المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

من‌ ‌ المؤتمر السادس لجمعية التعليم لعموم الهند لفضيلة نائب رئيس - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌التضامن الإسلامي

- ‌دور عالمي لرسالة عالمية

- ‌تصدير

- ‌البحوث

- ‌حكمالطلاق الثلاثبلفظ واحد

- ‌القول الثاني: أن جمع الثلاث ليس بمحرم

- ‌المسألة الثانيةما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت ثلاثا دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثانيإن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت واحدة دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثالث يقع في المدخول بها ثلاثا وبغير المدخول بها واحدة

- ‌المذهب الرابع: عدم وقوع الطلاق مطلقا

- ‌الخلاصة

- ‌المسألة الأولى: في حكم الإقدام على جمع الثلاث بكلمة واحدة

- ‌المسألة الثانية: فيما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول أنه يقع ثلاثا

- ‌المذهب الثانيإن الطلاق الثلاث دفعة واحدة يعتبر طلقة واحدة

- ‌المذهب الثالثأن الطلاق الثلاث يمضي ثلاثا في المدخول بها وواحدة في غير المدخول بها

- ‌المذهب الرابع:أنه لا يعتد به مطلقا

- ‌مصادر بحث الطلاق الثلاث بلفظ واحد:

- ‌القرار

- ‌ النشوز والخلع

- ‌النشوز قد يكون من الرجل وقد يكون من المرأةوقد يدعيه كل منهما على صاحبه

- ‌ مصالحة المرأة زوجها

- ‌ الكلام عن الخلع

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلع

- ‌ الحكمين كيف يعملان

- ‌ بعث الحكمين

- ‌الخلاصة

- ‌ملخص قرار هيئة كبار العلماء المتعلق بمسالة النشوز والخلع

- ‌الشفعة بالمرافق الخاصة

- ‌الشفعة في الاصطلاح الشرعي

- ‌مشروعية الشفعة

- ‌دفع شبه القول بمنافاتها للقياس

- ‌الحكمة في مشروعية الشفعة

- ‌الاشتراك فيما لا يقبلالقسمة من العقار

- ‌الاشتراك في المنقولات

- ‌ الجوار

- ‌أدلة القائلين بقصر الشفعة على الشريك في المبيعدون الجار. . . أو الشريك في حق المبيع

- ‌أدلة القائلين بثبوت الشفعةبحق المبيع والجوار

- ‌المناقشة

- ‌ الشفعة فيما انتقل إلى الغير بعوض غير مسمى

- ‌الشفعة بشركة الوقف

- ‌شفعة غير المسلم

- ‌شفعة غير المكلف من صبي أو مجنون

- ‌شفعة الغائب

- ‌شفعة الوارث

- ‌الدعوة الإصلاحية فيالجزيرة العربيةوحركة الجامعة الإسلامية

- ‌الحرب والصلح فيالإسلام

- ‌الوضع العام

- ‌مفاجأة محزنة

- ‌احترام البيت

- ‌بدء المفاوضات

- ‌ساعة الصفر

- ‌بوادر السلم تلوح في الأفق

- ‌تنفيذ العقد يبدأبمفاجأة غريبة

- ‌افتراء مغرضحولسعد بن معاذ

- ‌الأمومةفي حياة النبي ووصاياهونظرة على دورها في البناء والتوجيه

- ‌نشيد الفرحبمقدمالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تعيين مواقيت الصلاة في أي زمان ومكان على سطح الأرض

