الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالبيعة لَهُ بِحَضْرَتِهِ أَو فِي بعض الْأَطْرَاف بِأخذ الْبيعَة لَهُ على من قبله من الرّعية وعَلى ذَلِك كَانَت تكْتب بيعات الْخُلَفَاء الفاطميين بالديار المصرية بجملتها
وَهَذِه نُسْخَة بيعَة من هَذَا النمط
من عبد الله ووليه أَبى فلَان فلَان بن فلَان الإِمَام الفلانى بِأَمْر الله تَعَالَى أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى من يضمه نطاق الدولة العباسية من أمرائها وأعيانها وكبرائها وأوليائها على اتساع شعوبهم وعساكرها على اخْتِلَاف ضروبهم وقبائل عربها القيسية واليمنية وكافة من تشمله أقطارها من أَصْنَاف الرّعية الْأَمِير مِنْهُم والمأمور وَالْمَشْهُور مِنْهُم والمغمور وَالْأسود والأحمر والأصغر والأكبر وفقهم الله وَبَارك فيهم
سَلام عَلَيْكُم فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يحمد إِلَيْكُم الله الذى لَا أَله الا هُوَ ويسأله أَن يصلى على ابْن عَمه مُحَمَّد
خَاتم النَّبِيين وَسيد الْمُرْسلين صلى الله عليه وسلم وعَلى آله الطاهرين الآئمة المهديين وَسلم تَسْلِيمًا
أما بعد فَالْحَمْد لله مولى الْمَنّ الجسيم ومبدى الطول العميم ومانح جزيل الْأجر بِالصبرِ الْعَظِيم منيل النعم المتسعة الْفُنُون ومدنى المهج المتعالية التَّنَاوُل للمنون ومبيد الْأَعْمَار ومفنيها وناشر الْأَمْوَات ومحييها والفاتح إِذا استغلقت الْأَبْوَاب وَالْقَائِل {لكل أجل كتاب} الذى لايغير ملكه مُرُور الْغَيْر وَلَا يصرف سُلْطَانه تصرف الْقدر وَلَا يدْرك قدمه وأزليته وَلَا ينْفد بَقَاؤُهُ وسرمديته مُسلم الْأَنَام للحمام ومصمى الْأَنْفس بسهام الاخترام ومورد الْبشر من الْمنية منهلا مَا برحوا فِي رنقة يكرعون ولمرة ييجعون ومفسر ذَلِك بقوله {كل نفس ذائقة الْمَوْت ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة وإلينا ترجعون} وَالْحَمْد لله الذى نصب الْأَنْبِيَاء لمراشده أعلاما وَحفظ ببعثهم من الْحق وَالْهدى نظاما 2
وَجعل نبوة ابْن عمنَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم لنبواتهم ختاما وَلم يحم نَبيا مَعَ مَا شرفه من تنَاول وحيه وتلقيه وَلَا عصم إِمَامًا مَعَ اخْتِصَاصه بِفُرُوع منصب الْإِمَامَة وترقية من لِقَاء الْمنية ووداع الأمنية بل أجل لكم مِنْهُم اجلا مَكْتُوبًا وفسح لَهُ أمدا محصورا محسوبا لَا يصرف عَن وُصُوله مقِيله وَلَا يصل إِلَى تجاوزه بِقُوَّة وَلَا حِيلَة سَبيله وَقَضِيَّة قدرَة محكمَة الْأَسْبَاب وعبرة وَاضِحَة لأولى الْأَلْبَاب أوضحها فرقانه الذى أقرّ بإعجازه الجاحد بهَا إِذْ يَقُول مُخَاطبا لنَبيه {وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد أَفَإِن مت فهم الخالدون} وَالْحَمْد لله الذى منح أَمِير الْمُؤمنِينَ من خَصَائِص الْإِمَامَة وأنوارها وَحَازَ لَهُ من ذخائرها وأودعه من أسرارها وَحَوله فِي آخر تراثها وأصار لَهُ شرف مِيرَاثهَا وَجعله الْقَائِم بحقة والمرشد لخلقه والماحى بهداه لَيْلًا
من الضلال بهيما والحاوى بخلافته مجدا وَلَا يزَال ثَنَاؤُهُ عَظِيما {ذَلِك الْفضل من الله وَكفى بِاللَّه عليما} يحمده أَمِير الْمُؤمنِينَ على ان أوضح بآبائه الآئمة سبل الْحَقَائِق فَأَصْبحُوا خلفاء الْخَالِق وأئمة الْخَلَائق وخوله مَا اختصهم بِهِ من الْإِمَامَة وَرَفعه بهَا إِلَى أشمخ منَازِل الْعلَا وَأَرْفَع مَوَاطِن الْكَرَامَة ويستمده شكرا يوازى النعم الَّتِى أَثْبَتَت لَهُ على سَرِير الْخلَافَة ومنبرها قدما وصبرا يوازن الفجيعة الَّتِى قل لَهَا فيض المدامع دَمًا
ويسأله أَن يصلى على ابْن عَمه مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم الذى فض بجهاده جموع الْإِلْحَاد وَحصر بِاجْتِهَادِهِ من مَال عَن الْهدى وحاد وصدع بِمَا أَمر بِهِ حَتَّى عَم التَّوْحِيد ودانت لمعجزاته الْأُمَم وَقد دَعَاهَا وَهُوَ الْمُفْرد الوحيد وَلم يزل مبالغا فِي مرضاة ربه حريصاص على إِظْهَار دينه بِيَدِهِ وَلسَانه وَقَلبه حَتَّى اسْتَأْثر بِهِ وَقَبضه وبدله من الدُّنْيَا شرف جواره وعوضه وأصاره إِلَى افضل نبى نفر وَبشر وَأَحْيَا دين الله وأنشر
