المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المذهب الثانيإن الطلاق الثلاث دفعة واحدة يعتبر طلقة واحدة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌التضامن الإسلامي

- ‌دور عالمي لرسالة عالمية

- ‌تصدير

- ‌البحوث

- ‌حكمالطلاق الثلاثبلفظ واحد

- ‌القول الثاني: أن جمع الثلاث ليس بمحرم

- ‌المسألة الثانيةما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت ثلاثا دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثانيإن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت واحدة دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثالث يقع في المدخول بها ثلاثا وبغير المدخول بها واحدة

- ‌المذهب الرابع: عدم وقوع الطلاق مطلقا

- ‌الخلاصة

- ‌المسألة الأولى: في حكم الإقدام على جمع الثلاث بكلمة واحدة

- ‌المسألة الثانية: فيما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول أنه يقع ثلاثا

- ‌المذهب الثانيإن الطلاق الثلاث دفعة واحدة يعتبر طلقة واحدة

- ‌المذهب الثالثأن الطلاق الثلاث يمضي ثلاثا في المدخول بها وواحدة في غير المدخول بها

- ‌المذهب الرابع:أنه لا يعتد به مطلقا

- ‌مصادر بحث الطلاق الثلاث بلفظ واحد:

- ‌القرار

- ‌ النشوز والخلع

- ‌النشوز قد يكون من الرجل وقد يكون من المرأةوقد يدعيه كل منهما على صاحبه

- ‌ مصالحة المرأة زوجها

- ‌ الكلام عن الخلع

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلع

- ‌ الحكمين كيف يعملان

- ‌ بعث الحكمين

- ‌الخلاصة

- ‌ملخص قرار هيئة كبار العلماء المتعلق بمسالة النشوز والخلع

- ‌الشفعة بالمرافق الخاصة

- ‌الشفعة في الاصطلاح الشرعي

- ‌مشروعية الشفعة

- ‌دفع شبه القول بمنافاتها للقياس

- ‌الحكمة في مشروعية الشفعة

- ‌الاشتراك فيما لا يقبلالقسمة من العقار

- ‌الاشتراك في المنقولات

- ‌ الجوار

- ‌أدلة القائلين بقصر الشفعة على الشريك في المبيعدون الجار. . . أو الشريك في حق المبيع

- ‌أدلة القائلين بثبوت الشفعةبحق المبيع والجوار

- ‌المناقشة

- ‌ الشفعة فيما انتقل إلى الغير بعوض غير مسمى

- ‌الشفعة بشركة الوقف

- ‌شفعة غير المسلم

- ‌شفعة غير المكلف من صبي أو مجنون

- ‌شفعة الغائب

- ‌شفعة الوارث

- ‌الدعوة الإصلاحية فيالجزيرة العربيةوحركة الجامعة الإسلامية

- ‌الحرب والصلح فيالإسلام

- ‌الوضع العام

- ‌مفاجأة محزنة

- ‌احترام البيت

- ‌بدء المفاوضات

- ‌ساعة الصفر

- ‌بوادر السلم تلوح في الأفق

- ‌تنفيذ العقد يبدأبمفاجأة غريبة

- ‌افتراء مغرضحولسعد بن معاذ

- ‌الأمومةفي حياة النبي ووصاياهونظرة على دورها في البناء والتوجيه

- ‌نشيد الفرحبمقدمالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تعيين مواقيت الصلاة في أي زمان ومكان على سطح الأرض