- ‌مقدمة

- ‌تحديد الشرع الإسلامي لمواقيتالصلاة

- ‌وقت الظهر

- ‌وقت العصر

- ‌وقت المغرب

- ‌وقت العشاء

- ‌وقت الصبح

- ‌الربط بين تحديد الشرع والفلك والحسابلتبين مواقيت الصلاة

- ‌المعادلات الرياضية لحساب مواقيت الصلاة

- ‌بيان المصطلحات الفلكية والرموز الخاصة

- ‌ الأقطاب والنقط الأساسية

- ‌الدوائر العظمى

- ‌الزوايا الرئيسية

- ‌المثلث الفلكي

- ‌تعيين المعادلات الرياضية لحساب مواقيت الصلاة لكل واحدة من الفروض الخمسة

- ‌أولا وقت الظهر

- ‌ثانيا وقت الشروق والغروب

- ‌ثالثا وقت الفجر والعشاء

- ‌رابعا وقت العصر

- ‌استعمال الحاسب الإليكتروني 45 ( H. P)في حل المعادلات المذكورة

- ‌استعمال الرسم البياني لتعيينلمواقيت الصلاة

- ‌كيفية استعمال المنحنى لتعيينالوقت المطلوب

- ‌تحويلالوقت الزواليوقت غروبي

- ‌ الفتاوى

- ‌في النذر

- ‌في الصيام

- ‌في الأضحية وصلاة العيد

- ‌في اللحم المذبوح ببلاد الكفاروأهل الكتاب

- ‌حكم الحلف بغير اللهحكم لبس الباروكة للزوجحكم حلق المرأة رأسها وحواجبها

- ‌السفر وإفطار رمضانحكم التوسل إلى الله بالأنبياء والصالحين

- ‌في قراءة القرآن من أجل التكسب

- ‌ المؤتمر السادس لجمعية التعليم لعموم الهند

- ‌مؤتمرات

- ‌الفائدة الأولى: إذ قال لزوجته أنت طالق أو نحوه من الصريح

- ‌الفائدة الثانية: إذا وقع به الطلاق فكم طلقة تقع به

- ‌كتب تصدر قريبا

- ‌أساليب القسم والشرط في القرآن

- ‌الولايات المتحدة

- ‌إنجلترا

الفصل: من‌ ‌ المؤتمر السادس لجمعية التعليم لعموم الهند لفضيلة نائب رئيس

من‌

‌ المؤتمر السادس لجمعية التعليم لعموم الهند

لفضيلة نائب رئيس الإفتاء الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

" الخطاب الذي ألقاه عن الوفد السعودي لحضور المؤتمر السادس لجمعية التعليم لعموم الهند في حيدر آباد الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع ".

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه وبعد:

لقد تعددت ال‌

‌مؤتمرات

الإسلامية في الآونة الأخيرة، وتعددت المناسبات الموجبة لانعقادها، وانتهى ما تم انعقاده منها بقرارات ونداءات وتوصيات، على أن الشريعة الإسلامية أصل أساسي لإسعاد الإنسان وإحلال التعايش الاجتماعي بين طبقات الإنسان مهما كانت الفوارق الطبيعية بينهم، ومهما كان تباعدهم في اللون والجنس والمكان، وصار من يحضر مثل هذه المؤتمرات ممن ليس مسلما وله عناية بدراسة أمن الإنسانية ورخائها أكثر قناعة وأقرب إلى التسليم والقبول بانفراد الشريعة الإسلامية بتشريعات مدنية وجنائية وأخلاقية لها آثار جليلة وإيجابية في الأخذ بيد الإنسان إلى أسمى مراقي السعادة والهناء وانفرادها دون غيرها من الشرائع الأخرى بالنظرة إلى الإنسان مهما كانت لونه وجنسه ووطنه كوليد له في نفس والده بالغ العطف والحنان ومن جهده في تنشئته النشأة الصالحة.

إننا نطمع من تعدد هذه المؤتمرات وما تنتجه هذه المؤتمرات في الشيء الكثير في سبيل التعريف بالإسلام وإظهار جوانب الإشراق فيما يدعو إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونسبه الحمد والثناء إلى مسدي الفضل والعطاء والأهل بالمن بالرخاء، ربنا الله الرحمن الرحيم، ذلكم الرب الكريم الذي خلق لنا معشر بني الإنسان ما في الأرض جميعا وقال تعالى:{كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (1) كما نطمع من هذه المؤتمرات أن تعبئ المشاعر الإنسانية بصدق القول في أن الإنسانية لم تسعد ولن تسعد بغير الإسلام، وأنها أحوج ما تكون إليه الآن فهو دين العقل ودين العلم ودين الحضارة ودين التعايش العام وفضلا عن ذلك كله فهو الرابطة المتينة الفذة بين الإنسان وربه قال تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (2) وبين الإنسان وأخيه الإنسان قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (3) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) (4)» وقال صلى الله عليه وسلم: «" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا (5)» .

