المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المذهب الرابع: عدم وقوع الطلاق مطلقا - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌التضامن الإسلامي

- ‌دور عالمي لرسالة عالمية

- ‌تصدير

- ‌البحوث

- ‌حكمالطلاق الثلاثبلفظ واحد

- ‌القول الثاني: أن جمع الثلاث ليس بمحرم

- ‌المسألة الثانيةما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت ثلاثا دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثانيإن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت واحدة دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثالث يقع في المدخول بها ثلاثا وبغير المدخول بها واحدة

- ‌المذهب الرابع: عدم وقوع الطلاق مطلقا

- ‌الخلاصة

- ‌المسألة الأولى: في حكم الإقدام على جمع الثلاث بكلمة واحدة

- ‌المسألة الثانية: فيما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول أنه يقع ثلاثا

- ‌المذهب الثانيإن الطلاق الثلاث دفعة واحدة يعتبر طلقة واحدة

- ‌المذهب الثالثأن الطلاق الثلاث يمضي ثلاثا في المدخول بها وواحدة في غير المدخول بها

- ‌المذهب الرابع:أنه لا يعتد به مطلقا

- ‌مصادر بحث الطلاق الثلاث بلفظ واحد:

- ‌القرار

- ‌ النشوز والخلع

- ‌النشوز قد يكون من الرجل وقد يكون من المرأةوقد يدعيه كل منهما على صاحبه

- ‌ مصالحة المرأة زوجها

- ‌ الكلام عن الخلع

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلع

- ‌ الحكمين كيف يعملان

- ‌ بعث الحكمين

- ‌الخلاصة

- ‌ملخص قرار هيئة كبار العلماء المتعلق بمسالة النشوز والخلع

- ‌الشفعة بالمرافق الخاصة

- ‌الشفعة في الاصطلاح الشرعي

- ‌مشروعية الشفعة

- ‌دفع شبه القول بمنافاتها للقياس

- ‌الحكمة في مشروعية الشفعة

- ‌الاشتراك فيما لا يقبلالقسمة من العقار

- ‌الاشتراك في المنقولات

- ‌ الجوار

- ‌أدلة القائلين بقصر الشفعة على الشريك في المبيعدون الجار. . . أو الشريك في حق المبيع

- ‌أدلة القائلين بثبوت الشفعةبحق المبيع والجوار

- ‌المناقشة

- ‌ الشفعة فيما انتقل إلى الغير بعوض غير مسمى

- ‌الشفعة بشركة الوقف

- ‌شفعة غير المسلم

- ‌شفعة غير المكلف من صبي أو مجنون

- ‌شفعة الغائب

- ‌شفعة الوارث

- ‌الدعوة الإصلاحية فيالجزيرة العربيةوحركة الجامعة الإسلامية

- ‌الحرب والصلح فيالإسلام

- ‌الوضع العام

- ‌مفاجأة محزنة

- ‌احترام البيت

- ‌بدء المفاوضات

- ‌ساعة الصفر

- ‌بوادر السلم تلوح في الأفق

- ‌تنفيذ العقد يبدأبمفاجأة غريبة

- ‌افتراء مغرضحولسعد بن معاذ

- ‌الأمومةفي حياة النبي ووصاياهونظرة على دورها في البناء والتوجيه

- ‌نشيد الفرحبمقدمالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تعيين مواقيت الصلاة في أي زمان ومكان على سطح الأرض

