المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الكلام عن الخلع - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌التضامن الإسلامي

- ‌دور عالمي لرسالة عالمية

- ‌تصدير

- ‌البحوث

- ‌حكمالطلاق الثلاثبلفظ واحد

- ‌القول الثاني: أن جمع الثلاث ليس بمحرم

- ‌المسألة الثانيةما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت ثلاثا دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثانيإن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت واحدة دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثالث يقع في المدخول بها ثلاثا وبغير المدخول بها واحدة

- ‌المذهب الرابع: عدم وقوع الطلاق مطلقا

- ‌الخلاصة

- ‌المسألة الأولى: في حكم الإقدام على جمع الثلاث بكلمة واحدة

- ‌المسألة الثانية: فيما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول أنه يقع ثلاثا

- ‌المذهب الثانيإن الطلاق الثلاث دفعة واحدة يعتبر طلقة واحدة

- ‌المذهب الثالثأن الطلاق الثلاث يمضي ثلاثا في المدخول بها وواحدة في غير المدخول بها

- ‌المذهب الرابع:أنه لا يعتد به مطلقا

- ‌مصادر بحث الطلاق الثلاث بلفظ واحد:

- ‌القرار

- ‌ النشوز والخلع

- ‌النشوز قد يكون من الرجل وقد يكون من المرأةوقد يدعيه كل منهما على صاحبه

- ‌ مصالحة المرأة زوجها

- ‌ الكلام عن الخلع

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلع

- ‌ الحكمين كيف يعملان

- ‌ بعث الحكمين

- ‌الخلاصة

- ‌ملخص قرار هيئة كبار العلماء المتعلق بمسالة النشوز والخلع

- ‌الشفعة بالمرافق الخاصة

- ‌الشفعة في الاصطلاح الشرعي

- ‌مشروعية الشفعة

- ‌دفع شبه القول بمنافاتها للقياس

- ‌الحكمة في مشروعية الشفعة

- ‌الاشتراك فيما لا يقبلالقسمة من العقار

- ‌الاشتراك في المنقولات

- ‌ الجوار

- ‌أدلة القائلين بقصر الشفعة على الشريك في المبيعدون الجار. . . أو الشريك في حق المبيع

- ‌أدلة القائلين بثبوت الشفعةبحق المبيع والجوار

- ‌المناقشة

- ‌ الشفعة فيما انتقل إلى الغير بعوض غير مسمى

- ‌الشفعة بشركة الوقف

- ‌شفعة غير المسلم

- ‌شفعة غير المكلف من صبي أو مجنون

- ‌شفعة الغائب

- ‌شفعة الوارث

- ‌الدعوة الإصلاحية فيالجزيرة العربيةوحركة الجامعة الإسلامية

- ‌الحرب والصلح فيالإسلام

- ‌الوضع العام

- ‌مفاجأة محزنة

- ‌احترام البيت

- ‌بدء المفاوضات

- ‌ساعة الصفر

- ‌بوادر السلم تلوح في الأفق

- ‌تنفيذ العقد يبدأبمفاجأة غريبة

- ‌افتراء مغرضحولسعد بن معاذ

- ‌الأمومةفي حياة النبي ووصاياهونظرة على دورها في البناء والتوجيه

- ‌نشيد الفرحبمقدمالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تعيين مواقيت الصلاة في أي زمان ومكان على سطح الأرض

- ‌مقدمة

- ‌تحديد الشرع الإسلامي لمواقيتالصلاة

- ‌وقت الظهر

- ‌وقت العصر

- ‌وقت المغرب

- ‌وقت العشاء

- ‌وقت الصبح

- ‌الربط بين تحديد الشرع والفلك والحسابلتبين مواقيت الصلاة

- ‌المعادلات الرياضية لحساب مواقيت الصلاة

- ‌بيان المصطلحات الفلكية والرموز الخاصة

- ‌ الأقطاب والنقط الأساسية

- ‌الدوائر العظمى

- ‌الزوايا الرئيسية

- ‌المثلث الفلكي

- ‌تعيين المعادلات الرياضية لحساب مواقيت الصلاة لكل واحدة من الفروض الخمسة

- ‌أولا وقت الظهر

- ‌ثانيا وقت الشروق والغروب

- ‌ثالثا وقت الفجر والعشاء

- ‌رابعا وقت العصر

- ‌استعمال الحاسب الإليكتروني 45 ( H. P)في حل المعادلات المذكورة

- ‌استعمال الرسم البياني لتعيينلمواقيت الصلاة

- ‌كيفية استعمال المنحنى لتعيينالوقت المطلوب

- ‌تحويلالوقت الزواليوقت غروبي

- ‌ الفتاوى

- ‌في النذر

- ‌في الصيام

- ‌في الأضحية وصلاة العيد

- ‌في اللحم المذبوح ببلاد الكفاروأهل الكتاب

- ‌حكم الحلف بغير اللهحكم لبس الباروكة للزوجحكم حلق المرأة رأسها وحواجبها

- ‌السفر وإفطار رمضانحكم التوسل إلى الله بالأنبياء والصالحين

- ‌في قراءة القرآن من أجل التكسب

- ‌ المؤتمر السادس لجمعية التعليم لعموم الهند

- ‌مؤتمرات

- ‌الفائدة الأولى: إذ قال لزوجته أنت طالق أو نحوه من الصريح

- ‌الفائدة الثانية: إذا وقع به الطلاق فكم طلقة تقع به

- ‌كتب تصدر قريبا

- ‌أساليب القسم والشرط في القرآن

- ‌الولايات المتحدة

- ‌إنجلترا

الفصل: ‌ الكلام عن الخلع

وليس في حكم إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى، وإذا كان ذلك كذلك، لم يجز أن يحكم لإحداهما بأنها ناسخة. وللأخرى بأنها منسوخة إلا بحجة يجب التسليم لها. وأما قول بكر بن عبد الله المزني من أنه ليس لزوج المختلعة أخذ ما أعطته على فراقه إياها إذا كانت هي الطالبة الفرقة وهو الكاره - فليس بصواب، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أمر ثابت بن قيس بن شماس بأخذ ما ساق إلى زوجته وفراقها إذا طلبت فراقه، إذا طلبت فراقه، وكان النشوز من قبلها. اه (1).

