الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما المنقولات المنفصلة كالسفن والحيوانات والأثاث وغيرها فلا شفعة فيها. قال في المدونة: قلت ولا شفعة في دين ولا حيوان ولا سفن ولا بر ولا طعام ولا في شيء من العروض ولا سارية ولا حجر ولا في شيء من الأشياء سوى ما ذكرت لي كان مما يقسم أو لا يقسم في قول مالك؟ قال: نعم لا شفعة في ذلك ولا شفعة فيما ذكرت لك. اه (1).
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الشفعة ثابتة في كل شيء حتى في الثوب لما روى الترمذي بسند جيد عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس مرفوعا: «الشريك شفيع والشفعة في كل شيء (2)» ورواه مرسلا وصحح المرسل. قال الحافظ: ورواه الطحاوي بلفظ: «قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء» ورجاله ثقات (3). ولأن الشفعة شرعت لدفع ضرر المشاركة. وهذا القول رواية عن الإمام أحمد. قال ابن قدامة رحمه الله في معرض كلامه على الشفعة في المنقولات ما نصه: واختلف عن مالك وعطاء فقالا مرة كذلك ومرة قالا الشفعة في كل شيء حتى في الثوب، قال ابن أبي موسى وقد روى عن أبي عبد الله رواية أخرى أن الشفعة واجبة فيما لا ينقسم كالحجارة والسيف والحيوان وما في معنى ذلك. اه (4).
وقال في حاشية الروض المربع للشيخ عبد الله العنقري على قول الشارح فلا شفعة في منقول كسيف ونحوه ما نصه:
قوله فلا شفعة في منقول إلى قوله ونحوها. قال في الإنصاف: والرواية الثانية فيه الشفعة اختاره ابن عقيل وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين قال الحارثي: وهو الحق، وعنه يجب في كل مال حاشا منقولا ينقسم. اه (5).
وممن قال بذلك ابن حزم ففي المحلى ما نصه: الشفعة واجبة في كل جزء بيع مشاعا غير مقسوم بين اثنين فصاعدا من أي شيء كان مما ينقسم ومما لا ينقسم من أرض أو شجرة واحدة فأكثر أو عبد أو ثوب أو أمة أو من سيف أو من طعام أو من حيوان أو من أي شيء بيع. اه (6).
(1) المدونة ج5 ص402
(2)
سنن الترمذي الأحكام (1371).
(3)
بلوغ المرام ومعه شرحه السبل ج3 ص62.
(4)
المغني ج5 ص258.
(5)
الروض المربع ج2 ص402.
(6)
المحلى ج9 ص101.
3 -
الجوار
لا يخلو أمر الجار من حالين: إما أن يكون شريكا لجاره في مرافق خاصة كشرب ومسيل وطريق غير نافذ ونحو ذلك وإما ألا يشاركه في شيء من ذلك فإن كان شريكا لجاره في المرافق
الخاصة فقد ذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة إلى القول بعدم الشفعة في ذلك لما في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال " إنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم «الشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (1)» ولما روى مسلم في صحيحه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الشفعة في كل شرك في أرض أو ربع أو حائط (2)» حيث دل الحديثان على حصر الشفعة فيما هو مشترك ولم يقسم فإذا قسم فلا شفعة ولأن الشفعة مشروعة لرفع ضرر الاشتراك والمقاسمة ولما في المقاسمة من احتمال نقص قيمة حصة الشريك بعد المقاسمة لما تستلزمه المقاسمة في الغالب من إحداث مرافق خاصة لما يقتسم.
قال في المدونة: قلت لابن القاسم أرأيت لو أن قوما اقتسموا دارا بينهم فعرف كل رجل منهم بيوته ومقاصيره إلا أن المساحة بينهم لم يقتسموها أتكون الشفعة بينهم أم لا في قول مالك؟ قال قال مالك: لا شفعة بينهم إذا اقتسموا، قلت وإن لم يقتسموا المساحة وقد اقتسموا البيوت فلا شفعة بينهم في قول مالك؟ قال: نعم. . . قلت أرأيت السكة غير النافذة تكون فيها دار لقوم فباع بعضهم داره أيكون لأصحاب السكة الشفعة أم لا في قول مالك؟ قال لا شفعة لهم عند مالك. قلت ولا تكون الشفعة في قول مالك بالشركة في الطريق؟ قال نعم لا شفعة بينهم إذا كانوا شركاء في طريق. ألا ترى أن مالكا قال لا شفعة بينهم إذا اقتسموا الدار. اه (3).
وقال ابن رشد في معرض تعداد ما لا شفعة فيه: وكذلك لا شفعة عنده في الطريق ولا في عرصة الدار. اه (4).
