المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الأولى: في حكم الإقدام على جمع الثلاث بكلمة واحدة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌التضامن الإسلامي

- ‌دور عالمي لرسالة عالمية

- ‌تصدير

- ‌البحوث

- ‌حكمالطلاق الثلاثبلفظ واحد

- ‌القول الثاني: أن جمع الثلاث ليس بمحرم

- ‌المسألة الثانيةما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت ثلاثا دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثانيإن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت واحدة دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثالث يقع في المدخول بها ثلاثا وبغير المدخول بها واحدة

- ‌المذهب الرابع: عدم وقوع الطلاق مطلقا

- ‌الخلاصة

- ‌المسألة الأولى: في حكم الإقدام على جمع الثلاث بكلمة واحدة

- ‌المسألة الثانية: فيما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول أنه يقع ثلاثا

- ‌المذهب الثانيإن الطلاق الثلاث دفعة واحدة يعتبر طلقة واحدة

- ‌المذهب الثالثأن الطلاق الثلاث يمضي ثلاثا في المدخول بها وواحدة في غير المدخول بها

- ‌المذهب الرابع:أنه لا يعتد به مطلقا

- ‌مصادر بحث الطلاق الثلاث بلفظ واحد:

- ‌القرار

- ‌ النشوز والخلع

- ‌النشوز قد يكون من الرجل وقد يكون من المرأةوقد يدعيه كل منهما على صاحبه

- ‌ مصالحة المرأة زوجها

- ‌ الكلام عن الخلع

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلع

- ‌ الحكمين كيف يعملان

- ‌ بعث الحكمين

- ‌الخلاصة

- ‌ملخص قرار هيئة كبار العلماء المتعلق بمسالة النشوز والخلع

- ‌الشفعة بالمرافق الخاصة

- ‌الشفعة في الاصطلاح الشرعي

- ‌مشروعية الشفعة

- ‌دفع شبه القول بمنافاتها للقياس

- ‌الحكمة في مشروعية الشفعة

- ‌الاشتراك فيما لا يقبلالقسمة من العقار

- ‌الاشتراك في المنقولات

- ‌ الجوار

- ‌أدلة القائلين بقصر الشفعة على الشريك في المبيعدون الجار. . . أو الشريك في حق المبيع

- ‌أدلة القائلين بثبوت الشفعةبحق المبيع والجوار

- ‌المناقشة

- ‌ الشفعة فيما انتقل إلى الغير بعوض غير مسمى

- ‌الشفعة بشركة الوقف

- ‌شفعة غير المسلم

- ‌شفعة غير المكلف من صبي أو مجنون

- ‌شفعة الغائب

- ‌شفعة الوارث

- ‌الدعوة الإصلاحية فيالجزيرة العربيةوحركة الجامعة الإسلامية

- ‌الحرب والصلح فيالإسلام

- ‌الوضع العام

- ‌مفاجأة محزنة

- ‌احترام البيت

- ‌بدء المفاوضات

- ‌ساعة الصفر

- ‌بوادر السلم تلوح في الأفق

- ‌تنفيذ العقد يبدأبمفاجأة غريبة

- ‌افتراء مغرضحولسعد بن معاذ

- ‌الأمومةفي حياة النبي ووصاياهونظرة على دورها في البناء والتوجيه

- ‌نشيد الفرحبمقدمالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تعيين مواقيت الصلاة في أي زمان ومكان على سطح الأرض