(1) سورة طه الآية 81

(2)

سورة آل عمران الآية 85

(3)

سورة الحجرات الآية 10

(4)

صحيح البخاري الأدب (6011)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270).

(5)

صحيح البخاري الصلاة (481)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585)، سنن الترمذي البر والصلة (1928)، سنن النسائي الزكاة (2560)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 405).

ص: 382

إن الإنسانية قد ابتليت بمادية تجاهلت قيمة الإنسان واعتباره كإنسان يحمل بين جنبيه قطعة ذات قيمة نادرة، حتى أصبح الإنسان بحكم إيغاله في المادية وانغماسه في مقتضياتها لا يشكل فارقا كبيرا بينه وبين حيوانات أخرى لا تحمل بين جنباتها ما يحمله الإنسان من قلب هو ميزته عن سائرها فصار لا يفرق بين طعام وطعام، ولا بين شراب وشراب ولا بين خلق وخلق من حيث الإباحة والتحريم إلا كما يفرق الحيوان بين ذلك، كما ابتليت الإنسانية بمذاهب عقيدية أنكرت على الإنسان قيمته كإنسان فحرمت عليه ما أحل الله من طعام وشراب ولباس وغير ذلك من زينة الله التي أخرجها لعباده والطيبات من الرزق فعطلت تلك المذاهب في الإنسان وظيفته في هذه الحياة، قال تعالى:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (1)

إن الإسلام يأخذ في اعتباره عند التشريع أن الإنسان روح وجسد وأن العناية بأحد التركيبين لا ينبغي أن تقل عن العناية بالتركيب الآخر، فهو حينما يعني بالروح تربية وتهذيبا يعني بالجسد تنمية ورعاية قال تعالى:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} (2) وقال: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (3) ويروى أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أرادوا التبتل تدينا فنهاهم صلى الله عليه وسلم وقال: «" إنما أصوم وأفطر وأقوم وأنام وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني (4)» . ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعلم لأخرتك كأنك تموت غدا.

لقد تخرج من المدرسة الإسلامية رجال قادوا الإنسانية إلى أسمى مثال وأعز اعتبار وأعلى منال فظهرت جوانب الإشراق في التشريع الإسلامي في مجالات العبادة والثقافة والولاية والتقنين والاقتصاد وسائر المعارف العقلية والنقلية مما شهد به الأعداء وهم أبعد ما يكونون من الشهادة بالحق والاتصاف بالإنصاف فلقد قال بعضهم: إننا لا نبالغ إذا قلنا إن أوربا مدينة للمسلمين بخدمتهم العلمية، تلك الخدمة التي كانت العامل الأكبر في النهضة العلمية الأوروبية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر. وقال آخرون: إنه لولا أعمال ابن الهيثم والبيروني وابن سيناء والخوارزمي والكندي والطوسي والبوزجاني وغيرهم لاضطر علماء النهضة الأوروبية أن يبنوا من حيث بدأ هؤلاء ولتأخر سير المدنية عدة قرون. اهـ.

وممن أنصف علماء المسلمين وأشاد بفضلهم على الإنسانية وعلى الحضارة الحديثة الأستاذ برنال فهو يقول: إن الفضل أعظم الفضل للعلماء العرب في الحفاظ على هذا التراث وتدوينه ونقله والتأليف فيه، وإن العلماء العرب قد بلغوا في ذلك وإنهم تفوقوا على الأغريق وجعلوا العلم سهلا مستساغا، فأقبل الناس على النهل منه

(1) سورة البقرة الآية 30

(2)

سورة البقرة الآية 201

(3)

سورة القصص الآية 77

(4)

صحيح البخاري النكاح (5063)، صحيح مسلم النكاح (1401)، سنن النسائي النكاح (3217)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 241).

ص: 383

وكانت ميزة تفرد بها العلم العربي. أهـ.

