الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته
فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة مَاتَ حُسَيْن بن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَهُوَ وَالِد السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن الآتى ذكره وَكَانَ احسن أَوْلَاد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر موتا وعقبها كَانَت سلطنة ابْنه الْأَشْرَف شعْبَان فِي السّنة الْمَذْكُورَة وفيهَا برزت الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة لمنكلى بغا الشمسى نَائِب الشَّام بِفَتْح بَاب دمشق الْمَعْرُوف بِبَاب كيسَان فَفتح وَكَانَ لَهُ من حِين سَده السُّلْطَان نور الدّين الشَّهِيد مَا يزِيد على مائتى سنة مسدودا
وَفِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وصل صَاحب قبرس من جزائر الفرنج إِلَى الأسكندرية وَمَعَهُ اسطول عَظِيم نَحْو سبعين مركبا حربية فِي عَسْكَر عَظِيم وهى يَوْمئِذٍ ولَايَة قبل أَن تَسْتَقِر نِيَابَة ففتحوها وَقتلُوا مِنْهَا خلقا كثيرا وأسروا النِّسَاء وَالصبيان وأحرق أهل الْبَلَد بَاب رشيد من أَبْوَابهَا وَخَرجُوا مِنْهَا فارين واتصل
الْخَبَر بالسلطان الْملك الْأَشْرَف والأمير يلبغا أتابك عسكره فَأَسْرعُوا الْمسير إِلَيْهَا فَبلغ خبر الْعَسْكَر الفرنج فَفرُّوا هاربين إِلَى المراكب بِمَا أَخَذُوهُ من الْأَمْوَال الْعَظِيمَة والأسرى وَسَارُوا إِلَى بِلَادهمْ فعمرت الْبَلَد وأسوارها وَرجع أَهلهَا إِلَيْهَا وَعَاد السُّلْطَان للديار المصرية إِلَى القلعة
وَفِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وصلت رسل الْملك الْأَفْضَل عَبَّاس صَاحب الْيمن إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة بالديار المصرية بهدية جليلة مِنْهَا فيل وَفرس بِغَيْر ذكر وَلَا أنثيين من أصل الْخلقَة وَجُمْلَة من القماش والمسك والعنبر وَالْعود والصندل واللبان والبهار وحجارة الموميا والعقيق ورماح القنا وَغير ذَلِك فَقبل السُّلْطَان هديتهم وأعادهم إِلَى مرسلهم وفيهَا شرع الْأَمِير يلبغا فِي عمَارَة وأسطول عَظِيم مائَة مركب حربية مَا بَين طرائر وأغربة لقصد غَزْو قبرس فِي نَظِير طروقة الاسكندرية وفرغت عمارتة جَمِيعهَا فِي دون سنة وَذَلِكَ مَا لم يصل إِلَيْهِ همة ملك وَأدْركَ الفرنج من ذَلِك رعب عَظِيم حَتَّى أَن الصَّغِير كَانَ يبكى فتخوفة أمه بالأمير يلبغا وَرُبمَا جفلت فرس أحدهم من الْحَوْض وهى تشرب فَيَقُول لَهَا الْأَمِير يلبغا فِي
الْحَوْض وفيهَا خرج السُّلْطَان الْأَشْرَف والأمير يلبغا إِلَى الْبحيرَة للصَّيْد فكبس مماليك يلبغا عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة الطرانة فِي اللَّيْل ففر الْأَمِير يلبغا وعدى بر إِلَى الْقَاهِرَة وَتَبعهُ السُّلْطَان بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء وَنزل ببولاق التكرورى مُقَابل الْقَاهِرَة وتراموا بالنفظ من البرين فاستدعى الْأَمِير يلبغا انوك بن حُسَيْن اخى السُّلْطَان الْأَشْرَف وسلطنة ولقبه الْملك الْمَنْصُور وَهُوَ الْمَعْرُوف بسُلْطَان الجزيرة فَعدى السُّلْطَان الْأَشْرَف من الْوراق إِلَى جَزِيرَة الْفِيل فَتفرق أَصْحَاب يلبغا عَنهُ وفر بِمن بقى مَعَه فَذهب إِلَى بَيته بالكبش ثمَّ سلمهم نَفسه فَضربُوا عُنُقه وَدفن بتربة قرابغا خَارج بَاب البرقية وَاسْتقر فِي الأتابكيه مَكَانَهُ الْأَمِير أسندمر الناصرى فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وفى سنة تسع وَسبعين وَسَبْعمائة وَقعت وقْعَة بَين السُّلْطَان والأمير أسندمر فَوَقَعت الكسرة على أسندمر فَقبض عَلَيْهِ وَقتل من كَانَ مَعَه من المماليك الجلب وَكَانَ أَكثر من قَتلهمْ الْعَوام بتسلطهم بِالْفَسَادِ وهجوم الحمامات على النِّسَاء وَأَخذهم النِّسَاء من الطرقات
