المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القرار بعد الاطلاع على البحث المقدم من الأمانة العامة لهيئة كبار - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌التضامن الإسلامي

- ‌دور عالمي لرسالة عالمية

- ‌تصدير

- ‌البحوث

- ‌حكمالطلاق الثلاثبلفظ واحد

- ‌القول الثاني: أن جمع الثلاث ليس بمحرم

- ‌المسألة الثانيةما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت ثلاثا دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثانيإن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت واحدة دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثالث يقع في المدخول بها ثلاثا وبغير المدخول بها واحدة

- ‌المذهب الرابع: عدم وقوع الطلاق مطلقا

- ‌الخلاصة

- ‌المسألة الأولى: في حكم الإقدام على جمع الثلاث بكلمة واحدة

- ‌المسألة الثانية: فيما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول أنه يقع ثلاثا

- ‌المذهب الثانيإن الطلاق الثلاث دفعة واحدة يعتبر طلقة واحدة

- ‌المذهب الثالثأن الطلاق الثلاث يمضي ثلاثا في المدخول بها وواحدة في غير المدخول بها

- ‌المذهب الرابع:أنه لا يعتد به مطلقا

- ‌مصادر بحث الطلاق الثلاث بلفظ واحد:

- ‌القرار

- ‌ النشوز والخلع

- ‌النشوز قد يكون من الرجل وقد يكون من المرأةوقد يدعيه كل منهما على صاحبه

- ‌ مصالحة المرأة زوجها

- ‌ الكلام عن الخلع

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلع

- ‌ الحكمين كيف يعملان

- ‌ بعث الحكمين

- ‌الخلاصة

- ‌ملخص قرار هيئة كبار العلماء المتعلق بمسالة النشوز والخلع

- ‌الشفعة بالمرافق الخاصة

- ‌الشفعة في الاصطلاح الشرعي

- ‌مشروعية الشفعة

- ‌دفع شبه القول بمنافاتها للقياس

- ‌الحكمة في مشروعية الشفعة

- ‌الاشتراك فيما لا يقبلالقسمة من العقار

- ‌الاشتراك في المنقولات

- ‌ الجوار

- ‌أدلة القائلين بقصر الشفعة على الشريك في المبيعدون الجار. . . أو الشريك في حق المبيع

- ‌أدلة القائلين بثبوت الشفعةبحق المبيع والجوار

- ‌المناقشة

- ‌ الشفعة فيما انتقل إلى الغير بعوض غير مسمى

- ‌الشفعة بشركة الوقف

- ‌شفعة غير المسلم

- ‌شفعة غير المكلف من صبي أو مجنون

- ‌شفعة الغائب

- ‌شفعة الوارث

- ‌الدعوة الإصلاحية فيالجزيرة العربيةوحركة الجامعة الإسلامية

- ‌الحرب والصلح فيالإسلام

- ‌الوضع العام

- ‌مفاجأة محزنة

- ‌احترام البيت

- ‌بدء المفاوضات

- ‌ساعة الصفر

- ‌بوادر السلم تلوح في الأفق

- ‌تنفيذ العقد يبدأبمفاجأة غريبة

- ‌افتراء مغرضحولسعد بن معاذ

- ‌الأمومةفي حياة النبي ووصاياهونظرة على دورها في البناء والتوجيه

- ‌نشيد الفرحبمقدمالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تعيين مواقيت الصلاة في أي زمان ومكان على سطح الأرض