ويقول كاريسنكي: إن الخدمات التي أداها العرب للعلوم غير مقدرة حق قدرها من المؤرخين، وإن البحوث الحديثة قد دلت على عظم ديننا للعلماء المسلمين الذين نشروا نور العلم بينما كانت أوروبا غارقة في ظلمات القرون الوسطى، وإن العرب لم يقتصروا على نقل علوم الإغريق بل زادوا عليها وقاموا بإضافات هامة في ميادين مختلفة أهـ.

وجاء في مقدمة أحد كتب الكيمياء لأحد علماء الغرب ما نصه:

إنكم يا معشر اللاتينيين لا تعرفون بعد ما هي الكيمياء ولا ما تراكيبها وأصولها وسترون ذلك مشروحا في هذا الكتاب الذي ننقله عن العربية أهـ.

وقال كاليجوري: إن العقل ليرتعش دهشا عندما يرى ما عمله العلماء العرب في الجبر، وهم أول من أطلق لفظ الجبر على العلم المعروف، وهم أول من ألف فيه بطريقة علمية منظمة أهـ.

ويقول المستشرق سخاو عن البيروني أحد علماء الإسلام إنه أكبر عقلية علمية في التاريخ، وإنه من أضخم العقول التي ظهرت في العالم، وإنه أعظم علماء عصره، ومن أعظم العلماء في كل العصور أهـ.

ويقول المستشرق الأمريكي أبو يوبوب:

إن أي قائمة تحوي أسماء أكابر علماء يجب أن يكون اسم البيروني في مكانه الرفيع ومن المستحيل أن يكتمل أي بحث في الرياضيات أو الفلك أو الجغرافيا أو علم الإنسان أو المعادن دون الإقرار بمساهمته العظيمة في كل علم من تلك العلوم أهـ.

إننا لسنا في شك في الشريعة الإسلامية وموقفها الإيجابي المشرف من المعارف والعلوم الإنسانية والطبيعية ومدى مقدرتها العظيمة في سبيل احتضان العلم والأخذ بأهله إلى أمكنتهم الرفيعة في طبقات المجتمع، إننا لسنا في شك فيها حتى نطلب الشهادة لها بذلك فلقد اختارها الله تعالى لعباده شريعة ورضيها لهم دينا وأسقط من الاعتبار ما عداها من الأديان فقال:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1) وقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (2)

(1) سورة المائدة الآية 3

(2)

سورة آل عمران الآية 85

ص: 384

إن المكتبة الإسلامية مليئة بكنوز العلم والمعرفة في شتى مجالات العقيدة والعلم والحياة وإن التجارب الناجحة لاعتقاد أن الشريعة الإسلامية وحدة متكاملة قادرة بمختلف الإمكانيات على قيادة المجتمع الإنساني إلى أسمى خلق وأرفع قدر وأقوى شكيمة وأشمل هيبة وأنفذ سلطان، وعلى إعطاء الفرد في أي مجتمع يدين بها حقوقا تعجز عن تحقيقها له أدنى التشريعات الأخرى. إن التجارب الناجحة لتؤكد ذلك وإن التاريخ الإنساني ليسجل للإسلام أنصع صفحات العز والرفعة وسعة السلطان حينما كانت كلمة الفصل للإسلام والرجوع عند الاختلاف إلى الإسلام والاعتزاز والافتخار في مجالات التفاخر والتفاضل بالإسلام والاستهانة بالمال والنفس والولد في سبيل إعلاء كلمة الإسلام.

إن المسلمين الآن أحوج ما يكونون إلى الإسلام فلقد تفرقوا عن الإسلام فاستعبدتهم المدنية وأذلتهم المادية فهانت نفوسهم وضعفت عزائمهم وتشتت كلمتهم وانقسموا إلى فرق وطوائف سهلت لعدوهم الطمع فيهم فاغتصبوا حقوقهم، وألبوا عليهم شرارهم ليسهل لهم الارتماء في أحضانهم فأصبح اعتماد المسلمين اليوم على الشرق أو الغرب لا على رب المشرقين والمغربين، فأذلوهم وخذلوهم وصدق رسول رب العالمين فيما يبلغه عن ربه:«من عصاني وهو يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني» .

