الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنجلترا
الحديث عن المساجد في إنجلترا واحتياجاتها ومشاكلها، يقتضينا أن نتحدث عن المسلمين في إنجلترا والظروف التي يعيشون فيها، ذلك لأنهم هم الذين أقاموا المساجد، والمشاكل التي تعترضهم هي إلى حد ما مشاكل المساجد وقدرتها على أداء رسالتها.
يبلغ عدد المسلمين في إنجلترا بين ثلاثة أرباع المليون والمليون، أغلبهم نزح من دول الكومنولث البريطاني وخاصة من شبه القارة الهندية، باكستان وبنجلادش والهند، ومسلمو إنجلترا النازحون من شبه القارة الهندية يشكلون تسعين في المائة من المسلمين بها والعشرة في المائة الباقية موزعة بين الجنسيات الأخرى، ولا يوجد جاليات مسلمة من أصل عربي مستقرة هناك. . إلا جماعات من اليمن بقسميه
نزحوا أساسا جريا وراء الرزق والعمل على السفن الإنجليزية التي كانت تمر بعدن، ولهذا تجد هذه الجماعات اليمنية تستوطن المدن الساحلية والصناعية مثل: كارديف عاصمة مقاطعة ويلز، وليفربول وساوث شيلد وجلاسجو وشيفيلد وبرمنجهام، وقد لوحظ أن كل جماعة يمنية تستقر في مدينة ما من مدن إنجلترا يجاورها جماعة صومالية تتناول نفس الأعمال التي يقوم بها اليمنيون إلا أن عددهم أقل، وبعد أن أصبحت الصومال عضوا في الجامعة العربية يمكن أن نقول إجمالا: إن البلاد العربية التي يوجد منها جاليات مستقرة بإنجلترا هي اليمن والصومال
ونستطيع أن نقول بغير استثناء: إن المسلمين النازحين إلى إنجلترا سواء كانوا من شبه القارة الهندية أو من غيرها من البلدان الإسلامية. . هم من الطبقة العاملة المحدودي الثقافة: أو إن أردت الدقة فإن هذه هي السمة الغالبة عليهم لما هاجروا إلى إنجلترا في أول الأمر، إلا أنه بعد أن استقرت هذه الجاليات سنوات ووفد عدد من أهليهم للدراسة، رأوا أن يستقروا في إنجلترا بعد أن أتموا دراساتهم وأصبح يوجد حاليا الطبيب المسلم، والمحاسب المسلم، والمهندس المسلم، والمعلم المسلم، ورجل الأعمال المسلم، وقد لوحظ في السنوات السبع الأخيرة أن عددا من الأطباء العرب وخاصة من مصر هاجروا إلى هذه البلاد بقصد الدراسة ثم مددوا إقامتهم لعدة سنوات أغراهم بذلك توفر الآلات الحديثة وتوفر الرعاية الصحية والاجتماعية، إذ توفر لهم المستشفيات التي يعملون بها مساكن مريحة كاملة الاستعداد بأجور رمزية. . وفي الوقت نفسه يتقاضون مرتبات سخية بالنسبة لما يتقاضونه في بلادهم.
وقد ترتب على استقرار هذه الجاليات الإسلامية في تلك البلاد أن وجدت محلات إسلامية تبيع لهم اللحوم والأشياء التي ألفوها في بلادهم، ويدخل في ذلك المطاعم الهندية والباكستانية التي تقدم لهم اللون الذي يحبونه.
كانت الهجرة من البلاد الإسلامية إلى إنجلترا مع مطلع هذا القرن إلا أنها لم تتخذ طابع الاستقرار والإقامة، ونمت قليلا أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، وفي خلال وعقب الحرب العالمية الثانية اتسع نطاق هذه الهجرة بشكل ملحوظ وخاصة بعد أن نالت دول الكومنولث استقلالها وأصبح من حق
مواطني دول الكومنولث أن يعيشوا بين الإنجليز في بلادهم وأن يكون لهم من الحقوق ما لهم على الأقل من وجهة النظر القانونية، وإن كان الواقع الممارس يفرق بين أهل البلاد الأصليين وبين الوافدين إليها من الخارج
واتسع نطاق هذه الهجرة أكثر وأكثر في السنوات العشر الأخيرة، وقد وضعت بعض القيود في العامين الأخيرين كمحاولة لصد تيار الهجرة الجارف، وتعالت أصوات كثير من الإنجليز بالدعوة إلى إعادة هؤلاء المهاجرين إلى بلادهم وسواء وجدت هذه الدعوة استجابة أو لم تجد. . فإن الجماعات الإسلامية قد استقرت هناك إلى ما شاء الله وأصبح لها وضعها وكيانها، وأخذت من يوم لآخر تتقدم بطلباتها إلى المسئولين باعتبارهم مواطنين يحق لهم أن يمارسوا نشاطهم الديني حسب عقيدتهم ودينهم، وأن يكون لهم من العادات والتقاليد ما تقبله عقيدتهم حتى وإن اختلف مع تقاليد وعادات المجتمع الذي يعيشون فيه.
