الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
امْتَدَّ فِيمَا بَين الْمَشَارِق والمغارب فَكَانَ يجرى تَحت إمرتهم من أقاليم الشرق عراق الْعَرَب وعراق الْعَجم وأذربيجان وأرمينية والأهواز وكرمان وسجستان وَفَارِس والسند والهند وَمَا وَرَاء النَّهر وخراسان وطبرستان وَغير ذَلِك وَمن بِلَاد الْمغرب إفريقية والغرب الْأَوْسَط والغرب الْأَقْصَى والأندلس فِي بعض الْأَزْمِنَة وَمن أوساط الأقاليم الديار المصرية والبلاد الشامية والثغور والعواصم وبلاد الرّوم وَمَا فِي معنى ذَلِك وَكَانَت الْأَمْوَال تحمل من جَمِيع الأقاليم بعد تكفية الجيوش إِلَى بَيت المَال على بعد الْمسَافَة حَتَّى يُقَال إِن الرشيد كَانَ يستلقى على قَفاهُ وَينظر إِلَى السحابة فَيَقُول إذهبى إِلَى حَيْثُ شِئْت يأتنى خراجك وبقى الْأَمر على ذَلِك حَتَّى تغلب المتغلبون على الممالك واستولوا عَلَيْهَا وَصَارَ الْأَمر على مَا صَار إِلَيْهِ الْآن وَالله غَالب على أمره
وَأما تَرْتِيب الْخلَافَة
فَاعْلَم أَنَّهَا لم تزل لابتداء الْأَمر جَارِيَة على مَا ألف من سيرة النبى صلى الله عليه وسلم من خشونة الْعَيْش والقرب من النَّاس وأطراح الْخُيَلَاء وأحوال الْمُلُوك مَعَ مَا فتح الله تَعَالَى
على خلفاء السّلف من الإقاليم وجبى إِلَيْهِم من الْأَمْوَال الَّتِى لم يفز عُظَمَاء الْمُلُوك بِجُزْء من أَجْزَائِهَا وناهيك انهم فتحُوا عدَّة من الممالك الْعَظِيمَة الَّتِى كَانَت يضْرب بهَا الْمثل فِي عَظِيم قدرهَا وارتفاع شَأْن مُلُوكهَا من ممالك الشرق والغرب حَتَّى ذكر عُظَمَاء الْمُلُوك عِنْد بعض السّلف فَقَالَ إِنَّمَا الْملك الذى يَأْكُل الشّعير ويعس على رجلَيْهِ بِاللَّيْلِ مَاشِيا وَقد فتحت لَهُ مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا يُرِيد عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ وَقد حكى أَنه رضى الله عَنهُ حِين أَتَى لفتح بَيت الْمُقَدّس كَانَ يخرج من مخلاة فرسه كسرا يابسة من خبز فيمسحها من التُّرَاب ويأكلها فَلَمَّا رَآهُ عُظَمَاء بَيت الْمُقَدّس قَالُوا لَا طَاقَة لنا بِهَذَا
وَلم يزل الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن سلم الْحسن رضى الله عَنهُ الْأَمر لمعاوية بن ابى سُفْيَان فَأخذ فِي إِظْهَار أبهة الْخلَافَة وترتيب أمورها على نظام الْملك لما فِي ذَلِك من إرهاب الْعَدو وإخافته وتزايد الْأَمر فِي ذَلِك حَتَّى اضمحل فِي جَانب الْخلَافَة سَائِر الممالك الْعَظِيمَة وانطوى فِي ضمنهَا ممالك الْمَشَارِق والمغارب وفاقت بأبهتها الأكاسرة والقياصرة
وهابتها مُلُوك الأَرْض قاطبة لاسيما فِي أَوَائِل الدولة العباسية حَتَّى يحْكى أَن صَاحب عموريه من مُلُوك الرّوم كَانَت عِنْده شريفة من ولد فَاطِمَة رضي الله عنها مأسورة فِي خلَافَة المعتصم بن الرشيد فعذبها فصاحت الشَّرِيفَة وامعتصماه فَقَالَ لَهَا الْملك لَا يَأْتِي لخلاصك إِلَى على أبلق فَبلغ ذَلِك المعتصم فَنَادَى فِي عسكره بركوب الْخَيل البلق وَخرج وَفِي مُقَدّمَة عسكره أَرْبَعَة آلَاف أبلق وأتى عمورية وَفتحهَا وخلص الشَّرِيفَة وَقَالَ أشهدي لي عِنْد جدك أَنِّي أتيت لخلاصك وَفِي مُقَدّمَة عسكري أَرْبَعَة آلَاف أبلق على مَا تقدم ذكره إِلَى غير ذَلِك من الْقُوَّة وَالْعَظَمَة الَّتِي كَانَت الْخلَافَة فِيهَا