- ‌مقدمة

- ‌تحديد الشرع الإسلامي لمواقيتالصلاة

- ‌وقت الظهر

- ‌وقت العصر

- ‌وقت المغرب

- ‌وقت العشاء

- ‌وقت الصبح

- ‌الربط بين تحديد الشرع والفلك والحسابلتبين مواقيت الصلاة

- ‌المعادلات الرياضية لحساب مواقيت الصلاة

- ‌بيان المصطلحات الفلكية والرموز الخاصة

- ‌ الأقطاب والنقط الأساسية

- ‌الدوائر العظمى

- ‌الزوايا الرئيسية

- ‌المثلث الفلكي

- ‌تعيين المعادلات الرياضية لحساب مواقيت الصلاة لكل واحدة من الفروض الخمسة

- ‌أولا وقت الظهر

- ‌ثانيا وقت الشروق والغروب

- ‌ثالثا وقت الفجر والعشاء

- ‌رابعا وقت العصر

- ‌استعمال الحاسب الإليكتروني 45 ( H. P)في حل المعادلات المذكورة

- ‌استعمال الرسم البياني لتعيينلمواقيت الصلاة

- ‌كيفية استعمال المنحنى لتعيينالوقت المطلوب

- ‌تحويلالوقت الزواليوقت غروبي

- ‌ الفتاوى

- ‌في النذر

- ‌في الصيام

- ‌في الأضحية وصلاة العيد

- ‌في اللحم المذبوح ببلاد الكفاروأهل الكتاب

- ‌حكم الحلف بغير اللهحكم لبس الباروكة للزوجحكم حلق المرأة رأسها وحواجبها

- ‌السفر وإفطار رمضانحكم التوسل إلى الله بالأنبياء والصالحين

- ‌في قراءة القرآن من أجل التكسب

- ‌ المؤتمر السادس لجمعية التعليم لعموم الهند

- ‌مؤتمرات

- ‌الفائدة الأولى: إذ قال لزوجته أنت طالق أو نحوه من الصريح

- ‌الفائدة الثانية: إذا وقع به الطلاق فكم طلقة تقع به

- ‌كتب تصدر قريبا

- ‌أساليب القسم والشرط في القرآن

- ‌الولايات المتحدة

- ‌إنجلترا

الفصل: ‌المذهب الرابع: عدم وقوع الطلاق مطلقا

بالحديث الوارد في التفرقة: إسحاق بن راهوية وخلق من السلف جعلوا الثلاث واحدة في غير المدخول بها.

وهذا المذهب مبني على ما رواه أبو داود في سننه أن رجلا يقال له أبو الصهباء وكان كثير السؤال لابن عباس قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من إمارة عمر - رضي الله تعالى عنهما -، فقال ابن عباس: بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من إمارة عمر - رضي الله تعالى عنهما -، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال: أجروهن عليهم.

قال ابن القيم: رأى هؤلاء أن إلزام عمر بالثلاث هو في حق المدخول بها، وحديث أبي الصهباء في غير المدخول بها قالوا ففي هذا التفريق موافقة المنقول من الجانبين وموافقة القياس. انتهى.

وقد سبقت مناقشة هذا الدليل في الجواب الثالث من الأجوبة على حديث ابن عباس، وهو الدليل الأول للمذهب الثاني.

ص: 132

‌المذهب الرابع: عدم وقوع الطلاق مطلقا

؛ لأن إيقاع الطلاق على ذلك الوجه بدعة محرمة فهو مردود لحديث: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1)» ، وقد حكي هذا القول للإمام أحمد فأنكره وقال: هو قول الرافضة، كما نص عليه ابن القيم في زاد المعاد وذكر بأن القول بعدم الوقوع جملة هو مذهب الإمامية، قال: وحكوه عن جماعة من أهل البيت، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة الفرق بين الطلاق الحلال والحرام أن القول بعدم الوقوع محدث مبتدع، قاله بعض المعتزلة والشيعة ولا يعرف عن أحد من السلف. اهـ.

وقال ابن رجب في كتابه جامع العلوم والحكم في شرحه لحديث؟: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2)» قال الإمام أحمد في رواية أبي الحارث وسئل عمن قال لا يقع الطلاق المحرم لأنه يخالف ما أمر به، فقال: هذا قول سوء رديء ثم ذكر قصة ابن عمر وأنه احتسب بطلاقه في الحيض، وقال أبو عبيد: الوقوع هو الذي عليه العلماء مجمعون في جميع الأمصار حجازهم وتهامهم، ويمنهم وشامهم، وعراقهم ومصرهم، وحكى ابن المنذر ذلك عن كل من يحفظ قوله من أهل العلم إلا ناسا من أهل البدع لا يعتد بهم. اهـ.

وفيما يلي كلام مجمل لابن تيمية في المسألتين: قال (3): " الأصل الثاني " أن الطلاق المحرم الذي يسمى " طلاق البدعة " إذ أوقعه الإنسان هل يقع، أم لا؟ فيه نزاع بين السلف والخلف، والأكثرون يقولون بوقوعه مع القول بتحريمه، وقال آخرون: لا يقع مثل طاوس، وعكرمة، وخلاس، وعمر، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطأة، وأهل الظاهر كداود وأصحابه، وطائفة من أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد، ويروى عن أبي جعفر الباقر، وجعفر بن

(1) صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).

(2)

صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).

(3)

مجموع الفتاوى ج 33/ 81 - 98.

ص: 132

محمد الصادق، وغيرهما من أهل البيت، وهو قول أهل الظاهر: داود وأصحابه، لكن منهم من لا يقول بتحريم الثلاث، ومن أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد من عرف أنه لا يقع مجموع الثلاث إذا أوقعها جميعا، بل يقع منها واحدة.

