الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ تَعَالَى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا)
(أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) تضمن معنى (تُدعَوا) كما ذكر الطبري والعز وأبو السعود والجمل والبيضاوي وقال القرطبي: ولكن إذا دعيتم وأذن لكم في الدخول فادخلوا وإلا فالدعوة نفسها لا تكون إذنا كافيا في الدخول لأنه حرام. وإنما جاز الأكل، فإذا انقضى الأكل زال السبب المبيح، وعاد التحريم إلى أصله ا. هـ. وأورد ذلك الآلوسي وزاد عليه: ويجوز في (إلى طعام) أن يكون قد تنازع فيه الفعلان: تدخل ويؤذن.
أقول: وظاهر الأمر أن تضمين (أذن) معنى (دعا) استدل به المفسرون من قول اللَّه تعالى: (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا) وإذا كان الأمر كما قالوا: لا تدخلوا إلا أن تدعوا إلى طعام فما معنى الاستدراك (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا)؟ إنه إذا من فضول القول وإنما تضمن الإذن معنى السماح والمتعدي باللام وإلى، والمعنى: لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يسمح لكم إلى طعام. والمستضاف يستأذن المضيف ليأذن له ويصبح الاستدراك عندئذ (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ) كالتنيه على الخبيء ليدرك، والدفين ليستخرج. أي إذا وجهت إليكم دعوة فادخلوا، ولا داعي للإذن ما دامت تحمل معناه على الوجه
الأكمل والأضوأ، فالدعوة عامة والداخل ليس بحاجة إلى إذن ما دام الباب مفتوحا للمدعوين يدخلون أفواجا ويخرجون جماعات جاء الاستدراك بـ (لكن) لتوقيف الإذن ولمعنى السماح - إلا أن يؤذن لكم - أرأيت إلى حكمة اختيار (لكن) وإعجازها؟! إنها الحروف
…
وإنها أسرار الإعجاز والصنعة.
* * *
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)(2) الإرادة نزوع النفس إلى شيء ما والسعي في طلبه. أو هي القصد والطلب قال الطبري: يرد فيه إلحاداً بظلم وأدخلت الباء كما في: (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) وذهب أبو حيان إدى تضمين يرد معنى (يلتبس) فيعدى بالباء.
وعلق الجزاء (نُذِقْهُ) على الإرادة، فلو نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب عليها إلا في مكة، وهذا قول ابن مسعود وجماعة. وضمنه ابن القيم معنى (يهم) والهم أبلغ من الإرادة، فكان في ذكر الباء إشارة إلى استحقاق العذاب عند الإرادة وإن لم تكن جازمة، ومفعول (يرد) كما أشار الزمخشري متروك ليتناول كل متناول، وكأنَّه قال: ومن يرد فيه مرادا ما عادلا عن القصد ظالما نذقه من عذاب أليم، وخبر (إن) محذوف لدلالة جواب الشرط عليه. وذهب
البيضاوي والآلوسي إلى أن الباء سببية (بِظُلْمٍ) أي ملحدا بسبب الظلم. وفي الجلالين بإلحاد: الباء زائدة أي في المفعول: إلحادا، وكذلك الزركشي.
أقول: من الملاحظ في سياق الآية التهديد الرعيب
…
بيت اللَّه الحرام الذي جعله اللَّه دار أمان يستوي المقيم فيه والطارئ عليه تضاعف فيه السيئات حتى شتم الخادم. منطقة محرمة، ودار أمان للمسلمين، لا يُنفَّر صيدها ولا يُقطع شجرُها ولا تُبوَّبُ دورُها، مفتوحة لكل قادم من عاكف وباد، من مقيم فيه وطارئ عليه لا يمنع عنه أحد.
الآية إذاً تغير: من أراد أن ينحرف عن هذا النهج، مجرد الإرادة والنية فله عذاب عظيم، فكيف بـ (مَن) ألحد وظلم، وهذا سبب سُكنى عبد اللَّه بن عباس الطائف، ولعل تضمين أراد معنى طمع به، يستنيم إليه السياق ويهش له، فالطمع نزوع النفس إلى شيء تشتهيه وترجوه. وتبقى الشهوة ويبقى الرجاء انفعالا نفسيا لا وجود له في الواقع. بخلاف الإرادة فإن فيها سعياً لتحقيق ما ترغب، أي ومن يطمع في مكة بالعدول عن الحق، بسبب ظلمه، عادلاً ظالماً، نذقه من عذاب أليم. ويبقى التضمين مصدر إثراء لهذه اللغة الشريفة لأنه أفاد المعنيين جميعا (إرادته والطمع به)، فمن تناكره حرم فائدته ومن استرفده وجده في عونه آخذاً بيده إلى إدراك مطلوبه.
* * *