- ‌مقدمة

- ‌تحديد الشرع الإسلامي لمواقيتالصلاة

- ‌وقت الظهر

- ‌وقت العصر

- ‌وقت المغرب

- ‌وقت العشاء

- ‌وقت الصبح

- ‌الربط بين تحديد الشرع والفلك والحسابلتبين مواقيت الصلاة

- ‌المعادلات الرياضية لحساب مواقيت الصلاة

- ‌بيان المصطلحات الفلكية والرموز الخاصة

- ‌ الأقطاب والنقط الأساسية

- ‌الدوائر العظمى

- ‌الزوايا الرئيسية

- ‌المثلث الفلكي

- ‌تعيين المعادلات الرياضية لحساب مواقيت الصلاة لكل واحدة من الفروض الخمسة

- ‌أولا وقت الظهر

- ‌ثانيا وقت الشروق والغروب

- ‌ثالثا وقت الفجر والعشاء

- ‌رابعا وقت العصر

- ‌استعمال الحاسب الإليكتروني 45 ( H. P)في حل المعادلات المذكورة

- ‌استعمال الرسم البياني لتعيينلمواقيت الصلاة

- ‌كيفية استعمال المنحنى لتعيينالوقت المطلوب

- ‌تحويلالوقت الزواليوقت غروبي

- ‌ الفتاوى

- ‌في النذر

- ‌في الصيام

- ‌في الأضحية وصلاة العيد

- ‌في اللحم المذبوح ببلاد الكفاروأهل الكتاب

- ‌حكم الحلف بغير اللهحكم لبس الباروكة للزوجحكم حلق المرأة رأسها وحواجبها

- ‌السفر وإفطار رمضانحكم التوسل إلى الله بالأنبياء والصالحين

- ‌في قراءة القرآن من أجل التكسب

- ‌ المؤتمر السادس لجمعية التعليم لعموم الهند

- ‌مؤتمرات

- ‌الفائدة الأولى: إذ قال لزوجته أنت طالق أو نحوه من الصريح

- ‌الفائدة الثانية: إذا وقع به الطلاق فكم طلقة تقع به

- ‌كتب تصدر قريبا

- ‌أساليب القسم والشرط في القرآن

- ‌الولايات المتحدة

- ‌إنجلترا

الفصل: ‌ ‌القرار بعد الاطلاع على البحث المقدم من الأمانة العامة لهيئة كبار

‌القرار

بعد الاطلاع على البحث المقدم من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء والمعد من قبل اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في موضوع الطلاق الثلاث بلفظ واحد.

وبعد دراسة المسألة وتداول الرأي واستعراض الأقوال التي قيلت فيها ومناقشة ما على كل قول من إيراد توصل المجلس بأكثريته إلى اختيار القول بوقوع الطلاق الثلاث بلفظ واحد ثلاثا، وذلك لأمور أهمها ما يلي:

أولا: لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (1) إلى قوله تعالى {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (2) فإن الطلاق الذي شرعه الله هو ما يتعقبه عدة وما كان صاحبه مخيرا بين الإمساك بمعروف - والتسريح بإحسان، وهذا منتف في إيقاع الثلاث في العدة قبل الرجعة فلم يكن طلاقا للعدة، وفي فحوى هذه الآية دلالة على وقوع الطلاق لغير العدة إذا لو لم يقع لم يكن ظالما لنفسه بإيقاعه لغير العدة

(1) سورة الطلاق الآية 1

(2)

سورة الطلاق الآية 1

ص: 165

ولم ينسد الباب أمامه حتى يحتاج إلى المخرج الذي أشارت إليه الآية الكريمة {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (1)، وهو الرجعة حسبما تأوله ابن عباس رضي الله عنه حين قال للسائل الذي سأله وقد طلق ثلاثا. أن الله تعالى يقول:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (2) وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجا عصيت ربك، وبانت منك امرأتك.

ولا خلاف في أن من لم يطلق للعدة بأن طلق ثلاثا مثلا فقد ظلم نفسه، فعلى القول بأنه إذا طلق ثلاثا فلا يقع من طلاقه إلا واحدة، فما هي التقوى التي بالتزامها يكون المخرج واليسر، وما هي عقوبة هذا الظالم نفسه المتعدي لحدود الله حيث طلق بغير العدة، فلقد جعل الشارع على من قال قولا منكرا لا يترتب عليه مقتضى، قوله المنكر عقوبة له على ذلك كعقوبة المظاهر من امرأته بكفارة الظهار، فظهر - والله أعلم - أن الله تعالى عاقب من طلق ثلاثا بإنقاذها عليه وسد المخرج أمامه، حيث لم يتق الله، فظلم نفسه وتعدى حدود الله.

ثانيا: ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها «أن رجلا طلق امرأته ثلاثا؛ فتزوجت فطلقت، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم أتحل للأول؟ قال: " لا حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول (3)» ، فقد ذكره البخاري رحمه الله تحت ترجمة " باب من أجاز الطلاق ثلاثا "، واعترض على الاستدلال به بأنه مختصر من قصة رفاعة بنت وهب التي جاء في بعض رواياتها عند مسلم أنها طلقها زوجها آخر ثلاث تطليقات، ورد الحافظ ابن حجر رحمه الله الاعتراض بأنه غير رفاعة قد وقع له مع امرأته نظير ما وقع لرفاعة فلا مانع من التعدد. فإن كلا من رفاعة القرظي ورفاعة النضري وقع له مع زوجة له طلاق فتزوج كلا منهما عبد الرحمن بن الزبير فطلقها قبل أن يمسها ثم قال: وبهذا يتبين خطأ من وحد بينهما ظنا منه أن رفاعة بن سموأل هو رفاعة بن وهب. أهـ.