وَقد حكى أبن الْأَثِير فِي تَارِيخه أَنه لما وصلت رسل ملك الرّوم إِلَى بَغْدَاد فِي سنة خمس وَثَلَاث مائَة فِي خلَافَة المقتدر رتب من الْعَسْكَر فِي دَار الْخلَافَة مائَة وَسِتُّونَ ألفا مَا بَين رَاكب وراجل ووقف بَين يَدي الْخَلِيفَة سبع مائَة حَاجِب وَسَبْعَة آلَاف خَادِم خصى وَأَرْبَعَة آلَاف بيض وَثَلَاثَة آلَاف سود ووقف الغلمان الحجرية
الَّذين هم بِمَثَابَة مماليك الطباق الْآن بأتم الزينه والمناطق المحلاه وزينت دَار الْخلَافَة بأنواع الأسلحة وغرائب الزينه وغشيت جدرانها بالستور وفرشت أرْضهَا بالبسط وَكَانَ عدَّة الْبسط أثنين وَعشْرين ألف بِسَاط وعدة الستور الْمُعَلقَة ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ ألف ستر مِنْهَا أثني عشر الف ستر من الديباج الْمَذْهَب وَكَانَ من جملَة الزينه شَجَرَة من الذَّهَب الْفضة بأغصانها وأوراقها وطيور الذَّهَب وَالْفِضَّة على أَغْصَانهَا وَأَغْصَانهَا تتمايل بحركات مصنوعه والطيور تصفر بحركات مرتبَة وألقيت المراكب والدبادب فِي دجلة بِأَحْسَن زِينَة وَكَانَ هُنَاكَ مائَة سبع مَعَ مائَة سِبَاع إِلَى غير ذَلِك من الْأَحْوَال الملوكية الَّتِي يطول شرحها قَالَ الْقُضَاعِي فِي عُيُون المعارف وَلم يزل أَمر الْخلَافَة متماسكا إِلَى حِين أستخلف المتقي لله فتفرد بتدبير الْأُمُور غير الْخُلَفَاء وتغلبت على مَا نأى من الْبلدَانِ الْأَقْوَى فالأقوى وأقتصر على الدُّعَاء لَهُم على المنابر وَفِي أَيَّام المستكفي بِاللَّه أستولى
بَنو بويه على بَغْدَاد وأستبد معز الدولة بن بويه بِالْأَمر وَنقش أُسَمِّهِ على الدناير وَالدَّرَاهِم مَعَ أسم الْخَلِيفَة وشاركه فِي الدُّعَاء على المنابر وَتصرف فِي أُمُور الدولة تصرف الْمُلُوك ورتب للخليفة كل يَوْم خَمْسَة آلَاف دِرْهَم لنفقاته لَا يصل إِلَيْهِ غَيرهَا بعد أَن كَانَ يحمل إِلَى خزانته أَمْوَال الْمشرق وَالْمغْرب هَذَا مَا تقهقر الْخلَافَة وأنحطاط رتبتها يَوْمئِذٍ
وَقد كَانَ للخلافة رسوم جاريه على تَرْتِيب خَاص بعضعها مضاه لتريب الْملك الْآن وَبَعضهَا خَارج عَنهُ مِنْهَا
الْجُلُوس على سَرِير الْخلَافَة فِي المواكب وَقد ذكر بعض المؤرخين أَن أصل ذَلِك أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان لما بدن أَسْتَأْذن أَصْحَابه فِي أتخاذ شَيْء يجلس عَلَيْهِ للأستراحه فأذنوا لَهُ فِي ذَلِك ثمَّ زادوا فِي أرتفاعه حَتَّى صَار السرير الَّذِي يجلس عَلَيْهِ الْخَلِيفَة فِي المواكب نَحْو سبعه أَذْرع فِيمَا حَكَاهُ أبن الْأَثِير وَغَيره عِنْد ذكر سلطنة طغريل السلجوقي على مَا سَيَأْتِي ذكره وَكَانَ يفرش للخليفة
على سَرِير الْخلَافَة فرش مُرْتَفعَة وَهِي الَّتِي يعبر عَنْهَا بسدة الْخلَافَة
