الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَوَادِث والماجريات فِي أَيَّامه
إِلَى حِين تألف هَذَا الْكتاب فِي مبادئ سنة تسع عشرَة وثمان مائَة
لما بُويِعَ بالخلافة بعد خلع أَخِيه الإِمَام المستعين بِاللَّه والأمير نوروز الحافظى يَوْمئِذٍ نَائِب السلطنة بِالشَّام المحروس امْتنع الْأَمِير نوروز عَن الانضمام إِلَى حوزة السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد وَأظْهر الْخلاف فَسَار إِلَيْهِ السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد بالعساكر فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع الْمحرم سنة سبع عشرَة وثمان مائَة وصحبته الإِمَام الْأَعْظَم المعتضد بِاللَّه الْمُقدم ذكره حَتَّى وافى دمشق فاعتصم نوروز بقلعة دمشق بعد ان شحنها بالأزواد وَالْعدَد وَالسِّلَاح وَسَائِر آلَات الْحصار فحاصرها السُّلْطَان أَيَّامًا وضايقها وَنصب عَلَيْهَا المجانيق ومدافع النفط الْعِظَام وأحضر مدفعا عَظِيما من صفد فنصبه عَلَيْهَا وتواتر عَلَيْهَا الرمى حَتَّى هدم بعض أبراجها وَأحسن نوروز بالظهور عَلَيْهِ وَالظفر بِهِ فَفتح القلعة وَنزل مِنْهَا وَسلم نَفسه للسُّلْطَان فِي الْعشْرين من شهر ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة فَلم يلبث بعد ذَلِك أَن قتل وجهزت رَأسه إِلَى الديار المصرية مَعَ غَيرهَا من رُؤُوس أَتْبَاعه فعلقت
بِبَاب القلعة ثمَّ بِبَاب زويلة ثمَّ حضر السُّلْطَان بعد ذَلِك الى الديار المصريه فِي عَامَّة وصحبته امير الْمُؤمنِينَ المعتضد وطلع القلعة فِي يَوْم الْخَمِيس غرَّة شهر رَمَضَان من السّنة المذكوره على اتم حَال واكمل نَصره وَكَانَ النّيل فِي سنة خمس عشرَة وثمان مائَة قد وفى فِي مسرى من شهور القبط وَنزل السُّلْطَان من القلعة فَكَسرهُ بنفسة ونظم عَلامَة الدَّهْر الشَّيْخ تقى الدّين بن حجَّة فِي ذَلِك
…
ايا ملكا بِاللَّه اضحى مؤيدا
ومنتصبا فِي ملكه نصب تَمْيِيز
كسرت بمسرى نيل مصر وتنقضى
وحقك بعد الْكسر ايام نيروز
…
فَكَانَ كسر نوروز بعد ذَلِك فِي هذة السّنة فسبحان منطق الالسنة
وَلما فتحت القلعة وَقبض على نوروز واصحابه كتب الشَّيْخ 152 تقى الدّين الْمشَار اليه عَن السُّلْطَان
الْملك الْمُؤَيد وَهُوَ صُحْبَة الركاب الشريف مهنئا بِالْفَتْح وَالظفر بِهِ وباصحابة وَالْقَبْض عَلَيْهِم كتابا من الشَّام الى الديار المصرية بِفَتْح الشَّام فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من صفر من هَذِه السنه مِنْهُ
وسكر نوروز لِكَثْرَة المخامره وعربد فاذقناة الْحَد الى ان صَار للرمح وَالسيف فِي جهال جموعه جزر وَمد
وَمِنْه وتبطن بعد ذَلِك بالقلعه الَّتِى هِيَ بِهِ غير محروسه وَقَالَ انه معتصم فِي برج قد شيده فتلاله لِسَان الْحَال اينما تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت وَلَو كُنْتُم فِي {بروج مشيدة}
وَكتب كتابا اخر عَن السُّلْطَان مهنئا بِوُقُوع نوروز فِي القبضه الشريفه
مِنْهُ
وفسدت اغذيتهم بالقلعه فعجزوا عَن المعالجه بالبارد والحامي وثقلوا بعد ذَلِك على قَلبهَا فاستفرغتهم من افواه المرامى
وَكتب كتابا اخر مهنئا بحلول الركاب الشريف بالقلعة المحروسه مِنْهُ فِي الاشاره الى استنزال نوروز من قلعه دمشق
واهبط الله من ترفع بطارمتها وتمرد الى الهاويه واصلاه نَار الْجَحِيم {وَمَا أَدْرَاك مَا هيه نَار حامية} وَلَا يخفى ظُهُور الاهلة من مواطى خَيْلنَا وَقد بهرت بالافق الرُّومِي لمعاتها وبدور اخفاف المطى وَقد خيلت فِي غرر ذَلِك السراب هالاتها وشهب الاسنه وَقد زَادَت سموا كانها تحاول ثارا عِنْد بعض النُّجُوم والبلاد الروميه وَقد تَلا لِسَان الْحَال عِنْد الْغَلَبَة {الم غلبت الرّوم} قلت وَقد كتبت الى الْمقر الناصري بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ الشريف كتابا بالتهنئه بِهَذَا الْفَتْح وَهُوَ بِالشَّام مِنْهُ