- ‌مقدمة

- ‌تحديد الشرع الإسلامي لمواقيتالصلاة

- ‌وقت الظهر

- ‌وقت العصر

- ‌وقت المغرب

- ‌وقت العشاء

- ‌وقت الصبح

- ‌الربط بين تحديد الشرع والفلك والحسابلتبين مواقيت الصلاة

- ‌المعادلات الرياضية لحساب مواقيت الصلاة

- ‌بيان المصطلحات الفلكية والرموز الخاصة

- ‌ الأقطاب والنقط الأساسية

- ‌الدوائر العظمى

- ‌الزوايا الرئيسية

- ‌المثلث الفلكي

- ‌تعيين المعادلات الرياضية لحساب مواقيت الصلاة لكل واحدة من الفروض الخمسة

- ‌أولا وقت الظهر

- ‌ثانيا وقت الشروق والغروب

- ‌ثالثا وقت الفجر والعشاء

- ‌رابعا وقت العصر

- ‌استعمال الحاسب الإليكتروني 45 ( H. P)في حل المعادلات المذكورة

- ‌استعمال الرسم البياني لتعيينلمواقيت الصلاة

- ‌كيفية استعمال المنحنى لتعيينالوقت المطلوب

- ‌تحويلالوقت الزواليوقت غروبي

- ‌ الفتاوى

- ‌في النذر

- ‌في الصيام

- ‌في الأضحية وصلاة العيد

- ‌في اللحم المذبوح ببلاد الكفاروأهل الكتاب

- ‌حكم الحلف بغير اللهحكم لبس الباروكة للزوجحكم حلق المرأة رأسها وحواجبها

- ‌السفر وإفطار رمضانحكم التوسل إلى الله بالأنبياء والصالحين

- ‌في قراءة القرآن من أجل التكسب

- ‌ المؤتمر السادس لجمعية التعليم لعموم الهند

- ‌مؤتمرات

- ‌الفائدة الأولى: إذ قال لزوجته أنت طالق أو نحوه من الصريح

- ‌الفائدة الثانية: إذا وقع به الطلاق فكم طلقة تقع به

- ‌كتب تصدر قريبا

- ‌أساليب القسم والشرط في القرآن

- ‌الولايات المتحدة

- ‌إنجلترا

الفصل: ‌المسألة الأولى: في حكم الإقدام على جمع الثلاث بكلمة واحدة

برجعة أو عقد ثم طلقها طلقة واحدة فطلاقه طلاق سنة، ولو فعل مثل هذا مرة ثالثة كان طلاقه طلاق سنة باتفاق.

واختلفوا فيما لو طلق امرأته ثلاثا بأن قال لها: أنت طالق ثلاثا مثلا هل هو طلاق بدعة أو لا؟ واختلفوا أيضا فيما لو طلق المدخول بها طلقة ثم أتبعها أخرى في نفس الطهر أو الطهر الثاني أو الثالث قبل أن يراجعها، هل هو طلاق بدعة أو لا؟

ومحل البحث ما لو قال لها في لفظ واحد: أنت طالق ثلاثا مثلا، هل هو بدعة ممنوعة أو لا؟ وهل يعتد به أو لا؟ فهاتان مسألتان في كل منهما خلاف بين العلماء، وفيما يلي خلاصة القول فيهما:

ص: 141

‌المسألة الأولى: في حكم الإقدام على جمع الثلاث بكلمة واحدة

- " وفيه قولان "

1 -

القول الأول: أنه بدعة ممنوعة، وهو قول الحنفية والمالكية وإحدى الروايتين عن أحمد وقول ابن تيمية وابن القيم، وقد استدلوا لذلك بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعنى والقياس.

أما القرآن: فمنه قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (1). إلى قوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (2) قيل المراد الأمر بتفريق الطلقات الثلاث على أطهار العدة الثلاثة، والأمر بالتفريق نهي عن الجمع نهي تحريم أو نهي كراهة فكان جمع الثلاث في طهر واحدة بدعة ممنوعة (3).

وذكر ابن تيمية أن الله لم يبح في هذه الآية إلا الطلاق الرجعي لقوله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (4). والأمر هو الندم على الطلاق، والرغبة في الرجعة، ولقوله تعالى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (5)، فخير سبحانه بين الرجعة قبل انقضاء العدة دون مضارة للزوجة وبين تركها حتى تنقضي عدتها فتبين منه، وأنه سبحانه لم يبح فيها إلا الطلاق للعدة، فإرداف الطلاق للطلاق في العدة ولو في طهر آخر ممنوع لقوله تعالى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (6). إذ المعنى الأمر بطلاقهن مستقبلات عدتهن، ومن طلق زوجته الطلقة الثانية في طهرها الثاني، والثالثة في طهرها الثالث بنت مطلقته على ما مضى من عدتها ولم تستأنف العدة للثاني ولا للثالث، فلم يكن طلاقا للعدة، فكان غير مشروع (7).

(1) سورة الطلاق الآية 1

(2)

سورة الطلاق الآية 2

(3)

ص - من البحث.