ولم يعرف قوله في طلاق الحائض، ولكن وقوع الطلاق جميعا قول طوائف من أهل الكلام والشيعة، ومن هؤلاء من يقول: إذا أوقع الثلاث جملة لم يقع به شيء أصلا، لكن هذا قول مبتدع لا يعرف لقائله سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وطوائف من أهل الكلام والشيعة، لكن ابن حزم من الظاهرية لا يقول بتحريم جمع الثلاث؛ فلذا يوقعها، وجمهورهم على تحريمها وأنه لا يقع إلا واحدة.

ومنهم من عرف قوله في الثلاث ولم يعرف قوله في الطلاق في الحيض، كمن ينقل عنه من أصحاب أبي حنيفة ومالك، وابن عمر روى عنه من وجهين أنه لا يقع، وروى عنه من وجوه أخرى أشهر وأثبت أنه يقع، وروى ذلك عن زيد.

وأما " جمع الثلاث " فأقوال الصحابة فيها كثيرة مشهورة: روى الوقوع فيها عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وأبي هريرة وعمران بن الحصين وغيرهم، وروى عدم الوقوع فيها عن أبي بكر، وعن عمر صدرا من خلافته، وعلي بن أبي طالب وابن مسعود، وابن عباس أيضا، وعن الزبير، وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنهم أجمعين -.

قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن مغيث في كتابه الذي سماه: " المقنع في أصول الوثائق وبيان ما في ذلك من الدقائق " وطلاق البدعة أن يطلقها ثلاثا في كلمة واحدة، فإن فعل لزمه الطلاق. . ثم اختلف أهل العلم بعد إجماعهم على أنه مطلق كم يلزمه من الطلاق؟ فقال علي بن أبي طالب، وابن مسعود - رضي الله تعالى عنهما -: يلزمه طلقة واحدة، وكذا قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -؛ وذلك لأن قوله:" ثلاثا " لا معنى له؛ لأنه لم يطلق ثلاث مرات، لأنه إذا كان مخبرا عما مضى فيقول: طلقت ثلاث مرات، يخبر عن ثلاث طلقات أتت منه في ثلاثة أفعال كانت منه، فذلك يصح، ولو طلقها مرة واحدة فقال: طلقها ثلاث مرات لكان كاذبا.

وكذلك لو حلف بالله تعالى ثلاثا يردد الحلف كانت ثلاثا أيمان، وأما لو حلف بالله تعالى فقال: أحلف بالله تعالى ثلاثا لم يكن حلف إلا يمينا واحدة، والطلاق مثله، قال: ومثل ذلك قال الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف روينا ذلك كله عن ابن وضاح، يعني الإمام محمد بن وضاح الذي يأخذ عن طبقة أحمد بن حنبل وابن أبي شيبة ويحيى بن معين وسحنون بن سعيد وطبقتهم، قال: وبه قال من شيوخ قرطبة ابن زنباع شيخ هدى، ومحمد بن عبد السلام الخشني فقيه عصره، وابن بقي بن مخلد، وأصبغ بن الحباب، وجماعة سواهم من فقهاء قرطبة، وذكر هذا عن بضعة عشر فقيها من فقهاء طليطلة المتعبدين على مذهب مالك بن أنس.

ص: 133

قلت: وقد ذكره التلمساني رواية عن مالك، وهو قول محمد بن مقاتل الرازي من أئمة الحنفية حكاه عن المازني وغيره، وقد ذكر هذا رواية عن مالك، وكان يفتي بذلك أحيانا الشيخ أبو البركات ابن تيمية، وهو وغيره يحتجون بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه وأبو داود وغيرهما عن طاوس، عن ابن عباس أنه قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر - رضي الله تعالى عنهما - طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا أمرا كان لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم، وفي رواية: أنا أبا الصهباء قال لابن عباس هات من هناتك ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأبي بكر واحدة؟ قال: قد كان ذلك، فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأمضاه عليهم وأجازه.

والذين ردوا هذا الحديث تأولوه بتأويلات ضعيفة، وكذلك كل حديث فيه: أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ألزم الثلاث بيمين أوقعها جملة، أو أن أحدا في زمنه أوقعها جملة فألزمه بذلك: مثل حديث يروى عن علي، وآخر عن عبادة بن الصامت، وآخر عن الحسن عن ابن عمر، وغير ذلك فكلها أحاديث ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث، بل هي موضوعة ويعرف أهل العلم بنقد الحديث أنها موضوعة، كما هو مبسوط في موضعه.