- ‌مقدمة

- ‌تحديد الشرع الإسلامي لمواقيتالصلاة

- ‌وقت الظهر

- ‌وقت العصر

- ‌وقت المغرب

- ‌وقت العشاء

- ‌وقت الصبح

- ‌الربط بين تحديد الشرع والفلك والحسابلتبين مواقيت الصلاة

- ‌المعادلات الرياضية لحساب مواقيت الصلاة

- ‌بيان المصطلحات الفلكية والرموز الخاصة

- ‌ الأقطاب والنقط الأساسية

- ‌الدوائر العظمى

- ‌الزوايا الرئيسية

- ‌المثلث الفلكي

- ‌تعيين المعادلات الرياضية لحساب مواقيت الصلاة لكل واحدة من الفروض الخمسة

- ‌أولا وقت الظهر

- ‌ثانيا وقت الشروق والغروب

- ‌ثالثا وقت الفجر والعشاء

- ‌رابعا وقت العصر

- ‌استعمال الحاسب الإليكتروني 45 ( H. P)في حل المعادلات المذكورة

- ‌استعمال الرسم البياني لتعيينلمواقيت الصلاة

- ‌كيفية استعمال المنحنى لتعيينالوقت المطلوب

- ‌تحويلالوقت الزواليوقت غروبي

- ‌ الفتاوى

- ‌في النذر

- ‌في الصيام

- ‌في الأضحية وصلاة العيد

- ‌في اللحم المذبوح ببلاد الكفاروأهل الكتاب

- ‌حكم الحلف بغير اللهحكم لبس الباروكة للزوجحكم حلق المرأة رأسها وحواجبها

- ‌السفر وإفطار رمضانحكم التوسل إلى الله بالأنبياء والصالحين

- ‌في قراءة القرآن من أجل التكسب

- ‌ المؤتمر السادس لجمعية التعليم لعموم الهند

- ‌مؤتمرات

- ‌الفائدة الأولى: إذ قال لزوجته أنت طالق أو نحوه من الصريح

- ‌الفائدة الثانية: إذا وقع به الطلاق فكم طلقة تقع به

- ‌كتب تصدر قريبا

- ‌أساليب القسم والشرط في القرآن

- ‌الولايات المتحدة

- ‌إنجلترا

الفصل: ‌المذهب الثانيإن الطلاق الثلاث دفعة واحدة يعتبر طلقة واحدة

وأجيب بأن عمر رضي الله عنه أمضى عليهم الثلاث عقوبة لهم لما رآه من المصلحة في زمانه ليكفوا عما تتابعوا فيه من جمع الطلاق الثلاث، ويرجعوا إلى ما جعل الله لهم في الفسحة والأناة رحمة منه بهم، ولما علم الصحابة منه حسن سياسته لرعيته وافقوه على ذلك وأفتوا به رعاية لما رآه من المصلحة؛ ولذا صرحوا لمن استفتاهم في هذا الأمر بأنه عصى ربه ولم يتقه فلم يجعل له مخرجا، ولم يجعل ذلك الإمضاء شرعا لازما مستمرا لأنه مما تتغير الفتوى به بتغير الزمان والأحوال بل جعل العقوبة به تقريرا لمن خالف ما أمر به كالنفي، ومنعه صلى الله عليه وسلم المخلفين الثالث من نسائهم مدة من الزمن، والضرب في الخمر، ونحو هذا مما يختلف التعزير فيه باختلاف الزمان والأحوال، وكان هذا من الخليفة اجتهادا (1).

وأما القياس فهو أن النكاح ملك للزوج فتصح إزالته مجتمعا كما صحت إزالته متفرقا، وأن الله جعله بيده يزيل منه ما شاء ويبقى ما شاء، كالعتق وعقد النكاح، وأجيب بأنه قياس مع الفارق فإن الطلاق جعل إليه ليوقعه متفرقا على كيفية معينة، ومنعه من جمعه لما تقدم في المسألة الأولى فلا يصح قياس جمعه على تفريقه ولا على العتق، ولا عقد النكاح على أكثر من واحدة وما أشبهها، مما شرع له إيقاعه مجتمعا ومتفرقا (2).

(1) ص - من البحث.

(2)

ص - من البحث

ص: 153

‌المذهب الثاني

إن الطلاق الثلاث دفعة واحدة يعتبر طلقة واحدة

، دخل بها الزوج أم لا، وهو قول أبي بكر وعمر، صدر من خلافته، وعلي وابن مسعود وابن عباس والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف، وكثير من التابعين ومن بعدهم كطاوس وخلاس بن عمرو ومحمد بن إسحاق، وداود الظاهري، وأكثر أصحابه، وهو اختيار ابن تيمية، وابن القيم (1) واستدل لهذا المذهب بالكتاب والسنة والآثار، والإجماع، والقياس.

أما الكتاب فأولا قوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (2) إلى قوله تعالى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (3)، وبيانه أن الألف واللام في قوله {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (4) للعهد

(1) ص - من البحث.

