الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
روى أحمد والنسائي وابن ماجه عن الشريد بن سويد قال: «قلت يا رسول الله أرضي ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار فقال " الجار أحق بسقبه ما كان (1)» .
كما استدلوا من جهة المعنى بقولهم:
واللفظ لابن القيم رحمه الله إن حق الأصيل وهو الجار أسبق من حق الدخيل، وكل معنى اقتضى ثبوت الشفعة للشريك فمثله في حق الجار، فإن الناس يتفاوتون في الجوار تفاوتا فاحشا ويتأذى بعضهم ببعض ويقع بينهم من العداوة ما هو معهود والضرر بذلك دائم متأبد ولا يندفع ذلك إلا برضا الجار إن شاء أقر الدخيل على جواره وإن شاء انتزع الملك بثمنه واستراح من مؤونة المجاورة ومفسدتها، وإذا كان الجار يخاف التأذي على وجه اللزوم كان كالشريك يخاف التأذي بشريكه على وجه اللزوم. . . فوجب بحكم عناية الشارع ورعايته لمصالح العباد إزالة الضررين جميعا على وجه لا يضر البائع. اه (2).
(1) سنن النسائي البيوع (4703)، سنن ابن ماجه الأحكام (2496)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 389).
(2)
أعلام الموقعين ج2 ص120 - 121.
المناقشة
أجاب القائلون بحصر الشفعة في الشريك دون غيره بما يأتي:
1 -
بالنسبة لحديث أبي رافع رضي الله عنه فقد ذكر الحافظ ابن حجر في معرض شرحه هذا الحديث وإيراده وجه استدلال الحنفية به على ثبوت الشفعة للجار حقيقة في المجاورة مجازا في الشريك قال ما نصه: إن محل ذلك عند التجرد وقد قامت القرينة هنا على المجاز فاعتبر للجمع بين حديثي جابر وأبي رافع، فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك، وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقا، لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك. والذين قالوا بشفعة الجار قدموا الشريك مطلقا، ثم المشارك في الطريق، ثم الجار على من ليس بمجاور، فعلى هذا يتعين تأويل قوله (أحق) بالحمل على الفضل أو التعهد ونحو ذلك. اه (1).
2 -
بالنسبة لحديث جابر «الجار أحق بشفعة جاره (2)»
الخ، فقال الترمذي: لا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر، وقد تكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث - ثم قال - سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: لا أعلم أحدا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به ويروى عن جابر خلاف هذا. اهـ. . . قال شعبة سها فيه عبد الملك، فإن روى
(1) فتح الباري ج4 ص438.
(2)
سنن أبو داود البيوع (3518).
حديثا مثله طرحت حديثه، ثم ترك شعبة التحديث عنه. وقال أحمد: هذا الحديث منكر. وقال ابن معين: لم يروه غير عبد الملك وقد أنكروه عليه. اه (1).
وقد أجاب ابن القيم رحمه الله عن الطعن في حديث جابر فقال:
إن عبد الملك هذا حافظ ثقة صدوق ولم يتعرض له أحد بجرح البتة، وأثنى عليه أئمة زمانه ومن بعدهم، وإنما أنكر عليه من أنكر هذا الحديث ظنا منهم أنه مخالف لرواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم «الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (2)» .
ولا تحتمل مخالفة العرزمي لمثل الزهري وقد صح هذا من رواية جابر عن الزهري عن أبي سلمه عنه ومن رواية ابن جريج عن أبي الزبير عنه. ومن حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه، فخالفهم العرزمي، ولهذا شهد الأئمة بإنكار حديثه ولم يقدموه على حديث هؤلاء - إلى أن قال - وحديث جابر الذي أنكره من أنكره على عبد الملك صريح فيه، فإنه قال:«الجار أحق بسقبه ينتظر به وإن كان غائبا طريقهما واحدا (3)» فأثبت الشفعة بالجوار مع اتحاد الطريق ونفاها به مع اختلاف الطريق بقوله: «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (4)» فمفهوم حديث عبد الملك هو بعنيه منطوق حديث أبي سلمة فأحدهما يصدق الآخر ويوافقه لا يعارضه ويناقضه، وجابر روى اللفظين - إلى أن قال - وحديث أبي رافع الذي رواه البخاري يدل على مثل ما دل عليه حديث عبد الملك فإنه دل على الأخذ بالجوار حالة الشركة في الطريق فإن البيتين كانا في نفس دار سعد والطريق واحد بلا ريب. اه (5).
3 -
وأما حديث الشريد بن سويد فقال الخطابي: قد تكلم أهل الحديث في إسناده واضطراب الرواة عنه فقال بعضهم عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع، وقال بعضهم عن أبيه عن أبي رافع وأرسله بعضهم. وذكر ابن قدامة رحمه الله عن ابن المنذر قوله: الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث جابر الذي رويناه وما عداه من الأحاديث فيها مقال (6).