وأقوى ما ردوه به أنهم قالوا: ثبت عن ابن عباس من غير وجه أنه أفتى بلزوم الثلاث، وجواب المستدلين أن ابن عباس روى عنه من طريق عكرمة أيضا أنه كان يجعلها واحدة، وثبت عن عكرمة عن ابن عباس ما يوافق حديث طاوس مرفوعا إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وموقوفا على ابن عباس، ولم يثبت خلاف ذلك عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فالمرفوع «أن ركانة طلق امرأته ثلاثا، فردها عليه النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم (1)» -، قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده حدثنا سعيد بن إبراهيم، حدثنا أبي: عن ابن إسحاق، حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة مولى ابن عباس قال:«طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني المطلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا، قال: فسأله رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - " كيف طلقتها؟ " قال: فقال طلقتها ثلاثا، قال: " في مجلس واحد "؟ قال: نعم، قال: " فإنها تلك واحدة فارجعها إن شئت " قال: فراجعها (2)» ، وكان ابن عباس يقول: إنما الطلاق عند كل طهر.

قلت وهذا الحديث قال فيه ابن إسحاق حدثني داود، وداود من شيوخ مالك ورجال البخاري، وابن إسحاق إذ قال، حدثني، فهو ثقة عند أهل البيت، وهذا إسناد جيد، وله شاهد من وجه آخر رواه أبو داود في السنن، ولم يذكر أبو داود هذا الطريق الجيد؛ فلذلك ظن أن تطليقة واحدة بائنا أصح، وليس الأمر كما قال، بل الإمام أحمد رجح هذه الرواية على تلك وهو كما قال أحمد، وقد بسطنا الكلام على ذلك في موضع آخر.

وهذا المروي عن ابن عباس في حديث ركانة من وجهين، وهو رواية عكرمة عن ابن عباس من وجهين عن عكرمة، وهو أثبت من رواية عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة، ونافع بن عجير: أنه طلقها ألبتة،

(1) سنن الترمذي كتاب الطلاق (1177)، سنن أبو داود الطلاق (2208)، سنن ابن ماجه الطلاق (2051)، سنن الدارمي الطلاق (2272).

(2)

مسند أحمد بن حنبل (1/ 265).

ص: 134

و «" أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - استحلفه، فقال: " ما أردت إلا واحدة؟ (1)» فإن هؤلاء مجاهيل لا تعرف أحوالهم، وليسوا فقهاء، وقد ضعف حديثهم أحمد بن حنبل وأبو عبيد وابن حزم، وغيرهم، وقال أحمد ابن حنبل: حديث ركانة في ألبتة ليس بشيء، وقال أيضا: حديث ركانة لا يثبت أنه طلق امرأته ألبتة؛ لأن ابن إسحاق يرويه عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس " أن ركانة طلق امرأته ثلاثا " وأهل المدينة يسمون " ثلاثا " ألبتة، فقد استدل أحمد على بطلان حديث ألبتة بهذا الحديث الآخر الذي فيه أنه طلقها ثلاثا، وبين أن أهل المدينة يسمون من طلق ثلاثا طلق ألبتة، وهذا يدل على ثبوت الحديث عنده، وقد بينه غيره من الحفاظ، وهذا الإسناد، وهو قول ابن إسحاق: حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: هو إسناد ثابت عن أحمد وغيره من العلماء.

وبهذا الإسناد روى: «أن النبي صلى الله عليه وسلم " رد ابنته زينب على زوجها بالنكاح الأول (2)» ، وصحح ذلك أحمد وغيره من العلماء وابن إسحاق إذ قال: حدثني فحديثه صحيح عند أهل الحديث، إنما يخاف عليه التدليس إذا عنعن، وقد روى أبو داود في سننه هذا عن ابن عباس من وجه آخر، وكلاهما يوافق حديث طاوس عنه، وأحمد كان يعارض حديث طاوس بحديث فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا، ونحوه.