ولا شك أن عددا كبيرا من المسلمين قد تأثر بما هو سائر في المجتمع الإنجليزي وتابعه ونسي تقاليده وعقيدته وأخلاقه، إلا أن الحقيقة الواقعة أنه بجانب ذلك قد أقبلت مجموعات من الإنجليز الأصلاء على اعتناق الإسلام، وتطبيق منهجه في الحياة والسير على هداه سواء وافق ذلك تقاليد المجتمع الإنجليزي أو لم يوافق.
حدث في السنوات الأخيرة إقبال عدد من الإنجليز على اعتناق الإسلام، ولهذه الظاهرة عدة أسباب أولها: أن الإنجليزي والأوروبي بوجه عام لم يجد في تعاليم الكنيسة ما يلبي حاجاته الروحية ويحقق له الأمن والاطمئنان النفسي الذي يتطلع إليه صاحب النفس المؤمنة، فهو وإن تحقق له من وسائل الحياة المادية ما يلبي رغبات حياته ويجعلها إلى حد ما هادئة مستقرة إلا أنه مع ذلك كله شعر بخواء روحي شديد جعل حياته يستبد بها القلق، ويعكر صفوها عدم الاطمئنان، فإذا ذهب إلى الكنيسة يتلمس فيها مخرجا من الحيرة التي تنتابه لم يجد عندها إلا رسوما وطقوسا وكلمات ميتة لم تمس قلبه ولم تحرك أشواق نفسه فانصرف عن الكنيسة يائسا حزينا ولم يعد يربطه بها إلا أمور ثلاثة: التعمير والزواج والموت، وكانت النتيجة أن انصرف أغلب الناس عن الكنيسة وأخذوا يتطلعون إلى شيء جديد يملأ الفراغ الذي يشعرون به وساعد على ذلك روح الحرية التي كفلتها لهم القوانين، فانصرف بعضهم إلى القراءة والبحث، وبعضهم إلى الملاحظة والاستقراء، وتهيأ لبعضهم أن يخالط المسلمين، إما في بلادهم وإما في قاعات الدرس في ساحة الجامعات، كل ذلك أعطاهم فرصة للبحث والدراسة والمقارنة وكثير منهم يرى وسائل الحياة المادية ميسرة له محيطة به، ولكنه لا يحس طعم السعادة التي يرى المسلم العادي الفقير المحروم من أغلب وسائل الحياة المدنية يشعر بها، وتضفي الأمن والرضى على نفسه، فجعله ذلك يفكر ويبحث، وبذلك اهتدى عدد لا بأس به إلى الإسلام وأقبلوا عليه لأنهم وجدوا
فيه السلام النفسي والذي ينشدونه، وأصبح من المألوف الآن إذا ترددت على المسجد في لندن أو أحد المساجد الأخرى أن ترى شخصا أو أشخاصا من الإنجليز يقفون لله خاشعين وكثير منهم يتسابق على أداء الأذان في أوقات الصلوات حتى يملأ بكلمات الله سمعه وبصره وقلبه وجوارحه.
وقد لوحظ أيضا أن المقبلين على الإسلام من الإنجليز يمثلون كل المستويات الفكرية والاجتماعية فمنهم الأستاذ في الجامعة، ومنهم الطالب ومنهم رجل الأعمال، ومنهم الكاتب وصاحب الحرفة، والرجل والمرأة والشاب والفتاة
وما يتصل بهذه الظاهرة أن القائمين على أمر الثقافة والتوجيه الديني لم يجدوا، مفرا من أن ينظموا دراسات ومحاضرات في مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم وكنائسهم تتحدث عن الإسلام وتعرض مثله وعقائده يحضرها عدد كبير كلهم من الشباب، وقد رأوا أن من الخير لهم أن تنظم هذه الدعوات تحت إشرافهم حتى لا يفلت الزمام من أيديهم.