فإذا لم يرجع المسلمون إلى ربهم ويعملوا بمقتضى الشهادة لوحدانيته تعالى وبرسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وينيبوا إلى الله ويسلموا له، فيسلكون سبيل ما صلح به أسلافهم فليس لسنة الله تحويلا قال تعالى:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (1) وقال: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (2) وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (3)

إن الدين الإسلامي ليس كغيره من المذاهب العقائدية أو السياسية أو الاجتماعية يرتكز على نعرات طائفية أو صفات عنصرية أو قوميات جنسية وإنما هو دين حنيف يدعو إلى عبادة الله وحده خالق الكون ذي الجلال والإكرام ذي المنع والعطاء والنفع والضر، ويقرر في أنصع عبارة وأوضح بيان كرامة الإنسان على ربه وكرامته على بني جنسه قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} (4)

(1) سورة محمد الآية 38

(2)

سورة هود الآية 102

(3)

سورة الإسراء الآية 16

(4)

سورة الإسراء الآية 70

ص: 385

إن الإسلام سياج الإنسان مهما كان الإنسان وفي أي مكان كان الإنسان وفي أي زمان يعيش فيه الإنسان، إنه يحمي الإنسان من الذل والخضوع لغير الله، ويحمي الإنسان ممن يعتدي على نفسه بغيا وعدوانا، ويحمي عقل الإنسان من أسباب التغير والزوال، ويحمي الإنسان من الاعتداء على عرضه بما يدنسه ويخدش كرامته، ويحمي مال الإنسان من أخذه عليه بغير حق ظلما وعدوانا، ولهذا فغالب تشريعاته تدور حول هذه الأمور الضرورية الخمسة لحياة الإنسان وفي حياة الإنسان - الدين، النفس، العقل، العرض، المال، فإذا قلنا: إن الإسلام سياج الإنسان فإنا نعني بذلك أن الإنسان مهما كان إنسانا فهو يحترم من يحترم له هذه الضروريات الخمس ويدافع معه في سبيلها وهذا بكل تأكيد يفسر لنا وجه الإقبال على اعتناق الإسلام ويؤكد علينا معشر المسلمين مسئوليتنا في سبيل الدعوة إلى الله والأخذ بأسباب قبول الدعوة بإصلاح المجتمعات الإسلامية لتكون صورا مشرفة للإسلام ولأهل الإسلام بالعناية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تكون الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وأن يكون الداعي على مستوى من العلم والخلق والاستقامة يغري بقبول دعوته، واعتباره قدوة يحتذى حذوه ويسلك طريقه، وأن يبذل النفيس من مال وجهد في سبيل الدعوة إلى الله تعالى والترغيب فيها وإليها فهي طريق أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين.

إن غالب المجتمعات الإسلامية ومع كل أسف وامتعاض لتسيء إلى الإسلام وتعطي صورا سيئة عن الإسلام، فالإسلام يعتبر الزنا فاحشة ومقتا وساء سبيلا، ويعتبر السرقة عدوانا أثيما ويعتبر الخمر رجسا من عمل الشيطان، ويعتبر الربا محاربة لله ولرسوله وأكلا لأموال الناس بالباطل، ويعتبر الغش والخيانة والغدر ونقض العهود والمواثيق بغير حق صفات ذميمة لا ينبغي لمسلم أن يتصف بها ولا بواحدة منها، ويعتبر التفرق عن جماعة المسلمين شذوذا وفشلا تذهب به الريح، ومع هذا كله فمجتمعات المسلمين في الغالب خاربة بهذه المسالك الملتوية وبتلك القاذورات المسيئة إلى الإسلام وإلى الدعاة إلى الإسلام فعلينا معشر الدعاة إلى الإسلام أن نأخذ في الاعتبار في سبيل الدعوة إلى الإسلام هذا الوضع المؤلم وأن نصلحه حتى لا نكون في عداد من قال الله تعالى بشأنهم:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} (1){كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (2)

إننا نشكر جمعية الثقافة الإسلامية لعموم الهند على إتاحة هذه الفرصة المباركة ونتمنى لها ولمؤتمرها