وقال الشربيني على قول صاحب المنهاج: ولا شفعة إلا لشريك. ما نصه: ولا شفعة إلا لشريك في رقبة العقار فلا تثبت للجار لخبر البخاري المار ولا للشريك في غير رقبة العقار كالشريك في المنفعة فقط. . ولو باع دارا وله شريك في ممرها فقط التابع لها فإن كان دربا غير نافذ فلا شفعة له فيها لانتفاء الشركة فيها. اهـ (5).
وقال النووي: وأما المقسوم فهل تثبت فيه الشفعة بالجوار، فيه خلاف. فذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء لا تثبت بالجوار وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ويحيى الأنصاري، وأبي الزناد، وربيعة، ومالك، والأوزاعي، والمغيرة بن عبد الرحمن، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، اه (6).
- وذكر ابن قدامة رحمه الله أن الشفعة لا تثبت إلا بشروط أربعة أحدها: أن يكون الملك مشاعا غير مقسوم فأما الجار فلا شفعة له ثم ذكر من اختار هذا القول من أهل العلم ومن خالفه كأبي حنيفة وغيره ثم
(1) صحيح البخاري الشركة (2495)، صحيح مسلم المساقاة (1608)، سنن الترمذي الأحكام (1370)، سنن النسائي البيوع (4701)، سنن أبو داود البيوع (3514)، سنن ابن ماجه الأحكام (2499)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 399)، سنن الدارمي البيوع (2628).
(2)
صحيح البخاري الشركة (2495)، صحيح مسلم المساقاة (1608)، سنن النسائي البيوع (4701)، سنن أبو داود البيوع (3513)، سنن ابن ماجه الأحكام (2499)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 310)، سنن الدارمي البيوع (2628).
(3)
المدونة ج5 ص402.
(4)
بداية المجتهد ج2 ص255.
(5)
مغني المحتاج ج2 ص298.
(6)
شرح النووي لصحيح مسلم ج11 ص46.
وجه القول بحصر الشفعة في الملك غير المقسوم فقال: ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم «الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (1)» وروى ابن جريج عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أو عن أبي سلمة أو عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قسمت الأرض وحددت فلا شفعة (2)» رواه أبو داود.
ولأن الشفعة تثبت في موضع الوفاق على خلاف الأصل لمعنى معدوم في محل النزاع فلا تثبت فيه، وبيان انتفاء المعنى هو أن الشريك ربما دخل عليه شريك فيتأذى به فتدعوه الحاجة إلى مقاسمته أو يطلب الداخل المقاسمة فيدخل الضرر على الشريك بنقص قيمة ملكه وما يحتاج إلى إحداثه من المرافق وهذا لا يوجد في المقسوم - إلى أن قال - إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون الطريق مفرده أو مشتركة. قال أحمد في رواية ابن القاسم في رجل له أرض تشرب هي وأرض غيره من نهر واحد فلا شفعة له من أجل الشرب إذا وقعت الحدود فلا شفعة. اهـ (3).
وقال البهوتي رحمه الله: ومن أرضه بجوار أرض لآخر ويشربان من نهر أو بئر واحدة فلا شفعة بذلك. اهـ (4).
وذهب الحنفية: ومن وافقهم من أهل العلم إلى أن الشفعة تثبت للخليط في حق المبيع إذا لم يكن ثم من يحجبه عنه كوجود خليط في المبيع نفسه وذلك لما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «جار الدار أحق بالدار (5)» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الجار أحق بداره ينتظر به إذا كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا (6)» رواه الترمذي وقال حديث حسن. وقال الحافظ في البلوغ رواه أحمد والأربعة ورجاله ثقات. ولأن اتصال ملكه به يدوم ويتأبد فهو مظنة التضرر بالاختلاط في حقوق المبيع كالشركة. قال في الهداية في معرض توجيهه القول بثبوت الشفعة للخليط في حق المبيع ثم للجار ما نصه: ولنا ما روينا ولأن ملكه متصل بملك الدخيل اتصال تأبيد وقرار فيثبت له حق الشفعة عند وجود المعاوضة بالمال اعتبارا بمورد الشرع. وهذا لأن الاتصال على هذه الصفة إنما انتصب سببا فيه لدفع ضرر الجوار إذ هو مادة المضار على ما عرف وقطع هذه المادة بتملك الأصل أولى. اهـ (7).