وعند مقابلة هذا الحديث بحديث ابن عباس الذي رواه عنه طاوس «كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة (4)» إلخ، فإن الحال لا تخلو من أمرين: إما أن يكون معنى الثلاث في حديث عائشة وحديث طاوس أنها مجتمعة أو متفرقة، فإن كانت مجتمعة فحديث عائشة متفق عليه، فهو أولى بالتقديم، وفيه التصريح بأن تلك الثلاث تحرمها ولا تحل إلا بعد زوج، وإن كانت متفرقة فلا حجة في حديث طاوس على محل النزاع في وقوع الثلاث بلفظ واحد واحدة. وأما اعتبار الثلاث في حديث عائشة مفرقة وفي حديث طاوس مجتمعة فلا وجه له ولا دليل عليه.

(1) سورة الطلاق الآية 2

(2)

سورة الطلاق الآية 2

(3)

صحيح البخاري الطلاق (5261)، صحيح مسلم النكاح (1433).

(4)

صحيح مسلم الطلاق (1472).

ص: 166

ثالثا: لما وجه به بعض أهل العلم كابن قدامة رحمه الله حيث يقول: ولأن النكاح ملك يصح إزالته متفرقا فصح مجتمعا كسائر الأملاك. والقرطبي رحمه الله حيث يقول: وحجة الجمهور من جهة اللزوم من حيث النظر ظاهرة جدا، وهو أن المطلقة ثلاثا لا تحل للمطلق حتى تنكح زوجا غيره، ولا فرق بين مجموعها ومفرقها لغة وشرعا وما يتخيل من الفرق صورى ألغاه الشارع اتفاقا في النكاح والعتق والأقارير، فلو قال المولى أنكحتك هؤلاء الثلاث في كلمة واحدة انعقد كما لو قال أنكحتك هذه وهذه وهذه، وكذلك في العتق والإقرار وغير ذلك من الأحكام. أهـ، وغاية ما يمكن أن يتجه على المطلق بالثلاث لومه على الإسراف يرفع نفاذ تصرفه.

رابعا: لما أجمع عليه أهل العلم إلا من شذ في إيقاع الطلاق من الهازل استنادا إلى حديث أبي هريرة وغيره مما تلقته الأمة بالقبول. من أن «ثلاثا جدهن جد، وهزلهن جد. الطلاق والنكاح والرجعة (1)» ؛ ولأن قلب الهازل بالطلاق عمد ذكره، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تعليله القول بوقوع الطلاق من الهازل، حيث قال: ومن قال لا لغو في الطلاق فلا حجة معه بل عليه؛ لأنه لو سبق لسانه بذكر الطلاق من غير عمد القلب لم يقع به وفاقا، وأما إذا قصد اللفظ به هازلا فقد عمد قلبه ذكره، أهـ. فإن ما زاد على الواحدة لا يخرج عن مسمى الطلاق، بل هو من صريحه، واعتبار الثلاث واحدة إعمال لبعض عدده دون باقية دون مسوغ، اللهم إلا أن يكون المستند في ذلك حديث ابن عباس، ويأتي الجواب عنه - إن شاء الله.

خامسا: إن القول بوقوع الثلاث ثلاثا قول أكثر أهل العلم فلقد أخذ به عمر وعثمان وعلي والعبادلة: ابن عباس وابن عمر وابن عمرو وابن مسعود وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال به الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وابن أبي ليلى والأوزاعي وذكر ابن عبد الهادي عن ابن رجب رحمه الله بقوله: اعلم أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من أئمة السلف المعتد بقولهم في الفتاوى في الحلال والحرام شيء صريح في أن الطلاق الثلاث بعد الدخول يحسب واحدة إذا سبق بلفظ واحد. اهـ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض بحثه الأقوال في ذلك: الثاني - أنه طلاق محرم ولازم، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحمد في الرواية المتأخرة عنه، اختارها أكثر أصحابه وهذا القول منقول من كثير من السلف من الصحابة والتابعين. أهـ وقال ابن القيم: واختلف الناس فيها، أي في وقوع الثلاث بكلمة واحدة - على أربعة مذاهب أحدها: أنه يقع وهذا قول الأئمة الأربعة وجمهور التابعين وكثير من الصحابة. أهـ، وقال القرطبي: قال علماؤنا - واتفق أئمة الفتوى على لزوم إيقاع الطلاق الثلاث في كلمة واحدة، وهو قول جمهور السلف.