وذكر أبو بكر الجصاص وأبو بكر بن العربي والقرطبي نحوا مما ذكره ابن جرير في تفسير هذه الآية (2) وقال السمرقندي: إن كان النشوز من جهة الزوج فلا يحل له أن يأخذ شيئا منها بل له أن يطلقها بلا عوض لقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (3)(4)

(1) تفسير ابن جرير الطبري ج8 ص110 - 132 تحقيق محمود وأحمد شاكر.

(2)

أحكام القرآن للجصاص ج2 ص109 - 111 وأحكام القرآن لابن العربي ج1 ص151 - 154 وتفسير القرطبي ج5 ص99 - 100.

(3)

سورة النساء الآية 20

(4)

تحفة الفقهاء ج2 ص301.

ص: 188

وقال محمد بن رشد في معرض‌

‌ الكلام عن الخلع

وإن في معرض الكلام على الخلع:

كرها فارقها، ولا يحل له إذا كرهها أن يمسكها ويضيق عليها حتى تفتدي منه وإن أتت بفاحشة من زنا أو نشوز أو بذاء، لقول الله عز وجل وإن {أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (1){وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (2) وهذا مذهب مالك رحمه الله وجميع أصحابه لا اختلاف بينهم فيه. ومن أهل العلم من أباح للرجل إذا اطلع على زوجته بزنا أن يمسكها ويضيق عليها حتى تفتدي منه لقول الله عز وجل {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (3) وتأول أن الفاحشة المبينة هو الزنا هنا، وجعل الاستثناء متصلا، ومنهم من تأول أن الفاحشة المبينة: البغض والنشوز والبذاء باللسان، فأباح للزوج إذا أبغضته زوجته ونشزت عنه وبذت بلسانها عليه أن يمسكها ويضيق عليها حتى تفتدي منه. ومنهم من حمل الفاحشة على العموم فأباح ذلك للزوج سواء كانت الفاحشة التي أتت بها زنا أو نشوزا أو بذاء باللسان أو ما كانت.

(1) سورة النساء الآية 20

(2)

سورة النساء الآية 21

(3)

سورة النساء الآية 19

ص: 188

والصحيح ما ذهب إليه مالك - رحمه الله تعالى - لأنه إذا ضيق عليها حتى تفتدي منه، فقد أخذ مالها بغير طيب نفس، ولم يبح الله ذلك إلا عن طيب نفسها فقال تعالى:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (1) والآية التي احتجوا بها لا حجة لهم فيها، لأن الفاحشة المبينة من جهة النطق أن تبذو عليه وتشتم عرضه وتخالف أمره لأن كل فاحشة أتت في القرآن منعوتة بمبينة فهي وكل فاحشة أتت فيه مطلقة فهي الزنا. والاستثناء المذكور فيها منفصل فمعني الآية: لكن إن نشزت عليكم وخالفت أمركم حل لكم ما ذهبتم به من أموالهن. معناه: إذا كان ذلك عن طيب أنفسهن. ولا يكون ذلك عن طيب أنفسهن إلا إذا لم يكن منهم إليهن ضرر ولا تضييق. فعلى هذا التأويل تتفق أي القرآن ولا تتعارض وقد قيل في تأويل الآية غير هذا. وهذا أحسن وذهب إسماعيل القاضي إلى أن الخلع يجوز، ويسوغ للزوج ما أخذ منه على الطلاق إذا كان النشوز والكراهية منها.

وإذا خافا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به. وليس قوله مخالفا لما حكيناه عن مالك وأصحابه: من أن الخلع لا يجوز للزوج وإن كرهته المرأة ونشزت عليه وأضرت به إذا قارضها على بعض ذلك لأنه إنما حمل المخالفة على بابها فأباح الفدية قبل وقوع ما خافاه أن يقع ما ذكر وخاف كل واحد منهما صاحبه، هو إن أمسكها أن لا يقيم حدود الله فيها من أجل كراهته إياها. وخافت هي أن لا تقوم بما يلزمها من حقه فخالفته مخالفة الإثم والحرج فقد أعطته مالها على الطلاق طيبة به نفسها إذا لم يضطرها إلى ذلك بإضرار كان منه إليها.

وأما ابن بكير فإنما حمل الخوف المذكور في الآية على العلم إلا أنه ذهب إلى أن الخطاب فيها إنما هو للولاة كآية التحكيم سواء، فقال: تقدير الكلام فإن خفتم يا ولاة أن لا يقيم الزوجان حدود الله فيما بينهما فلا جناح عليكم فيما أخذتم من مالها وفرقتم بينهما، فالاختلاف بينه وبين أبي بكير إنما هو في تأويل الآية لا في الموضع الذي يجوز فيه الخلع من الذي لا يجوز فيه، ولا اختلاف في المذهب أن الزوج يجوز له أن يأخذ من زوجته شيئا على طلاقها إذا كان النشوز من قبلها ولم يكن منه في ذلك ضرر إليها، إذ ليس له أن يقارضها على نشوزها عليه بالإضرار لها والتضييق عليها حتى تفتدي منه لقول الله عز وجل {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} (2) وإنما له أن يعظها فإن اتعظت وإلا هجرها في المضاجع فإن اتعظت وإلا ضربها ضربا غير مبرح فإن أطاعته فلا يبغي عليها سبيلا لقول الله عز وجل {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} (3) فإن هي بذلت له على ألف، حل له أن يقبله إذا لم يتعد أمر الله فيها (4) اه المقصود (5).

(1) سورة النساء الآية 4

(2)

سورة النساء الآية 19

(3)

سورة النساء الآية 34

(4)

الموجود في المطبوع المنقول عنه (إذا لم يتعد أمر فيها الله) وهو ظاهر الخطأ.

(5)

المقدمات لابن رشد ج2 ص252 - 254.