وكان أحمد يرى جمع الثلاث جائزا، ثم رجع أحمد عن ذلك، وقال: تدبرت القرآن فوجدت الطلاق الذي فيه هو الرجعي، أو كما قال، واستقر مذهبه على ذلك، وعليه جمهور أصحابه، وتبين من حديث فاطمة أنها كانت مطلقة ثلاثا متفرقات لا مجموعة، وقد ثبت عنده حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من جمع ثلاثا لم يلزمه إلا واحدة، وليس عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ما يخالف ذلك، بل القرآن يوافق ذلك، والنهي عنده يقتضي الفساد، فهذه النصوص والأصول الثابتة عنه تقتضي من مذهبه أنه لا يلزمه إلا واحدة، وعدوله عن القول بحديث ركانة وغيره كان أولا لما عارض ذلك عنده من جواز جمع الثلاث، فكان ذلك يدل على النسخ، ثم إنه رجع عن المعارضة وتبين له فساد هذا المعارض، وأن جمع الثلاث لا يجوز: فوجب على أصله العمل بالنصوص السالمة عن المعارض، وليس يعل حديث طاوس بفتيا ابن عباس بخلافه، وهذا علمه في إحدى الروايتين عنه، ولكن ظاهر مذهبه الذي عليه أصحابه أن ذلك لا يقدح في العمل بالحديث، لا سيما وقد بين ابن عباس عذر عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - في الإلزام بالثلاث، وابن عباس عذره هو العذر الذي ذكره عن عمر - رضي الله تعالى عنه -، وهو أن الناس لما تتابعوا فيما حرم الله تعالى عليهم استحقوا العقوبة على ذلك فعوقبوا بلزومه، بخلاف ما كانوا عليه قبل ذلك، فإنهم لم يكونوا مكثرين من فعل المحرم.

وهذا كما أنهم لما أكثروا شرب الخمر واستخفوا بحدها كان عمر يضرب فيها ثمانين، وينفي فيها، ويحلق الرأس، ولم يكن ذلك على عهد النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وكما قاتل على بعض أهل القبلة ولم يكن ذلك على عهد النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -، والتفريق بين الزوجين هو ما كانوا يعاقبون به أحيانا: إما مع بقاء النكاح، وإما بدونه، فالنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فرق بين الثلاثة الذين خلفوا وبين نسائهم حتى تاب الله عليهم من غير طلاق، والمطلق ثلاثا حرمت عليه امرأته حتى تنكح زوجا غيره عقوبة له ليمتنع

(1) سنن الترمذي كتاب الطلاق (1177)، سنن أبو داود الطلاق (2206)، سنن ابن ماجه الطلاق (2051)، سنن الدارمي الطلاق (2272).

(2)

سنن الترمذي النكاح (1143)، سنن أبو داود الطلاق (2240)، سنن ابن ماجه النكاح (2009).

ص: 135

عن الطلاق.

وعمر بن الخطاب ومن وافقه كمالك وأحمد في إحدى الروايتين حرموا المنكوحة في العدة على الناكح أبدا؛ لأنه استعجل ما أحله الله فعوقب بنقيض قصده، والحكمان لهما عند أكثر السلف أن يفرقا بينهما بلا عوض إذ رأيا الزوج ظالما معتديا، لما في ذلك من منعه من الظلم ودفع الضرر عن الزوجة ودل على ذلك الكتاب والسنة والآثار، وهو قول مالك وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد، وألزم عمر بالثلاث لما أكثروا منه: إما أن يكون رآه عقوبة تستعمل وقت الحاجة، وإما أن يكون رآه شرعا لازما، لاعتقاده أن الرخصة كانت لما كان المسلمون لا يوقعونه إلا قليلا.

وهكذا كما اختلف كلام الناس في نهيه عن المتعة، هل كان نهي اختيار؛ لأن إفراد الحج بسفرة والعمرة بسفرة كان أفضل من التمتع، أو كان قد نهى عن الفسخ، لاعتقاده أنه كان مخصوصا بالصحابة؟ وعلى التقديرين فالصحابة قد نازعوه في ذلك، وخالفه كثير من أئمتهم من أهل الشورى وغيرهم: في المتعة وفي الإلزام بالثلاث، وإذا تنازعوا في شيء وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، كما أن عمر كان يرى أن المبتوتة لا نفقة لها ولا سكنى، ونازعه في ذلك كثير من الصحابة، وأكثر العلماء على قولهم، وكان هو وابن مسعود يريان أن الجنب لا يتيمم، وخالفهما عمار وأبو موسى وابن عباس وغيرهم من الصحابة، وأطبق العلماء على قول هؤلاء، لما كان معهم الكتاب والسنة، والكلام على هذا كثير مبسوط في موضع آخر، والمقصود هنا التنبيه على ما أخذ الناس به.

والذين لا يرون الطلاق المحرم لازما يقولون: هذا هو الأصل الذي عليه أئمة الفقهاء: كمالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم، وهو: أن إيقاعات العقود المحرمة لا تقع لازمة: كالبيع المحرم، والنكاح المحرم، والكتابة المحرمة، ولهذا أبطلوا نكاح الشغار، ونكاح المحلل، وأبطل مالك وأحمد البيع يوم الجمعة عند النداء، وهذا بخلاف الظهار المحرم؛ فإن ذلك نفسه محرم، كما يحرم القذف وشهادة الزور، واليمين الغموس، وسائر الأقوال التي هي في نفسها محرمة: فهذا لا يمكن أن ينقسم إلى صحيح وغير صحيح، بل صاحبها يستحق العقوبة بكل حال، فعوقب المظاهر بالكفارة، ولم يحصل ما قصده به من الطلاق؛ فإنهم كانوا يقصدون به الطلاق، وهو موجب لفظه، فأبطل الشارع ذلك؛ لأنه قول محرم، وأوجب فيه الكفارة.

