الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشفعة في الاصطلاح الشرعي
اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في تعريف الشفعة تبعا لاختلافهم في موجباتها وشروطها وفيمن لهم حق الشفعة، فذهب الحنفية إلى أن الشفعة حق تملك المرء ما بيع من عقار أو ما هو في حكم العقار مما هو متصل بعقاره من شركة أو جوار بمثل الثمن الذي قام عليه المشتري، وذلك لدفع ضرر الشراكة أو الجوار.
وذهب المالكية إلى أن الشفعة استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه. قوله: شريك قيد أخرج به الجار والشريك في حق المبيع. وقوله: مبيع قيد أخرج الموهوب بلا عوض وكذا الموروث (1) وذهب الشافعية إلى أن الشفعة استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقل عنه من يد من انتقلت إليه بمثل العوض المسمى (2).
وذهب الحنابلة: إلى أن الشفعة استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه من يد من انتقلت إليه إن كان مثله أو دونه بعوض مالي بثمنه الذي استقر عليه العقد، فقوله: الشريك قيد خرج به الجار والشريك في حق المبيع. وقوله: إن كان مثله أو دونه قيد خرج به الكافر فلا شفعة له على مسلم، وقوله: بثمنه الذي استقر عليه العقد خرج به الموهوب والموروث وما كان صداقا أو عوض خلع أو نحوهما (3).
مما تقدم تتضح العلاقة بين المعنيين اللغوي والشرعي، فإذا كانت الشفعة لغة بمعنى الضم والزيادة فإن الشفيع بانتزاعه حصة شريكه من يد من انتقلت إليه بضم تلك الحصة إلى ما عنده فيزيد بها تملكه، فالضم والزيادة موجودان في المعنيين اللغوي والشرعي، غير أن الشفعة في عرف الشرع اعتبر فيها قيود جعلتها أخص من معناها في اللغة.
(1) مواهب الجليل شرح مختصر خليل ج3 ص377.
(2)
مغني المحتاج ج2 ص296. .
(3)
المغني ج5 ص255 حاشية المقنع ج2 ص256.
مشروعية الشفعة
الشفعة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) وقد
(1) سورة الحشر الآية 7
ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم «قضى بالشفعة فيما لم يقسم (1)» .
وأما السنة فقد ورد بمشروعيتها جملة أحاديث وآثار نذكر منها ما يلي:
1 -
روى البخاري في صحيحه وأبو داود والترمذي في سننهما بإسنادهم إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (2)» ولمسلم بسنده إلى جابر قال «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة ما لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك وإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به (3)» وفي رواية أخرى لمسلم قال «الشفعة في كل شرك من أرض أو ريع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع فإن أبى فشريكه أحق به حتى يؤذنه (4)» وفي رواية للترمذي: «من كان له شريك في حائط فلا يبيع نصيبه من ذلك حتى يعرضه على شريكه (5)» .
2 -
ولأبي داود بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قسمت الدار وحددت فلا شفعة فيها (6)» قال الشوكاني في النيل: ورجال إسناده ثقات ورواه ابن ماجه بمعناه.
3 -
وللترمذي بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الشريك شفيع والشفعة في كل شيء (7)» ورجاله ثقات إلا أنه أعل بالإرسال كما قال الترمذي. وفي رواية للطحاوي بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم " قضى بالشفعة في كل شيء (8)» قال الشوكاني في النيل إسناد حديث جابر لا بأس برواته كما قاله الحافظ.
4 -
وللبخاري وأبي داود والنسائي واللفظ للبخاري بإسناده إلى عمرو بن الشريد قال: «وقفت على سعد ابن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا سعد ابتع مني بيتي في دارك، فقال سعد: والله ابتاعهما، فقال المسور والله لتبتاعنهما، فقال سعد والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة، فقال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمسمائة دينار ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والجار أحق بسقبه " ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأن أعطي بها خمسمائة دينار فأعطاه إياها (9)» .
5 -
ولأحمد والأربعة بإسنادهم إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا (10)» قال في البلوغ ورجاله ثقات. قال الصنعاني في شرحه: أحسن المصنف بتوثيق رجاله وعدم
(1) سنن أبو داود البيوع (3515)، سنن ابن ماجه الأحكام (2497).
(2)
صحيح البخاري البيوع (2214)، صحيح مسلم المساقاة (1608)، سنن الترمذي الأحكام (1370)، سنن النسائي البيوع (4701)، سنن أبو داود البيوع (3514)، سنن ابن ماجه الأحكام (2499)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 296)، سنن الدارمي البيوع (2628).