ص: 189

وقال الشيرازي وإن ظهرت من الرجل أمارات النشوز لمرض بها أو كبر سن ورأت أن تصالحه بترك بعض حقوقها من قسم وغيره جاز لقوله عز وجل: {امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} (1) قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: أنزل الله عز وجل هذه الآية في المرأة إذا دخلت في السن فتجعل يومها لامرأة أخرى (2).

وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله:

ولا يحل للرجل أن يعضل المرأة ويضيق عليها حتى تعطيه الصداق أو بضعه، لكن إذا أتت بفاحشة مبينة كان له أن يعضلها حتى تفتدي نفسها منه. اه (3).

أما إذا كان النشوز من الزوجة فإن لزوجها حق وعظها فإن لم يجد الوعظ كان له حق هجرها، فإن لم يفد الهجر كان له ضربها ضربا غير مبرح، فإن لم يجد ذلك كان له عضلها حتى تفتدي نفسها منه ببذلها ما آتاها أو بعضه لقاء تطليقه إياها لأنها باستمرارها على النشوز أتت فاحشة مبينة تبيح للزوج عضلها ليأخذ منها ما آتاها أو بعضه قال تعالى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} (4) وقال تعالى {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (5).

قال ابن العربي من أحسن ما سمعت في تفسير هذه الآية قول سعيد بن جبير قال: يعظها فإن هي قبلت وإلا هجرها، فإن هي قبلت وإلا ضربها، فإن هي قبلت وإلا بعث حكما من أهله وحكما من أهلها فينظران ممن الضرر وعند ذلك يكون الخلع. اهـ (6).

وقد سبق بعض الكلام على الحال التي تجيز للزوج أن يعضل امرأته لتفتدي نفسها منه وذلك عند الاستدلال بقوله تعالى {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (7) وبقوله تعالى {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (8) على تحريم عضل الزوج امرأته لتفتدي منه.

(1) سورة النساء الآية 128

(2)

المهذب ج2 ص70 مطبعة الحلبي.

(3)

مختصر الفتاوى المصرية ص446.

(4)

سورة النساء الآية 34

(5)

سورة النساء الآية 19

(6)

أحكام القرآن جـ 1 ص 175 - 176 الطبعة الأولى.

(7)

سورة النساء الآية 19

(8)

سورة البقرة الآية 229

ص: 190

وقد ذكر ابن جرير رحمه الله أقوالا لأهل التأويل في معني الخوف ألا يقيما حدود الله.

الأول أن المراد بذلك أن يظهر من المرأة سوء الخلق والعشرة لزوجها، فإذا ظهر منها حل له أن يأخذ ما أعطته من فدية على فراقها. وذكر جملة آثار في ذلك بأسانيدها إلى ابن عباس وعروة وجابر بن زيد وهشام بن عروة وغيرهم.

الثاني أن المراد بالخوف من ذلك ألا تبر له قسما ولا تطيع له أمرا وتقول: لا أغتسل لك من جنابة ولا أطيع لك أمرا فحينئذ يحل له عندهم أخذ ما آتاها على فراقه إياها ثم ذكر جملة آثار في ذلك بأسانيدها إلى الحسن والشعبي وإبراهيم والسدي ومجاهد. .

الثالث أن المراد بالخوف من ذلك أن تبتدئ له بلسانها قولا أنها له كارهة، ثم ذكر ذلك بإسناده إلى عطاء بن أبي رباح.

الرابع أن الذي يبيح له أخذ الفدية أن يكون خوف ألا يقيما حدود الله منهما جميعا لكراهة كل واحد منهما صاحبه الآخر وذكر جملة آثار في ذلك بأسانيدها إلى الشعبي وطاوس والحسن. ثم اختار هذا القول وذكر توجيه اختياره إياه (1).

وقال الكاساني

فصل ومنها التأديب للزوج إذا لم تطعه فيما يلزم طاعته بأن كانت ناشزة فله أن يؤدبها لكن على الترتيب، فيعظها أولا على الرفق واللين بأن يقول لها: كوني من الصالحات القانتات الحافظات للغيب، ولا تكوني من كذا وكذا، فلعلها تقبل الموعظة فتترك النشوز. فإن نجحت فيها الموعظة ورجعت إلى الفراش وإلا هجرها، وقيل يخوفها بالهجر أولا والاعتزال عنها وترك الجماع والمضاجعة، فإن تركت وإلا هجرها لعل نفسها لا تحتمل الهجر، ثم اختلف في كيفية الهجر.

قيل يهجرها بأن يجامعها ولا يضاجعها على فراشه، وقيل يهجرها بأن لا يكلمها في حال مضاجعته إياها لا أن يترك جماعها ومضاجعتها لأن ذلك حق مشترك بينهما فيكون في ذلك عليه من الضرر ما عليها فلا يؤدبها بما يضر نفسه ويبطل حقه، وقيل يهجرها بأن يفارقها في المضجع وضاجع أخرى في حقها وقسمها لأن حقها عليه في القسم في حال الموافقة وحفظ حدود الله تعالى لا في حال التضييع وخوف النشوز والتنازع، وقيل يهجرها بترك مضاجعتها وجماعها لوقت غلبة شهوتها وحاجتها لا في وقت حاجته إليها، لأن هذا للتأديب والزجر، فينبغي أن يؤدبها لا أن يؤدب نفسه بامتناعه عن المضاجعة في حال حاجته إليه.

(1) تفسير ابن جرير الطبري ج4 ص549 وما بعدها.

ص: 191

فإذا هجرها، فإن تركت النشوز وإلا ضربها ضربا غير مبرح ولا شائن، والأصل فيه قوله عز وجل {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} (1).