وَإِن الإِمَام الفلانى لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ وليا لله شرفه واستخلصه وأفرده بإمامة عصره وخصصه وفوض إِلَيْهِ أَمر خِلَافَته أحله محلا تقع مطارح الهمم دون علوه وإنافته فَقَامَ بِحَق الله ونهض وَعمل بامره فِيمَا سنّ وَفرض وقهر الاعداء بسطواته وعزائمه وَصرف الامور بازمه التَّدْبِير وخزائمه وَبَالغ فِي الذب عَن اشياع المله واجتهد فِي جِهَاد اعداء القبله ووقف على مصلحه الْبِلَاد امله ووفر على مَا يحظى عِنْد الله قَوْله وَعَمله وَلم يتْرك فِي مرضاة خالقه مشقه الا احتملها وَلَا رويه الا صرفهَا فِي ارشاد خلقه واعملها حَتَّى بلغ الغايه المحدوده واستكمل الانفاس المعدودة واحسن الله لَهُ الِاخْتِيَار واثر لَهُ النقله من هَذِه الدَّار والزلفى لسكنى دَار الْقَرار والفوز بمصاحبة الانبياء الابرار والحلول فِي حظائر قدسه مَعَ ابائه الائمه الاطهار فَصَارَ اليه طَاهِر السريرة جميل الْمَذْهَب والصوره مستوجبا بسعيه افضل رضوانه ممهدا بالتقوى لتدبيره اكناف جنانه
وامير الْمُؤمنِينَ يحْتَسب عِنْد الله هَذِه الرزيه الَّتِي عظم بهَا الْمُصَاب وعذب عِنْد تجرعها الْمُصَاب واضرمت الْقُلُوب نَارا واجرت الاماق دَمًا ممارا واطاشت بهولها الاكباد بالحرق وكحلت الاجفان بالارق وكادت لهجومها الصُّدُور تقذف افئدتها وَالدُّنْيَا تنْزع نضرتها وبهجتها وقواعد المله تضعف وتهى والخطوب 168 الكارثه تسهر وَلَا تَنْتَهِي فانا لله وانا اليه رَاجِعُون تَسْلِيمًا لامره الَّذِي لايدفع واذعانا لقضائه الَّذِي لايصد ولايمنع
وَكَانَ الامام الْفُلَانِيّ لدين الله امير الْمُؤمنِينَ عِنْد نقلته جعل لي عقد الحلافة وَنَصّ عَلَيْهِ بارتقاء منصبها الْمَخْصُوص بالانافة وافضى الى بسرها الْمكنون واودعني غامض علمهَا المصون وعهد الى ان اشملكم بِالْعَدْلِ والاحسان والعطف والحنان والرحمه والغفران والمن الرَّائِق الَّذِي لَا يكدره امتنان وان اكون لاعلام الْهدى ناشرا وَبِمَا ارضى الله مجاهرا ولاحزاب القبله
مُظَاهرا مظافرا ولاعداء المله مرغما قاهرا ولمنار التَّوْحِيد رَافعا وَعَن حوزه الاسلام بغاية الامكان دافعا مَعَ علمه بِمَا خصصت بِهِ امير الْمُؤمنِينَ من كرم الشيم وفطرت عَلَيْهِ من الْخلال القاضيه مصَالح الامم واوتيته من اسْتِحْقَاق الامامه واستيجابها ومنحته من الخصائص المبرمه لاسبابها
فتعزوا جَمِيع الاولياء وكافة الامراء وَجَمِيع الاجناد والحاضر من الرعايا والباد عَن امامكم الْمَنْقُول الى دَار الْكَرَامَة بامامكم الْحَاضِر الْمَوْجُود الَّذِي اورثه الله مقَامه وادخلوا فِي بيعَته بصدور مشروحه نقيه وَقُلُوب على مَحْض الطاعه مطويه وثبات فِي الْوَلَاء والمشايعة مرضيه وبصائر لَا تزَال بِنور الْهدى والاستبصار مضيه وامير الْمُؤمنِينَ يسال الله ان يَجْعَل امامته محظوظه بالاقبال دائمه الْكَمَال صافيه من الاكدار معضوضه بمواتاه الاقدار ويوالى حَمده على مَا منحه من الاصطفاء الَّذِي جعله لامور الدّين وَالدُّنْيَا قواما واقامه
للبريه سيدا واماما فاعلموا هَذَا وَاعْمَلُوا بِهِ وَالسَّلَام عَلَيْكُم ورحمه الله وَبَرَكَاته وَكتب يَوْم كَذَا من شهر كَذَا من سنه كَذَا 168 ب الْمَذْهَب الثَّالِث
ان يفتح البيعه بِلَفْظ هَذَا ويعزى بالخليفه الذَّاهِب ان كَانَت البيعه مرتبه على موت ثمَّ يهنى بالخليفه المستقر اَوْ يلوح بِذكر الْخلْع الْمُوجب لخلع المخلوع وَاسْتِحْقَاق المستقر فِي الخلافه بِحَيْثُ لَا يكون فِي التَّلْوِيح الى الْخلْع تنقيص لجَانب المخلوع وَلَا حط لقدره الا ان يكون الْخلْع قد وَقع لموجب شَرْعِي اقْتَضَاهُ الْحَال وَرُبمَا افتتحت البيعه بايه من كتاب الله تَعَالَى وَهَذِه نسخه بيعَة
