الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاهلية اليوم تتهم الذين يربطون العقيدة بالسلوك الشخصي والتعامل المادي، بالرجعية والتخلف، فما علاقة الدين بالربا والاقتصاد الحر؟! فلْيُروج بضاعته بأي أسلوب شاء (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)؟! هكذا سخر منه قومه كما يسخر اليوم الكفرة الفجرة: وهل يقوم اقتصاد على غير قواعدَ ربوية؟! نعوذ باللَّه من العمى بعد الإبصار.
إنه التضمين
…
وفي مطاويه من أسرار المعاني ما لا تراه في غير هذه اللغة الشريفة.
* * *
قَالَ تَعَالَى:
(وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ)
(2).
جاء في اللسان: خلا إليه مال إليه والميل العدول إلى الشيء والإقبال عليه. وفي مفردات الراغب: خلا به: سار معه في خلاء، وخلا إليه: انتهى إليه في خلوة. وفي معالم التنزيل: (إلى) بمعنى (الباء) وقيل بمعنى (مع).
إذاً فعل (خلا) يتعدى بالباء والى ومع، إلا أن أبا حيان قال: إذا تعدى بالباء احتمل معنيين: أحدهما الانفراد والآخر السخرية، ولا يحتمل إلا معنى واحداً إذا تعدى بـ (إلى). وذلك بتضمينه معنى صرف أي صرفوا خلاهم إلى شياطينهم وفي الآية (76) في البقرة:[(وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ)] قال:
الأوْلى أن يضمن فعل خلا معنى فعل يتعدى بـ (إلى) أي: انضوى واستكان، لأن تضمين الأفعال أوْلى من تضمين الحروف. ونص ابن كثير: على تعاقبها مع
(مع) لكنه استحسن التضمين. أما الزمخشري: فجمع المعنيين السخرية والإنهاء فقال: أنهوا السخرية بالمؤمنين إلى شياطينهم وحدثوهم بها.
وابن عاشور قال: خلا فعل قاصر ويعدى (بالباء واللام ومن ومع) بلا تضمين ويعدى بـ (إلى) على تضمين معنى آب وخلُص، ويعدى بنفسه على تضمين تجاوز وباعد ومنه (افعل كذا وخلاك ذم).
وذهب الرازي: إلى تضمينه معنى مضى ومنه (القرون الخالية) وضمنه الخازن معنى رجعوا و (إلى) بمعنى الباء أو مع، ونفى الطبري التعاقب هنا وجعل التضمين أصوب، وضمنه الشوكاني معنى ذهبوا وانصرفوا وضمنه الزركشي معنى انصرفوا وقال: التضمين أولى من معنى الباء أو مع.
أقول: ولعلي أميل إلى تضمينه معنى (خَلُص) لأن خلوة المنافقين كانت في خلوصهم إلى شياطينهم عند إيابهم ومرجعهم إليهم، على حين لقاءاتهم بالمؤمنين لمحات عابرة وسريعة.
نفهم هذا من سياق الآية (وَإِذَا لَقُوا) لقاءٌ عابر وسريع وأسلوب المنافقين أن يستتروا عن الأعين فهم بحاجة إلى خلوة، وجاء اللقاء بالمؤمنين في جملة فعلية ليفيد الحدوث الخاطف، ومع الشياطين في جملة اسمية لتفيد الثبوت والاستمرار. أو تضمين (خلا) معنى (أوى وسكن) أو (ضوى)
لأنهم يلقون الراحة في الإيواء إليهم بدليل قولهم (إِنَّا مَعَكُم) فخُلوّهم إلى شياطينهم يجدون السكينة في معيتهم، ويبقى التضمين صاحب فضل بتأليق المعنى في صورة تستهوي القارئ الفطِن، وتستولي على النفس الزكية. فلولا (إلى) هذه لما انكشفت لنا خِسة المنافق وقذارة نفسه الدنية، بلقائه العابر والخاطف بالمؤمنين واستكانته وراحته وخلوصه إلى شياطين الإنس من الكافرين.
المؤمن يتصرف في النور والمنافق حريص على العَتَمَة، يتصرف خفاءً لئلا يراه أحد يهْتبل خلوةَ لِيَضْوى إلى شياطينه يَخلُص إليهم، وتسكن روحه وتطمئن وبهذا يُخفى قبحه ويستر جريمته، لأن أحداً لا يرضى عن عمله
…
أرأيت كم في (إلى) مع فعل (خلا) من إعجاز! إنه التضمين وإنه لكنز دفين، يومئ ولا يُبيح، يُلمح ولا يُصرح، يُكِنُ ولا يُعْلِن، يُخافت ولا يجهر.
سلسل قليلا إنما
…
سرعان ما يتمنَّعُ
* * *
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)(2)
حكى أبو حيان: الأوْلى أن يضمن فعل (خلا) معنى فعل يتعدى بـ (إلى) أي (انضوى واستكان) لأن تضمين الأفعال أوْلى من تضمين الحروف.
وقال القرطبي: لمَ وُصِلَتْ بإلى وعُرفُها أن توصل بالباء؟ قيل: خلَوْا هنا بمعنى ذهبوا وانصرفوا وقال قوم: (إلى) بمعنى (مع) وفيه ضعفٌ، وقال قوم:(إلى) بمعنى (الباء) وهذا يأباه الخليل وسيبويه. وفي هامش الجمل: ضمن السيوطي (خلا) معنى (رجع). وقال عبد الفتاح الحموز: الفعل خلا يتعدى بـ (مع) ويجوز أن يُضمن معنى (انضوى).
أقول:: فعل خلا يتعدى بالباء. خلا به: انفرد به. ولعل تضمين (خلا) معنى (ارتاح إليه وسكن) أقرب إلى السياق، فخُلوّهم إلى بعض يجدون السكينة والطمأنينة والارتياح، وفي خلواتهم هذه ما شئت من وسائل الكيد والفتنة، يُحذرنا اللَّه منها حين يكشفها لنا. وتلك جبلتهم وما نلقاه من شرورهم بل وما يلقاه العالم كله منهم من نقضٍ للمواثيق ونكول عن العهود، وجدالهم بالباطل وتحريفهم لنصوص كتابهم ومخالفة شريعتهم.
وهاهم المسلمون اليوم يعانون من مكرهم ودسائسهم وعدوانهم ما عاناه أسلافهم من قبل.
أين المسلمون الذين ينتفعون من هدي القرآن في ردّ كيد يهود ومكرهم؟ بل والقضاء عليهم ويهود اليوم يبذلون الكثير لصرف المسلمين عن كتابهم بكل الوسائل كي لا يكون مصدرا لقوتهم من جديد، وكل مُعادٍ للإسلام أو صارف عنه حتى ولو كان من بني جلدتنا تحت أي شعار كان: فهو يهودي أو من عملاء يهود وسيبقى يهود مستمتعين بنعمة الأمن ما دام المسلمون غافلين عن فريضة الجهاد، أو متثاقلين.