ومن المألوف الآن أن تجد في كل مدرسة ثانوية قسما للدراسات الدينية يقوم عليه أحد الأساتذة بالمدرسة أو المعهد ويقدم لهم دراسات عن كل دين ثم يدعون متحدثا من أهل الدين ذاته يحدثهم عن الإسلام إن كان مسلما وعن غيره إن كان غير مسلم، وعادة ما يعقب هذه المحاضرات أسئلة تعكس رغبة الشباب في المعرفة وتطلعهم إلى الوقوف على ما يدور من حولهم من مبادئ وعقائد وفلسفات، وبالطبع فإن ما يعقب هذه المحاضرات. . يكشف عن مدى الأثر الذي أحدثته إذ يتلقى المركز الإسلامي عددا من الرسائل تسأل عن كتب تتحدث عن الإسلام وعقيدته.
وقد لوحظ أيضا أن جانب العقيدة في الإسلام هو الذي يتطلع السائلون إلى معرفته وأن الجانب الروحي فيه هو الذي يحظى بالاهتمام والدراسة أكثر من غيره.
والذي أحب أن أنبه عليه هنا أنه على الرغم من وجود هذه الظاهرة بين الإنجليز وجذب الإسلام لعدد منهم، فإن كثيرا من المسلمين الوافدين الذين اتخذوا من بلاد الإنجليز لهم دارا، قد ذهبت صلتهم بالإسلام وشغلتهم الحياة فانساقوا يقلدون الإنجليز في أسلوب حياتهم وانعكس ذلك الأثر السيئ على أولادهم فلم يبق لهم من الإسلام إلا أسماؤهم، وهذا ما يدعونا إلى العمل الجاد للبحث عن وسيلة نحمي بها أمثال هؤلاء من الضياع الذي يتهددهم، ويحفظ على الأجيال الناشئة منهم دينهم وعقيدتهم بربطهم بثقافتهم ومثلهم وأخلاقهم وهذا يدعونا أن نتحدث عن المشاكل التي تواجه المسلمين في إنجلترا.
إننا نجد المسلم في هذه البلاد يواجه بلون من الحياة تختلف كل الاختلاف عما عهده في بلاده ويضطر إلى الحياة في مجتمع له من المثل والأخلاق والتقاليد والعقائد ما يقف على طرف النقيض من مثله وأخلاقه وعقائده ويصاب لهذا بنوع من الضيق والحيرة ويحاول البحث عن مخرج من هذه الصعوبات وبعضهم لا يلبث أن يتغلب على ما يواجه من عقبات ويشق طريقه ويحتفظ بدينه ومثله وأخلاقه، إلا أن كثيرا منهم تأخذ بلبه المغريات، ويؤثر الحياة السهلة على المشقة في تحقيق نموذج يتفق مع عقيدته ويستنيم إلى الراحة، فيجرفه التيار ويخوض مع الناس فيما يخوضون فيه ويشاركهم في تفكيرهم وطعامهم وشرابهم ومنهج حياتهم، ولا فرق بينه وبينهم إلا في لون بشرته واسمه إن آثر الاحتفاظ به
والصعوبات التي تعترض المسلم ويمكن أن نسميها مشاكل هي: الطعام والشراب. . التعليم والتربية. . المساجد والوسائل التي تعين على القيام بواجباته الدينية
والصعوبة الأولى هي أقلها إذ تلبث الجماعات الإسلامية أن أنشأت لنفسها أماكن تشتري منها ما تحتاجه من طعام وشراب لا يحرمه الإسلام فأنشئت المتاجر والمجازر والمطاعم للإيفاء بهذا الغرض وساعد على سهولة التغلب على هذه الصعوبة أن العمل فيها يدر على القائمين به ربحا وفيرا، إلا أن كثيرين منهم نسي الهدف الديني من عمله واهتم بجانب المنفعة المادية، وحرصا منه على زيادة الربح استباح لنفسه أن يقدم في مطعمه المشروبات المحرمة، فإذا ما لفت نظره إلى ذلك العمل الذي لا يتفق مع الإسلام انتحل لنفسه المعاذير بأنه يعيش في مجتمع غير إسلامي ويأتيه أناس غير مسلمين يرغبون في هذا الشراب، وواضح أنها مجرد معاذير يقدمها لك حتى تكف عنه - وهذه ولا شك ظاهرة مؤسفة.
