الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَقِّ). ولولا هذا الملحظ الشرعي في المشترك اللفظي (تخشى) والذي دل عليه وجه من التأويل ولا يستقيم المعنى بدونه، لما بدت لنا محاسن التضمين، وقد جاء مدلولا عليه بغيره، غير مكشوف عن وجهه، ذاهبا به مذهب التعريض والتلميح، فإيثار الخشية على الحياء كان توجيها منه سبحانه إلى عباده أن يصرفوا الخشية إليه وحده فهو مختص بها، واختصاصه بها ينفي ما عداه، فلا يجوز أن يشترك معه سواه، فللَّه عاقبة التضمين، يُذهب اللبس، ويُزيل العوائق، ويهدي السبيل.
* به تُدفَع الجُلّى ويُجبَر الكسرُ *
* * *
قَالَ تَعَالَى:
(لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
(2).
قال الراغب: المخالفة: أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو قوله. أ. هـ.
وخالف يتعدى بنفسه وبـ إلى وحين عُدي بـ (عَنْ) تضمن معنى صدَّ أو أعرض. وإذا قال ابن عطية: (عن) هي لما عدا الشيء، أن يقع خلافهم بعد أمره، كما تقول: كان المطر عن ريح. فقد قال أبو عبيدة والأخفش: (عن) زائدة نقل ذلك أبو حيان. وذكر الزركشي ....................
والعكبري: تضمن يخالفون معنى يميلون أو يعرضون أو يعدلون أو ينحرفون أو يزيغون. وقال الزمخشري؛ يصدون وهم المنافقون فحذف المفعول لأن الغرض ذكر المخالَف. وأما المخالف عنه: فهو اللَّه أو رسوله والمعنى عن طاعته ودينه. وذكر الموزعي: أن (عن) بمعنى (بعد). وقال الخليل وسيبويه: ليست بزائدة والمعنى يخالفون بعد أمره كما قال امرؤ القيس في معلقته: وتضحى فتيت المسك فوق فراشها
…
نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل وذكر الآلوسي: أكثر استعمالها بدون (عن) فإذا ذكرت (عن) فعلى تضمين معنى الإعراض، وقيل: الخروج - يخرجون عن أمره - ونقل عن ابن الحاجب معنى التباعد والحَيَد أي يحيدون عن أمره بالمخالفة وهو أبلغ من يخالفون، وحذف المفعول لقبح حال المخالف وتعظيم أمر المخالَف عنه.
وذكر الجمل: و (عن) إما لتضمينه معنى الإعراض أو حمله على معنى يصدونه عن أمره دون المؤمنين. مِن: خالفه عن الأمر: إذا صد عنه. أو تكون (عن) زا ئدة.
أقول: تعبير التسلل يتمثل فيه الجبن عن المواجهة، وحقارة الشعور المرافق له في النفوس وأما (عن) بمعنى (بعد) فتحصيل حاصل، فهل تُعَد مخالفا قبل إصدار الأوامر؟! وأما ما ارتضاه أبو عبيدة والأخفش من زيادة عن فقد عَزُب عنهما غرضه لدقته ولُطفه، فلو أسقطنا الحرف لَتجافَى الفعل عن معناه وزال عنه أجمل ما فيه، ولن نُعيد إليه ما كان له من الحسن واللطف حتى نرد
عليه ما أسقطناه عنه. وقول الزمخشري: تضمَّن معنى (يصدون) وهم " المنافقون " فالسياق يدل على توجيه الخطاب لكل من كان حول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الخندق من منافقين ومرجفين ومثبطين ومؤمنين فتخصيص العموم غير وارد.
وما ذهب إليه ابن الحاجب في تضمينه معنى (حاد) فقد كان في منتهى الفقاهة في تصوير الحالة النفسية للنماذج البشرية حول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والتحذير الرهيب من اللَّه أن تصيبهم فتنة في الدين أو الدنيا أو عذاب أليم في الآخرة، التحذير لا لمن خَالف الأوامر، أو صد، وإلا لقال: يخالفون أمره.
وإنما لمن حاد عنها، والحيدان أدنى درجات المخالفة عن المنهج الرباني والسنة المطهرة.
وبهذه الآية احتج الفقهاء على أن الأمر على الوجوب، لأن اللَّه حذر من مخالفة أوامره ونواهيه في الحدود والآداب والأخلاق في سورة النور هذه وتوعد بالعقاب عليها بفتنة تختل فيها الموازين ويختلط الحق بالباطل ويشقى بنارها الجميع فإن كان التحذير هو من الحيدان فلم جاء التعبير بالمخالفة؟
أجيب: الحيدان قد يكون عن سهْوِ وغفلة، وهذا يرده إلى الصواب التنبيه. أما المخالفة فإنها تصدر عن تصميم وقصد وعدم مبالاة بالأوامر شأن المنافقين الذين يتسللون ويذهبون بغير إذن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك يكمن الخطر.
تلك الآداب التي تنتظم بين أفراد الجماعة يستقيم أمرها بوقار قائدها وهيبته.
وباستقرار هذه المشاعر في أعماق ضميرها تصبح قانونا نافذا في حياتها، وإلا