(2)

سورة البقرة الآية 228

(3)

سورة البقرة الآية 230

(4)

سورة البقرة الآية 229

ص: 153

والمعهود هو الطلاق المفهوم من قوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (1)، وهو رجعي لقوله تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} (2)، فالمعنى الطلاق من الذي يكون للزوج فيه حق الرجعة مرتان، مرة بعد مرة، ولا فرق في اعتبار كل مرة منهما واحدة بين أن يقول في كل مرة، طلقتك واحدة أو ثلاثا أو ألفا، فكل مرة منها طلقة رجعية لما سبق ولقوله تعالى بعد {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (3)، وأما قوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (4)، فالضمير المرفوع والمنصوب فيه عائدان إلى المطلق والمطلقة فيما سبق لئلا يخلو الكلام عن مرجع لهما؛ ولأن الطلاق وقع بعد الشرط والحل بعد النفي فدل على العموم فلو كانت هذه الجملة مستقلة عما قبلها للزم تحريم كل مطلقة ولو طلقة أو طلقتين حتى تنكح زوجا آخر، وهو باطل بإجماع، وإذا فمعنى الآية: فإن طلقها مرة ثالثة بلفظ واحد طلقة أو ثلاثا فلا تحل له حتى تتزوج غيره، وبهذا يدل عموم الآية على اعتبار الثلاث بلفظ واحد طلقة، وقد سبقت مناقشة هذا الدليل.

ثانيا: قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (5). إلى قوله {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (6) وبيانه أن الجمهور استدلوا بها من وجوه على تحريم جمع الثلاث، وإذا فلا يقع منها مجموعة إلا ما كان مشروعا وهو الواحدة، وأجيب بأن التحريم لا يناقض إمضاء الثلاث فكم من عبادة أو عقد مشروع ارتكب فيه مخالفة، فقيل لصاحبه عصى وصحت عبادته ومضى عقده وعلى تقرير المناقضة فهو يمنع من إمضاء الواحدة أيضا، لوقوع الطلاق على خلاف ما شرع الله، وذلك ما لا يقول به أحد من الجمهور.

وأما السنة: فمنها - أولا - ما رواه مسلم في صحيحه من طريق ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثالث واحدة، فقال عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم (7)» ، وأجيب عن الاستدلال به بما يأتي:

أولا: أنه حديث منسوخ؛ لأن ابن عباس أفتى بخلافه، فدل ذلك على أنه علم ناسخا له فاعتمد عليه في فتواه، ونوقش بأنه يمكن أن يكون اجتهد فوافق اجتهاده اجتهاد عمر رضي الله عنهما في إمضاء الثلاث تعزيرا للمصلحة كما تقدم، وأيضا لو علم ناسخا لذكره، مع وجود الدواعي إليه، ولم يكتف بمثل ما كان

(1) سورة البقرة الآية 228

(2)

سورة البقرة الآية 228

(3)

سورة البقرة الآية 229

(4)

سورة البقرة الآية 230

(5)

سورة الطلاق الآية 1

(6)

سورة الطلاق الآية 2

(7)

صحيح مسلم الطلاق (1472)، سنن النسائي الطلاق (3406)، سنن أبو داود الطلاق (2199).

ص: 154

يعلل به في فتواه، وأيضا الصواب أن العبرة بما رواه الراوي لا بقوله، قالوا أيضا يدل على نسخ الحديث ما ذكر في سبب نزول قوله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (1) من أن المطلق كان له الحق في الرجعة ولو طلق ألف مرة، ما دامت مطلقته في العدة، فأنزل الله الآية منعا لهم من الرجعة بعد المرة الثالثة حتى تنكح زوجا آخر، ونوقش أولا: بأنه روي مرسلا من طريق عروة بن الزبير ومتصلا من طريق عكرمة عن ابن عباس لكن في سنده علي بن حسين بن واقد، وهو ضعيف، وثانيا: بأنه استدلال في غير محل النزاع، فإنه ليس فيه الإلزام بالثالث في لفظ واحد.

وقالوا أيضا يدل على نسخه حديث امرأة رفاعة، وحديث اللعان، وحديث فاطمة بنت قيس وقد سبق الاستدلال بها ومناقشتها (2).

