الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منقطع واختاره أبو بكر، فإن فعل رد الزيادة. واحتجوا بما روي «أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: والله ما أعيب على ثابت في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضا فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:" أتردين عليه حديقته " قالت: نعم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد. رواه ابن ماجه (1)». ولنا قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (2) ولأنه قول من سمينا من الصحابة.
وقالت الربيع بنت معوذ اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك علي، ولكن لا يستحب أن يأخذ أكثر مما أعطاها. وهذا المذهب وبه قال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والحكم وحماد وإسحاق وأبو عبيد ولم يكرهه أبو حنيفة ومالك والشافعي. اهـ (3)
(1) صحيح البخاري الطلاق (5273)، سنن النسائي الطلاق (3463)، سنن ابن ماجه الطلاق (2056).
(2)
سورة البقرة الآية 229
(3)
قال المنذري (3: 144 حديث 2137) وذكر أنه روي مرسلا وأخرجه الترمذي مسندا، وقال: حسن غريب.
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلع
في صحيح البخاري عن ابن عباس «أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - " تردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة واحدة (1)» ، وفي سنن النسائي عن الربيع بنت معوذ «أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها - وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي سلول - فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فقال:" خذ الذي لها عليك وخل سبيلها "، قال: نعم. فأمرها رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - أن تتربص حيضة واحدة، وتلحق بأهلها (2)».
وفي سنن أبي داود عن ابن عباس «أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس اختلعت من زوجها، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة (3)» ، وقال: حسن غريب. وفي سنن الدارقطني في هذه القصة: فقال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - «أتردين عليه حديقته التي أعطاك؟ " قالت: نعم، وزيادة. فقال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " أما الزيادة فلا، ولكن حديقته "، قالت: نعم. فأخذ ماله، وخلى سبيلها. فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال: قد قبلت قضاء رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم (4)» - قال الدارقطني: إسناده صحيح.
(1) صحيح البخاري الطلاق (5273)، سنن النسائي الطلاق (3463)، سنن ابن ماجه الطلاق (2056).
(2)
سنن النسائي الطلاق (3497).
(3)
سنن الترمذي الطلاق (1185)، سنن أبو داود الطلاق (2229).
(4)
صحيح البخاري الطلاق (5273)، سنن النسائي الطلاق (3463)، سنن ابن ماجه الطلاق (2056).
فتضمن هذا الحكم النبوي عدة أحكام، أحدها: جواز الخلع كما دل عليه القرآن قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (1) ومنع الخلع طائفة شاذة من الناس، خالفت النص والإجماع، وفي الآية دليل على جوازه مطلقا بإذن السلطان وغيره، ومنعه طائفة بدون إذنه، والأئمة الأربعة، والجمهور: على خلافه، وفي الآية دليل على حصول البينونة. لأنه سبحانه وتعالى سماه " فدية " ولو كان رجعيا - كما قال بعض الناس - لم يحصل للمرأة الافتداء من الزوج بما بذلته له. ودل قوله سبحانه وتعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (2) على جوازه بما قل أو كثر، وأن له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها.
وقد ذكر عبد الرازق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل: أن الربيع بنت معوذ بن عفراء حدثته: أنها اختلعت من زوجها بكل شيء تملكه، فخوصم في ذلك إلى عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - فأجازه، وأمره أن يأخذ عقاص رأسها فما دونه.
وذكر أيضا عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر جائته مولاة لامرأته اختلعت من كل شيء لها، وكل ثوب لها حتى نقبتها. ورفعت إلى عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - امرأة نشزت عن زوجها فقال:" اخلعها ولو من قرطها " ذكره حماد بن سلمة عن أيوب عن كثير بن أبي كثير عنه. وذكر عبد الرازق عن عمر عن ليث عن الحكم بن عتبة عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - " لا يأخذ منها فوق ما أعطاها ".