ثمَّ عَفا السُّلْطَان عَن الْأَمِير أسندمر وأقلقه ثمَّ قبض عَلَيْهِ مَعَ جمَاعَة من الْأُمَرَاء فِي هَذِه السّنة فاعتقلوا بالإسكندرية
وَفِي سنة سبعين حجت وَالِدَة السُّلْطَان الْأَشْرَف
وَفِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة جرى كَلَام فِي حق الْأَشْرَاف العلويين بِسَبَب أَن بعض الْأُمَرَاء وَقع فِي حق أحدهم وَزعم أَنه لم يعرف كَونه شريفا فَأمر السُّلْطَان الْأَشْرَاف بالديار المصرية أَن يَجْعَل كل وَاحِد مِنْهُم فِي عمَامَته عِصَابَة خضراء من صوف أَو حَرِير أَو غير ذَلِك مستديرة على بعض لفات الْعِمَامَة ليمتازوا عَن غَيرهم
وَفِي سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة توقف النّيل عَن الْوَفَاء وَكسر الخليج مَعَ نقص أصبعين عَن السِّتَّة عشر ذِرَاعا وَخرج النَّاس إِلَى الصَّحرَاء خَارج بَاب النَّصْر واستسقوا وَفِيهِمْ الْأُمَرَاء والقضاة وَالْفُقَهَاء والأعيان والضعفاء والأطفال وَنقص النّيل بعد ذَلِك فَلم يرو من بِلَاد مصر الا الْقَلِيل وَبلغ سعر الْقَمْح اربعين درهما كل اردب ثمَّ بلغ سبعين وَفِي سنة ارْبَعْ وَسبعين وَسَبْعمائة توفيت خوند وَالِدَة السُّلْطَان الْأَشْرَف
وَهِي متزوجة بالأمير الجاي اليوسفي اتابك العساكر فنظم بعض شعراء الْعَصْر فِي ذَلِك
فِي ثَانِي الْعشْرين من ذِي الْقعدَة
…
كَانَت صَبِيحَة موت أم الْأَشْرَف
فَالله يرحمها ويعظم اجرها
…
وَيكون فِي عاشور موت اليوسفي
…
فَكَانَ الْأَمر كَمَا كَانَ فَإِنَّهُ فِي أول سنة خمس وَسَبْعمائة تغير السُّلْطَان على الْأَمِير الجاي ففر هَارِبا الى سَاحل قليوب فَألْقى نَفسه بفرسه فِي النّيل ليعدى الى بر الجيزة فغرق وَكَانَ فِي يَوْم عَاشُورَاء كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي الْبَيْتَيْنِ السَّابِقين وَكَانَ من جملَة أُمَرَاء الْأَشْرَف ارغون شاه الخاصكي من كبار أمرائه فنظم بعض الشُّعَرَاء فِيهِ
…
الجاي ذَاك الرخ لما طَغى
…
فِي دسته مَال لنقل الوشاه
تراجعت عَن صفة خيله
…
وكل فرز إِن مضى مَا اختشاه
وَنَفسه جال بهَا سَاعَة
…
وَلم يضْربهُ أرغون شاه
…
وَكَانَ أرغون شاه أحد أُمَرَاء الْأَشْرَف الخاصكية
ونظم آخر
…
الجاى قَالَ اعذروا فَإِنِّي
…
قهرت بالأشرف الْكَرم
حسبت كل الْحساب إِلَّا
…
ظُهُور شعْبَان فِي الْحرم
…
وَفِي سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة اشْتَدَّ الغلاء بالديار المصرية حَتَّى بيع الْقَمْح كل اردب بِمِائَة وَعشْرين درهما ثمَّ تزايد حَتَّى بلغ مائَة وَسِتِّينَ وَالشعِير بِثَمَانِينَ درهما كل اردب وَالْخبْز كل رطلين بدرهم وَلحم الضَّأْن كل رطلين بِدِرْهَمَيْنِ وَنصف وَلحم الْبَقر بِدُونِ ذَلِك وَالرِّوَايَة المَاء خَمْسَة دَرَاهِم وَبيع كل فروج بِخَمْسَة واربعين درهما وكل سفرجلة بِخَمْسِينَ درهما وكل رمانة لفان بِعشْرَة دَرَاهِم وكل رمانة حلوة بِسِتَّة عشر درهما وَمَات اكثر الدَّوَابّ من قلَّة الْعلف وغلت البضائع لقلَّة الظّهْر وَأكل النَّاس الْميتَة وجاعت الْكلاب حَتَّى أكلت الْمَوْتَى على الطرقات وتنبش الْقُبُور وَتخرج الْمَوْتَى فتاكلهم وَصَارَ النَّاس فِي بلَاء عَظِيم وَفِي السّنة الْمَذْكُورَة فتح الْأَمِير عشقتمر نَائِب حلب مَدِينَة