(1) سنن الترمذي الطلاق (1184)، سنن أبو داود الطلاق (2194)، سنن ابن ماجه الطلاق (2039).

ص: 167

وقال ابن العربي في كتابه الناسخ والمنسوخ ونقله عنه ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن: قال تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (1) زل قوم في آخر الزمان فقالوا إن الطلاق الثلاث في كلمة واحدة لا يلزم وجعلوه واحدة ونسبوه إلى السلف الأول فحكوه عن علي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وابن عباس وعزوه إلى الحجاج ابن أرطاة الضعيف المنزلة والمغموز المرتبة ورووا في ذلك حديثا ليس له أصل - إلى أن قال: وما نسبوه إلى الصحابة كذب بحت لا أصل له في كتاب ولا رواية له عن أحد - إلى أن قال: وأما حديث الحجاج بن أرطاة فغير مقبول في الملة ولا عند أحد من الأئمة. اهـ.

سادسا: لتوجه الإيرادات على حديث ابن عباس رضي الله عنه «كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة (2)» إلى آخر الحديث مما يضعف الأخذ به والاحتجاج بما يدل عليه، فإنه يمكن أن يجاب عنه بما يلي:

أ - ما قيل من أن الحديث مضطرب سندا ومتنا أما اضطراب سنده فلروايته تارة عن طاوس عن ابن عباس وتارة عن طاوس عن أبي الصهباء عن ابن عباس وتارة عن أبي الجوزاء عن ابن عباس وأما اضطراب متنه فإن أبا الصهباء تارة يقول: ألم تعلم أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوه واحدة. وتارة يقول: ألم تعلم أن الطلاق الثلاث كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر واحدة.

ب - قد تفرد به عن ابن عباس طاوس وطاوس متكلم فيه من حيث روايته المناكير عن ابن عباس قال القاضي إسماعيل في كتابه (أحكام القرآن) طاوس مع فضله وصلاحه يروي أشياء منكرة منها هذا الحديث. وعن أيوب أنه كان يعجب من كثرة خطأ طاوس. وقال ابن عبد البر شذ طاوس في هذا الحديث. وقال ابن رجب وكان علماء أهل مكة ينكرون على طاوس ما ينفرد به من شواذ الأقاويل. ونقل القرطبي عن ابن عبد البر أنه قال: رواية طاوس وهم وغلط لم يعرج عليها أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والمغرب.

جـ - ما ذكره بعض أهل العلم من الحديث شاذ من طريقتين: أحدهما تفرد طاوس بروايته وأنه لم يتابع عليه، قال الإمام أحمد في رواية ابن منصور: كل أصحاب ابن عباس

(1) سورة البقرة الآية 229

(2)

صحيح مسلم الطلاق (1472)، سنن النسائي الطلاق (3406).

ص: 168

رووا عنه خلاف ما روى طاوس: وقال الجوزجاني هو حديث شاذ: وقال ابن رجب ونقله عنه ابن عبد الهادي: وقد عنيت بهذا الحديث في قديم الدهر فلم أجد له أصلا.

الثاني ما ذكره البيهقي فإنه ساق الروايات عن ابن عباس بلزوم الثلاث ثم نقل عن ابن المنذر أنه لا يظن بابن عباس أنه يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ويفتي بخلافه، وقال ابن التركماني وطاوس يقول إن أبا الصهباء مولاه سأله عن ذلك ولا يصح ذلك عن ابن عباس لرواية الثقات عنه خلافه، ولو صح عنه ما كان قوله حجة على من هو من الصحابة أجل وأعلم منه وهم عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وغيرهم. اهـ

فلما في هذا الحديث من الشذوذ فقد أعرض عنه الشيخان الجليلان أبو عبد الله أحمد بن حنبل فقد قال للأثرم وابن منصور بأنه رفض حديث ابن عباس قصدا لأنه يرى عدم الاحتجاج به في لزوم الثلاث بلفظ واحد لرواية الحفاظ عن ابن عباس ما يخالف ذلك. والإمام محمد بن إسماعيل البخاري ذكر عنه البيهقي أنه ترك الحديث عمدا لذلك الموجب الذي تركه من أجله الإمام أحمد ولا شك أنهما لم يتركاه إلا لموجب يقتضي ذلك.