وقال طاوس: " لا يحل أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها " وقال عطاء: " إن أخذ زيادة على صداقها فالزيادة مردودة إليها " وقال الزهري: " لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها " وقال ميمون بن مهران: " إن أخذ منها أكثر مما أعطاها لم يسرح بإحسان " وقال الأوزاعي: " كانت القضاة لا تجيز أن يأخذ منها شيئا إلا ما ساق إليها ". .
والذين جوزوه: احتجوا بظاهر القرآن وآثار الصحابة، والذين منعوه: احتجوا بحديث أبي الزبير «أن ثابت بن قيس بن شماس لما أراد خلع امرأته. قال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - " أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم، وزيادة، فقال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " أما الزيادة فلا» قال الدارقطني: سمعه أبو الزبير من غير واحد وإسناده صحيح. قالوا: والآثار من الصحابة مختلفة. فمنهم من روي عنه تحريم الزيادة، ومنهم من روي عنه إباحتها، ومنهم من روي عنه كراهتها.
كما روي عن وكيع عن أبي حنيفة عن عمار بن عمران الهمداني عن أبيه عن علي " أنه كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها " والإمام أحمد أخذ بهذا القول، ونص على الكراهة. وأبو بكر من أصحابه حرم الزيادة
(1) سورة البقرة الآية 229
(2)
سورة البقرة الآية 229
وقال: ترد عليها. . وقد ذكر عبد الرازق عن ابن جريج قال: قال لي عطاء: «أتت امرأة رسول الله - صلى الله تعال عليه وسلم - فقالت يا رسول الله، إني أبغض زوجي، وأحب فراقه قال: " أفتردين عليه حديقته التي أصدقك؟ " قالت: نعم وزيادة من مالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما الزيادة من مالك فلا، ولكن الحديقة " قالت: نعم، فقضى بذلك على الزوج (1)» (وهذا - وإن كان مرسلا - فحديث أبي الزبير مقو له، وقد رواه ابن جريج عنهما. . . اهـ (2).
4 -
أما إذا ادعى كل من الزوجين نشوز صاحبه عليه وخيف الشقاق بينهما كما في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (3) وقد اختلف العلماء رحمهم الله في المراد من الآية فيمن يبعث الحكمين وما صفتهما وهل هما حاكمان لهما الفصل في الخصومة بين الزوجين، أو أنهما وكيلان ينفذ تصرفهما في حدود وكالتهما، أم أنهما جهة نظر يرفعان ما يريانه إثر التحقيق مع الزوجين إلى الحاكم ليتولى نفسه الفصل في خصومتهما؟
وقال ابن جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية:
يعنى بقوله جل ثناؤه {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} (4) وشاقته بقول: عادته، ثم ذكر اختلاف أهل التأويل في المراد بالمخاطبين في هذه الآية ببعث الحكمين فذكر أثرين بسنديهما إلى سعيد بن جبير والضحاك بأن المأمور بذلك السلطان الذي يرفع ذلك إليه. وذكر أثرا بسنده إلى السدي أن المأمور بذلك الرجل والمرأة. وذكر جملة آثار بأسانيدها إلى علي وابن عباس والحسن وقتاده أن المأمور بذلك السلطان غير أنه إنما يبعثهما ليعرفا الظالم من المظلوم منهما ليحملهما على الواجب لكل واحد منهما قبل صاحبه لا التفريق بينهما. ثم ذكر رحمه الله اختلاف أهل التأويل فيما يبعث له الحكمان، وما الذي يجوز للحكمين من الحكم بينهما، وكيف وجه بعثهما بينهما؟ فقال بعضهم: يبعثهم الزوجان بتوكيل منهما إياهما بالنظر بينهما وليس لهما أن يعملا شيئا في أمرهما إلا ما وكلاهما به أو وكله كل واحد منهما بما إليه، فيعملان بما وكلهما به من وكلهما من الرجل والمرأة فيما يجوز توكيلهما فيه أو توكيل من وكل منهما في ذلك. وذكر مجموعة آثار بأسانيدها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وإلى السدي تؤيد القول بأن الحكمين ليس لهما أن يعملا شيئا في أمرهما إلا في حدود ما وكلا به. وقال آخرون: إن الذي يبعث الحكمين السلطان غير أنه يبعثهما ليعرفا الظالم من المظلوم
(1) صحيح البخاري الطلاق (5273)، سنن النسائي الطلاق (3463)، سنن ابن ماجه الطلاق (2056).
