الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقيدة، ويسود منتصرا على قومه بقوة حجته ومعه من اللَّه ظهير. لقد سقطت حجتهم وعلت حجته - فـ (على) هذه والتي لا يتعدى بها فعل (آتى) كشفت عن التماس إبراهيم عليه السلام سبيل الحجج والبراهين في معركة الصراع مع الباطل، فجاء الإتيان - وهو هبة ومنحة - مكافأة له على اجتهاده ولولاها لبقي الإتيان بعيدا عن معنى التزويد والتسويد.
إنه التضمين بمائه وصقاله، وتلامح أنحائه، فمن أعرض عنه لجفاء طبع فيه فقد حُرِمَ لُطفَ شفافيته.
وألتمس الفَهم جَهدي به
…
وأجعلُ ظني به مُحسِنا
* * *
قَالَ تَعَالَى:
(حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)
.
فعل (أتى) يتعدى بنفسه كأن يقال: أتيتك أمس. كما يتعدى بـ (إلى) ومعناه الوصول إلى المطلوب: أتيت إلى المنزل. فإذا تعدى بـ (على) فقد توجه الإتيان بحرف الاستعلاء من فوق وأريد به قطع الوادي وبلوغ آخره كما قال الزمخشري وزاد أبو حيان قول ابن عطية: والظاهر أن سليمان وجنوده كانوا مشاة ولذلك تهيأ حطم النمل بنزولهم في الوادي. ويحتمل أنهم كانوا في الكرسي المحمول بالريح فأحست بنزولهم. وزاد الآلوسي على قولهما: أن الإتيان عليه بمعنى قطعه مجاز عن إرادة ذلك، وإلا لم يكن للتحذير من
الحطم وجه. والظاهر أنهم أتوا عليه مشاة، كما يحتمل أنهم كانوا في الهواء فأرادوا أن ينزلوا فأحست ملكة النمل بنزولهم فأنذرتهم. وقال الجمل: إن (أتى) يستعمل متعديا بنفسه أو بـ (إلى) والجواب أنه ضمن معنى (مر).
أقول: فتضمين (أتى) معنى (قطع وأنفذ ومر) يجانفه الصواب، ويوقعنا في إلباس. إذ لا معنى لقول مليكة النمل لأتباعها: ادخلوا مساكنكم بعد أن قطع سليمان عليه السلام الوادي مع جنوده وعبره أو اجتازه وانتهى منه. ولا ما قال الجمل (أتوا) معنى (مروا) في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ)؛ وإنما تضمن (أتى) معنى (أشفى وأشرف) وهذا يتعدى بـ (على) وعندها يصير لقولها فائدة ومسوغ لصدور الأوامر حرصا على المصلحة، وحفظا للأرواح من أن تُحطم وحتى إذا خشيت على حطم قلوبهن من رؤية ملكه العظيم، يبقى التضمين قائماً في معنى (أشرفوا) والإشراف سبيل الإتيان وأول مراحله وبهذا قد أفدنا من المعنيين جميعا.
ويزيد وضوحا قوله سبحانه: (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) أي أشرفوا على القرية في طريقهم إلى الشام وأَشفَوا عليها، وهذا مما يستدل به على معناه وينقاد على وتيرته.
إذا اشتبهت على اللفظ المعاني
…
يُخبِّر عن دلالته البصيرُ
* * *