انشاها الْمقر الشهابي بن فضل الله عِنْد موت الامام المستكفى بِاللَّه ابي الرّبيع سُلَيْمَان بن الْحَاكِم بامر الله ومبايعه ابْنه الْحَاكِم بامر الله بعده امتحانا لخاطره واختبارا لذهنه وَلم يكْتب بهَا وَهِي
{إِن الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله يَد الله فَوق أَيْديهم فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه وَمن أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فسيؤتيه أجرا عَظِيما} هَذِه بَيْعه رضوَان وَبيعه احسان وَبيعه يشهدها الجماعه وَيشْهد عَلَيْهَا الرَّحْمَن بَيْعه يلْزم طائرها الْعُنُق وتحوم بشائرها على الافق وَتحمل انباءها البراري والبحار مشحونه الطّرق بَيْعه تصلح بِسَبَبِهَا الامه ويمنح بسيلها النعمه ويؤلف بهَا الْأَسْبَاب وَتجْعَل بَينهم مودرة وَرَحْمَة بيعَة يجْرِي بهَا الرفاق وتتزاحم زمر الْكَوَاكِب على حَوْض المجره للوفاق بَيْعه سعيده ميمونه بَيْعه شريفه بهَا السلامه فِي الدّين وَالدُّنْيَا مضمونه بَيْعه صَحِيحه شرعيه بَيْعه ملحوظه مرعيه بَيْعه تسابق اليها كل نيه وتطاوع 169 كل طويه وَتجمع عَلَيْهَا اشتات البريه بَيْعه يستهل بهَا الْغَمَام ويتهلل الْبَدْر التَّمام بَيْعه مُتَّفق على الاجماع عَلَيْهَا والاجتماع لبسط الايدى اليها انْعَقَد
عَلَيْهَا الاجماع وانعقدت صِحَّتهَا بِمن سمع ذَلِك واطاع وبذل فِي تَمامهَا كل امرىء مَا اسْتَطَاعَ وَحصل عَلَيْهَا اتِّفَاق الْأَبْصَار والأسماع وَوصل بهَا الْحق الى مُسْتَحقّه وَوَافَقَ الْخصم وَانْقطع النزاع ونظمها كتاب كريم يشهده المقربون ويتلقاه الْأَئِمَّة الأقربون {الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله} {ذَلِك من فضل الله علينا وعَلى النَّاس} وإلينا وَللَّه الْحَمد وَإِلَى بني الْعَبَّاس اجْمَعْ على هَذِه الْبيعَة ارباب العقد والحل واصحاب الْكَلَام فِيمَا قل وَجل وولاة الْأُمُور وَالْأَحْكَام وأرباب المناصب والحكام وَحَملَة الْعلم والأعلام وحماة السيوف والأقلام وكابر بني عبد منَاف وَمن انخفض قدره وأناف وسروات قُرَيْش ووجوه بني هَاشم والبقية الطاهرة من بني الْعَبَّاس وخاصة الْأَئِمَّة وَعَامة النَّاس بيعَة ترسى بالحرمين خيامها
وتخفق على المأزمين أعلامها وتتعرف عَرَفَات ببركاتها وتعرف بمنى أَيَّامهَا ويؤمن عَلَيْهَا يَوْم الْحَج الْأَكْبَر ويؤم مَا بَين الرُّكْن وَالْمقَام والمنبر وَلَا يتبقى الا وَجه الله الْكَرِيم وفضله العميم لم يبْق صَاحب علم وَلَا علم وَلَا ضَارب بِسيف وَلَا كَاتب بقلم وَلَا رب حكم وَلَا قَضَاء وَلَا من يرجع اليه فِي اتِّفَاق وَلَا إِمْضَاء وَلَا إِمَام مَسْجِد وَلَا خطيب وَلَا ذُو فتيا يسْأَل فيجيب وَلَا من بَين جنبتي الْمَسَاجِد وَلَا من تضمهم اجنحة المحاريب وَلَا من يجْتَهد فِي رَأْي فيخطئ أَو يُصِيب وَلَا متحدث بِحَدِيث وَلَا مُتَكَلم بقديم وَحَدِيث وَلَا مَعْرُوف بدين وَصَلَاح وَلَا فرسَان حَرْب وكفاح وَلَا راشق لسهام وَلَا طَاعن برماح وَلَا ضَارب بصفاح وَلَا ساع على قدم وَلَا طَائِر بجناح وَلَا مخالط للنَّاس وَلَا قَاعد فِي عزلة وَلَا جمع كَثْرَة وَلَا قلَّة وَلَا من يسْتَقلّ بالجوزاء لواؤة وَلَا يقل فَوق الفرقد ثواؤه وَلَا باد وَلَا حَاضر وَلَا مُقيم وَلَا سَائِر وَلَا أول وَلَا آخر وَلَا مسر فِي بَاطِن وَلَا معلن فِي ظَاهر
وَلَا عرب وَلَا عجم وَلَا راعي إبل وَلَا غنم وَلَا صَاحب أَنَاة وَلَا إبدار وَلَا سَاكن فِي حضر وبادية بدار وَلَا صَاحب عمد وَلَا جِدَار وَلَا سابح فِي الْبحار الزاخرة والبراري القفار وَلَا من يتوقل صهوات الْخَيل وَلَا من يسبل على الْعَجَاجَة الذيل وَلَا من تطلع عَلَيْهِ شمس النَّهَار ونجوم اللَّيْل وَلَا من تظله السَّمَاء وتقله الأَرْض وَلَا من تدل عَلَيْهِ الْأَسْمَاء على اختلافها وترتفع دَرَجَات بَعضهم على بعض حَتَّى آمن بِهَذِهِ الْبيعَة وَأمن الله عَلَيْهِ وهداه إِلَيْهَا وَأقر بهَا وَصدق وغض لَهَا بَصَره خَاشِعًا وأطرق وَمد إِلَيْهَا يَده بالمبايعة ومعتقده بالمتابعة رضى بهَا وارتضاها وَأَجَازَ حكمهَا على نَفسه وأمضاها وَدخل تَحت طاعتها وَعمل بمقتضاها {وَقضي بَينهم بِالْحَقِّ وَقيل الْحَمد لله رب الْعَالمين}