وَمِنْهَا الصَّلَاة فِي الْمَقْصُورَة فِي الْجَامِع فِي الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَقد ذكر المؤرخون أَن أول من اتخذ الْمَقْصُورَة فِي الْجَامِع مُعَاوِيَة على مَا تقدم ذكره فِي تَرْجَمته ثمَّ اخْتلف فَقيل إِنَّه اتخذها حِين طعنه الْخَارِجِي وَقيل بل رأى كَلْبا على منبره فاتخذها وَقيل أول من اتخذها مَرْوَان بن الحكم اتخذها من حِجَارَة منقوشة فِيهَا كوى مفتحة وَقيل أول من اتخذها عُثْمَان بن عغان رضي الله عنه خوفًا أَن يُصِيبهُ مَا أصَاب أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رضي الله عنه على مَا سَيَأْتِي ذكره فِي الْبَاب السَّابِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَمِنْهَا ضرب الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَنقش اسْم الْخَلِيفَة وَقد ذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة أَن أول من ضرب الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم فِي الْإِسْلَام عبد الْملك بن مَرْوَان فِي سنة خمس وَسبعين من الْهِجْرَة وَقيل سنة ارْبَعْ وَسبعين وَكتب عَلَيْهَا الله أحد الله الصَّمد وَكَانَ الْمُتَوَلِي لأمر
ذَلِك الْحجَّاج بن يُوسُف ثمَّ ضربهَا فِي سَائِر النواحي فِي سنة سِتّ وَسبعين ثمَّ ولى ابْن هُبَيْرَة الْعرَاق فِي ايام يزِيد بن عبد الْملك فجود السِّكَّة ثمَّ بَالغ خَالِد القسرى فِي تجويدها ثمَّ يُوسُف بن عمر بعده وَقيل إِن اول من ضربهَا مُصعب بن الزبير بِأَمْر اخيه عبد الله بن الزبير حِين استولى على الْحجاز وَكتب على أحد الْوَجْهَيْنِ بركَة وعَلى الْوَجْه الآخر اسْم الله تَعَالَى ثمَّ غَيرهَا الْحجَّاج وَكتب عَلَيْهَا باسم الله وَكتب بعده الْحجَّاج ثمَّ اضيفت اسماء الْمُلُوك فِي السِّكَّة الى اسماء الْخُلَفَاء ثمَّ ابطلت اسماء الْخُلَفَاء من السِّكَّة جملَة وَاقْتصر على اسماء الْمُلُوك
وَمِنْهَا نقش اسْم الْخَلِيفَة على مَا ينسج من الْكسْوَة والطرز من الْحَرِير وَالذَّهَب بلون مُخَالف للون الأَصْل ليمتاز بذلك مَا يخْتَص بالخلافة عَن غَيره وَهُوَ رسم قديم للخلفاء فِي الدولتين الأموية والعباسية ثمَّ ابدل ذَلِك باسم الْمُلُوك عِنْد تغلبهم على الْخُلَفَاء كَمَا تقدم فِي أَمر الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم
وَمِنْهَا خطابة الْخَلِيفَة بِنَفسِهِ فِي مَكَان إِقَامَته وخطابة
الْأُمَرَاء بِالْأَعْمَالِ الَّتِي يلونها عَن الْخُلَفَاء وَهُوَ رسم قديم من صدر الْإِسْلَام الى حِين تقهقر أَمر الْخلَافَة فأهمل الْخُلَفَاء الخطابة بِأَنْفسِهِم وفوضوها الى الخطباء وَقد ذكر ابْن الْأَثِير وَغَيره أَن آخر خَليفَة خطب بِنَفسِهِ على مِنْبَر بِكَثْرَة الراضي وَإِن كَانَ غَيره رُبمَا خطب نَادرا
وَمِنْهَا الدُّعَاء للخليفة على المنابر وَهُوَ رسم قديم للخلفاء وَرَأَيْت فِي بعض التواريخ أَن أول خَليفَة دعى لَهُ على مِنْبَر أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن ابي طَالب رضي الله عنه دَعَا لَهُ عبد الله بن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ اللَّهُمَّ انصر على الْحق فَتَبِعَهُ النَّاس بعد ذَلِك فِي الدُّعَاء للخلفاء على المنابر فِي سَائِر الاعمال قَالَ ابو هِلَال العسكري فِي كِتَابَة الْأَوَائِل وَأول من دعى لَهُ بنعته على الْمِنْبَر مُحَمَّد الْأمين بن الرشيد فَقيل وَأصْلح عَبدك وخليفتك عبد الله مُحَمَّدًا الْأمين وَلم يذكر قبله نعت أحد من الْخُلَفَاء على مِنْبَر وَكَانَت الْخُلَفَاء يفردون بِالدُّعَاءِ على المنابر الى أَن غلبت الْمُلُوك على الْخُلَفَاء فأشركوا مَعَهم فِي الدُّعَاء قَالَ