الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتضمين في الفعل موضع شريف، أكثر الناس يضعف عن احتماله لغموضه ولطفه، والمنفعة به كبيرة، والاستناد إليه مُجْدٍ، وهو مَعلَم من معالم سَداد عقول أصحابه، دل على فضيلة لغتهم، وأن في طباعهم قبولا لها.
فالتضمين النحوي إذاً سبب من أسباب تعدي الفعل ولزومه وذلك، بأن نشرب فعلا لازما أو أحد مشتقاته معنى فعل متعد ليتعدى تعديته:(وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) قد ضمن تعزموا معنى تنووا فعدي تعديته. أو أن نُشرِب فعلا متعديا أو أحد مشتقاته معنى فعل لازم ليصير لازما مثله: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) ضمن (يخالف) معنى (يخرج) فصار إلى اللزوم.
ويختص التضمين عن غيره من المعديات بأنه قد ينقل الفعل إلى أكثر من درجة ولذلك عدي (ألوت) إلى مفعولين بقصر الهمزة بمعنى (قصرت) بعدما كان قاصرا (لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا) لما ضمن معنى (لا أمنعك). وعدي (أخبر وخبر وحدث وأنبأ ونبأ) إلى ثلاثة مفاعيل لما ضمن معنى (أعلم وأرى) بعدما كان متعديا لواحد بنفسه وإلى الآخر بالباء (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ)(نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ)
المطلب الأول: التضمين يجعل اللازم متعديا والمتعدي لازما:
إذا ضمن اللازم معنى المتعدي تكون تعديته قرينة للتضمين (فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ) تضمن (استبق) معنى (ابتدر).
وهذه طائفة من الأفعال اللازمة جعلها التضمين متعدية: -
(سَفِهَ نَفْسَهُ) تضمن (سفه) معنى خاف أو امتهن أو أهلك.
(لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ)(وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) قعد تضمن معنى لزم.
(وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ) تضمن (عزم على) معنى نوى.
رحبتكم الدار - تضمن معنى وسعتكم.
طلع القمر اليمن - تضمن معنى بلغ.
سمع اللَّه لمن حمده - تضمن معنى استجاب. فطلع ورحب لازم عداه التضمين. وسمع متعدٍ بنفسه فبالتضمين صار لازما.
وهذه طائفة من الأفعال المتعدية لمفعول جعلها التضمين لازمة:
(وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) تضمن معنى تسهو أو تغفل أو تنبو عنهم.
(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) تضمن معنى يحيدون عن أمره.
(أَذَاعُوا بِهِ) تضمن معنى أفشَوا به.
(وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) تضمن معنى بارك لي في ذريتي.
(لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى) تضمن معنى يُصغون.
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) قبل: (مِنْ) زائدة يعتزلون نسانهم.
وضمن آلى امتنع فعدي بمن
قال ابن قيم الجوزية: قولنا استغفر زيد ربه ذنبه فيه ثلاثة أوجه:
أحدها هذا. والثاني: استغفر زيد ربه من ذنبه. والثالث: استغفر زيد ربه لذنبه. وهذا موضع يحتاج إلى تدقيق نظر، وهل الأصل حرف الجر وسقوطه مضمن أم الأصل سقوطه وتعديه بنفسه وبالحرف مضمن؟ قال السهيلي: الأصل فيه حرف الجر وأن يكون الذنب نفسه مفعولا بـ استغفر غير متعد بحرف الجر، لأنه من غفرت الشيء إذا غطيته وسترته، مع أن الاسم الأول هو فاعل بالحقيقة وهو الغافر. ثم أورد على نفسه سؤالا فقال: فإن قيل: فإن كان سقوط حرف الجر هو الأصل فيلزمكم أن تكون (مِنْ) زائدة كما قال الكسائي. وقد قال سيبويه والزجاج: إن الأصل حرف الجر ثم حذف فنصب الفعل. وأجاب: بأن سقوط حرف الجر أصل في الفعل المشتق منه نحو غفر.
وأما استغفر ففي ضِمن الكلام ما لا بد منه من حرف الجر لأنك لا تطلب غفرا مجردا من معنى التوبة والخروج من الذنب، وإنما تريد بالاستغفار خروجا من الذنب وتطهيرا منه فلزمت (مِن) في هذا الكلام لهذا المعنى، فهي متعلقة بالمعنى لا بنفس اللفظ، فإن حذفتها تعدى الفعل فنصب وكان بمنزلة: أمرتك الخير، فإن قيل: فما معنى قولكم في نحو قوله تعالى: (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) قلنا: هي متعلقة بمعنى الإنقاذ والإخراج من الذنب، فدخلت (مِنْ) لتؤذن بهذا المعنى
ولكن لا يكون ذلك في القرآن إلا حيث يذكر الفاعل والمفعول الذي هو الذنب نحو قوله: (لكم) لأنه المنقذ المخرج من الذنوب بالإيمان.
ولو قلت: يغفر من ذنوبكم دون أن يذكر الاسم المجرور، لم يحسن إلا على معنى التبعيض، لأن الفعل الذي كان في ضمن الكلام وهو الإنقاذ، قد ذهب بذهاب الاسم الذي هو واقع عليه.
فإن قلت: فقد قَالَ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) وفي سورة الصف: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) فما الحكمة في سقوطها هنا؟ وما الفرق؟
قلت: هذا إخبار عن المؤمنين الذين قد سبق لهم الإنقاذ من ذنوب الكفر بإيمانهم، ثم وُعِدوا على الجهاد بغفران ما اكتسبوا في الإسلام من الذنوب وهي غير مُحبطة كإحباط الكفر المهلك للكافر، فلم يتضمن الغفران معنى الاستنقاذ، إذ ليس ثَم إحاطة من الذنب بالذنب. وإنما يتضمن معنى الإذهاب والإبطال للذنوب لأن الحسنات يذهبن السيئات. بخلاف الآيتين المتقدمتين، فإنهما خطاب للمشركين، وأمرٌ لهم بما يُنقذهم ويُخلصهم مما أحاط بهم من الذنوب وهو الكفر.
ففي ضمن ذلك الإعلام والإشارة بأنهم واقعون في مهلكة قد أحاطت بهم، وألا ينقذهم منها إلا المغفرة المتضمنة للإنقاذ الذي هو أخص من الإبطال والإذهاب.
وأما المؤمنون فقد أُنقذوا، وأما قوله تعالى:(وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ) فهي في موضع (مِنْ) التي للتبعيض لأن الآية في سياق