وَالْحَمْد لله الَّذِي نصب الْحَاكِم ليحكم بَين عباده وَهُوَ أحكم الْحَاكِمين وَالْحَمْد لله الَّذِي أَخذ حق آل بَيت نبيه من أَيدي الظَّالِمين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين ثمَّ
الْحَمد لله رب الْعَالمين ثمَّ الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَإنَّهُ لما اسْتَأْثر الله بِعَبْدِهِ {سُلَيْمَان} أَبى الرّبيع الإِمَام المستكفى بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ كرم الله مثواه وعوضه عَن دَار الْإِسْلَام بدار السَّلَام وَنَقله فزكى بدنه عَن شَهَادَة الْإِسْلَام بِشَهَادَة الْإِسْلَام حَيْثُ آثره ربه بِقُرْبِهِ ومهد لجنبه وأقدمه على مَا أقدمه من يرجوه لعمله وَكَسبه وخار لَهُ فِي جواره رَفِيقًا وَجعل لَهُ على صَالح نَفسه طَرِيقا وأنزله {مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} الله أكبر ليومه لَوْلَا مخلفه كَادَت تضيق الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وتجزى كل نفس بِمَا كسبت وتنبئ كل سريرة بِمَا ادخرت وَمَا خبت لقد أضرم سعير الا انه فِي الجوانح لقد اصر مِنْبَر وسرير لَوْلَا خَلفه الصَّالح لقد اضْطربَ مَأْمُور وأمير لَوْلَا الْفِكر بعده فِي عَاقِبَة الْمصَالح لقد غاضت الْبحار لقد غَابَتْ الْأَنْوَار لقد غَالب البدور وَمَا يلْحق الْأَهِلّة من المحاق
وَيدْرك الْبَدْر من السرَار نسفت الْجبَال نسفا وخبت مصابيح النُّجُوم وكادت تطفى {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} لقد جمعت الدُّنْيَا أطرافها وعزمت على الْمسير وخضعت الْأمة لهول الْمصير وزاغت يَوْم مَوته الْأَبْصَار {إِن رَبهم بهم يَوْمئِذٍ لخبير} وَبقيت الْأَلْبَاب حيارى ووقفت تَارَة تصدق وَتارَة تتمارى لَا تعرف قرارا وَلَا على الأَرْض استقرارا {إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم يَوْم ترونها تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت وتضع كل ذَات حمل حملهَا وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى} وَلم يكن فِي النّسَب العباسي وَلَا فِي جَمِيع من فِي الْوُجُود وَلَا فِي الْبَيْت المسترشدي وَلَا فِي غَيره من بيُوت الْخُلَفَاء من بقايا آبَاء لَهُم وجدود وَلَا من تلده إِحْدَى اللَّيَالِي وَهِي عَاقِر غير ولود من تسلم إِلَيْهِ أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم عقد نياتها إِلَّا وَاحِد
وَأَيْنَ ذَلِك الْوَاحِد هُوَ وَالله من انحصر فِيهِ اسْتِحْقَاق مِيرَاث آبَائِهِ الْأَطْهَار وتراث أجداده وَلَا شئ هُوَ إِلَّا مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ رِدَاء اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ ابْن الْمُنْتَقل الى ربه وَولد الإِمَام الذَّاهِب لصلبه الْمجمع على أَنه فِي الْأَمَام فَرد هُوَ الْأَمَام وَوَاحِد وَهَكَذَا هُوَ فِي الْوُجُود الإِمَام وانه الْحَائِز لما زرت عَلَيْهِ جُيُوب الْمَشَارِق والمغارب والفائز بِملك مَا بَين الشارق وَالْغَارِب الراقي فِي صفح السَّمَاء هَذِه الدورة المنيفة الْبَاقِي بعد الْأَئِمَّة الماضين رضي الله عنهم وَنعم الْخَلِيفَة الْمُجْتَمع فِيهِ شُرُوط الْإِمَامَة المتضع لله وَهُوَ من بَيت لَا يزَال الْملك فيهم الى يَوْم الْقِيَامَة الَّذِي تصفح السَّحَاب نائله وَالَّذِي لَا يغره عاذره وَلَا يُغَيِّرهُ عاذله وَالَّذِي
…
تعود بسط الْكَفّ حَتَّى لَو انه
…
ثناها لقبض لم تطعه أنامله
…
وَالَّذِي
…
لَا هُوَ فِي الدُّنْيَا مضيع نصِيبه
…
وَلَا ورق الدُّنْيَا عَن الدّين شاغله
…