وإن كان بحرف الواو الموضوعة للجمع المطلق لكن المراد منه الجمع على سبيل الترتيب، والواو تحتمل فإن نفع الضرب وإلا رفع الأمر إلى القاضي ليوجه إليهما حكمين، حكما من أهله وحكما من أهلها كما قال الله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (2) وسبيل هذا الأمر سبيل بالمعروف والنهي عن المنكر في حق سائر الناس، أن الأمر يبدأ بالموعظة على الرفق واللين دون التغليظ في القول، فإن قبلت وإلا غلظ القول به، فإن قبلت وإلا بسط يده فيه، وكذلك إذا ارتكبت محظورا سوى النشوز ليس فيه حد مقدر، فللزوج أن يؤدبها تعزيرا لأن للزوج أن يعزر زوجته كما للولي أن يعزر مملوكه. اهـ (3).

وقال الشافعي وأشبه ما سمعت - والله أعلم - في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} (4) أن لخوف النشوز دلائل، فإذا كانت {فَعِظُوهُنَّ} (5) لأن العظة مباحة فإن لججن فأظهرن نشوزا بقول أو فعل {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} (6) فإن أقمن بذلك على ذلك فاضربوهن وذلك بين أنه لا يجوز هجرة في المضجع وهو منهي عنه ولا ضرب إلا بقول أو فعل أو هما. قال: ويحتمل في {تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} (7) إذا نشزن فأبن النشوز فكن عاصيات به أن تجمعوا عليهن العظة والهجرة والضرب.

قال: ولا يبلغ في الضرب حدا ولا يكون مبرحا ولا مدميا ويتوقى فيه الوجه قال: ويهجرها في المضجع، حتى ترجع عن النشوز ولا يجاوز بها في هجرة الكلام ثلاثا لأن الله عز وجل إنما أباح الهجرة في المضجع، والهجرة في المضجع تكون بغير هجرة الكلام، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجاوز بالهجرة في الكلام ثلاثا قال: ولا يجوز لأحد أن يضرب ولا يهجر مضجعا بغير بيان نشوزها.

قال: وأصل ما ذهبنا إليه من أن لا قسم للممتنعة من زوجها ولا نفقة ما كانت ممتنعة، لأن الله تبارك وتعالى أباح هجرة مضجعها وضربها في النشوز، والامتناع نشوز. قال: ومتى تركت النشوز لم تحل هجرتها ولا ضربها، وصارت على حقها كما كانت قبل النشوز. اهـ (8).

وقال ابن قدامة بعد تعريف النشوز:

فمتى ظهرت منها أمارات النشوز مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها، ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة فإنه يعظها، فيخوفها الله سبحانه ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة، وما يلحقها من الإثم بالمخالفة

(1) سورة النساء الآية 34

(2)

سورة النساء الآية 35

(3)

بدائع الصنائع جـ / 2 ص 334.

(4)

سورة النساء الآية 34

(5)

سورة النساء الآية 34

(6)

سورة النساء الآية 34

(7)

سورة النساء الآية 34

(8)

الأم جـ 5 ص 194 الطبعة الأولى.

ص: 192

والمعصية وما يسقط بذلك من حقوقها من النفقة والكسوة، وما يباح له من ضربها وهجرها لقول الله تعالى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} (1) فإن أظهرت النشوز وهو أن تعصيه وتمتنع من فراشه أو تخرج من منزله بغير إذنه فله أن يهجرها في المضجع لقول الله تعالى {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} (2).

قال ابن عباس: لا تضاجعها في فراشك، فأما الهجران في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام، لما روى أبو هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام (3)» وظاهر كلام الخرقي أنه ليس له ضربها في النشوز في أول مرة.

وقد روي عن أحمد: إذا عصت المرأة زوجها فله ضربها ضربا غير مبرح، فظاهر هذا إباحة ضربها كما لو أصرت، ولأن عقوبات المعاصي لا تختلف بالتكرار وعدمه كالحدود، ووجه قول الخرقي المقصود زجرها عن المعصية في المستقبل وما هذا سبيله يبدأ فيه بالأسهل فالأسهل كمن هجم منزله فأراد إخراجه، وأما قوله تعالى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} (4) الآية ففيها إضمار تقديره واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع فإن أصررن فاضربوهن كما قال تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (5) والذي يدل على هذا أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز ولا خلاف أنه لا يضربها لخوف النشوز قبل إظهاره، وللشافعي قولان كهذين.

فإن لم ترتدع بالوعظ والهجر فله ضربها لقوله تعالى: واضربوهن وقال صلى الله عليه وسلم «إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح (6)» " رواه مسلم. معنى غير مبرح غير موجع ولا شديد.

وقال الخلال سألت أحمد بن يحيى عن قوله " غير مبرح " قال: غير شديد، وعليه أن يجتنب الوجه والمواضع المخوفة لأن المقصود التأديب لا الإتلاف، وقد روى أبو داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه «قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: " أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت (7)» وروى عبد الله بن زمعة «عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم (8)» ولا يزيد في ضربها على عشرة أسواط لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «(لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله) (9)» متفق عليه اهـ (10).

(1) سورة النساء الآية 34

(2)

سورة النساء الآية 34

(3)

صحيح البخاري الأدب (6065)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2559)، سنن الترمذي البر والصلة (1935)، سنن أبو داود الأدب (4910)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 199)، موطأ مالك الجامع (1683).

(4)

سورة النساء الآية 34

(5)

سورة المائدة الآية 33

(6)

صحيح مسلم كتاب الحج (1218)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1905)، سنن ابن ماجه المناسك (3074)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1850).

(7)

سنن أبو داود النكاح (2142)، سنن ابن ماجه النكاح (1850).

(8)

صحيح البخاري النكاح (5204)، صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2855)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3343)، سنن ابن ماجه النكاح (1983)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 17)، سنن الدارمي النكاح (2220).

(9)

صحيح البخاري الحدود (6850)، صحيح مسلم الحدود (1708)، سنن الترمذي الحدود (1463)، سنن أبو داود الحدود (4491)، سنن ابن ماجه الحدود (2601)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 45)، سنن الدارمي الحدود (2314).

(10)

المغني والشرح الكبير جـ / 8 ص (162 - 163) الطبعة الأولى.