وأما الطلاق فجنسه مشروع: كالنكاح والبيع، فهو يحل تارة، ويحرم تارة فينقسم إلى صحيح وفاسد، كما ينقسم البيع والنكاح والنهي في هذا الجنس يقتضي فساد المنهي عنه، ولما كان أهل الجاهلية يطلقون بالظهار فأبطل الشارع ذلك؛ لأنه قول محرم كان مقتضى ذلك أن كل قول محرم لا يقع به الطلاق، وإلا فهم كانوا يقصدون الطلاق بلفظ الظهار كلفظ الحرام، وهذا قياس أصل الأئمة مالك، والشافعي، وأحمد.

ولكن الذين خالفوا قياس أصولهم في الطلاق خالفوه لما بلغهم من الآثار، فلما ثبت عندهم عن ابن عمر أنه اعتد بتلك التطليقة التي طلق امرأته وهي حائض قالوا: هم أعلم بقصته، فاتبعوه في ذلك، ومن نازعهم يقول: ما زال ابن عمر وغيره يروون أحاديث ولا تأخذ العلماء بما فهموه منها، فإن الاعتبار بما رووه،

ص: 136

لا بما رأوه وفهموه، وقد ترك جمهور العلماء قول ابن عمر الذي فسر به قوله:" فاقدروا له "، وترك مالك وأبو حنيفة وغيرهما تفسيره لحديث «" البيعان بالخيار (1)» مع أن قوله هو ظاهر الحديث، وترك جمهور العلماء تفسيره لقوله تعالى:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (2)، وقوله نزلت هذه الآية في كذا، وكذلك إذا خالف الراوي ما رواه، كما ترك الأئمة الأربعة وغيرهم قول ابن عباس: أن بيع الأمة طلاقها، مع أنه روى حديث بريرة وأن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - خيرها بعد أن بيعت وعتقت، فإن الاعتبار بما رووه، لا ما رأوه وفهموه.

ولما ثبت عندهم عن أئمة الصحابة أنهم ألزموا بالثلاث المجموعة قالوا: لا يلزمون بذلك إلا وذلك مقتضى الشرع، واعتقد طائفة لزوم هذا الطلاق وأن ذلك إجماع، لكونهم لم يعلموا خلافا ثابتا، لا سيما وصار القول بذلك معروفا عن الشيعة الذين لم ينفردوا عن أهل السنة بحق.

تقال المستدلون: هؤلاء الذين هم بعض الشيعة وطائفة من أهل الكلام يقولون جامع الثلاث لا يقع به شيء: هذا القول لا يعرف عن أحد من السلف، بل قد تقدم الإجماع على بعضه، وإنما الكلام هل يلزمه واحدة؟ أو يقع ثلاث؟ والنزاع بين السلف في ذلك ثابت لا يمكن رفعه، وليس مع من جعل ذلك شرعا لازما للأمة حجة يجب اتباعها: من كتاب ولا سنة، ولا إجماع، وإن كان بعضهم قد احتج على هذا بالكتاب، وبعضهم بالسنة، وبعضهم بالإجماع، وقد احتج بعضهم بحجتين أو أكثر من ذلك، لكن المنازع يبين أن هذه كلها حجج ضعيفة، وأن الكتاب والسنة والاعتبار إنما تدل على نفي اللزوم، وتبين أنه لا إجماع في المسألة، بل الآثار الثابتة عمن ألزم بالثلاث مجموعة عن الصحابة تدل على أنهم لم يكونوا يجعلون ذلك مما شرعه النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لأمته شرعا لازما، كما شرع تحريم المرأة بعد الطلقة الثالثة، بل كانوا مجتهدين في العقوبة بإلزام ذلك إذا كثر، ولم ينته الناس عنه.

وقد ذكرت أن الألفاظ المنقولة عن الصحابة تدل على أنهم ألزموا بالثلاث لمن عصى الله تعالى بإيقاعها جملة، فأما من كان يتقي الله فإن الله يقول:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (3){وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (4). فمن لا يعلم التحريم حتى أوقعها، ثم لما علم التحريم تاب والتزم أن لا يعود إلى المحرم، فهذا لا يستحق أن يعاقب، وليس في الأدلة الشرعية: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، ما يوجب لزوم الثلاث له، ونكاحه ثابت بيقين، وامرأته محرمة على الغير بيقين، وفي التزامه بالثلاث إباحتها للغير مع تحريمها عليه وذريعة إلى نكاح التحليل الذي حرمه الله ورسوله.