وَالَّذِي مَا ارْتقى صهوة الْمِنْبَر بِحَضْرَة سُلْطَان زَمَانه إِلَّا مَال باصره وَقَامَ قائمه وَلَا قعد على سَرِير الْخلَافَة الا وَعرف انه مَا خَابَ مستكفيه وَلَا غَابَ حاكمه نَائِب الله فِي ارضه والناهض بسنته وفرضه والقائم بمقام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وخليفته وَابْن عَمه وتابع عمله الصَّالح ووارث علمه سيدنَا ومولانا عبد الله ووليه احْمَد ابو الْعَبَّاس الْحَاكِم بامر الله امير الْمُؤمنِينَ ابْن الامام المستكفى بِاللَّه ابي الرّبيع سُلَيْمَان ايد الله تَعَالَى بِبَقَائِهِ الدّين وطوق بِسَيْفِهِ الْمُلْحِدِينَ وكبت تَحت لوائه الْمُعْتَدِينَ وَكتب لَهُ النَّصْر الى يَوْم الدّين وكف بجهاده المفسدين واعاذ بِهِ الارض مِمَّن لَا يدين بدين واعاد بعدله ايام آبَائِهِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَالْأَئِمَّة المهديين الَّذين قضوا بِالْحَقِّ وَبِه كَانُوا يعدلُونَ وَعَلِيهِ كَانُوا يعْملُونَ وَنصر أنصاره وَقدر اقتداره واسكن فِي الْقُلُوب هيبته ووقاره وَمكن لَهُ فِي الْوُجُود وَجمع لَهُ اقطاره
وَلما انْتقل الى الله {ذَلِك} السَّيِّد وَلحق بدار الْحق اسلافه
وَنقل الى سرر الْجنَّة من سَرِير الْخلَافَة وخلا الْعَصْر من امام يمسك مَا بقى من نَهَاره وَخَلِيفَة يغالب مربد اللَّيْل بأنواره ووارث نَبِي بِمثلِهِ وَمثل ابيه اسْتغنى الْوُجُود بعد ابْن عَم نبيه خَاتم الْأَنْبِيَاء صلى الله عليه وسلم عَن نَبِي مقتف على آثاره وَنسي وَلم يعْهَد فَلم يبْق اذ لم يُوجد النَّص الا الْإِجْمَاع وَعَلِيهِ كَانَت الْخلَافَة بعد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِلَا نزاع اقْتَضَت الْمصلحَة الجامعة عقد مجْلِس كل طرف بِهِ مَعْقُود وَعقد بيعَة عَلَيْهَا الله وَالْمَلَائِكَة شُهُود وَجمع النَّاس لَهُ {ذَلِك يَوْم مَجْمُوع لَهُ النَّاس وَذَلِكَ يَوْم مشهود} فَحَضَرَ من لم يعبأ بعده بِمن تخلف وَلم يربأ مَعَه وَقد مد يَده طَائِعا لمن مدها وَقد تكلّف واجتمعوا على رأى وَاحِد واستخاروا الله تَعَالَى فِيهِ فخار وناهيك بذلك من مُخْتَار وَأخذت يَمِين تمد اليها الْأَيْمَان ويشد بهَا الْإِيمَان وتعطى عَلَيْهَا المواثيق وَتعرض امانتها على كل فريق حَتَّى تقلد كل من حضر فِي عُنُقه هَذِه الْأَمَانَة وَحط يَده على
الْمُصحف الْكَرِيم وَحلف بِاللَّه الْعَظِيم وَأتم ايمانه وَلم يقطع وَلم يسْتَثْن وَلم يتَرَدَّد وَمن قطع من غير قصد اعاد وجدد وَقد نوى كل من حلف ان النِّيَّة فِي يَمِينه نِيَّة من عقدت هَذِه الْبيعَة لَهُ وَنِيَّة من حلف لَهُ وتذمم بِالْوَفَاءِ فِي ذمَّته وتكفله على عَادَة ايمان الْبيعَة بشروطها واحكامها المرددة واقسامها الْمُؤَكّدَة بِأَن يبْذل لهَذَا الإِمَام المفترضة طَاعَته الطَّاعَة وَلَا يُفَارق الْجُمْهُور وَلَا يظْهر عَن الْجَمَاعَة انجماعه وَغير ذَلِك مِمَّا تضمنته نسخ الْأَيْمَان المكتتب فِيهَا اسماءمن حلف عَلَيْهَا مِمَّا هُوَ مَكْتُوب بخطوط من يكْتب مِنْهُم وخطوط الْعُدُول الثِّقَات عَمَّن لم يكْتب واذنوا لمن يكْتب عَنْهُم حسب مَا يشْهد بِهِ بَعضهم على بعض ويتصادق عَلَيْهِ اهل السَّمَاء والارض بيعَة تمّ بِمَشِيئَة الله تَمامهَا وَعم بالصوب الغدق غمامها {وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} ووهب لنا الْحسن ثمَّ الْحَمد لله الْكَافِي عَبده الوافي وعده الموافي لمن يُضَاعف على كل موهبة حَمده ثمَّ الْحَمد لله على نعم يرغب أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي ازديادها ويرهب الا أَن يُقَاتل أَعدَاء الله بأمدادها
ويرأب بهَا مَا آثر فِيمَا آثر مماليكه مِمَّا بَان من مباينة أضدادها