وقالوا أيضا: يدل على نسخه إجماع الصحابة زمن عمر رضي الله عنهم على إمضاء الثلاث؛ فإنه لا يكون إلا عن علم بالناسخ، ونوقش بأنه لا يتأتى مع قول عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فلو كان اعتمادهم على العلم بالناسخ لذكروه ولم يعلل عمر بذلك، وأيضا كيف يستمر العمل بالمنسوخ في عهده صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر رضي الله عنهما؟ مع كون الأمة معصومة في إجماعها عن الخطأ، ونوقش استمرار العمل بالمنسوخ في العهود الثلاثة بأنه إنما فعله من لم يبلغه النسخ، فلما كان زمن عمر انتشر العلم بالناسخ فأجمعوا على إمضاء الثلاث كما حصل في متعة النكاح سواء (3)، ونوقش بأن متعة النكاح كان الخلاف فيها مستمرا بين الصحابة لعدم معرفة بعضهم بالناسخ المنقول نقلا صحيحا إلى أن أعلمهم به عمر في خلافته، ونهاهم عنها، بخلاف جعل الثلاث في لفظ واحد طلقة واحدة، فإنه ثابت في عهده صلى الله عليه وسلم، ولم يزل العمل عليه عند كل الصحابة في خلافة الصديق إلى سنتين أو ثلاث من خلافة عمر رضي الله عنهما إما فتوى أو إقرار أو سكوتا؛ ولهذا ادعى بعض أهل العلم أنه إجماع قديم، لم تجمع الأمة على خلافه بعد، بل لم يزل في الأمة من يفتي بجعل الثلاث واحدة (4) ولم ينقل حديث صحيح يصلح أن يعتمد عليه في نسخ حديث ابن عباس، ويكون مستندا لما ذكر من الإجماع بل الذي روي في ذلك إما في غير الموضوع، وإما في الموضوع لكنه ضعيف أو مكذوب، ومع هذا فقد ثبت عن عكرمة عن ابن عباس ما يوافق حديث طاوس مرفوعا وموقوفا على ابن عباس، فالمرفوع هو أن ركانة طلق امرأته ثلاثا فردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت ما يخالفه مرفوعا وقد سبقت مناقشة حديث ركانة وستأتي بقيتها (5). ولا نكارة في إمضاء عمر للثلاث باجتهاده، ولا على غيره من الصحابة ممن وافق اجتهادهم اجتهاده في إمضائها، وقد بين عمر وابن عباس وغيرهما وجه ذلك بأن الناس لم تتابعوا فيما حرم الله عليهم من تطليقهم ثلاثا مجموعة وكثر منهم ذلك على خلاف

(1) سورة البقرة الآية 229

(2)

ص - من البحث.

(3)

ص - من البحث.

(4)

ص - من البحث.

(5)

ص - من البحث.

ص: 155

ما كان عليه قبل الزموا بالثلاث عقوبة لهم، ونظير هذا كله تتغير فيه الفتوى بتغير الأحوال والأزمان والأمكنة كالعقوبة في الخمر، والتفريق بين الذين خلفوا ونسائهم، وقتال علي لبعض أهل القبلة متأولا، ولم يكن الإمضاء شرعا مستمرا إنما كان رهن ظروفه (1).

وأجيب ثانيا: بتأويل حديث طاوس عن ابن عباس بأن الطلاق الذي كان الناس يوقعونه واحدة في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر اعتادوا إيقاعه بعد ذلك ثلاثا، ويشهد لهذا قول عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة. الخ.

ونوقش بأنه تأويل يخالف الواقع في العهود الثلاثة الأولى، فإن الطلاق ثلاثا جملة قد وقع فيها من الصحابة كما تقدم في حديث محمود بن لبيد، وحديث اللعان، وكما يأتي في حديث ركانة، وأيضا يمنع منه ما ورد في بعض روايات الحديث من أنها جعلت واحدة أو ردت إلى الواحدة (2).

وأجيب ثالثا: بحمل الحديث على غير المدخول بها بدليل ذكر ذلك في الرواية الأخرى، فإن الزوج إذا قال لها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، بانت بالأولى، فكانت الثلاث واحدة، ونوقش هذا ولم يزل ماضيا، ولم يتقيد بعهد ولا زمان، وما نحن فيه تغير حكمه في أيام عمر رضي الله عنه عما كان عليه قبل، وقد وجه بعضهم الجواب بتوجيه آخر، وهو أن زوجها إذا قال لها: أنت طالق ثلاثا بانت بقوله أنت طالق، ولغي قوله: ثلاثا، ونوقش بأنه كلام متصل، فكيف يفصل بعضه من بعض ويحكم لكل بحكم؟

ونوقش أصل الجواب بأن حديث طاوس نفسه عن ابن عباس مطلق ليس فيه ذكر لغير المدخول بها، وجواب ابن عباس في الرواية الأخرى وارد على سؤال أبي الصهباء عن تطليق غير المدخول بها ثلاثا، فخص ابن عباس غير المدخول بها ليطابق الجواب السؤال، ومثل هذا ليس له مفهوم مخالفة (3).