ص: 193

وقال ابن قدامة أيضا (مسألة) قال " والمرأة إذا كانت مبغضة للرجل وتكره أن تمنعه ما تكون عاصية بمنعه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه " وجملة الأمر أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك، وخشيت أن لا تؤدي حق الله في طاعته جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه لقول الله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (1).

«وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما شأنك؟ " قالت: لا أنا ولا ثابت لزوجها فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكره " وقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: " خذ منها " فأخذ منها وجلست في أهلها (2)» وهذا حديث صحيح ثابت الإسناد رواه الأئمة مالك وأحمد وغيرهما وفي رواية البخاري «قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته؟ " فقالت: نعم، فردتها عليه وأمره ففارقها (3)» .

وفي رواية فقال «" اقبل الحديقة وطلقها تطليقة (4)» وبهذا قال جميع الفقهاء بالحجاز والشام قال ابن عبد البر: ولا نعلم أحدا خالفه إلا بكر بن عبد الله المزني فإنه لم يجزه، وزعم أن آية الخلع منسوخة بقوله تعالى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} (5) الآية.

وروي عن ابن سيرين، وأبي قلابة أنه لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا لقول الله تعالى:{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (6).

ولنا الآية التي تلوناها والخبر وأنه قول عمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم من الصحابة لم نعرف لهم في عصرهم مخالفا فكان إجماعا. ودعوى النسخ لا تسمع حتى يثبت تعذر الجمع وأن الآية الناسخة متأخرة ولم يثبت شيء من ذلك. إذا ثبت هذا فإن هذا يسمى خلعا لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها قال الله تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (7) ويسمى افتداء لأنها تفتدي نفسها بمال تبذله قال الله تعالى {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (8) اهـ (9).

(1) سورة البقرة الآية 229

(2)

سنن النسائي الطلاق (3462)، سنن أبو داود كتاب الطلاق (2227)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 434)، موطأ مالك كتاب الطلاق (1198)، سنن الدارمي الطلاق (2271).

(3)

صحيح البخاري الطلاق (5277)، سنن النسائي الطلاق (3463)، سنن ابن ماجه الطلاق (2056).

(4)

صحيح البخاري الطلاق (5273)، سنن النسائي الطلاق (3463)، سنن ابن ماجه الطلاق (2056).

(5)

سورة النساء الآية 20

(6)

سورة النساء الآية 19

(7)

سورة البقرة الآية 187

(8)

سورة البقرة الآية 229

(9)

المغني والشرح الكبير جـ 6 ص 173 - 174 الطبعة الأولى.

ص: 194

وإذا كان النشوز من المرأة وتعذرت أوبتها منه لبغضها إياه وكراهتها له وعرضت عليه افتدائها منه فقد أجمع أهل العلم على أنه ينبغي إجابتها واختلفوا هل يجبر الزوج على ذلك؟

قال ابن مفلح يباح لسوء عشرة بين الزوجين وتستحب الإجابة إليه واختلف كلام شيخنا في وجوبه وألزم به بعض حكام الشام المقادسه الفضلاء فقال أبو طالب: إذا كرهته حل أن يأخذ منها ما أعطاها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «" أتردين عليه حديقته (1)» اهـ (2).

وسئل الشيخ حسين ابن الشيخ محمد: إذا كرهت زوجها هل يجبر على الخلع فأجاب إذا كرهت زوجها فالذي نفتي به أنه مستحب ولا يجبر الزوج على الخلع (3).

وقال الشوكاني رحمه الله:

قوله «اقبل الحديقة (4)» قال في الفتح: هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب، ولم يذكر ما يدل على صرف الأمر عن حقيقته. اه (5).

وقال في حاشية المقنع على قوله: وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وتخشى ألا يقيم حدود الله فلا بأس أن تفتدي نفسها منه، أي فيباح للزوجة والحالة هذه على الصحيح من المذهب وأما الزوج فالصحيح من المذهب أنه يستحب له الإجابة إليه وعليه الأصحاب، واختلف كلام الشيخ في وجوب الإجابة إليه والأصل فيه قوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (6) ولقول ابن عباس رضي الله عنهما «جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: ثابت بن قيس لا أعيب عليه في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أتردين عليه حديقته " قالت: نعم فأمرها بردها وأمره ففارقها (7)» رواه البخاري. وبه قال جميع الفقهاء في الأمصار إلا بكر بن عبد الله المزني لم يجزه. اه

وقال الجصاص ذكر اختلاف السلف وسائر علماء الأمصار فيما يحل أخذه بالخلع.

روى عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، وهو قول سعيد بن

(1) صحيح البخاري الطلاق (5273)، سنن النسائي الطلاق (3463)، سنن ابن ماجه الطلاق (2056).

(2)

الفروع جـ 5 ص 343.

(3)

الدار السنية جـ 6 ص 367.

(4)

صحيح البخاري الطلاق (5273)، سنن النسائي الطلاق (3463)، سنن ابن ماجه الطلاق (2056).

(5)

نيل الأوطار جـ6 ص 263.

(6)

سورة البقرة الآية 229

(7)

صحيح البخاري الطلاق (5273)، سنن النسائي الطلاق (3463)، سنن ابن ماجه الطلاق (2056).

ص: 195

المسيب والحسن وطاوس وسعيد بن جبير، وروى عن عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ومجاهد وإبراهيم والحسن رواية أخرى أنه جائز له أن يخلعها على أكثر مما أعطاها ولو بعقاصها.

وقال أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد: إذا كان النشوز من قبلها حل له أن يأخذ منها ما أعطاها ولا يزداد، وإن كان النشوز من قبله لم يحل له أن يأخذ منها شيئا فإن فعل جاز في القضاء، وقال ابن شبرمة تجوز المبارأة إذا كانت من غير إضرار منه، وإن كانت على إضرار منه لم تجز، وقال ابن وهب عن مالك: إذا علم أن زوجها أضر بها وضيق عليها وأنه ظالم لها قضى عليها الطلاق ورد عليها مالها، وذكر ابن القاسم عن مالك أنه جائز للرجل أن يأخذ منها في الخلع أكثر مما أعطاها ويحل له، وإن كان النشوز من قبل الزوج حل له أن يأخذ ما أعطته على الخلع إذا رضيت بذلك ولم يكن في ذلك ضرر منه لها وعن الليث نحو ذلك.