نحمده وَالْحَمْد لله ثمَّ الْحَمد لله كلمة لَا يمل من تردادها وَلَا نخل بِمَا يَنُوب السِّهَام من سدادها وَلَا نظل الا على مَا يُوجب بِكَثْرَة أعدادها وتيسير أقدار على أورادها ونشهد أَن لَا اله الا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة يتقايس دم الشُّهَدَاء وَمد مدادها وتتنافس طرر الشَّبَاب وغرر السَّحَاب على استمدادها وتتجانس رقومها المدبجة وَمَا تلبسه الدولة العباسية من شعارها والليالي من دثارها والأعداء من حدادها ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم وعَلى جمَاعَة آله من سفل من أبنائها وَمن سلف من أجدادها وَرَضي الله عَن الصَّحَابَة أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان الى يَوْم الدّين
وَبعد فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ لما اكسبه الله تَعَالَى من مِيرَاث النُّبُوَّة مَا كَانَ لجده ووهبه من الْملك السُّلَيْمَانِي
عَن أَبِيه مَا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدة وَعلمه منطق الطير بِمَا تتحمله حمائم البطائق من بَدَائِع الْبَيَان وسخر لَهُ من الْبَرِيد على متون الْخَيل مَا سخر من الرّيح لِسُلَيْمَان واتاه من خَاتم الانبياء مَا امده بِهِ ابوه سُلَيْمَان وَتصرف واعطاه من الفخار مَا اطاعه بِهِ كل مَخْلُوق وَلم يتَخَلَّف وَجعل لَهُ من لِبَاس بنى الْعَبَّاس مَا يقْضى لَهُ سوَادَة بسؤدد الأجداد وينفض على كحل الهدب مَا فضل عَن سويداء الْقلب وَسَوَاد الْبَصَر من السوَاد ويمد ظلة على الأَرْض فَكل مَكَان حلَّة دَار ملك وكل مَدِينَة بَغْدَاد وَهُوَ فِي ليله السَّجَّاد وَفِي نَهَاره العسكرى وَفِي كرمه جَعْفَر الْجواد يديم الابتهال إِلَى الله تَعَالَى فِي توفيقه والابتهاج بِمَا يغص كل عَدو بريقه وَيبدأ يَوْم هَذِه الْمُبَايعَة بِمَا هُوَ الأهم من مصَالح الْإِسْلَام وَصَالح الْأَعْمَال مِمَّا يتحلى بِهِ الإِمَام وَيقدم التَّقْوَى أَمَامه ويقرن عَلَيْهَا أَحْكَامه وَيتبع الشَّرْع الشريف وَيقف عِنْده وَيُوقف النَّاس وَمن لايحمل أمره طَائِعا على الْعين حَملَة بِالسَّيْفِ غصبا على الراس ويعجل أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمَا
يشفى بِهِ النُّفُوس ويزيل بِهِ كيد الشَّيْطَان إِنَّه يؤوس وياخذ بقلوب الرّعية وَهُوَ غنى عَن ذَا وَلكنه يسوس وأمير الْمُؤمنِينَ يشْهد الله وخليقته عَلَيْهِ أَنه أقرّ كل امْرِئ من وُلَاة الْأُمُور الإسلامية على حَاله وَاسْتمرّ فِي مقِيله تَحت كنف ظلاله على اخْتِلَاف طَبَقَات وُلَاة الْأُمُور وتفرقهم فِي الممالك والثغور برا وبحرا سهلا ووعرا وشرقا وغربا وبعدا وقربا وكل جليل وحقير وَقَلِيل وَكثير صَغِير وكبير وَملك ومملوك وأمير وجندى يَبْرق لَهُ سيف شهير ورمح طرير وَمن مَعَ هَؤُلَاءِ من وزراء وقضاة وَكتاب وَمن لَهُ يَد تبقى فِي إنْشَاء وَتَحْقِيق حِسَاب وَمن يتحدث فِي بريد وخراج وَمن يحْتَاج إِلَيْهِ وَمن لايحتاج وَمن فِي الدُّرُوس والمدارس والربط والزوايا والخوانق وَمن لَهُ أعظم التعلقات وَأدنى العلائق وَسَائِر أَرْبَاب الْمَرَاتِب وَأَصْحَاب الرَّوَاتِب وَمن لَهُ فِي مَال الله رزق مقسوم وَحقّ مَجْهُول أَو مَعْلُوم واستمرار كل امْرِئ على مَا هُوَ عَلَيْهِ حَتَّى يستخير الله ويتبين لَهُ مَا بَين يَدَيْهِ فَمن زَاد تأهيله زَاد تفضيله والا فأمير المؤمين لَا يرى سوى وَجه الله وَلَا يحابى أحدا فِي دين
وَلَا يحامى عَن أحد فِي حق فَإِن المحاماة فِي الْحق مداجاة على الْمُسلمين وَكلما هُوَ مُسْتَمر إِلَى الْآن مُسْتَمر على حكم الله مِمَّا فهمه الله وفهمه سُلَيْمَان لايغير أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي ذَلِك وَلَا فِي بعضه مَا يعْتَبر مستديما شكر الله على نعْمَة وَكَذَلِكَ يجازى من شكر وَلَا يكدر على أحد موردا نزه الله بِهِ نعْمَة الصافية عَن الكدر وَلَا يتَأَوَّل فِي ذَلِك متأول وَلَا من فجر نعْمَة أَو كفر وَلَا يتعلل متعلل فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يعوذ بِاللَّه ويعيذ أَيَّامه من الْغَيْر وَأمر أَمِير الْمُؤمنِينَ أَعلَى الله أمره أَن يعلن الخطباء بِذكرِهِ وَذكر سُلْطَان زَمَانه على المنابر فِي الْآفَاق وَأَن يضْرب باسمهما النُّقُود المتعامل بهَا على الْإِطْلَاق ويبتهل بِالدُّعَاءِ لَهما عطف اللَّيْل وَالنَّهَار وَيُصَرح مِنْهُ بِمَا يشرق بِهِ وَجه الدِّرْهَم وَالدِّينَار ويضاهى بِهِ المنابر ودور الضَّرْب هاتيك ترفع اسمهما على أسرة مهودها وهذى على أسارير نقودها وهذى تُقَام بِسَبَبِهَا الصَّلَاة وَتلك تدام بهَا الصلات وَكِلَاهُمَا تستمال بِهِ الْقُلُوب وَلَا يلام على مَا تعيه الآذان وتوعيه الْجُيُوب