(4)

سورة الطلاق الآية 1

(5)

سورة الطلاق الآية 2

(6)

سورة الطلاق الآية 1

(7)

ص - من البحث.

ص: 141

ومنه قوله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (1)، ووجه الاستدلال أن هذه الجملة خبرية لفظا طلبية معنى، لئلا يلزم الخلف في خبره تعالى، ولهذا نظائر في الكتاب والسنة ولغة العرب، فالمعنى إذا عزمتم الطلاق فطلقوه مرة بعد مرة، إذ لا يقال لمن دفع درهمين لإنسان دفعة أنه أعطاه مرتين إلى غير هذا من النظائر، والأمر بالتفريق نهي عن الجمع فكان ممنوعا (2).

فإن قيل: إذا كان كل الطلاق في دفعتين كان الواقع منه في دفعة طلقتين، وفي الأخرى طلقة، فكان الجمع بين طلقتين مشروعا، وإذا يكون الجمع بين الثلاث مشروعا، إذ لا فرق.

فالجواب أن الآية أمرت بتفريق الطلقتين من الثلاث لا بتفريق الثلاث، بدليل ما ذكر بعد من مشروعية الرجعة (3) وفي معناه ما قيل: من أن المراد أوقعوا الطلاق الرجعي المذكور في قوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (4) الآية، مرة بعد مرة، ومن طلق ثلاثا أو طلقتين دفعة لم يفعل ما أمر به فكان مبتدعا في طلاقه، كما أن من قال: سبحان الله ثلاثا وثلاثين، والحمد لله ثلاثا وثلاثين، والله أكبر ثلاثا وثلاثين عقب المكتوبات مكتفيا بذكر اسم العدد عن تكرار كل من التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين مرة لم يكن آتيا بما أمر به كما أمر، فكان مبتدعا.

وقيل في وجه الاستدلال بالآية: إن المراد الإخبار عن صفة الطلاق الشرعي، والألف واللام في الطلاق للحصر فيقتضي ذلك المنع من الطلاق على غير هذه الصفة، لكونه بدعة مخالفة للشرع.

فإن قيل: المراد الإخبار عن أن الطلاق الرجعي طلقتان، وما زاد فليس برجعي، يدل عليه قوله بعد ذلك {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (5)، أجيب بأنه لو كان المراد ما ذكرتم لقال: الطلاق طلقتان، سواء أوقعهما الزوج مجتمعتين أم مفترقتين، فلما قال: مرتان - اقتضى إيقاعه مفترقا، وثبت أن المراد الإخبار عن صيغة إيقاعه.

فإن قيل: لفظ التكرار إذا علق باسم أريد به تضعيف العدد دفعة دون تكرار الفعل كما في قوله تعالى: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (6). ونحوها؛ فإن المراد تضعيف العدد لا تفريق الأجر، أجيب بأن المراد نؤتها أجرها مرة بعد مرة كما روي عن بعض السلف، وعلى تقدير أن المراد في الآية تضعيف العدد دفعة يقال: إن الأصل فيما ذكر تكرار الفعل إلا إذا دل دليل على إرادة تضعيف العدد فيعدل إليها استثناء كما في الآية

(1) سورة البقرة الآية 229

(2)

ص - من البحث.

(3)

ص - من البحث.

(4)

سورة البقرة الآية 228

(5)

سورة البقرة الآية 229

(6)

سورة الأحزاب الآية 31

ص: 142

{نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (1) وما عداه يبقى على الأصل، على أنه لو أريد بقوله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (2) تضعيف العدد دفعة، لمنع الزوج من إيقاع طلقة مفردة، وهذا باطل بإجماع (3).

وأجيب أيضا بأن الفرق معلوم بين ما يكون مرتين في الزمان فلا يتصور فيه الجمع كآية الطلاق، وبين ما يكون مثلين وجزأين ومرتين في المضاعفة فيتصور فيه الجمع كما في آية {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (4)، وآية {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} (5) ونحوهما.

ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (6). الآية، وهذا إنما يكون فيما دون الثلاث، وهو يعم كل طلاق، لوقوعه في حيز الشرط، فعلم أن جمع الثلاث غير مشروع (7).