(2)
زاد المعاد جـ4 ص (63 - 67) مطبعة السنة المحمدية.
(3)
سورة النساء الآية 35
(4)
سورة النساء الآية 35
منهما ليحملهما على الواجب لكل واحد منهما قبل صاحبه لا التفريق بينهما. ثم ذكر مجموعة آثار بأسانيدها إلى الحسن وقتاده وعلي بن أبي طالب وابن عباس وابن زيد تدل على ذلك. وذكر رأيا ثالثا في أن الذي يبعث الحكمين السلطان على أن حكمهما ماض على الزوجين في الجمع والتفريق وذكر مجموعة آثار بأسانيدها إلى ابن عباس ومعاوية وابن سيرين وسعيد بن جبير وعامر وإبراهيم وأبي سلمة بن عبد الرحمن والضحاك. ثم قال بعد ذلك: وأولى الأقوال بالصواب في قوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (1). أن الله سبحانه خاطب المسلمين بذلك وأمرهم ببعثة الحكمين عند خوف الشقاق بين الزوجين للنظر في أمرهما ولم يخصص بالأمر بذلك بعضهم دون بعض وقد أجمع الجميع على أن البعثة في ذلك ليست لغير الزوجين وغير السلطان الذي هو سائس أمر المسلمين أو من أقامه في ذلك مقام نفسه. واختلفوا في الزوجين والسلطان ومن المأمور بالبعثة في ذلك: الزوجان أو السلطان؟ ولا دلالة في الآية تدل على أن الأمر بذلك مخصوص به أحد الزوجين ولا أثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمة فيه مختلفة.
وإذا كان الأمر على ما وصفنا فأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يكون مخصوصا من الآية ما أجمع الجميع على أنه مخصوص منها وإذا كان ذلك كذلك فالواجب أن يكون الزوجان والسلطان ممن شمله حكم الآية والأمر بقوله: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (2) إذ كان مختلفا بينهما هل هما معنيان بالأمر بذلك أم لا؟ - وكان ظاهر الآية قد عمهما - فالواجب من القول إذ كان صحيحا ما وصفنا أن يقال: إن بعث الزوجان كل واحد منهما حكما من قبله لينظر في أمرهما وكان كل واحد منهما قد بعثه من قبله في ذلك لما له على صاحبه ولصاحبه عليه فتوكيله بذلك من وكل جائز له وعليه. وإن وكله ببعض ولم يوكله بالجميع كان ما فعله الحكم مما وكل به صاحبه ماضيا جائزا على ما وكله. وذلك أن يوكله أحدهما بماله دون ما عليه. وإن لم يوكل كل واحد من الزوجين بما له وعليه أو بما له أو بما عليه لا الحكمين كليهما لم يجز إلا ما اجتمعا عليه دون ما انفرد به أحدهما. وإن لم يوكلهما واحد منهما بشيء وإنما بعثاهما للنظر بينهما ليعرفا الظالم من المظلوم منهما ليشهدا عليهما عند السلطان إن احتاجا إلى شهادتهما - لم يكن لهما أن يحدثا بينهما شيئا غير ذلك من طلاق، أو أخذ مال أو غير ذلك، ولم يلزم الزوجين ولا واحدا منهما شيء من ذلك. اهـ المقصود (3).
وذكر أبو بكر الجصاص أن الحكمين وكيلان ليس لهما إلا ما وكلا فيه وأن أمر الجمع بين الزوجين أو التفريق خاص بالحاكم وإن الخطاب في قوله تعالى: وإن خفتم للحاكم
(1) سورة النساء الآية 35
(2)
سورة النساء الآية 35
(3)
جامع البيان لأحكام القرآن جـ 8 ص 318 - 330.