ر - إن حديث ابن عباس يتحدث عن حالة اجتماعية مفروض فيها أن تكون معلومة لدى جمهور معاصريها، وتوفر الدواعي لنقلها بطرق متعددة مما لا ينبغي أن يكون موضع خلاف، ومع هذا لم تنقل إلا بطريق آحادي عن ابن عباس فقط ولم يروها عن ابن عباس غير طاوس الذي قيل عنه بأنه يروي المناكير. ولا يخفى ما عليه جماهير علماء الأصول من أن خبر الآحاد إذا كانت الدواعي لنقله متوفرة ولم ينقله إلا واحد ونحوه أن ذلك يدل على عدم صحته، فقد قال صاحب جمع الجوامع عطفا على ما يجزم فيه بعدم صحة الخبر: والمنقول آحادا فيما تتوفر الدواعي إلى نقله خلافا للرافضة. اهـ وقال ابن الحاجب في مختصره الأصولي: إذا انفرد واحد فيما تتوفر الدواعي إلى نقله وقد شاركه خلق كثير كما لو انفرد واحد بقتل خطيب على المنبر في مدينة فهو كاذب قطعا خلافا للشيعة. اهـ.

فلا شك أن الدواعي إلى نقل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده في خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر من أن الطلاق الثلاث كانت تجعل واحدة متوفرة توافرا لا يمكن إنكاره، ولا شك أن سكوت جميع الصحابة عنه حيث لم ينقل عنهم حرف واحد في ذلك غير ابن عباس يدل دلالة واضحة على أحد أمرين إما أن المقصود بحديث ابن عباس ليس معناه بلفظ واحد، بل بثلاثة ألفاظ في وقت واحد، وإما أن الحديث غير صحيح لنقله آحادا مع توفر الدواعي لنقله.

هـ - ما عليه ابن عباس رضي الله عنه من التقى والصلاح والعلم والاستقامة والتقيد بالاقتداء

ص: 169

والقوة في الصدع بكلمة الحق التي يراها يمنع القول بانقياده إلى ما أمر به عمر رضي الله عنه من إمضاء الثلاث والحال أنه يعرف حكم الطلاق الثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر خلافة عمر من أنه يجعل واحدة.

فلا يخفى خلافه مع عمر رضي الله عنهما في متعة الحج وبيع الدينار بالدينارين وفي بيع أمهات الأولاد وغيرها من مسائل الخلاف فكيف يوافقه في شيء يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلافه، وإلى قوته رضي الله عنه في الصدع بكلمة الحق التي يراها، تشير كلمته المشهورة في مخالفته عمر في متعة الحج وهي قوله: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر.

وعلى فرض صحة حديث ابن عباس فإن ما عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التقى والصلاح والاستقامة وتمام الاقتداء بما عليه الحال المعتبرة شرعا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر يمنع القول بانقيادهم إلى أمر عمر رضي الله عنه في إمضاء الثلاث، والحال أنهم يعرفون ما كان عليه أمر الطلاق الثلاث في ذلك العهد. ومع هذا فلم يثبت بسند صحيح أن أحدا منهم أفتى بمقتضى ما عليه الأمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر حسبما ذكره ابن عباس في حديثه.

ز - ما في حديث ابن عباس من الدلالة على أن عمر أمضى الثلاث عقوبة للناس لأنهم قد استعجلوا أمرا كان لهم فيه أناة، وهذا مشكل ووجه الإشكال كيف يقرر عمر رضي الله عنه وهو هو تقى وصلاحا وعلما وفقها - بمثل هذه العقوبة التي لا تقتصر آثارها على من استحقها وإنما تتجاوزه إلى طرف آخر ليس له نصيب في الإجرام وتعني بالطرف الآخر الزوجات حيث يترتب عليها إحلال فرج حرام على طرف ثالث، وتحريم فرج حلال بمقتضى عقد الزواج، وحقوق الرجعة، مما يدل على أن حديث طاوس عن ابن عباس فيه نظر، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 170