وَمَا مِنْهُمَا إِلَّا من تحدق نَحوه الأحداق وتميل إِلَيْهِ الْأَعْنَاق وتبلغ بِهِ الْمَقَاصِد ويقوى بهما المعاضد وَكِلَاهُمَا أَمر مُطَاع من غير نزاع وَإِذا لمعت أزمة الْخطب طَار لِلذَّهَبِ شُعَاع ولولاهما مَا اجْتمع جمع وَلَا انْضَمَّ وَلَا عرف الْأَنَام بِمن تأتم فالخطب وَالذَّهَب مَعْنَاهُمَا وَاحِد وَبِهِمَا يذكر الله قيماء الْمَسَاجِد وَلَوْلَا الْأَعْمَال مَا بذلت الْأَمْوَال وَلَوْلَا الْأَمْوَال مَا وليت الْأَعْمَال وَلأَجل مَا بَينهمَا من هَذِه النِّسْبَة قيل إِن الْملك لَهُ السِّكَّة وَالْخطْبَة وَقد أسمع أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي هَذَا الْجمع الْمَشْهُود مَا يتناقله كل خطيب ويتداوله كل بعيد وَقَرِيب وَإِن الله أَمر بأوامر وَنهى عَن نَوَاه وَهُوَ رَقِيب ويستفرغ الْأَوْلِيَاء لَهُ السجايا وتفرع الخطباء فِيهَا بنعوت الْوَصَايَا وتكمل بهَا المزايا وتتكلم بهَا المواعظ وَتخرج من الْمَشَايِخ الخبايا من الزوايا وتستمر بهَا السمار وتتناقلها رُوَاة الْأَخْبَار ويترنم بهَا الحادى والملاح
ويرق سجوها فِي اللَّيْل المقمر ويرقم على جنب الصَّباح وتعطر بهَا مَكَّة بطحاءها وتحيا بحديثها قباه ويلقنها كل أَب فهم ابْنه وَيسْأل كل ابْن أَن يُجيب أَبَاهُ وَهُوَ لكم أَيهَا النَّاس من أَمِير الْمُؤمنِينَ وَعَلَيْكُم بَيِّنَة وإليكم مَا دعَاكُمْ بِهِ إِلَى سَبِيل ربه من الْحِكْمَة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة ولأمير الْمُؤمنِينَ عَلَيْكُم الطَّاعَة وَلَوْلَا قيام الرعايا بهَا مَا قبل الله أَعمالهَا وَلَا أمسك بهَا الْبَحْر ودحا الأَرْض وأرسى جبالها وَلَا اتّفقت الآراء على من يسْتَحق وَجَاءَت إِلَيْهِ الْخلَافَة تجر أذيالها وَأَخذهَا دون بنى أَبِيه وَلم تكن تصلح إِلَّا لَهُ وَلم يكن يصلح إِلَّا لَهَا وَقد كفاكم أَمِير الْمُؤمنِينَ السُّؤَال بِمَا فتح لكم من أَبْوَاب الأرزاق وَأَسْبَاب الارتفاق وَأحسن لكم من وفاقكم وعلمكم مَكَارِم الْأَخْلَاق وأجراكم على عوائدكم وَلم يمسك خشيَة الإملاق وَلم يبْق على أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا أَن يسير فِيكُم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَيعْمل بِمَا ينْتَفع بِهِ من يجِئ أَطَالَ الله بَقَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ
من بعده وَيزِيد على كل من تقدم وَيُقِيم فروض الْحَج وَالْجهَاد وينيم الرعايا بعدله الشَّامِل فِي مهاد وأمير الْمُؤمنِينَ يُقيم عبَادَة موسم الْحَرَمَيْنِ الشريفين وسدنة بَيت الله الْحَرَام ويجهز السَّبِيل على عَادَته ويرجو أَن يعود إِلَى حَالَة الأول فِي سالف الْأَيَّام ويتدفق فِي هذَيْن المسجدين بحرة الزاخر وَيُرْسل إِلَى ثالثهما الْبَيْت الْمُقَدّس ساكب الْغَمَام وَيقوم بقومة قُبُور الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم أَيْن كَانُوا وَأَكْثَرهم فِي الشَّام وَالْجمع وَالْجَمَاعَات هِيَ فِيكُم على قديم سننها وقويم سننها وستزيد فِي أَيَّام أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمن أنضم إِلَيْهِ وَفِيمَا يتسلمه من بِلَاد الْكفَّار وَيسلم على يَدَيْهِ وَأما الْجِهَاد فيكفى بِاجْتِهَادِهِ الْقَائِم عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ بأموره الْمُقَلّد عَنهُ جَمِيع مَا وَرَاء سَرِيره فأمير الْمُؤمنِينَ قد وكل إِلَيْهِ خلد الله سُلْطَانه الْأَنَام وقلده سَيْفه الراعب بوارقه ليسله واجده على الْأَعْدَاء سل خياله عَلَيْهِم فِي