وأجيب رابعا: بأن جعل الثلاث واحدة لم يكن عن علم منه صلى الله عليه وسلم ولا عن أمره وإلا ما استحل ابن عباس أن يفي بخلافه.

ونوقش بأن جماهير المحدثين على أن ما أسنده الصحابي إلى عهده صلى الله عليه وسلم له حكم، فإنه على تقدير أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم بذلك يستبعد أن يفعله الصحابة وهم خير الخلق، ولا يعلمه صلى الله عليه وسلم والوحي ينزل، ثم كيف يستمر العمل من الأمة على خطأ في عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر، والأمة معصومة من إجماعها على الخطأ (4).

وأجيب خامسا: يحمل الحديث على صورة تكرير لفظ الطلاق، فإنه يعتبر واحدة مع قصد التوكيد،

(1) ص - من البحث.

(2)

ص - من البحث.

(3)

ص - من البحث.

(4)

ص - من البحث.

ص: 156

وثلاثا مع قصد الإيقاع، وكان الصحابة خيارا أمناء فصدقوا فيما قصدوا، فلما تغيرت الأحوال وفشا إيقاع الثالث جملة بلفظ واحد ألزمهم عمر الثلاث في صورة التكرار إذ صار الغالب عليهم قصدها.

ونوقش بأن حمل الحديث على ذلك خلاف الظاهر، فإن الحكم لم يتغير في صورة التكرار فيما بعد عما كان عليه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر، بل الأمر لم يزل على اعتباره واحدة في هذه الصورة عند قصد التوكيد، ومن ينويه لا يفرق بين بر وفاجر، وصادق وكاذب، ومن لا ينويه في الحكم لا يقبل منه مطلقا برا أم فاجرا، وأيضا قول عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة - إلخ يرد حمل الحديث على هذه الصورة، فإن معناه أن الناس استعجلوا فيما شرعه الله لهم متراخيا بعضه عن بعض رحمة منهم بهم، فأوقعوه بلفظ واحد، فهذا يدل على أن لفظ الثلاث في الحديث مراد به جمع الثلاث دفعة، وإن كان في نفسه محتملا (1).

وأجيب سادسا: بمخالفة فتوى ابن عباس لروايته، فإنه لم يكن ليروي حديثا ثم يخالفه إلى رأي نفسه؛ ولذلك لما سئل أحمد بأي شيء تدفع حديث ابن عباس قال برواية الناس عنه من وجوه خلافه، ونوقش بأن الصواب من القولين في مخالفة الراوي لروايته أن الحديث الصحيح المعصوم لا يترك لمخالفة رواية، وهو غير معصوم، إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث أو أنه لا يحضره الحديث وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على المسألة التي خالفه فيها أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا له في الواقع، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه، لثقته به واعتقاده أنه إنما خالفه لدليل أقوى منه، وعلى هذا الأصل بنى المالكية والشافعية والحنابلة فروعا كثيرة حيث قدموا العمل برواية الراوي على فتواه، وأيضا كما نقل عن ابن عباس إمضاء الثلاث، وروى عنه اعتبار الثلاث مجموعة طلقة واحدة، وإذا تعارضت الروايتان عدل عنهما إلى الحديث، لكن هذه المناقشة مردودة بأمرين: الأول أن رواية الراوي إنما تقدم على قوله إذا كانت صريحة أو ظاهرة في معنى قال بخلافه، وإلا قدم قوله؛ لأنه يدل على أن الاحتمال الذي خالفه قوله غير مراد من الحديث، وحديث ابن عباس هنا محتمل أن يكون في الطلاق ثلاثا بلفظ واحد، وأن يكون مفرقا كما في الصورة التي في الجواب الخامس عن الحديث، فدلت فتواه على إرادة صورة التفريق لا صورة الاجتماع، الثاني: أن ما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة أن ابن عباس قال: إذا قال أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة، معارض بما رواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة أن ذلك من قول عكرمة لا من قول ابن عباس، ورواية إسماعيل مقدمة لموافقته الثقاة في أن ابن عباس يجعلها ثلاثا لا واحدة (2).