(1) صحيح البخاري البيوع (2079)، صحيح مسلم البيوع (1532)، سنن الترمذي البيوع (1246)، سنن النسائي البيوع (4464)، سنن أبو داود البيوع (3459)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 402)، سنن الدارمي البيوع (2547).

(2)

سورة البقرة الآية 223

(3)

سورة الطلاق الآية 2

(4)

سورة الطلاق الآية 3

ص: 137

و" نكاح التحليل " لم يكن ظاهرا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، ولم ينقل قط أن امرأة أعيدت بعد الطلقة الثالثة على عهدهم إلى زوجها بنكاح تحليل، بل:«" لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له (1)» : «" ولعن آكل الربا، وموكله وشاهديه وكاتبه (2)» ، ولم يذكر في التحليل الشهود ولا الزوجة ولا الوالي؛ لأن التحليل الذي كان يفعل كان مكتوما بقصد المحلل، أو يتواطأ عليه هو والمطلق المحلل له، والمرأة ووليها لا يعلمون قصده ولو علموا لم يرضوا أن يزوجوه؛ فإنه من أعظم المستقبحات والمنكرات عند الناس؛ ولأن عاداتهم لم تكن بكتابة الصداق في كتاب، ولا إشهاد عليه، بل كانوا يتزوجون ويعلنون النكاح، ولا يلتزمون أن يشهدوا عليه شاهدين وقت العقد، كما هو مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإشهاد على النكاح حديث صحيح، هكذا قال أحمد بن حنبل وغيره.

فلما لم يكن على عهد عمر - رضي الله تعالى عنه - تحليل ظاهر، ورأى في إنفاذ الثلاث زجرا لهم عن المحرم: فعل ذلك باجتهاده - أما إذا كان الفاعل لا يستحق العقوبة، وإنفاذ الثلاث يفضي إلى وقوع التحليل المحرم بالنص وإجماع الصحابة، والاعتقاد وغير ذلك من المفاسد، لم يجز أن يزال مفسدة حقيقة بمفاسد أغلظ منها، بل جعل الثلاث واحدة في مثل هذا الحال كما كان على عهد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأبي بكر أولى، ولهذا كان طائفة من العلماء مثل أبي البركات يفتون بلزوم الثلاث في حال دون حال، كما نقل عن الصحابة، وهذا: إما لكونهم رأوه من " باب التعزير " الذي يجوز فعله بحسب الحاجة، كالزيادة على أربعين في الخمر والنفي فيه، وحلق الرأس، وإما لاختلاف اجتهادهم: فرأوه تارة لازما وتارة غير لازم.

وبالجملة فما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته " شرعا لازما " إنما لا يمكن تغييره لأنه لا يمكن نسخ بعد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -، ولا يجوز أن يظن بأحد من علماء المسلمين أن يقصد هذا، ولا سيما الصحابة، لا سيما الخلفاء الراشدون، وإنما يظن ذلك في الصحابة أهل الجهل والضلال: كالرافضة والخوارج الذين يكفرون بعض الخلفاء أو يفسقونه، ولو قدر أن أحد فعل ذلك لم يقره المسلمون على ذلك، فإن هذا إقرار على أعظم المنكرات، والأمة معصومة أن تجتمع على مثل ذلك، وقد نقل عن طائفة: كعيسى بن أبان وغيره من أهل الكلام والرأي من المعتزلة وأصحاب أبي حنيفة ومالك: أن الإجماع ينسخ به نصوص الكتاب والسنة.

وكنا نتأول كلام هؤلاء على أن مرادهم أن الإجماع يدل على نص ناسخ، فوجدنا من ذكر عنهم أنهم يجعلون الإجماع نفسه ناسخا، فإن كانوا أرادوا ذلك فهذا قول يجوز تبديل المسلمين دينهم بعد نبيهم، كما تقول النصارى من: أن المسيح سوغ لعلمائهم أن يحرموا ما رأوا تحريمه مصلحة، ويحلوا ما رأوا تحليله مصلحة، وليس هذا دين المسلمين، ولا كان الصحابة يسوغون ذلك لأنفسهم، ومن اعتقد في الصحابة أنهم كانوا يستحلون ذلك، فإنه يستتاب كما يستتاب أمثاله، ولكن يجوز أن يجتهد الحاكم والمفتي فيصيب فيكون له أجران، ويخطئ فيكون له أجر واحد.