ومن السنة حديث «تزوجوا ولا تطلقوا» إلخ - قيل نهى عن الطلاق لأمر ملازم له لا لعينه؛ لأنه بقي معتبرا شرعا في حق الحكم بعد النهي، والمراد - والله أعلم - الجمع بين طلقتين أو أكثر من طهر والطلاق في الحيض، ولكن هذا الحديث ضعيف فلا يشتغل بمناقشته (8).

ومنها ما روى مخرمة بن بكير عن أبيه: قال سمعت محمود بن لبيد قال «أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاثا تطليقات جميعا فقال " فعلته لاعبا " ثم قال: " تلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم " حتى قام رجل، فقال يا رسول الله، ألا أقتله (9)» ؟ وإسناده على شرط مسلم، ودلالة متنه على المنع ظاهرة، واعترض عليه أولا: بأن مخرمة لم يسمع من أبيه، وإنما هو كتاب، وعورض ذلك بقول من قال سمع من أبيه، ومعه زيادة علم وإثبات فيقدم، وعلى تقدير أنه لم يسمع من أبيه، وإنما رواه من كتابه، وكان كتاب أبيه عنده محفوظا مضبوطا، فقد انعقد الإجماع على قبول الكتاب والعمل به إذا صح عند رواية أنه من كتابه شيخه، بل الرواية من الكتاب المصون أوثق، فإن الحفظ يخون والنسخة الثابتة المحفوظة لا تخون، وقد أطال ابن القيم الكلام على توثيق مخرمة واعتبار الرواية من الكتاب، وصحة الاحتجاج بها (10).

واعترض ثانيا بأن محمود بن لبيد وإن كان صحابيا إلا أنه لم يثبت له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم فروايته عنه مرسلة، وأجيب بأن مرسل الصحابي مقبول، فصح الاحتجاج بالحديث.

(1) سورة الأحزاب الآية 31

(2)

سورة البقرة الآية 229

(3)

ص - من البحث.

(4)

سورة الأحزاب الآية 31

(5)

سورة التوبة الآية 101

(6)

سورة البقرة الآية 232

(7)

ص - من البحث.

(8)

ص - من البحث، ذكره السيوطي في الجامع الصغير وضعفه.

(9)

سنن النسائي الطلاق (3401).

(10)

ص - من البحث.

ص: 143

ومنها حديث عبادة بن الصامت: أن قوما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: «إن أبانا طلق امرأته ألفا فقال: " بانت امرأته بثلاث في معصية الله، وبقي تسعمائة وسبعة وتسعون وزرا في عنقه إلى يوم القيامة» ، وأجيب بأن في سنده رجالا مجهولين وضعفاء فلا يصلح للاحتجاج به (1).

ومنها حديث علي قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا طلق ألبتة فغضب، وقال «أتتخذون آيات الله هزوا أو دين الله هزوا أو لعبا، من طلق ألبتة ألزمناه ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجها غيره (2)» فدل غضبه على المنع من جمع الثلاث بلفظ صريح أو كناية، وأجاب الدارقطني بأن في سند إسماعيل بن أمية القرشي، وهو ضعيف، وقال ابن القيم في سنده مجاهيل وضعفاء فلا يصح الاحتجاج به.

ومنها «أن ابن عمر لما طلق امرأته في الحيض وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها قال: أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكانت تحل لي، قال: " لا بانت منك وهي معصية (3)» ، وأجيب بان في سنده شعيب بن رزيق وقد تكلموا فيه، وتفرد في هذا الحديث عن الثقات بزيادة قوله: أرأيت لو طلقتها ثلاثا، إلخ. . فلم يأت أحد منهم في روايته لهذا الحديث بما أتى به، ولذا لم يروا حديثه هذا أحد من أصحاب الصحاح ولا السنن (4).

وأما الإجماع فقد أنذر عمر من يأته وقد طلق امرأته ثلاث تطليقات مجموعة بأن يوجعه ضربا، وحكم كثير من الصحابة بأن من يطلق ثلاثا مجموعة أو أكثر فقد عصى ربه واستنكروا ذلك من فاعله وجعلوه متعديا لحدود الله، وانتشر ذلك عنهم دون نكير، فكان إجماعا على المنع من جمع ثلاث طلقات فأكثر دفعة.