هَذَا وسلطانه الْمُؤَيد قد تدكدك بسطوته الاطواد الراسخه ونكس بقهرة نواصى القلاع الشامخة ودان لَهُ بِالطَّاعَةِ حَتَّى النَّبَات والجماد وَتَتَابَعَتْ فتكاته القامعة فاستأصلت شافة أهل الْفساد ودعا قلعة دمشق
فلبته ساجده وَصَاح بهَا مدفعه الغضبان فخرت قائلة {إِن كَانَت إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة} واستنزل الناكث من منيع حصنه فقلده الأغلال بعد أَن كَانَ يقلده المنن وحاق بالماكر مكرة السَّيئ فَمَا لبث بعد الاستنزال أَن
وَفِي سنة ثَمَان عشرَة وثمان مائَة خرج الْأَمِير قانى بيه نَائِب الشَّام عَن الطَّاعَة بعد نوروز الحافظى والتفت عَلَيْهِ لفيف من العساكر الشامية حَتَّى صَار لَهُم رم عَظِيم وشوكة منكية وَاسْتولى على دمشق وحلب فَلَمَّا انْتهى الْخَبَر إِلَى السُّلْطَان بَادر الْخُرُوج إِلَيْهِم فِي عدد قَلِيل من الْعَسْكَر وخف من الأثقال وَسَار من الديار المصرية وصحبته أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتضد بِاللَّه أدام الله أَيَّامه فِي يَوْم الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وثمان مائَة بعد أَن قدم إِلَيْهِم طَلِيعَة عسكره وقبضوا على بعض أمرائها فعاجلهم السُّلْطَان بِنَفسِهِ فِي قَلِيل مِمَّن سبق مَعَه من عسكره فأوقع بهم على سرمين من أَعمال حلب فِي رَابِع عشر شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وكسرهم كسرة شنيعة لم
يسمع بِمِثْلِهَا وَقبض على جمَاعَة من أعيانهم وَدخل بهم مَدِينَة حلب وفر قانى بيه فِي طَائِفَة قَليلَة فَلم يلبث أَن قبض عَلَيْهِ وأتى بِهِ إِلَى السُّلْطَان فَقتل هُوَ وَغَيره مِمَّن وَقع فِي القبضة الشريفه وَوجه برؤوسهم إِلَى الديار المصرية فَحملت على الرماح وَمر بهَا دَاخل الْقَاهِرَة وأتى بهَا إِلَى بَاب القلعة فعلقت ثمَّ إِلَى بَاب زويلة فعلقت عَلَيْهِ وَأقَام السُّلْطَان وَمن مَعَه بحلب ثمَّ بحماة إِلَى أَوَاخِر الشتَاء ثمَّ أَتَى الديار المصرية وصحبته أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتضد بِاللَّه فِي السَّادِس عشر ذِي الْحجَّة من هَذِه السّنة على أكمل النَّصْر وَأتم التأييد
قلت وكتبت إِلَى الْمقر الناصري كَاتب السرالشريف الْمُقدم ذكره كتابا بالتهنئة بِهَذَا الْفَتْح مِنْهُ
وَيُنْهِي وُرُود خبر الْفَتْح الَّذِي جلّ موقعه ففاتت عجائبه الْحصْر وآذنت بالظفر مُقَدمَات نتائجه فكنى خَلِيفَته أَبَا الْفَتْح وسلطانه أَبَا النَّصْر
وَمِنْه
وَقبض على النَّاكِثِينَ فانبسطت لقبضهم النُّفُوس وأريقت دِمَاء المارقين فأديرت على سِبَاع الْبر من طلا
دِمَائِهِمْ الكؤوس
وَمِنْه
وامتطى خَبره السار صهوة الشَّهْبَاء من حلب استبطاء لسير الرَّوَاحِل وسرى سروره وصبح الديار المصرية وَإِن كَانَ غَيره يسري فَيُصْبِح دونهَا بمراحل
وَمِنْه
وحملت رُؤُوس رؤوسهم على الرماح فَكَانَت لَهَا عمائم وَخيف على بَاب زويلة المجاور الْمدرسَة الْعين فعلق عَلَيْهِ مِنْهَا تمائم
وَفِي هَذِه السنه توقف النّيل فِي أَوَائِل زِيَادَته ثمَّ زَاد بعد ذَلِك فأفعم وانْتهى فِي زِيَادَته إِلَى تَمام عشْرين ذِرَاعا وغمر الروابي وملأ الوهاد وَزرع النَّاس فَأَكْثرُوا حَتَّى أَتَوا على مَا علاهُ النّيل مِمَّا يصلح للزِّرَاعَة وَنبت الزَّرْع أحسن نَبَات وأطمأنت بذلك قُلُوبهم وَطَابَتْ بِهِ نُفُوسهم وَجرى الْحَال على ذَلِك إِلَى أَوَاخِر رَمَضَان وَكَانَ الزَّرْع فِي السّنة الخالية بِالْوَجْهِ البحري وأراضي الجيزية وَمَا والاها قَلِيل المتحصل وَذهب أَكثر مَا عِنْد النَّاس من الْحُبُوب بعد الاقتيات فِي زراعة هَذِه السّنة فنفدت الغلال من