الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصابتهم فتنة يختلط فيها الحق بالباطل ولا يتميز خير من شر.
أرأيت إلى التضمين في توجيهه للمعاني عند تقرير حال أوضاع الحروف؟ وكيف تسري أحكامها في أحناء الجملة وحواشي التركيب؟!.
وإنما يفطن له من دُفع في مسالكه وصدق القائل:
* وتحت الرُغْوة اللبنُ الفصيح *
* * *
قَالَ تَعَالَى:
(وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ)
(1).
المعنى: لست أريد أن أفعل الشيء الذي نهيتكم عنه. يقال: خالفني فلان إلى كذا، إذا قصده وأنا مولٍّ عنه، وخالفني عنه: إذا ولَّى عنه وأنا قاصده.
حكى أبو حيان. ومثله الزمخشري فقال: يلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأل عن صاحبه فيقول: خالفني إلى الماء يريد أنه ذهب إليه واردا وأنت عنه صادراً. ومنه قوله سبحانه: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى) يعني أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم.
تتعلق (إلى) بمحذوف: أي مائلا إلى ما أنهاكم عنه. ولذلك قال بعضهم: فيه حذف يقتضيه (إلى) تقديره: وأميل إلى أو يبقى (أَنْ أُخَالِفَكُمْ) على ظاهر ما يفهم من المخالفة ويكون في موضع المفعول به لأريد وتقديره: مائلا إلى، أو يكون (أَنْ أُخَالِفَكُمْ) مفعولا لأجله وتتعلق (إلى) بقوله: وما
أريد بمعنى وما أقصد أي على التضمين، وما أقصد لأجل مخالفتكم إلى ما أنهاكم عنه ولذلك قال الزجاج: وما أقصد بخلافكم إلى ارتكاب ما أنهاكم عنه. وذكر الآلوسي: في الكلام فعل محذوف معطوف على المذكور، أي وأميل إلى
…
ويجوز أن يبقى أخالف على ظاهره من المخالفة، ويكون أن وما بعدها في موضع مفعول به لأريد ويقدر: مائلا إلى
…
أو يكون (أن) وما بعدها في موضع المفعول به و (إلى) متعلق بـ أريد، أي وما أقصد لأجل مخالفتكم إلى ما أنهاكم عنه. وأما أبو السعود فقال: ضمن (أريد) معنى (أقصد) فعداه بـ (إلى).
أقول: شعيب عليه السلام يكرر نصحه للذين مردوا على الانحراف في السلوك والفساد في التعامل والاستغلال في الكسب في البخس والتطفيف، وهو تاجر مثلهم وقد رزقه اللَّه الرزق الحسن المبارك، فإذا نهاهم عن الغش في الميزان والمكيال فلا يمضي من خلفهم ليفعل ما نهاهم عنه من ألوان الفساد، فقد ضمن (أراد) معنى (قصد أو ابتغى) والمتعدي بـ (إلى) فصار المعنى وما أقصد ولا أبتغي إلى ما نهيتكم عن مخالفتكم إلى البخس في المكيال والتطفيف في الميزان لأحقق لنفسي نفعا، وبعض المخالفات لون من ألوان المخادعة والمداورة والمراوغة.
الالتزام بالعقيدة والمسعى الطيب، والخلق القويم، إنما يُفوت الكسب الخبيث، يُضيع الفرص القذرة، معوضا عنها بالكسب الطيب والرزق الحلال.
والمجتمع الصالح النظيف لا غَدْر فيه ولا غش ولا رَوَغان.