الأحلام ويؤكد أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي ارتجاع مَا غلب عَلَيْهِ العدا وانتزاع أَيْديهم من بِلَاد الْإِسْلَام فَإِنَّهُ حق وَإِن طَال عَلَيْهِ المدى وَقد تقدّمت الْوَصِيَّة بَان يَغْزُو الْعَدو المخذول برا وبحرا وَلَا يكف عَمَّن يظفر بِهِ مِنْهُم قتلا وأسرا وَلَا يفك أغلالا وَلَا إصرا وَلَا يَنْفَكّ يُرْسل عَلَيْهِم فِي الْبَحْر غربانا وَفِي الْبر من الْخَيل عقبانا يحمل مِنْهَا كل فَارس صقرا ويحمى الممالك مِمَّن يجوز أطرافها بأقدام ويتخول أكنافها بالإقدام وَينظر فِي مصَالح القلاع والحصون والثغور وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الآت الْقِتَال وَمَا تجتاح بِهِ الْأَعْدَاء ويعجز عَنهُ الْمُحْتَال وَأُمَّهَات الممالك الَّتِى هِيَ مرابط البنود ومرابض الْأسود والأمراء والعساكر والجنود وترتيبهم فِي الميمنة والميسرة بالجناح الْمَمْدُود وليتفقد أَحْوَالهم بِالْعرضِ بِمَا لَهُم من خيل تعقد بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا لَهُم من زرد مصون وبيض مَسهَا ذائب ذهب فَكَانَت كَأَنَّهَا بيض مَكْنُون وسيوف قواضب ورماح لِكَثْرَة طَعنهَا من الدِّمَاء خواضب وسهام تواصل القسى وتفارقها فتحن
حنين مفارق وتزمجر الْقوس زمجرة مغاضب
وَهَذِه جملَة أَرَادَ أَمِير الْمُؤمنِينَ بهَا تطبيب قُلُوبكُمْ وإطالة ذيل التَّطْوِيل على مطلوبكم ودمائكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ فِي حماية إِلَّا مَا أَبَاحَ الشَّرْع المطهر ومزيد الْإِحْسَان إِلَيْكُم على مِقْدَار مَا يخفى مِنْكُم وَيظْهر وَأما جزئيات الْأُمُور فقد علمْتُم بِأَن فِيمَن تقلد عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ غنى عَن مثل هَذِه الذكرى وولاة حق لَا تشغل بِطَلَب شئ فكرا وفى وُلَاة الْأُمُور ورعاة الْجُمْهُور وَمن هُوَ سداد عمله ومداد أمله وَمُرَاد من هُوَ مِنْكُم معشر الرعايا من قبله وَأَنْتُم على تفَاوت مقاديركم وَدِيعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن حَوْلكُمْ وَأَنْتُم وهم فَمَا مِنْكُم إِلَّا من سيعرف أَمِير الْمُؤمنِينَ ويمضى فِي مراضى الله على سلفه وَينظر مَا هُوَ عَلَيْهِ ويسير بسيرته المثلى فِي طَاعَة الله فِي خَلفه وكلكم سَوَاء فِي الْحق عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَله عَلَيْكُم أَدَاء النَّصِيحَة وإبداء الطَّاعَة بسريرة صَحِيحَة وَقد دخل كل مِنْكُم فِي كنف أَمِير الْمُؤمنِينَ وَتَحْت رأفته وَلَزِمَه حكم بيعَته وألزم طَائِره فِي عُنُقه
وَيسْتَعْمل كل مِنْكُم فِي الْوَفَاء مَا أصبح بِهِ عليما {وَمن أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فسيؤتيه أجرا عَظِيما}
هَذَا قَول أَمِير الْمُؤمنِينَ وعَلى هَذَا عهد إِلَيْهِ وَبِه يعْهَد وَمَا سوى هَذَا فَهُوَ فجور لَا يشْهد بِهِ عَلَيْهِ وَلَا يشْهد وَهُوَ يعْمل فِي ذَلِك كُله مَا تحمد عاقبته من الْأَعْمَال وَيحمل مِنْهُ مَا يصلح لَهُ الْمَآل لَا المَال وأمير الْمُؤمنِينَ يسْتَغْفر الله على كل حَال ويستعيذ بِاللَّه من الإهمال وَيسْأل الله أَن يمده بِمَا يحب من الإبتهال وَلَا يمد لَهُ حَبل الْإِمْهَال وَيخْتم أَمِير الْمُؤمنِينَ قَوْله بِمَا أَمر الله بِهِ من الْعدْل وَالْإِحْسَان ويحمد الله وَهُوَ من الْخلق أَحْمد وَقد آتَاهُ الله ملك سُلَيْمَان وَالله تَعَالَى يمتع أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمَا وهبه ويملكه أقطار الأَرْض ويورثه بعد الْعُمر الطَّوِيل عقبه وَلَا يزَال على أسرة العلياء قعوده ولباس الْخلَافَة بِهِ أبهة الْجَلالَة كَأَنَّهُ مَا مَاتَ منصورة وَلَا أودى مهدية وَلَا ذهب رشيده