السن فَجَلَسَ بَين يَدَيْهِ فَسَأَلَهُ شيخ
الْإِسْلَام عَن بُلُوغه الْحلم فَأجَاب بِأَن نعم فَخَطب الْخَلِيفَة خطْبَة ثمَّ خَاطب السُّلْطَان بتفويض الْأَمر إِلَيْهِ على نَحْو مَا تقدم ذكره ثمَّ أَتَى الْخَلِيفَة بخلعة سَوْدَاء وعمامة سَوْدَاء مرقومة الطّرف بالبياض فألبسهما للسُّلْطَان وَلبس الخلفية أَيْضا خلعة سَوْدَاء بعمامة سَوْدَاء مرقومة ثمَّ جلس الْخَلِيفَة فِي مَكَانَهُ الذى كَانَ جَالِسا فِيهِ على المقعد وَنصب للسُّلْطَان كرسى إِلَى جَانب المقعد الذى عَلَيْهِ الْخَلِيفَة فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَجلسَ الْأُمَرَاء والقضاة حوله على قدر مَنَازِلهمْ
قلت والذى اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال فِي جَائِزَة تَقْلِيد السلطنة مِمَّا يُرْسل بِهِ السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة ألف دِينَار مَعَ قماش سكندرى ضمن بقجة بِحَسب الْحَال