وجهة نظر المخالفين

نرى أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة. وقد سبقنا إلى القول بهذا ابن عباس في رواية صحيحة ثابتة عنه، وأفتى به الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود من الصحابة في رواية عنهم وأفتى به عكرمة وطاوس وغيرهما من التابعين وأفتى به ممن بعدهم محمد بن إسحاق وخلاس بن عمرو والحارث العكلي، والمجد بن تيمية، وشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، وتلميذه شمس الدين ابن القيم وغيرهم. . وقد استدل على ذلك بما يأتي:

الدليل الأول: قوله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (1) وبيانه: أن الطلاق الذي شرع للزوج فيه الخيار بين أن يسترجع زوجته أو يتركها بلا رجعة حتى تنقضي عدتها فتبين منه - مرتان مرة بعد مرة، سواء طلق في كل مرة منهما طلقة أو ثلاثا مجموعة، لأن الله تعالى قال {مَرَّتَانِ} (2) ولم يقل طلقتان ثم قال تعالى في الآية التي تليها {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (3) فحكم بأن زوجته تحرم عليه بتطليقه إياها المرة الثالثة حتى تنكح زوجا غيره سواء نطق في المرة الثالثة بطلقة واحدة أم بثلاث مجموعة، فدل على أن الطلاق شرعا مفرقا على ثلاث مرات، فإذا نطق بثلاث في لفظ واحد كان مرة واعتبر واحده.

الدليل الثاني: ما رواه مسلم في صحيحه من طريق طاوس عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم (4)» وفي صحيح مسلم أيضا عن طاوس عن ابن عباس «أن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من هناتك ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر واحدة، قال: قد كان ذلك، فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم (5)» . فهذا الحديث واضح الدلالة على اعتبار الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة وعلى أنه لم ينسخ لاستمرار العمل به في عهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر، ولأن عمر علل إمضاءه ثلاثا بقوله:"إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة" ولم يدع النسخ ولم يعلل الإمضاء به، ولا بظهوره بعد خفائه، ولأن عمر استشار الصحابة في إمضائه ثلاثا، وما كان عمر ليستشير أصحابه في العدول عن العمل بحديث علم أو ظهر له أنه منسوخ. . وما أجيب به عن حديث ابن عباس فهو إما تأويل متكلف، وحمل للفظه على

(1) سورة البقرة الآية 229

(2)

سورة البقرة الآية 229

(3)

سورة البقرة الآية 230

(4)

صحيح مسلم الطلاق (1472)، سنن النسائي الطلاق (3406).

(5)

صحيح مسلم الطلاق (1472)، سنن أبو داود الطلاق (2199).

ص: 171

خلاف ظاهره بلا دليل وإما طعن فيه بالشذوذ والاضطراب وضعف طاوس وهذا مردود بأن مسلما رواه في صحيحه وقد اشترط ألا يروي في كتابه إلا الصحيح من الأحاديث. ثم إن الطاعنين فيه قد احتجوا بقول عمر في آخره " إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم " فكيف يكون آخره حجة مقبولة ويكون صدره مردودا لاضطرابه وضعف راويه وأبعد من هذا ما ادعاه بعضهم من أن العمل كان جاريا على عهد النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - يجعل الطلاق الثلاث واحده لكنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم بذلك، إذ كيف تصح هذه الدعوى والقرآن ينزل والوحي مستمر، وكيف تستمر الأمة على العمل بالخطأ في عهده وعهد أبي بكر وسنتين أو ثلاث من خلافة عمر، وكيف يعتذر عمر في عدوله عن ذلك إلى إمضائه عليهم بما ذكر في الحديث من استعجال الناس في أمر كانت لهم فيه أناة ومن الأمور الواهية التي حاولوا بها رد الحديث معارضته بفتوى ابن عباس على خلافه، ومن المعلوم عند علماء الحديث وجمهور الفقهاء أن العبرة بما رواه الراوي متى صحت الرواية لا برأيه وفتواه بخلافه لأمور كثيرة استندوا إليها في ذلك، وجمهور من يقول بأن الطلاق الثلاث بلفظ واحد يعتبر ثلاثا يقولون بهذه القاعدة، ويبنون عليها الكثير من الفروع الفقهية وقد عارضوا الحديث أيضا بما ادعوه من الإجماع على خلافه بعد سنتين من خلافة عمر رضي الله عنه مع العلم بأنه قد ثبت الخلاف في اعتبار الثلاث بلفظ واحد ثلاثا واعتباره واحدة بين السلف والخلف، واستمر إلى يومنا، ولا يصح الاستدلال على اعتبار الطلاق الثلاث بلفظ واحد ثلاثا بحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - في تحريم الرسول صلى الله عليه وسلم زوجة رفاعة القرظي عليه حتى تنكح زوجا غيره لتطليقه إياها ثلاثا، لأنه ثبت أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات كما رواه مسلم في صحيحه فكان الطلاق مفرقا ولم يثبت أن رفاعة بن وهب النضري جرى له مع زوجته مثل ما جرى لرفاعة القرظي حتى يقال بتعدد القصة، وأن إحداهما كان الطلاق فيها ثلاثة مجموعة ولم يحكم ابن حجر بتعدد القصة بل قال: إن كان محفوظا - يعني حديث رفاعة النضري - فالواضح تعدد القصة، واستشكل ابن حجر تعدد القصة في كتابه الإصابة حيث قال: لكن المشكل اتحاد اسم الزوج الثاني عبد الرحمن بن الزبير.

