الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ تَعَالَى:
(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)
قال الزمخشري: فإن قلت: لم عُدي فعل الإيمان بالباء إلى اللَّه تعالى وباللام إلى المؤمنين؟ قلت: لأنه قصد التصديق باللَّه الذي هو نقيض الكفر. وقصد الاستماع للمؤمنين، وأن يسلم لهم ما يقولونه ويصدقهم لكونهم صادقين عنده فعدي باللام. ألا ترى إلى قوله تعالى:(وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ).
وقال أبو حيان: وتعدية يؤمن أولا بالباء وثانيا باللام، قال ابن قتيبة: هما زائدتان. وقال ابن عطية: يؤمن باللَّه يصدق ويؤمن للمؤمنين يصدق واللام زائدة.
وقال البيضاوي: ويؤمن للمؤمنين: يصدقهم لما علم من خلوصهم، واللام مزيدة للتفرقة بين إيمان التصديق فإنه بمعنى التسليم، وإيمان الأمان.
ومثله ذكر أبو السعود.
وقال الجمل: وقوله يؤمن للمؤمنين أي يسلم ويرضى لهم، وفي الكرخي أنه عُديَ الإيمان إلى اللَّه بالباء لتضمنه معنى التصديق، ولموافقة ضده وهو الكفر في قوله تعالى:(مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ) وعداه للمؤمنين باللام لتضمنه معنى الانقياد والتسليم، وموافقة لكثير من الآيات (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا).
و (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) و (أَنُؤْمِنُ لَكَ).
أقول: جاء فعل الإيمان متعديا بالباء فتضمن معنى التصديق، وتعدى باللام فتضمن معنى الرضى والتسليم والإذعان لأن إيمانهم يعصمهم من الكذب والرياء، فرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقبل ما يقولونه ويسلم لهم راضيا لما يسمعه منهم، إنه الرحمة المهداة وإنه الإيمان، وإنه الرضا والتسليم.
أرأيت إلى تعدية الأفعال بحروف المعاني في هذه اللغة الشريفة كيف تبدي لك محاسنها، لتتأملها بالبشر والإيناس من خلال تركيبها في دقة المسلك ولطف المأخذ على وجه مستطاب، حين جمعت معنى التصديق إلى الرضا والتسليم والإذعان وأبلغ اللفظ ما تعددت وجوه إفادته.
* * *
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)(5).
قال العز بن عبد السلام: يقرون بالغيب لإفادة معنى التصديق بالقلب والإقرار باللسان ومثله: (آمَنُوا بِاللَّهِ) معناه صدقوا وحدانية اللَّه وأقروا بها. ضمن آمن معنى أقر فعداه تعديته فصار متضمنا لتصديق الجنان وإقرار اللسان.
وذكر أبو حيان: الإيمان: التصديق. وما أنت بمؤمن لنا أصله من الأمن والأمانة ومعناه الطمأنينة. آمنه: صدقه. وآمن به: وثق به والهمزة للصيرورة كأعشب أو للطواعية كأكب. وضمن معنى الاعتراف أو الوثوق فعدي بالباء وقال الزمخشري: أما تعديته بالباء فلتضمنه معنى أقر أو اعترف أي يعترفون ويثقون بأنه الحق
أقول: المؤمن يتميز بهذه العقيدة: تصديق بالغيب وإقرار، ويقين بالآخرة يصدقه الجنان، وإدراك بأن المناهج والأجهزة والنظم في هذا الدين امتداد للمشاعر والحواس، إنه الشمول بوحدة المشاعر الإيجابية والمناهج المتكاملة، وبهذا يصون المؤمن طاقته الفكرية عن الانشغال بغير ما خلقت له، فما خلقت إلا لتعمل وتنتج وتبدع.
الإيمان بالغيب هو العقبة التي يجتازها الإنسان، فيتجاوز ما تدركه حواسه
…
نقلة بعيدة لحقيقة الوجود، وما وراء الوجود. وإن وراء الكون حقيقة أكبر من هذا الوجود
…
حقيقة الذات الإلهية لا تدركها الأبصار، ولا تحيط بها العقول؛ فمحاولة إدراك ما وراء الواقع بالعقل المحدود محاولة فاشلة، بل عابثة لأنها تبدد طاقة العقل التي لم تخلق لهذا المجال إنه التضمين
…
* بصير بمعرفة المقام خبير *
يخلع على اللفظ (يؤمنون) مشاعر ندية، يترجمها عنه هذا الشمول من: تصديق
…
وإقرار
…
ويقين
…
وإدراك، ولكنها تنبعث من وحدة العقيدة.
* * *