(1) سورة البقرة الآية 44

(2)

سورة الصف الآية 3

ص: 386

العزيز التوفيق والنتائج الحميدة للتعريف بهذا الدين الكريم والدعوة إليه، ففي التاريخ الإسلامي صفحات ناصعة تسجل ما للأمة الإسلامية من أرض الهند وفي أرض الهند من جهود عظيمة ومساع مشكورة في سبيل نشر الإسلام والدعوة إلى الإسلام وما لها من آثار علمية في مجالات مختلفة من علوم الشريعة الإسلامية ومعارفها.

ولهذه المدينة العريقة في مجال الطبع والنشر - حيدر آباد - دور كبير في التعريف بالإسلام ونشر ذخائره وكنوزه يعرفه لها علماء الإسلام في كل مكان، ولعل اختيارها لتكون مقرا لانعقاد هذا المؤتمر جزء من الاعتراف والتسليم لها بالجميل.

وقبل أن ننهي كلمتنا في هذه المناسبة الفريدة يجمل بنا أن نغتنم فرصتها للإشارة إلى بعض من ملامح العلاقات بين الهند والبلاد العربية.

لئن كانت العلاقات بين الهند والبلاد العربية بعد الإسلام موجودة وبشكل واسع وفي مجالات مختلفة فإن لهذه العلاقات امتدادا تاريخيا قبل الإسلام، فقد كان العرب يستوردون السيوف الصقيلة الجيدة من الهند، وسموا السيف بالمهند، كما كانوا يستوردون البخور ويسمونه العود الهندي، ومن أسماء نساء العرب هند، ولعل ذلك كان استلطافا لما كان يأتيهم من الهند ولهم مع الهند علاقات ثقافية توجد آثارها في مراكز الحضارة في البلاد العربية مثل العراق وأطراف الجزيرة وغيرها.

وعندما دخل الإسلام إلى الهند لأول مرة في تاريخه ونجاحه في جنوب الهند رحب به أهل الهند ووجدوا فيه دينا من أهم مقوماته وحدة المسلمين والتساوي بين جميع أفراد أهله، ونقتبس نصا مما قاله الرئيس الراحل جواهر لال نهرو عن الإسلام.

" إن دخول الإسلام له أهمية كبرى في تاريخ الهند إذ أنه قد فضح الفساد الذي كان قد انتشر في المجتمع الهندوكي الذين كانوا قد أظهروا فروق الطبقات واختفاء المنبوذين وحب الاعتزال عن العالم الذي كان تعيش فيه الهند، إن نظرية الأخوة الإسلامية والمساواة التي كان يؤمن بها المسلمون أثرت في أذهان الهندوس تأثيرا عميقا وكان أكثر خضوعا لهذا التأثير البؤساء الذين حرمهم المجتمع الهندي من المساواة والتمتع بالحقوق الإنسانية " اهـ (1).

ثم توالت الصلاة الثقافية والتجارية وغيرها وقويت متانة ونموا بين الشعبين الهندي والعربي عندما قويت التجارة بينهم من جهة وعندما وفد إلى البلاد الإسلامية عدد كبير من أهل الهند وساهموا مساهمة جادة ونشطة في بناء المجتمع الإسلامي والحضارة، فكان منهم قواد مثل السندي بن شاهين، وعلماء مبرزون مثل الأوزاعي.

إننا لو أردنا أن نستعرض العلاقات العربية الهندية في مجالات الحياة المختلفة لاحتجنا الوقت الكثير

(1) اكتشاف الهند ص 235 - 526.

ص: 387

لاستعراضها وأنى لنا ذلك؟

مرة أخرى نكرر شكرنا وتقديرنا لجمعية الثقافة الإسلامية لعموم الهند ونتمنى للمؤتمر ثمارا طيبة ونتائج حميدة تخدم الإسلام والمسلمين، كما نكرر شكرنا للقائمين على شؤون المؤتمر لما لقيناه منهم من كرم الضيافة وحرارة الاستقبال وصدق المشاعر والله ولي التوفيق.

ص: 388