وأجيب عن ذلك بما ذكره ابن القيم رحمه الله عن البخاري بخصوص حديث الشريد بن سويد أو عمرو بن الشريد قال: قال البخاري هو أصح عندي من رواية عمرو عن أبي رافع - يعني حديث أبي رافع مع سعد ابن أبي وقاص - وقال أيضا. كلا الحديثين عندي صحيح (7).
(1) نيل الأوطار ج5 ص355.
(2)
سنن النسائي البيوع (4704)، سنن أبو داود البيوع (3514)، سنن ابن ماجه الأحكام (2499)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 296)، موطأ مالك الشفعة (1420).
(3)
سنن الترمذي الأحكام (1369)، سنن أبو داود البيوع (3518)، سنن ابن ماجه الأحكام (2494)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 303)، سنن الدارمي البيوع (2627).
(4)
صحيح البخاري البيوع (2213)، سنن الترمذي الأحكام (1370)، سنن أبو داود البيوع (3514)، سنن ابن ماجه الأحكام (2499)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 296).
(5)
أعلام الموقعين ج2 ص119 وص125.
(6)
المغني ج5 ص257.
(7)
أعلام الموقعين ج2 ص117.
وقال ابن حزم في معرض مناقشته الأحاديث والآثار التي استدل بها أهل هذا القول ما نصه: ثم نظرنا في حديث عمرو بن الشريد عن أبي رافع عن أبيه فوجدناه لا متعلق لهم به لأنه ليس فيه إلا الجار أحق بصقبه وليس فيه للشفعة ذكر ولا أثر، وقد حدثنا همام، حدثنا عباس بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الثقفي قال: سمعت عمرو بن الشريد يحدث عن الشريد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المرء أحق وأولى بصقبه (1)» قلت لعمرو: ما صقبه؟ قال الشفعة، قلت: زعم الناس أنها الجوار قال: الناس يقولون ذلك، فهذا راوي الحديث عمرو بن الشريد لا يرى الشفعة بالجوار ولا يرى لفظ ما روى يقتضي ذلك، فبطل كل ما موهوا به. ثم لو صحت هذه الأحاديث ببيان واضح أن الشفعة للجار لكان حكمه عليه الصلاة والسلام وقوله وقضاؤه «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (2)» يقضي على ذلك كله ويرفع فكيف ولا بيان في شيء منها. اهـ (3).
4 -
وأما حديث سمرة ففي سماع الحسن من سمرة مقال معروف لدى علماء الحديث. قال يحيى بن معين لم يسمع الحسن من سمرة وإنما هي صحيفة وقعت إليه، وقال غيره: لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة، وقد أجاب عن ذلك ابن القيم رحمه الله حيث قال: قد صح سماع الحسن من سمرة وغاية هذا أنه كتاب ولم تزل الأمة تعمل بالكتب قديما وحديثا، وأجمع الصحابة على العمل بالكتب وكذلك الخلفاء بعدهم وليس اعتماد الناس في العلم إلا على الكتب، فإن لم يعمل بما فيها تعطلت الشريعة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب كتبه إلى الآفاق والنواحي فيعمل بها من تصل إليه ولا يقول هذا كتاب، وكذلك خلفاؤه من بعده والناس على اليوم. فرد السنن بهذا الخيال البارد الفاسد من أبطل الباطل والحفظ يخون والكتاب لا يخون. اهـ (4).
ويمكن أن يجاب عن قول ابن القيم رحمه الله بأن الغالب على طالب العلم أن يسجل كل ما عن له من صحيح وضعيف وما له وجه وما لا وجه له، على أمل أن يتم له النظر لأبعاد ما لا وجه له ولا صحة، ويحتمل أن يعجله الأجل قبل ذلك بخلاف ما يؤلفه طالب العلم وينشره بين الناس فإنه بنشره يعتبر في حكم المقتنع بوجاهته وصحة ما فيه مما يراه، وكذا ما يكتبه الوالي إلى عماله أو غيرهم فإنه يكتب ما يكتب عن اقتناع بوجاهة ما كتبه.
5 -
وأما الاحتجاج على مشروعية الشفعة للجار بالمعنى فقد أجاب على ذلك ابن القيم رحمه الله وسبق نقل ذلك عنه (5)
(1) سنن النسائي البيوع (4703)، سنن ابن ماجه الأحكام (2496)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 389).
(2)
صحيح البخاري البيوع (2213)، سنن الترمذي الأحكام (1370)، سنن أبو داود البيوع (3514)، سنن ابن ماجه الأحكام (2499)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 296).
(3)
المحلى جـ 9 ص 127.
(4)
أعلام الموقعين جـ 2 ص 117.
(5)
انظر أعلام الموقعين جـ 2 ص 122 - 124.