- وقد قال بثبوت الشفعة بالشركة في مصالح العقار بعض الحنابلة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وصاحب الفائق وهو اختيار الحارثي. قال أبو الحسن المرداوي: وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية أبي طالب وقد سأله عن الشفعة. فقال إذا كان طريقهما واحدا لم يقتسموا فإذا صرفت الطرق وعرفت الحدود فلا شفعة وهذا هو الذي اختاره الحارثي. . . وذكر ظاهر كلام الإمام أحمد المتقدم
(1) سنن النسائي البيوع (4704)، سنن أبو داود البيوع (3514)، سنن ابن ماجه الأحكام (2499)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 296)، موطأ مالك الشفعة (1420).
(2)
سنن أبو داود البيوع (3515)، سنن ابن ماجه الأحكام (2497).
(3)
المغني ج5 ص256 - 257.
(4)
شرح المنتهى ج2 ص434 - 435.
(5)
سنن الترمذي الأحكام (1368)، سنن أبو داود البيوع (3517)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 8).
(6)
سنن الترمذي الأحكام (1369)، سنن أبو داود البيوع (3518)، سنن ابن ماجه الأحكام (2494)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 303)، سنن الدارمي البيوع (2627).
(7)
الهداية ج4 ص24 - 25.
ثم قال وهذا الصحيح الذي يتعين المصير إليه ثم ذكر أدلته وقال في هذا المذهب جمعا بين الأخبار دون غيره فيكون أولى بالصواب. اهـ (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد تناوع الناس في شفعة الجار على ثلاثة أقوال، أعدلها هذا القول إنه إن كان شريكا في حقوق الملك ثبتت له الشفعة وإلا فلا. اهـ (2).
وقال ابن القيم رحمه الله: والصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث أنه إن كان بين الجارين حق مشترك من حقوق الأملاك من طريق أو ماء أو نحو ذلك ثبتت الشفعة، وإن لم يكن بينهما حق مشترك البتة بل كان واحد منهما متميزا ملكه وحقوق ملكه فلا شفعة وهذا الذي نص عليه أحمد في رواية أبي طالب فإنه سأله عن الشفعة لمن هي؟ فقال: إذا كان طريقهما واحدا، فإذا صرفت الطرق وعرفت الحدود فلا شفعة، وهو قول عمر بن عبد العزيز وقول القاضيين: سوار بن عبيد الله، وعبيد الله بن الحسن العنبري - إلى أن قال - والقياس الصحيح يقتضي هذا القول فإن الاشتراك في حقوق الملك شقيق الاشتراك في الملك، والضرر الحاصل بالشركة فيها كالضرر الحاصل بالشركة في الملك أو أقرب إليه، ورفعه مصلحة للشريك من غير مضرة على البائع ولا على المشتري، فالمعنى الذي وجبت لأجله شفعة الخلطة في الملك موجود في الخلطة في حقوقه، فهذا المذهب أوسط المذاهب وأجمعها للأدلة وأقربها إلى العدل وعليه يحمل الاختلاف عن عمر رضي الله عنه حيث قال: لا شفعة فيما إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، وحيث أثبتها فيما إذا لم تصرف الطرق، فإنه قد روى عنه هذا وهذا. وكذلك ما روى عن علي - رضي اله عنه - فإنه قال: إذا حدت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، ومن تأمل أحاديث شفعة الجار رآها صريحة في ذلك وتبين له بطلان حملها على الشريك وعلى حق الجوار غير الشفعة وأجاب رحمه الله عن حديث أبي هريرة:«فإذا وقعت الحدود فلا شفعة (3)» بأن تصريف الطرق داخل في وقوع الحدود، فإن الطريق إذا كانت مشتركة لم تكن الحدود كلها واقعة بل بعضها حاصل وبعضها منتف فوقوع الحدود من كل وجه يستلزم أو يتضمن تصريف الطرق (4).
وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هل تثبت الشفعة بالشركة في الطريق والبئر والشركة في السيل فأجاب: تثبت للجار إذا كان شريكا في الطريق والبئر ولا تثبت الشفعة بالشركة بالجدار ولا بالشركة في السيل. وأجاب ابنه عبد الله بما نصه: قولك هل تثبت الشفعة بالشركة في البئر والطريق ومسيل الماء فالمفتى به عندنا أنها تثبت بذلك كما هو اختيار الشيخ تقي الدين وغيره من العلماء. اه وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن ثبوت الشفعة بالشركة بالسيل فأجاب: المذهب عدم ثبوت الشفعة بالطريق والسيل مثله واختيار الشيخ التشفيع بمرافق الأملاك من الطرق والبئر والسيل وهو الذي
(1) الإنصاف ج6 ص255.
(2)
مجموع الفتاوى ص383 ج30.
(3)
سنن أبو داود البيوع (3515)، سنن ابن ماجه الأحكام (2497).
(4)
أعلام الموقعين ج2 ص126 - 130.