وقال الثوري: إذا كان الخلع من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها شيئا، وإذا كان من قبله فلا يحل له أن يأخذ منها شيئا. . وقال الأوزاعي في رجل خالع امرأته وهي مريضة، إن كانت ناشزة كان في ثلثها وإن لم تكن ناشزة رد عليها الرجعة، وإن خالعها قبل أن يدخل بها على جميع ما أصدقها ولم يتبين منها نشوز إذا اجتمعا على فسخ النكاح قبل أن يدخل بها فلا أرى بذلك بأسا.

وقال الحسن بن حيي: إذا كانت الإساءة من قبلها والتعطيل لحقه كان له أن يخالعها على ما تراضيا عليه، وكذلك قول عثمان، وقال الشافعي: إذا كانت المرأة مانعة ما يجب عليها لزوجها حلت الفدية للزوج، وإذا حل له أن يأكل ما طابت به نفسا على غير فراق حل له أن يأكل ما طابت به نفسا وتأخذ الفراق به.

قال أبو بكر قد أنزل الله تعالى في الخلع آيات منها قوله تعالى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (1) فهذا يمنع أخذ شيء منها إذا كان النشوز من قبله، فلذلك قال أصحابنا: لا يحل له أن يأخذ منها في هذه الحال شيئا. وقال تعالى في آية أخرى {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (2) فأباح في هذه الآية الأخذ عند خوفهما ترك إقامة حدود الله وذلك على ما قدمنا من بغض المرأة لزوجها وسوء خلقها أو كان ذلك منهما فيباح له أخذ ما أعطاها ولا يزداد والظاهر يقتضي جواز أخذ الجميع ولكن ما زاد مخصوص بالسنة. وقال تعالى في آية أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (3).

قيل فيه: إنه خطاب للزوج وحظر به أخذ شيء مما أعطاها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة. قيل فيها: إنها هي الزنا، وقيل إنها النشوز من قبلها، وهذه نظير قوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (4) وقال تعالى في آية أخرى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (5)

(1) سورة النساء الآية 20

(2)

سورة البقرة الآية 229

(3)

سورة النساء الآية 19

(4)

سورة البقرة الآية 229

(5)

سورة النساء الآية 35

ص: 196

وسنذكر حكمها في مواضعها إن شاء الله تعالى، وذكر تعالى إباحة أخذ المهر في غير هذه الآية إلا أنه لم يذكر حال الخلع في قوله:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (1) وقال تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (2) وهذه الآيات كلها مستعملة على مقتضى أحكامها.

فقلنا: إذا كان النشوز من قبله لم يحل له أخذ شيء منها لقوله تعالى: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (3) وقوله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} (4) وإذا كان النشوز من قبلها أو خافا لسوء خلقها أو بغض كل واحد منهما لصاحبه أن لا يقيما. جاز له أن يأخذ ما أعطاها لا يزداد، وكذلك {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (5) وقد قيل فيه: إلا أن تنشز فيجوز له عند ذلك أخذ ما أعطاها.

وأما قوله تعالى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (6) فهذا في غير حال الخلع بل في حال الرضا بترك المهر بطيبة من نفسها به، وقول من قال: إنه لما جاز أخذ مالها بغير خلع فهو جائز في الخلع خطأ، لأن الله تعالى قد نص على الموضعين، في أحدهما بالحظر وهو قوله تعالى:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} (7) وقوله تعالى {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (8) وفي الآخر بالإباحة وهو قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (9) فقول القائل: لما جاز أن يأخذ مالها بطيبة من نفسها من غير خلع جاز في الخلع قول مخالف لنص الكتاب وقد روى عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - في الخلع ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن حبيبة بنت سهل الأنصارية، «أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن الشماس وأن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من هذه؟ " قالت: أنا حبيبة بنت سهل، قال " ما شأنك؟ " قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها. فلما جاءه ثابت بن قيس قال له: " هذه حبيبة بنت سهل فذكرت ما شاء الله أن تذكره " فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت " خذ منها " فأخذ منها وجلست في أهلها (10)».

(1) سورة النساء الآية 4

(2)

سورة البقرة الآية 237

(3)

سورة النساء الآية 20

(4)

سورة النساء الآية 19

(5)

سورة النساء الآية 19

(6)

سورة النساء الآية 4

(7)

سورة النساء الآية 20

(8)

سورة البقرة الآية 229

(9)

سورة النساء الآية 4

(10)

سنن النسائي الطلاق (3462)، سنن أبو داود كتاب الطلاق (2227)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 434)، موطأ مالك كتاب الطلاق (1198)، سنن الدارمي الطلاق (2271).

ص: 197

وروي فيه ألفاظ مختلفة في بعضها: " خل سبيلها ". وفي بعضها: " فارقها ".

