الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسباب حذف حروف المعاني
العرب قد تحذف حروف الجر من أشياء هي محتاجة إليها، وتزيدها في أشياء هي غنية عنها فإذا حذفوا حرف الجر مما هو محتاج إليه، فذلك لأسباب ثلاثة:
أحدها: أن يكثر استعمال الشيء، ويفهم الغرض منه، فيحذفون حرف الجر تخفيفا.
والثاني: أن يحمل الشيء على شيء آخر هو في معناه، ليتداخل اللفظان كما تداخل المعنيان كقولهم استغفر اللَّه ذنبي، حين كان بمعنى أستوهبه إياه.
والثالث: أن يضطر إلى ذلك الشاعر:
تمرون الديار ولم تعوجوا
…
سلامكم علي إذاً حرام
وإذا زاد حرف الجر فيما هو غني عنه فذلك لأسباب أربعة:
أحدها: تأكيد المعنى وتقوية عمل العامل، وذلك بمنزلة من كان معه سيف صقيل فزاده صقلا وهو غنيٌ عنه.
والثاني الحمل على المعنى، ليتداخل اللفظان كتداخل المعنيين، نضرب بالسيف ونرجو بالفرج فعُدّي الرجاء بالباء حين كان بمعنى الطمع.
والثالث: أن يضطر الشاعر إلى الزيادة لإقامة وزنه
والرابع: أن يحدث بزيادة حرف معنى لم يكن في الكلام، وهذا أظرف الأنواع الأربعة وألطفها مأخذا وأخفاها صنعة، ومن أجل هذا النوع أراد الذين أنكروا هذا الباب، أن يجعلوا لكل لفظ معنى غير الآخر، فضاق عليهم المسلك، وصاروا إلى التعسف، وهذا النوع كثير في الكلام، يراه من منحه اللَّه طرفا من النظر، ولم يمر عليه مُعرضا عنه، فمن ذلك قولهم شكرت زيدا، وشكرت لزيد، يتوهم كثير من أهل هذه الصناعة أن دخول اللام ههنا
كخروجها، كما توهم ابن قتيبة ويعقوب، ومن كتابه نقل ابن قتيبة ما ضمنه هذا الباب وليس كذلك، لأنك إذا قلت شكرت زيدا، فالفعل متعد إلى مفعول واحد، وإذا قلت شكرت لزيد صار بدخول اللام متعديا إلى مفعولين لأن المعنى: شكرت لزيد فعله وإنما يترك ذكر الفعل اختصارا ويدلك على ذلك ظهور المفعول في قول الشاعر:
شكرت لكم آلاءكم وبلاءكم
…
وما ضاع معروف يكافئه شكر كان الشكر له فصار هنا لآلائه وبلائه.
ومن هذا النوع قولهم كلت الطعام ووزنت الدراهم فيعدونها إلى مفعول واحد ثم يُدخلون اللام فيعدونها إلى مفعولين، فيقولون كلت الطعام لزيد، ووزنت الدراهم لعمرو، وإذا قالوا كلت لزيد ووزنت لعمرو فإنما يتركون ذكر المكيل والموزون اختصارا. وكذلك إذا قالوا: كلت زيدا ووزنت عمرا، وحذفوا حرف الجر والمفعول الثاني اختصارا وثقة بفهم السامع.
وذكر ابن درستويه: أن نصحت زيدا ونصحت لزيد من هذا الباب، وأن اللام فإنما تدخله لتُعديه إلى مفعول آخر وأنهم إذا قالوا نصحت لزيد فإنما يريدون نصحت لزيد رأي أو مشورتي فيترك ذكر المفعول اختصارا.
وذكر في هذا الباب قوله تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) قال معناه يخوفكم بأوليانه وقال الزمخشري: يخوفكم أولياءَه. ومن حذف حرف العطف ما أنشده ابن الأعرابي:
وكيف لا أبكي على علاتي
…
صبائحي غبائقي قيلاتي
ومن حذف الباء ما قاله رؤبة إذا سئل كيف أصبحت فيقول: خير عافاك الله.
ومن حذف واو القسم ما حكاه سيبويه: اللَّهِ لا أفعل. ومن أبيات الكتاب:
من يفعل الحسنات اللَّه يشكرها
…
والشر بالشر عند اللَّه مثلان
أي فاللَّه يشكرها حذف الفاء الرابطة لجواب الشرط. وحذف همزة الاستفهام في قول الكُميت:
.............................. ولا لعبأ مني وذو الشيب يلعب؟
وقول ابن أبي ربيعة:
ثم قالوا تحبها قلت بهرا .............................. أي أتحبها؟