وأما المعنى فمن وجهين:

الأول أن النكاح عقد مصلحة، والطلاق إبطال له، فكان مفسدة، والله لا يحب الفساد.

الثاني: أن النكاح عقد مسنون بل واجب، وفي الطلاق قطع للسنة أو تفويت للواجب، فكان الأصل فيه الحظر أو الكراهة، إلا أنه رخص فيه للدواعي الطارئة كتوقع مفسدة من استمرار النكاح أشد من مفسدة الطلاق، فيرتكب أخف المفسدتين تفاديا لأشدهما (5)، لكن يقتصر من ذلك على طلقة واحدة، إذ بها تندفع المفسدة، وما زاد عليها فيبقى على الأصل، وهو المنع ويشهد لكون الأصل في الطلاق الحظر حديث:«" أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة (6)» .

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وأما القياس فلأن التطليق ثلاثا دفعة فيه تحريم البضع من غير حاجة، فأشبه الظهار، فكان ممنوعا، ولأن فيه ضررا وإضرارا بنفسه وبامرأته، فأشبه الطلاق في الحيض فكان ممنوعا.

(1) ص - من البحث.

(2)

سنن أبو داود الطلاق (2198).

(3)

صحيح البخاري الطلاق (5252)، صحيح مسلم الطلاق (1471)، سنن الترمذي الطلاق (1176)، سنن النسائي الطلاق (3392)، سنن أبو داود الطلاق (2185)، سنن ابن ماجه الطلاق (2019)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 59)، سنن الدارمي الطلاق (2262).

(4)

ص - من البحث.

(5)

ص - من البحث.

(6)

سنن الترمذي الطلاق (1187)، سنن أبو داود الطلاق (2226)، سنن ابن ماجه الطلاق (2055).

ص: 144

2 -

القول الثاني:

أن جمع الطلاق الثلاث في كلمة ليس بمحرم ولا بدعة، وبه قال الشافعي وأبو ثور وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وجماعة من أهل الظاهر، واستدلوا لذلك بالكتاب والسنة والآثار والمعنى.

أما الكتاب فقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (1) وقوله تعالى {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (2)، وقوله تعالى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (3)، فهذه تعم إباحة الثلاث والاثنتين فإنه تعالى لم يخص مطلقة طلقة واحدة من مطلقة ثلاثا، فليس لأحد أن يخصها إلا بدليل ويمكن أن يقال: إن المقصود في الجمل الشرطية الحكم بما تضمنه الجواب على تقدير تحقق فعل الشرط، بقطع النظر عن كونه فعل الشرط مطلوب الحصول أو مباحا أو ممنوعا، وعلى هذا يكون القصد من آية {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (4)، الحكم بتحريم الزوجة على زوجها الذي طلقها المرة الثالثة حتى تنكح زوجا غيره، وقد يكون طلاقها المرة الثالثة مأذونا فيه كما لو طلقها في طهر لم يمسها فيه طلقة، وقد يكون محرما كما لو طلقها المرة الثالثة في حيض مثلا، ويكون القصد من آية {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (5)، عدم وجوب العدة على تقدير حصول الطلاق قبل الدخول، أما كون طلاقها مباحا أو محرما فيفهم من أمر آخر، وأما آية {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (6)، فالقصد منها إثبات المتعة للمطلقة، وجوبا أو ندبا، لا بيان حكم الطلاق، فقد يكون محرما وثبت لها المتعة، وقد يكون مباحا كما تقدم.

وبهذا يتبين أن الآيات الثلاث ليست في محل النزاع.

وأما السنة فمنها «حديث فاطمة بنت قيس، وفيه أن زوجها طلقها ثلاثا أو طلقها ألبتة وهو غائب، وبعث إليها وكيله بشعير نفقة لها، فسخطته، فقال: والله، ما لك علينا من شيء، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " ليس لك عليه نفقة (7)» فلم يعب صلى الله عليه وسلم الثلاث مع الإجمال فيما بلغه من خبر الطلاق، ولم يستفسر عن كيفيته، ولفظ ألبتة هنا مراد به الثلاث، وإلا لم تسقط نفقتها ولا سكناها، وأجيب برواية الزهري هذا الخبر عن أبي سلمة وفيه ذكرت أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات،

(1) سورة البقرة الآية 230

(2)

سورة الأحزاب الآية 49

(3)

سورة البقرة الآية 241

(4)

سورة البقرة الآية 230

(5)

سورة الأحزاب الآية 49

(6)

سورة البقرة الآية 241

(7)

صحيح مسلم الطلاق (1480)، سنن الترمذي النكاح (1135)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 373).