وإنما قالوا: إنه لا يسعه أن يأخذ منها أكثر ما أعطاها لما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال حدثنا محمد بن يحيى بن أبي سمينة: قال حدثنا الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس «أن رجلا خاصم امرأته إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - "تردين إليه ما أخذت منه؟ " قالت نعم وزيادة فقال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - "أما الزيادة فلا"» وقال أصحابنا: لا يأخذ منها الزيادة لهذا الخبر وخصوا به ظاهر الآية، وإنما جاز تخصيص هذا الظاهر بخبر الواحد من قبل أن قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (1) لفظ محتمل لمعان، والاجتهاد سائغ فيه وقد روي عن السلف فيه وجوه مختلفة، وكذلك قوله تعالى {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (2) محتمل لمعان على ما وصفنا فجاز تخصيصه بخبر الواحد وهو كقوله تعالى {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (3) وقوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} (4) لما كان محتملا للوجوه واختلف السلف في المراد به جاز قبول خبر الواحد في معناه المراد به. وإنما قال أصحابنا: إذا خلعها على أكثر مما أعطاها، أو خلعها على مال والنشوز من قبله أن ذلك جائز في الحكم وإن لم يسعه فيما بينه وبين الله تعالى من قبل أنها أعطته بطيبة من نفسها غير مجبرة عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه (5)» وأيضا فإن النهي لم يتعلق بمعنى في نفس العقد وإنما تعلق بمعنى في غيره وهو أنه لم يعطها مثل ما أخذ منها ولو كان قد أعطاها مثل ذلك لما كان ذلك مكروها. فلما تعلق النهي بمعنى في غير العقد لم يمنع ذلك جواز العقد كالبيع عند أذان الجمعة وبيع حاضر لباد وتلقي الركبان ونحو ذلك. وأيضا لما جاز العتق على قليل المال وكثيره، وكذلك الصلح عن دم العمد. كان كذلك الطلاق وكذلك النكاح لما جاز على أكثر من مهر المثل وهو بدل البضع، كذلك جاز أن تضمنه المرأة بأكثر من مهر مثلها لأنه بدل من البضع في الحالين. . فإن قيل: لما كان الخلع فسخا لعقد النكاح لم يجز بأكثر مما وقع عليه العقد كما لا يجوز الإقالة بأكثر من الثمن.

قيل له: قولك: إن الخلع فسخ للعقد. خطأ. وإنما هو طلاق مبتدأ كهو لو لم يشترط فيه بدل، ومع ذلك فلا خلاف أنه ليس بمنزلة الإقالة لأنه لو خلعها على أقل مما أعطاها جاز بالاتفاق، والإقالة غير جائزة بأقل من الثمن ولا خلاف أيضا في جواز الخلع بغير شيء وقد اختلف السلف في الخلع دون السلطان، فروي عن الحسن وابن سيرين أن الخلع لا يجوز إلا عند السلطان، وقال سعيد بن جبير لا يكون الخلع حتى يعظها فإن اتعظت وإلا هجرها فإن اتعظت وإلا ضربها فإن اتعظت وإلا ارتفعا إلى السلطان فيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها فيردان ما يسمعان إلى السلطان فإن رأى بعد ذلك أن يفرق فرق وإن رأى أن يجمع جمع.

(1) سورة البقرة الآية 229

(2)

سورة النساء الآية 19

(3)

سورة النساء الآية 43

(4)

سورة البقرة الآية 237

(5)

مسند أحمد بن حنبل (5/ 73).

ص: 198

وروي عن علي، وعمر، وعثمان، وابن عمر، وشريح، وطاوس، والزهري في آخرين أن الخلع جائز دون السلطان وروى سعيد عن قتادة قال: كان زياد من رد الخلع دون السلطان. ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في جوازه دون السلطان.

وكتاب الله يوجب جوازه وهو قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (1) وقال تعالى {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (2). فأباح الأخذ منها بتراضيهما من غير سلطان. . وقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس «أتردين عليه حديقته" قالت: نعم فقال للزوج "خذها وفارقها (3)» يدل على ذلك أيضا لأنه لو كان الخلع إلى السلطان شاء الزوجان أو أبيا إذا علم أنهما لا يقيمان حدود الله لم يسألهم النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن ذلك ولا خاطب الزوج بقوله: "اخلعها" بل كان يخلعها منه ويرد عليه حديقته وإن أبيا أو واحد منهما. كما لما كانت فرقة المتلاعنين إلى الحاكم لم يقل للملاعن خل سبيلها. بل فرق بينهما، كما روى سهل بن سعد أن «النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فرق بين المتلاعنين (4)». كما قال في حديث آخر:«لا سبيل لك عليها (5)» . ولم يرجع ذلك إلى الزوج. فثبت بذلك جواز الخلع دون السلطان ويدل عليه أيضا قوله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: «لا يحل مال امرئ إلا بطيبة من نفسه (6)» اهـ. المقصود (7).

وقال ابن حجر رحمه الله على قول البخاري في صحيحه وقول الله عز وجل: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (8). وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها. العقاص بكسر المهملة وتخفيف القاف وآخره صاد مهملة: جمع عقصة وهو ما يربط به شعر الرأس بعد جمعه.

وأثر عثمان هذا رويناه موصولا في أمالي أبي القاسم بن بشران من طريق شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قالت: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان، وأخرجه البيهقي من طريق روح بن القاسم عن ابن عقيل مطولا وقال في آخره: فدفعت إليه كل شيء حتى أجفت الباب بيني وبينه.

وهذا يدل على أن معنى دون: سوى، أي أجاز للرجل أن يأخذ من المرأة في الخلع ما سوى عقاص رأسها، وقال سعيد بن منصور، حدثنا هشام عن مغيرة عن إبراهيم كان يقال: الخلع ما دون عقاص رأسها.

وعن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يأخذ من المختلعة حتى عقاصها، ومن طريق قبيصة بن ذؤيب إذا خلعها جاز أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ثم تلا:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (9) وسنده صحيح.

(1) سورة البقرة الآية 229

(2)

سورة النساء الآية 19

(3)

صحيح البخاري الطلاق (5273)، سنن النسائي الطلاق (3463)، سنن ابن ماجه الطلاق (2056).

(4)

صحيح البخاري الطلاق (5309)، سنن أبو داود الطلاق (2251).

(5)

صحيح البخاري الطلاق (5312)، صحيح مسلم اللعان (1493)، سنن أبو داود الطلاق (2257)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 11).

(6)

مسند أحمد بن حنبل (5/ 73).

(7)

أحكام القرآن جـ (1) ص 462 - 468 المطبعة البهية.