وقد يقال في الأمر الأول: إن لفظ الطلاق الثلاث في الحديث ظاهر فيها مجموعة، وإلا لم يقل عمر رضي الله عنه إن الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، إلخ - اعتذارا منه في الحكم على خلاف ظاهره، وبه اعتذر ابن عباس وغيره في إمضاء الثلاث، وقد سبق الكلام في هذا عند مناقشة الجواب عن الحديث

(1) ص - من البحث.

(2)

ص - من البحث.

ص: 157

بالنسخ.

ويقول في الأمر الثاني: أنه لا مانع من ثبوت القول بجعل الثلاث، بلفظ واحد عن كل من ابن عباس وعكرمة، وعلى تقدير تعارض الروايتين بالنفي والإثبات، فالمثبت مقدم على النافي، على أن حماد بن زيد أثبت في أيوب من كل من روى عن أيوب كما قال يحيى بن معين، فيقدم على إسماعيل بن إبراهيم (1).

وأجيب سابعا: بأن المراد بالطلاق الثلاث في الحديث لفظ ألبتة لاشتهارها في الثلاث عند أهل المدينة، فرواه بعض رواته بالمعنى فعبر بالثلاث بدلا من ألبتة، وفي هذا جمع بين الروايات، وكان يراد بها واحدة كما أراد بها ركانة، فلما تتابع الناس في إرادة الثلاث بها ألزمهم إياها عمر رضي الله عنه ونظيره زيادته الضرب في شرب الخمر حين تتابع الناس فيه (2).

وقد يقال: إن هذا تأويل على خلاف الظاهر بلا دليل، وأيضا تقدم في كلام الشافعي أن كلمة ألبتة مستحدثة (3).

وعلى ذلك لا يجوز حمل لفظ الطلاق الثلاث في الحديث عليها.

وأجيب ثامنا: بأنه حديث شاذ؛ لانفراد طاوس به عن ابن عباس، وانفراد الراوي بالحديث - وإن كان ثقة - علة توجب التوقف فيه إذ لم يرو معناه من وجه يصح (4).

ونوقش بأن مجرد انفراد الثقة برواية الحديث ليس علة توجب رده أو التوقف، ولا يسمى هذا شذوذا عند علماء الحديث إنما الشذوذ يكون علة في رد الحديث، هو أن يخالف الثقة الثقاة مخالفة لا يمكن معها الجمع ولم يخالف طاوس في رواية هذا الحديث أحدا من الرواة الثقاة، عن ابن عباس في هذا الموضوع، وإنما وقعت المخالفة بين ما رواه وما أفتى به، وقد مضى الكلام في ذلك (5)، لكن لقائل أن يقول: إن استمرار العمل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر بجعل الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة وتغيير عمر، لذلك على علم من الصحابة مما تتوفر الدواعي على نقله، فنقله آحادا يوجب رده، اللهم إلا أن يحمل الحديث على ما تقدم من أن الطلاق كان على وجه التكرار مع قصد التأكيد، أو قد كان بلفظ ألبتة فاختلف الحكم فيه باختلاف النية (6).

وقد يناقش ألا يراد بمنع أن يكون ما ذكره مما تتوفر الدواعي على نقله، وأنه على تقدير أن يكون من

(1) تهذيب التهذيب.

(2)

ص - من البحث.

(3)

ص - من البحث.

(4)

ص - من البحث.

(5)

ص - من البحث.

(6)

ص - من البحث.

ص: 158

ذلك، فللمستدل أن يقول: إن الحديث قد اشتهر نقله وصح سنده ولم يجرؤ أحد على تكذيبه أو تضعيفه بوجه يعتبر مثله كما اشتهر نقل مخالفة فتوى عمر وابن عباس لظاهره، ويشهد لهذا اشتغال العلماء سلفا وخلفا بالأمرين، فبعضهم يؤول الحديث ليتفق مع الفتاوى، وبعضهم يذهب إلى بيان وجه مخالفة الفتاوى له ويبقيه على ظاهره، ويعتذر عن الفتوى بخلافه، وبعضهم يعارضه بفتوى ابن عباس ويقدم العمل بها عليه، إلى غير هذا مما يدل على شهرة النقل للأمرين، وعلى تقدير عدم الشهرة فكم من أمر تتوفر الدواعي على نقله قد نقل آحادا وعمل به جمع من أئمة الفقهاء ورده آخرون بهذه الدعوى.