ص: 145

وبراوية الزهري أيضا عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود أن زوجها أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها، فذكر الخبر، وفيه أن مروان أرسل إليها قبيصة بن ذؤيب فحدثته. . . وذكر باقي الخبر، فكان هذا تفسير لما في الثلاث أو ألبتة من الإجمال، وأن ذلك لم يكن مجموعا، وأعلى ابن حزم الرواية الثانية بالانقطاع لعدم التصريح بالتحديث أو السماع، ويمكن أن يقال: إن ظاهرها الاتصال، لأنها في حكم الرواية بها لمتعته ونحوها، فصلحت تفسير للإجمال، وقال ابن حزم أيضا: إن كلا الخبرين ليس فيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك، ويمكن أن يقال: إن الأصل بيان السائل الثقة الورع لواقع أمره، وخاصة الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لتطمئن النفس إلى موافقة الجواب للواقع، وعلى تقدير الاحتمال في حديث فاطمة، فحمله على ما كان شائعا كثيرا، وهو إفراد الطلاق أولى من حمله على النادر وهو جمع الثلاث في كلمة، ومنها حديث تلاعن عويمر وامرأته، وفيه أنه طلقها ثلاثا بعد اللعان قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم فلو كان جمع الثلاث ممنوعا لبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه عاص بجمع الثلاث، وعلمه الطلاق المشروع.

وأجيب بأنه لما لم يصادف طلاقه محلا لم ينكر عليه، فإنها صارت أجنبية منه لا تحل له أبدا بتمام اللعان لا بالطلاق الثلاث، وإلا لحلت له بعد أن تنكح زوجا آخر، وقد أيد ذلك فيما سبق في حديث محمود بن لبيد من إنكاره صلى الله عليه وسلم على من طلق امرأته ثلاثة تطليقات جميعا وبهذا يجمع بين خبري الإنكار والسكوت بحمل أحدهما على طلاق صادف محلا، والآخر على ما إذا لم يصادف محلا، وأما قول سهل: فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما، فسيأتي الكلام عليه في موضعه من المسألة الثانية.

ومنها حديث المرأة التي طلقها زوجها ثلاثا، والأخرى التي بت زوجتها طلاقها وقد تزوجت كلا منهما بعد ذلك ثم طلقت قبل أن يجامعها، وأرادت أن ترجع إلى زوجها الأول فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك (1)» ؛ فدل عدم نقل الإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم طلاق الرجل امرأته ثلاثا أو بت طلاقها على جواز الجمع بين الثلاث، إذ لو كان ممنوعا لأنكره، ولو أنكره لنقل، أجيب أن اللفظ محتمل أن تكون الثلاث مجتمعة وأن تكون مفرقة، ولفظ ألبتة يعبر به عن الثلاث، وقد ثبت أن كلا منهما قد طلقها زوجها آخر ثلاث تطليقات، فليس في ذلك دليل لجواز جمع الثلاث.

وأما الآثار: فمنها ما روي أن عمر رضي الله عنه استفتى فيمن طلق امرأته ألبتة فاستحلفه عما أراد لحلف أنه أراد واحدة فردها إليه، ولم يقل له لو أردت ثلاثا لعصيت ربك، وأجيب بأن عمر أنكر عليه بقوله: ما حملك على هذا، وبتلاوة قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} (2). ورد الجواب بأنه أنكر عليه عدوله في الطلاق عن اللفظ الصريح إلى لفظ مشكل محتمل وهو ألبتة.

(1) صحيح البخاري الشهادات (2639)، صحيح مسلم النكاح (1433)، سنن الترمذي النكاح (1118)، سنن النسائي الطلاق (3409)، سنن ابن ماجه النكاح (1932)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 226)، سنن الدارمي الطلاق (2267).

(2)

سورة النساء الآية 66

ص: 146