(3)
صحيح البخاري الشركة (2495)، صحيح مسلم المساقاة (1608)، سنن الترمذي الأحكام (1370)، سنن النسائي البيوع (4701)، سنن أبو داود البيوع (3513)، سنن ابن ماجه الأحكام (2499)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 316)، سنن الدارمي البيوع (2628).
(4)
صحيح البخاري الشركة (2495)، صحيح مسلم المساقاة (1608)، سنن الترمذي الأحكام (1370)، سنن النسائي البيوع (4701)، سنن أبو داود البيوع (3513)، سنن ابن ماجه الأحكام (2499)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 316)، سنن الدارمي البيوع (2628).
(5)
صحيح مسلم المساقاة (1608)، سنن الترمذي البيوع (1312)، سنن النسائي البيوع (4701)، سنن أبو داود البيوع (3513)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 357)، سنن الدارمي البيوع (2628).
(6)
سنن أبو داود البيوع (3515)، سنن ابن ماجه الأحكام (2497).
(7)
سنن الترمذي الأحكام (1371).
(8)
صحيح البخاري الشركة (2496)، صحيح مسلم المساقاة (1608)، سنن الترمذي الأحكام (1370)، سنن النسائي البيوع (4701)، سنن أبو داود البيوع (3514)، سنن ابن ماجه الأحكام (2499)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 316)، سنن الدارمي البيوع (2628).
(9)
صحيح البخاري الشفعة (2258)، سنن النسائي البيوع (4702)، سنن أبو داود البيوع (3516)، سنن ابن ماجه الأحكام (2495)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 10).
(10)
سنن أبو داود البيوع (3518).
إعلاله وإلا فإنهم قد تكلموا في هذه الرواية بأنه انفرد بزيادة قوله: " إذا كان طريقهما واحدا " عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي. قلت: وعبد الملك ثقة مأمون لا يضر انفراده كما عرف في الأصول وعلوم الحديث.
6 -
وفي الموطأ أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: إذا وقعت الحدود في الأرض فلا شفعة فيها ولا شفعة في بئر ولا في فحل النخل. قال مالك وعلى هذا الأمر عندنا.
7 -
ولابن ماجه بسند ضعيف إلى ابن عمر رضي الله عنهما الشفعة كحل العقال ورواه ابن حزم وزاد: فإن قيدها مكانة ثبت حقه وإلا فاللوم عليه. وأخرج عبد الرازق عن شريح: إنما الشفعة لمن واثبها.
وأما الإجماع، فقد أجمع أهل العلم على القول بها ولم يعرف فيها مخالف إلا ما نقل عن أبي بكر بن الأصم من إنكارها بحجة أن في إثباتها إضرارا بأرباب الأملاك حيث إن المشتري يحجم عن الشراء إذا علم أن ما يشتريه سينتزع منه فيتضرر الملاك بذلك.
وقد رد ابن قدامة رحمه الله شبهته في معرض بحثه إجماع الأمة على القول بالشفعة فقال: وأما الإجماع فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط والمعنى في ذلك أن أحد الشريكين إذا أراد أن يبيع نصيبه وتمكن من بيعه لشريكه وتخليصه مما كان بصدده من توقع الخلاص والاستخلاص فالذي يقتضيه حسن العشرة أن يبيعه منه ليصل إلى غرضه من بيع نصيبه وتخليص شريكه من الضرر فإذا لم يفعل ذلك وباعه لأجنبي سلط الشرع الشريك على صرف ذلك إلى نفسه. ولا نعلم أحدا خالف هذا إلا الأصم فإنه قال: لا تثبت الشفعة لأن في ذلك إضرارا بأرباب الأملاك، فإن المشتري إذا علم أنه يؤخذ منه إذا ابتاعه لم يبتعه ويتقاعد الشريك عن الشراء فيستضر المالك. وهذا ليس بشيء لمخالفته الآثار الثابتة والإجماع المنعقد قبله. والجواب عما ذكره من وجهين:
أحدهما أنا نشاهد الشركاء يبيعون ولا يعدم من يشتري منهم غير شركائهم ولم يمنعهم استحقاق الشفعة من الشراء.
الثاني: أنه يمكنه إذا لحقته بذلك مشقة أن يقاسم فيسقط استحقاق الشفعة. اهـ (1)
(1) المغني ج5 ص255.