وأجيب تاسعا: بأن الحديث مضطرب سندا ومتنا، أما اضطراب سنده فلروايته تارة عن طاوس عن ابن عباس، وتارة عن طاوس عن أبي الصهباء عن ابن عباس، وتارة عن أبي الجوزاء عن ابن عباس، وأما اضطراب متنه فإن أبا الصهباء تارة يقول: ألم تعلم أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة؟ وتارة يقول: ألم تعلم أن الطلاق الثلاث كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدر من خلافة عمر واحدة.

ونوقش بأن الاضطراب إنما يحكم به على الحديث إذا لم يمكن الجمع ولا الترجيح وكلاهما ممكن فيما نحن فيه، فإن الرواية عن أبي الجوزاء وهم فيها عبد الله بن المؤمل، حيث انتقل في روايته الحديث عن ابن أبي مليكة من أبي الصهباء إلى أبي الجوزاء، وقد كان سيء الحفظ فلا تعارض بها رواية الثقاة عن أبي الصهباء، وأما روايته عن طاوس عن ابن عباس وعن طاوس عن أبي الصهباء وعن ابن عباس فكلاهما ممكن فلا تعارض ولا اضطراب، وأما اختلاف المتن فتقدم بيان الجمع بين الروايتين فلا اضطراب (1).

وأجيب عاشرا: بمعارضته بالإجماع والإجماع معصوم فيقدم، وقد تقدمت مناقشة ذلك (2) ومن السنة أيضا ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن سعد بن إبراهيم، حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: «طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني المطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا، قال: فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم " كيف طلقتها "؟ قال طلقتها ثلاثا، قال فقال: " في مجلس واحد " قال: نعم، قال: " فإنما تلك واحدة فأرجعهما إن شئت " قال: فراجعها (3)» فكان ابن عباس يرى الطلاق عند كل طهر، وقد صحح الإمام أحمد هذا الإسناد، واستدل بما روي به في رد ابنته صلى الله عليه وسلم على زوجها ابن أبي العاص بالنكاح الأول وقدمه على ما يخالفه فهو حجة ما لم يعارضه ما هو أقوى منه، فكيف إذا عضده نظيره أو ما هو أقوى منه، ودلالة متنه ظاهرة في اعتبار الطلاق ثلاثا في مجلس واحد واحدة.

ونوقش بأن المراد بالطلاق الثلاث في الحديث لفظ ألبتة لاشتهارها في الثلاث عند أهل المدينة فرواه بعض

(1) ص - من البحث.

(2)

ص - من البحث.

(3)

سنن أبو داود الطلاق (2196)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 265).

ص: 159

رواته بالمعنى فعبر بالثلاث بدلا من ألبتة، وفي هذا جمع بين الروايات وكانت يراد بها واحدة أولا، فلما تتابع الناس في إرادة الثلاث ألزمهم إياها عمر رضي الله عنه، ونظيره زيادة الضرب في شرب الخمر ونحوه، مما تغير فيه الحكم لتغير أحوال الناس، وقد تقدم هذا في الجواب السابع عند الاستدلال بحديث طاوس عن ابن عباس في جعل الثالث المجموعة واحدة مع مناقشته.

ونوقش أيضا: بأن لفظ طلقتها ثلاثا يحتمل أن يكون بلفظ واحد، وأن يكون مفرقا وأجيب بأن احتمال تفريقه خلاف الظاهر، لقوله في الحديث في مجلس واحد، والغالب فيما كان كذلك أن يكون بلفظ واحد.

ونوقش أيضا بمعارضته للإجماع، وقد تقدم مناقشة الإجماع عند الكلام على الاستدلال به على إمضاء الثلاث.

ونوقش أيضا بمعارضته لحديث نافع بن عجير في إمضاء ثلاثا، وأجيب بترجيح هذه الرواية على رواية نافع بن عجير لسلامتها وضعف نافع، وقد سبق شرح ذلك إلى غير هذا من المناقشات التي سبقت عند الإجابة عن الاستدلال بحديث ابن عباس في اعتبار الثلاث واحدة.

ومن السنة أيضا حديث بعض بني أبي رافع عن عكرمة عن ابن عباس «أن يزيدا أبا ركانة وإخوته طلق أم ركانة وتزوج امرأة أخرى فشكت ضعفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بطلاقها فطلقها، وقال له " راجع أم ركانة " فقال: إني طلقتها ثلاثا، فقال: " قد علمت راجعها (1)» ، وقد سبق نص الحديث مع مناقشته.

