الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويلاه ما أحلاه إنْ
…
كشفَ اللثامَ أو استتر
فالقول بسقوط الحرف مرذول مُطّرح، ومقام زَلْخ، لا تُعطِ بيدك مع أول خاطر له، وكِلِ الحال إلى ملاطفة التأول وتأتَّ له ما استطعت.
* * *
قَالَ تَعَالَى:
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ)
(1)
التدبير: التفكر في دبر الأمور والنظر في عاقبتها. أورد الجمل: (إلى) متعلقة بـ (يُدبر) لتضمنه معنى (يُنزل) أما الزمخشري: فقال: يدبر الأمر: يُنزله مدبرا من السماء إلى الأرض، والأمر: المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحة ونقل القرطبي عن ابن عباس قوله: ينزل القضاء والقدر، وقيل: ينزل الوحي مع جبريل، وقيل: إن العرش موضع التدبير وما دون العرش موضع التفصيل وما دون السماوات موضع التصريف. وقال البروسوي: إضافة التدبير إلى ذاته سبحانه إشارة إلى أن تدبير العباد عند تدبيره لا أثر له. والتدبير بالنسبة إليه تعالى هو التقدير وتهيئة الأسباب.
وقال الآلوسي: والفعل مضمن معنى الإنزال، والجاران متعلقان به، و (مِنْ) ابتدائية و (إلى) انتهائية أي يدبره على وجه الإتقان ومراعاة الحكمة مُنزلا له من السماء إلى الأرض. وقال ابن جُزي: يدبر أمر الدنيا بأسباب
سماوية نازلة آثارها إلى الأرض يراعي المصالح تفضلا وإحسانا، وقيل: يدبر الأمر بإظهاره في اللوح فينزل به الملك.
أقول: من وحي التدبير وفي ظلال خلقه للسماوات والأرض وما بينهما، وفي الاستعلاء المطلق على هذا الخلق (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) يُطرح سؤال: أين الولي من دونه؟ أين الشفيع الخارج على سلطانه؟ ويأتي الجواب: لا أحد مخلوق عبثا ولا شيءَ متروك سُدى، إلا ويد التدبير ظاهرة في خلقه أفلا تتذكرون!.
كل شيء حيثما امتد البصر متقن الصنع، بديع التكوين، يتجلى فيه الإتقان والتدبير.
يرسم التعبير القرآني منظوراً شاملاً ضخماً من السماء إلى الأرض بكلمتين اثنتين: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) يمنح المؤمن رصيدا ضخما من ذخائر الكمال والجمال ليتملى آيات الإحسان المنبثقة من جمال صَنُعة الخالق.
ويعرض صفة الألوهية في صفحة الوجود والهيمنة على الكون في أوجز وأعجز تعبير: - يدبر الأمر - ومجال تدبيره أوسع وأشمل من السماء والأرض.
هذا التدبير لامر السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من خلائق، لا يعلمها إلا هو، يتضمن:(التنزيل)، و (التقدير)، و (التنسيق)، و (التفصيل)، و (التصريف)، و
…
وما تتسع له العبارة
…
ذلك هو اللَّه (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) وهذه صفات أُلوهيته: صفة الخلق، والتدبير، والقدير، والإحسان، والإنعام، والإتقان، و
…
ولا يُدركُ قلب المؤمن هذه الآفاق إلا حين يستيقظ من ملالة الإلف والعادة، ويبصر بنور اللَّه جمال هذا الوجود وفق ما يريده له مبدعه، ووقتها يحس بالصلة بين المبدع وما أبدع، والمدبر وما صنع.