(8)

سورة البقرة الآية 229

(9)

سورة البقرة الآية 229

ص: 199

ووجدت أثر عثمان بلفظ آخر أخرجه ابن سعد في ترجمة الربيع بنت معوذ من طبقات النساء قال: أنبأنا يحيى بن عباد حدثنا فليح بن سليمان حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قالت - كان بيني وبين ابن عمي كلام - وكان زوجها - قالت - فقلت له: لك كل شيء وفارقني، قال قد فعلت فأخذ كل شيء حتى فراشي فجئت عثمان وهو محصور فقال: الشرط أملك خذ كل شيء حتى عقاص رأسها.

قال ابن بطال ذهب الجمهور إلى أنه يجوز للرجل أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاها، وقال مالك: لم أر أحدا ممن يقتدى به يمنع ذلك، لكنه ليس من مكارم الأخلاق. ثم ساق شرح باقي الحديث، وقال بعد ذلك: -

وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم: أن الشقاق إذا حصل من قبل المرأة فقط جاز الخلع والفدية، ولا يتقيد ذلك بوجوده منهما جميعا، وأن ذلك يشرع إذا كرهت المرأة عشرة الرجل ولو لم يكرهها ولم ير منها ما يقتضي فراقها.

وقال أبو قلابة ومحمد بن سيرين لا يجوز له أخذ الفدية منها إلا أن يرى على بطنها رجلا. أخرجه ابن أبي شيبة. وكأنهما لم يبلغهما الحديث، واستدل ابن سيرين بظاهر قوله تعالى {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (1) وتعقب بأن آية البقرة فسرت المراد بذلك مع ما دل عليه الحديث ثم ظهر لي لما قاله ابن سيرين توجيه وهو تخصيصه بما إذا كان ذلك من قبل الرجل بأن يكرهها وهي لا تكرهه فيضاجرها لتفتدي منه فوقع النهي عن ذلك إلا أن يراها على فاحشة ولا يجد بينة، ولا يحب أن يفضحها فيجوز حينئذ أن يفتدي منها ويأخذ منها ما تراضيا عليه ويطلقها فليس في ذلك مخالفة للحديث لأن الحديث ورد فيما إذا كانت الكراهة من قبلها.

واختار ابن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق بينهما جميعا، وإن وقع من أحدهما لا يندفع الإثم، وهو قوي موافق لظاهر الآيتين، ولا يخالف ما ورد فيه وبه قال طاوس، والشعبى وجماعة من التابعين وأجاب الطبري وغيره عن ظاهر الآية بأن المرأة إذا لم تقم بحقوق الزوج التي أمرت بها كان ذلك منفرا للزوج عنها غالبا، ومقتضيا لبغضه لها فنسبت المخالفة إليها لذلك، وعن الحديث بأنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - لم يستفسر ثابتا هل أنت كارهها كما كرهتك أم لا. اهـ المقصود (2).

(1) سورة النساء الآية 19

(2)

فتح الباري جـ / 9 ص (230 - 331).

ص: 200

وقال محمود العيني أي هذا باب في بيان الخلع - بضم الخاء المعجمة وسكون اللام - مأخوذ من خلع الثوب والنعل ونحوهما وذلك لأن المرأة لباس للرجل كما قال الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (1) وإنما جاء مصدره بضم الخاء تفرقة بين الأجرام والمعاني، يقال: خلع ثوبه ونعله خلعا بفتح الخاء وخلع امرأته خلعا وخلعة بالضم.

وأما حقيقته الشرعية فهو فراق الرجل امرأته على عوض يحصل له، وهكذا قاله شيخنا في شرح الترمذي وقال هو الصواب، وقال كثير من الفقهاء: هو مفارقة الرجل امرأته على مال وليس بجيد، فإنه لا يشترط كون عوض الخلع مالا، فإنه لو خالعها عليه من دين أو خالعها على قصاص لها عليه فإنه صحيح وإن لم يأخذ الزوج منها شيئا، فلذلك عبرت بالحصول لا بالأخد.

قلت قال أصحابنا: الخلع إزالة الزوجية بما يعطيه من المال، وقال النسفي: الخلع الفصل من النكاح بأخذ المال بلفظ الخلع وشرطه شرط الطلاق وحكمه وقوع الطلاق البائن وهو من جهته يمين ومن جهتها معاوضة، وأجمع العلماء على مشروعية الخلع إلا بكر بن عبد الله المزني التابعي المشهور حكاه ابن عبد البر في التمهيد، وقال عقبة بن أبي الصهباء سألت بكر بن عبد الله المزني عن الرجل يريد أن يخالع امرأته فقال: لا يحل له أن يأخذ منها شيئا، قلت: فأين قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (2) قال هي منسوخة قلت: وما نسخها؟ قال ما في سورة النساء، قوله تعالى:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (3) الآية.

قال ابن عبد البر قول بكر بن عبد الله هذا خلاف السنة الثابتة في قصة ثابت بن قيس وحبيبة بنت سهل وخالف جماعة الفقهاء والعلماء بالحجاز والعراق والشام انتهى. وخصص ابن سيرين وأبو قلابة جوازه بوقوع الفاحشة فكانا يقولان: لا يحل للزوج الخلع حتى يجد على بطنها رجلا لأن الله تعالى يقول {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (4).

قال أبو قلابة فإذا كان ذلك فقد جاز له أن يضارها ويشق عليها حتى تختلع منه، قال أبو عمر: ليس هذا بشيء لأن له أن يطلقها، أو يلاعنها. وأما أن يضارها ليأخذ مالها فليس له ذلك. اهـ (5).

وقال في حاشية المقنع على قوله (ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها فإن فعل كره وصح) إذا تراضيا على الخلع بشيء صح وإن كان أكثر من الصداق وهذا قول أكثر أهل العلم، روى ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقبيصة والنخعي ومالك والشافعى وأصحاب الرأي. وروي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها وعقاص رأسها كان ذلك جائزا. وقال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن شعيب: لا يأخذ أكثر مما أعطاها وروي ذلك عن علي بإسناد

(1) سورة البقرة الآية 187

(2)

سورة البقرة الآية 229

(3)

سورة النساء الآية 20

(4)

سورة النساء الآية 19

(5)

عمد القارئ جـ 20 ص 260 وما بعدها.

ص: 201