الدليل الثالث: ما رواه الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا سعد بن إبراهيم حدثنا، أبي عن محمد بن إسحاق، قال حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال:«طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني المطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا، قال: فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف طلقتها"، قال: طلقتها ثلاثا قال: فقال: "في مجلس واحد" قال: نعم، فقال: "فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت"، قال: فراجعها، (1)» قال: فكان ابن عباس يرى أن الطلاق عند كل طهر قال ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين: " وقد صحح الإمام أحمد هذا الإسناد وحسنه "، وضعف أحمد وأبو عبيد والبخاري ما روي من أن ركانة طلق زوجته بلفظ - البتة.

الدليل الرابع: بالإجماع وبينة ابن تيمية وابن القيم وغيرهما بأن الأمر لم يزل على اعتبار الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة في عهد أبي بكر وسنتين أو ثلاث من خلافة عمر، وأن ما روي عن الصحابة من الفتوى بخلاف ذلك فإنما كان من بعضهم بعدما أمضاه عمر ثلاثا تعزيزا وعقوبة، لما استعجلوا أمرا كان لهم فيه أناة، ولم يرد عمر بإمضاء الثلاث أن يجعل ذلك شرعا كليا مستمرا وإنما أراد أن يلزم به ما

(1) سنن أبو داود الطلاق (2196)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 265).

ص: 172

دامت الدواعي التي دعت إليه قائمة كما هو الشأن في الفتاوى التي تتغير بتغير الظروف والأحوال وللإمام أن يعزر الرعية عند إساءة التصرف في الأمور التي لهم فيها الخيار بين الفعل والترك بقصرهم على بعضها ومنعهم من غيره كما منع النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا من زوجاتهم مدة من الزمن عقوبة لهم على تخلفهم عن غزوة تبوك مع أن زوجاتهم لم يسئن، وكالزيادة في عقوبة شرب الخمر، وتحديد الأسعار عند استغلال التجار مثلا للظروف وتواطئهم على رفع الأسعار دون مسوغ شرعي إقامة للعدل، وفي معنى هذا تنظيم المرور فإن فيه منع الناس من المرور في طرق قد كان مباحا لهم السير فيها من قبل محافظة على النفوس والأموال وتيسيرا للسير مع آمن وسلام.

الدليل الخامس: قياس الطلاق الثلاث على شهادات اللعان، قالوا كما لا يعتبر قول الزوج في اللعان أشهد بالله أربع شهادات أني رأيتها تزني إلا شهادة واحدة لا أربعا، فكذا لو قال لزوجته: أنت طالق ثلاثا لا يعتبر إلا طلقة واحدة لا ثلاثا، ولو قال: أقر بالزنا أربعا مكتفيا بذكر اسم العدد عن تكرار الإقرار لم يعتبر إلا واحدة عند من اعتبر التكرار في الإقرار. فكذا لو قال لزوجته: أنت طالق ثلاثا مكتفيا باسم العدد عن تكرار الطلاق لم يعتبر إلا واحدة، وهكذا كل ما يعتبر فيه تكرار القول لا يكفي فيه عن التكرار ذكر اسم العدد كالتسبيح والتحميد والتكبير عقب الصلوات المكتوبة، والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم. . .

حرر في 12/ 11 / 93 هـ

ص: 173