(1) سنن الترمذي النكاح (1119)، سنن أبو داود النكاح (2076)، سنن ابن ماجه النكاح (1935)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 87).

(2)

صحيح البخاري اللباس (5962)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 308).

ص: 138

وما شرعه النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - " شرعا معلقا بسبب " إنما يكون مشروعا عند وجود السبب: كإعطاء المؤلفة قلوبهم؛ فإنه ثابت بالكتاب والسنة، وبعض الناس ظن أن هذا نسخ، لما روي عن عمر: أنه ذكر أن الله أغنى عن التآلف، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وهذا الظن غلط، ولكن عمر استغنى في زمنه عن إعطاء المؤلفة قلوبهم، فترك ذلك لعدم الحاجة إليه لا لنسخه، كما لو فرض أنه عدم في بعض الأوقات ابن السبيل، والغارم ونحو ذلك.

و" متعة الحج " قد روي عن عمر أنه نهى عنه، وكان ابنه عبد الله بن عمر وغيره يقولون: لم يحرمها، وإنما قصد أن يأمر الناس بالأفضل، وهو أن يعتمر أحدهم من دويرة أهله في غير أشهر الحج؛ فإن هذه العمرة أفضل من عمرة المتمتع والقارن باتفاق الأئمة، حتى أن مذهب أبي حنيفة وأحمد منصوص عنه: أنه إذا اعتمر في غير أشهر الحج وأفرد الحج في أشهره: فهذا أفضل من مجرد التمتع والقران، مع قولهما بأنه أفضل من الإفراد المجرد، ومن الناس من قال: إن عمر أراد فسخ الحج إلى العمرة، قالوا: إن هذا محرم به ولا يجوز، وأن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من الفسخ كان خاصا بهم، وهذا قول كثير من الفقهاء: كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وآخرون من السلف والخلف قابلوا هذا، وقالوا: بل الفسخ واجب، ولا يجوز أن يحج أحد إلا متمتعا: مبتدئا أو فاسخا، كما أمر النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أصحابه في حجة الوداع، وهذا قول ابن عباس وأصحابه ومن اتبعه من أهل الظاهر والشيعة، و " القول الثالث " أن الفسخ جائز، وهو أفضل ويجوز أن لا يفسخ، وهو قول كثير من السلف والخلف: كأحمد بن حنبل وغيره من فقهاء الحديث، ولا يمكن الإنسان أن يحج حجة مجمعا عليها إلا أن يحج متمتعا ابتداء من غير فسخ.

فأما حج المفرد والقارن: ففيه نزاع معروف بين السلف والخلف، كما تنازعوا في جواز الصوم في السفر، وجواز الإتمام في السفر، ولم يتنازعوا في جواز الصوم والقصر في الجملة.

وعمر لما نهى عن المتعة خالفه غيره من الصحابة، كعمران بن حصين، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وغيرهم، بخلاف نهيه عن متعة النساء؛ فإن عليا وسائر الصحابة وافقوه على ذلك، وأنكر علي على ابن عباس إباحة المتعة، قال:«إنك امرؤ تائه، إن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - حرم متعة النساء، وحرم لحوم الحمر الأهلية عام خيبر (1)» ، فأنكر علي بن أبي طالب على ابن عباس إباحة الحمر، وإباحة متعة النساء؛ لأن ابن عباس كان يبيح هذا وهذا، فأنكر عليه علي ذلك، وذكر له:«" أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم حرم المتعة، وحرم الحمر الأهلية (2)» ويوم خيبر كان تحريم الحمر الأهلية. . وأما تحريم المتعة، فإنه عام فتح مكة، كما ثبت ذلك في الصحيح، وظن بعض الناس أنها حرمت، ثم أبيحت، ثم حرمت، فظن بعضهم أن ذلك ثلاثا، وليس الأمر كذلك.

فقول عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -: " إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت له فيه أناة فلو أنفذنا عليهم فأنفذه عليهم: هو بيان أن الناس أحدثوا ما استحقوا عنده أن ينفذ عليهم الثلاث، فهذا

(1) صحيح مسلم النكاح (1406)، سنن النسائي النكاح (3368)، سنن أبو داود النكاح (2073)، سنن ابن ماجه النكاح (1962)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 405)، سنن الدارمي النكاح (2195).

(2)

صحيح البخاري النكاح (5115)، صحيح مسلم النكاح (1407)، سنن الترمذي النكاح (1121)، سنن النسائي النكاح (3365)، سنن ابن ماجه النكاح (1961)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 142)، سنن الدارمي النكاح (2197).

ص: 139