ومن السنة أيضا حديث ابن عمر وفيه أنه طلق امرأته ثلاثا وهي حائض فردها النبي صلى الله عليه وسلم إلى السنة، ورد أولا: بأن رواة هذا الحديث شيعة، وثانيا: بأن في سنده ظريف بن ناصح وهو شيعي لا يكاد يعرف، وثالثا: مع ما ذكر مخالف لما رواه الثقات الأثبات: أن ابن عمر طلق امرأته في الحيض تطليقه واحدة، فهو حديث منكر (2).

واستدلوا بالإجماع، قالوا: إن الأمر لم يزل على اعتبار الثلاث بلفظ واحد واحدة، إلى ثلاث سنين من خلافة عمر.

ويمكن أن يجاب بما ورد من الآثار عن بعض الصحابة من أن الثلاث بلفظ واحد تمضي ثلاثا (3) وقد سبق ذكرها في استدلال من يقول بإمضاء الثلاث لكن للمستدل أن يقول: إن الآثار التي وردت فيها الفتوى بخلاف هذا الدليل بدأت في عهد عمر بضرب من التأويل، يدل على تأخير بدئها ظاهر حديث طاوس

(1) سنن أبو داود الطلاق (2196).

(2)

ص - من البحث.

(3)

ص - من البحث.

ص: 160

عن ابن عباس، وقد تقدم مع المناقشة.

واستدلوا بالقياس، قالوا: كما لا يعتبر قول الملاعن، وقول الملاعنة: أشهد بالله أربع شهادات - بكذا، أربع شهادات، لا يعتبر قول الزوج لامرأته: أنت طالق ثلاثا بلفظ واحد ثلاث تطليقات، وكذا كل ما يعتبر فيه تكرار القول أو الفعل من تسبيح وتحميد وتكبير وتهليل وإقرار.

ونوقش بأنه قياس مع الفارق، للإجماع على اعتبار الطلقة المفردة في الطلاق، وبينونة المعتدة منها بانتهاء العدة، وعدم اعتبار الشهادة الواحدة من الأربع في اللعان (1).

وللمستدل أن يقول: هذا الفارق مسلم، ومعه فوارق أخرى بينهما، انفرد كل من الطلاق واللعان بشيء منها، لكنها ليست في مورد قياس المستدل هنا، فإنه وارد فيما يعتبر فيه تكرار الفعل أو القول، ولا يعتد فيها بالاكتفاء بذكر اسم العدد، وليس من شرط سلامة القياس اشتراك المقيس والمقيس عليه في جميع صفاتها، بل إن اعتبار هذا لا يتأتى معه قياس؛ لأن كل شيئين لا بد أن ينفرد كل منهما عن الآخر بخاصة أو خواص، وإلا كان عينه.

واستدلوا بما روي من الآثار في الإفتاء بذلك عن ابن عباس وعلي وابن مسعود والزبير وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم من الصحابة ومن بعدهم (2).

ونوقش بأن ما روي من ذلك عن طاوس عن ابن عباس مردود؛ فإن لطاوس عن ابن عباس مناكير منها روايته هذه الفتوى عن ابن عباس، وأجيب بأن طاوس بن كيسان قد وثقه ابن معين، وسئل أيهما أحب إليك طاوس أم سعيد بن جبير؟ فلم يخير بينهما، وقال قيس بن سعد: كان طاوس فينا مثل ابن سيرين بالبصرة، وقال الزهري: لو رأيت طاوسا علمت أنه لا يكذب، وروى له أصحاب الكتب الستة في أصولهم (3).

فعلى من ادعى روايته للمناكير عن ابن عباس أن يثبت ذلك بشواهد من رواياته عنه في غير هذه المسألة، أما فيما رواه في هذه المسألة فهو مجرد دعوى في محل النزاع، وما ذكر من مخالفة غيره له في هذه المسألة، فغايته أن يكون لابن عباس فيها قولان، روى كل من الفريقين عنه قولا منهما، ولذلك قد تم رجوعه عنها على تقدير صحة روايتها، ثم أن عكرمة تابع في روايته هذا الأثر عن ابن عباس، وهو من رجال السنة.

ونوقش بأن رواية حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس معارضة برواية إسماعيل بن إبراهيم

(1) ص - من البحث.

(2)

ص - من البحث.

(3)

تهذيب التهذيب.

ص: 161