الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شفعة الوارث
اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى- في جواز شفعة الوارث من عدمه تبعا لاختلافهم في متعلق حق الشفعة هل هو متعلق بالملك فيورث أم بالمالك فيمتنع إرثه لموت صاحبه وقد تحصل من اختلافهم في المسألة ثلاثة أقوال.
أحدها: إذا لم يأخذها الشفيع قبل موته فلا يجوز لوارثه أخذها مطلقا سواء طالب بها مورثه أم لم يطالب بها. لأن سبب أخذه الشفعة زال بموته وهو الملك، وقيام السبب إلى وقت الأخذ شرط لثبوت الحق في ذلك وقد قال بهذا القول جمهور أهل الرأي.
قال السرخسي: وإذا مات الشفيع بعد البيع وقبل أن يأخذ بالشفعة لم يكن لوارثه حق الأخذ بالشفعة عندنا - ثم علل ذلك بقوله -: ونحن نقول مجرد الرأي والمشيئة لا يتصور فيه الإرث لأنه لا يبقى بعد موته ليخلفه الوارث فيه والثابت له بالشفعة مجرد المشيئة بين أن يأخذ أو يترك ثم السبب الذي به كان يأخذ بالشفعة يزول بموته وهو ملكه وقيام السبب إلى وقت الأخذ شرط لثبوت حق الأخذ له. أهـ (1).
وقال في الدر المختار: ويبطلها موت الشفيع قبل الأخذ بعد الطلب أو قبله ولا تورث خلافا للشافعي. قال في الحاشية: قوله ويبطلها موت الشفيع إلخ. لأنها مجرد حق التملك وهو لا يبقى بعد موت صاحب الحق فكيف يورث. اهـ (2).
أحدهما أن حق الشفعة لا يورث إلا إذا طالب بها الشفيع قبل موته لأن الحق متعلق بالمالك دون الملك فحيث مات قبل طلب حقه في الشفعة فإن موته مسقط لذلك الحق، وهذا قول جمهور العلماء من الحنابلة وغيرهم. . قال ابن قدامة رحمه الله في كلامه على قول الخرقي: والشفعة لا تورث إلا أن يكون الميت طالب بها ما نصه:
وجملة ذلك أن الشفيع إذا مات قبل الأخذ بها لم يخل من حالين:
الثاني أن يموت قبل الطلب بها فتسقط ولا تنتقل إلى الورثة. وقال أحمد الموت يبطل ثلاثة أشياء: الشفعة، والحد إذا مات المقذوف، والخيار إذا مات الذي اشترط الخيار، لم يكن للورثة هذه الثلاثة الأشياء إنما هي بالطلب فإذا لم يطلب فليس تجب إلا أن يشهد أني على حقي من كذا وكذا وأني قد طلبته فإذا مات بعده كان لوارثه الطلب به. وروي بسقوطه بالموت عن الحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي - ثم ذكر المستند لذلك فقال: ولنا أنه حق فسخ ثبت لا لفوات جزء فلم يورث كالرجوع في الهبة ولأنه نوع خيار جعل للتمليك أشبه خيار القبول.
(1) المبسوط جـ 14 ص 116.
(2)
حاشية ابن عابدين جـ 6 ص 241.
الحال الثاني إذا طالب بالشفعة ثم مات فإن حق الشفعة ينتقل إلى الورثة قولا واحدا، ذكره أبو الخطاب وقد ذكرنا نص أحمد عليه، لأن الحق يتقرر بالطلب ولذلك لا يسقط بتأخير الأخذ بعده وقبله يسقط.
وقال القاضي يصير الشقص ملكا للشفيع بنفس المطالبة، وقد ذكرنا أن الصحيح غير هذا فإنه لو صار ملكا للشفيع لم يصح العفو عن الشفعة بعد طلبها كما لا يصح العفو عنها بعد الأخذ بها. فإذا ثبت هذا فإن الحق ينتقل إلى جميع الورثة على حسب مواريثهم، لأنه حق مالي موروث فينتقل إلى جميعهم كسائر الحقوق المالية. أهـ (1).
القول الثالث ثبوت الشفعة للورثة إذا مات مورثهم قبل العفو والأخذ لكون الشفعة حقا متعلقا بالملك الموروث فهي حق من حقوقه، وقد قال بهذا القول مالك والشافعي والعنبري وغيرهم وذكر أبو الخطاب من الحنابلة أن هذا القول يمكن تخريجه لأنه خيار ثابت لدفع الضرر عن المال فيورث كخيار الرد بالعيب قال الشيرازي:
وإذا مات الشفيع قبل الأخذ والعفو انتقل حقه من الشفعة إلى ورثته لأنه قبض استحقه بعقد البيع فانتقل إلى الورثة كقبض المشتري في البيع ولأنه خيار ثابت لدفع الضرر عن المال فورث كالرد بالعيب (2).
وقال ابن رشد في معرض ذكره جملة من أحكام الشفعة هي موضع خلاف بين أهل العلم ما نصه:
فمن ذلك اختلافهم في ميراث حق الشفعة فذهب الكوفيون إلى أنه لا يورث كما أنه لا يباع، وذهب مالك والشافعي وأهل الحجاز إلى أنها موروثة قياسا على الأموال (3).
وقد رد ابن قدامة رحمه الله على أبي الخطاب في قياسه الشفعة على خيار الرد بالعيب فقال: ولنا أنه حق فسخ ثبت لا لفوات جزء فلم يورث كالرجع في الهبة ولأنه نوع خيار جعل للتمليك أشبه خيار القبول، فأما خيار الرد بالعيب فإنه لاستدراك جزء فات من المبيع. أهـ (4).
هذا ما تيسر ذكره، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب الرئيس
…
رئيس اللجنة
عبد الله بن سليمان بن منيع
…
عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
(1) المغني جـ 5 ص 310 - 311.
(2)
المجموع ومعه المهذب جـ 14 ص 176.
(3)
المدونة جـ 2 ص 260.
(4)
المغني جـ 5 ص 310.
ملخص
قرار هيئة كبار العلماء
المتعلق
بمسألة الشفعة فيما لا يمكن قسمته من العقار
الحمد لله بعد الإطلاع على البحث المعد في (مسألة الشفعة فيما لا تمكن قسمته من العقار) من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وبعد تداول الرأي والمناقشة من الأعضاء وتبادل وجهات النظر قرر المجلس بالأكثرية: أن الشفعة تثبت بالشركة في المرافق الخاصة، كالبئر والطريق والمسيل ونحوها. كما تثبت الشفعة فيما لا تمكن قسمته من العقار كالبيت والحانوت الصغيرين ونحوهما لعموم الأدلة في ذلك، ولدخول ذلك تحت مناط الأخذ بالشفعة وهو دفع الضرر عن الشريك في المبيع وفي حق المبيع ولأن النصوص الشرعية في مشروعية الشفعة تتناول ذلك. ومن ذلك ما رواه الترمذي بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الشريك شفيع والشفعة في كل شيء (1)» وفي رواية الطحاوي بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم «قضى بالشفعة في كل شيء (2)» قال الحافظ: حديث جابر لا بأس برواته. ولما روى الإمام أحمد والأربعة بإسنادهم إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا (3)» قال في البلوغ ورجاله ثقات. ولما روى البخاري في صحيحه وأبو داود والترمذي في سننهما بإسنادهم إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (4)» ووجه الاستدلال بذلك ما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابه أعلام الموقعين: أن الجار المشترك مع غيره في مرفق خاص ما مثل أن يكون طريقهما واحدا أو أن يشتركا في شرب أو مسيل أو نحو ذلك من المرافق الخاصة لا يعتبر مقاسما كلية، بل هو شريك لجاره في بعض حقوق ملكه، وإذا كان طريقهما واحد لم تكن الحدود كلها واقعة بل بعضها حاصل وبعضها منتف إذ وقوع الحدود من كل وجه يستلزم أو يتضمن تصريف الطرق. أهـ.
وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. . .
(1) سنن الترمذي الأحكام (1371).
(2)
سنن ابن ماجه الأحكام (2497).
(3)
سنن أبو داود البيوع (3518).
(4)
صحيح البخاري البيوع (2214)، صحيح مسلم المساقاة (1608)، سنن الترمذي الأحكام (1370)، سنن النسائي البيوع (4701)، سنن أبو داود البيوع (3514)، سنن ابن ماجه الأحكام (2499)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 296)، سنن الدارمي البيوع (2628).
وجهة نظر المخالفين
بالنسبة إلى الشفعة بالشركة في المرافق هو أن الشفعة لا تثبت إلا في العقار المشترك شركة مشاعة، ولا تثبت بالاشتراك في المرافق كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وبالله التوفيق.