التعليم هو مشكلة المشاكل التي تواجه النشء الجديد في إنجلترا حيث يذهب الطفل إلى المدرسة من سن الخامسة ويتلقى منذ البداية فيما يتلقى التعاليم المسيحية وتراثها مع مجموعة الأطفال الآخرين والمدرسة تقدم للأطفال هذه التراتيل تلقائيا لأنه جزء من منهاجها، وتزيد المدارس التابعة للكنيسة أن تأخذ الأطفال إلى الكنيسة مباشرة ولا تتسامح مدارس الكنيسة في الإعفاء من الذهاب إلى الكنيسة، والأب السعيد هو الذي يتنبه إلى الأمر منذ البداية فيستطيع أن يحول بين طفله وبين الانتساب إلى مدارس الكنيسة، ويقدم لطفله منذ اللحظة الأولى المعلومات التي تشعره أنه مسلم وأن ما يقوله الإنجليز لأبنائهم غير ما نقوله نحن لأبنائنا، ومن حق الأب المسلم في مدارس
الحكومة أن يمنع طفله من المشاركة في درس التراتيل الدينية، إلا أن قليلا منهم هو الذي يتنبه إلى هذا الأمر منذ البداية
وإحساسا بالخطر الذي يترتب على الذهاب إلى المدرسة وهو أمر لا مفر منه. . بدأ التفكير في إنشاء فصول لتعليم أولاد المسلمين مبادئ دينهم وتلقينهم آيات من القرآن الكريم، وتدريبهم على الصلوات. . إلى جانب الأمور الأخرى اللازم معرفتها، وقد قامت عدة من المؤسسات الإسلامية بمباشرة هذا اللون من التعليم حماية للنشء من التعرض لزلزلة العقيدة الذي يترتب على ترك الطفل بدون توجيه منذ البداية.
ويدير المركز الإسلامي مجموعة من الفصول الدراسية في أحياء لندن المختلفة وضواحيها بالتعاون مع الجمعيات الإسلامية المحلية، واستطاعت بعض المنظمات الإسلامية أن تبعث ببعض المدرسين إلى عدد من المدارس لتعليم أبناء المسلمين إلا أن قصر الوقت المسموح به لا يعطي النتيجة المرجوة من هذا العمل، وسواء كانت الدراسة في آخر الأسبوع أو في آخر النهار بعد انتهاء اليوم الدراسي، أو قبيل وبعد وقت الدراسة في المدارس. . فإن هذه الدراسة لا تفي بالغرض المرجو، وإنما هي خطوة حتى نتمكن من إدارة وإنشاء مدارس إسلامية خالصة.
وتحقيق هذا ممكن إداريا وفنيا إذا تضافرت جهود الهيئات الإسلامية في العالم العربي على إبرازه للوجود وتقديم خدمة لأبناء المسلمين في إنجلترا وفيما سواها من البلاد التي بها أقليات إسلامية وتواجه ظروفا مماثلة، وحسبنا أن نعلم أن القانون البريطاني يسمح بإقامة مدارس خاصة للجاليات، وإذا ما استطاعت الجالية أن تقدم المكان المناسب ليكون مدرسة فإن وزارة التربية تتحمل ثمانين في المائة من النفقات التي يحتاجها البناء والموظفون والأدوات، ولو رأت الرابطة أن تتبنى مثل هذا المشروع وتدعو المؤسسات الإسلامية الأخرى في العالم العربي والإسلامي إلى المشاركة فيه. . فإنها وإياهم سيحمون الجيل الجديد في بلد مثل إنجلترا من الابتعاد عن دينه وأخلاقه، والأمر سهل بالنسبة للتنفيذ إذا ما أمكن أن توجد الأماكن الصالحة، فإن المدرسة تقدم المنهج الذي تقدمه مدارس الحكومة الإنجليزية مضافا إليه اللغة العربية والدين الإسلامي عقيدته وعبادته وأخلاقه وتاريخه وحضارته، وتحت يدي منهج معد قدم لمجلس سفراء الدول الإسلامية في لندن سنة 1970 وقدمت نسخة منه للأمانة العامة لوزراء خارجية الدول الإسلامية بجدة ويمكن تقديم نسخة منه عند الطلب، وإذا استطعنا أن نفعل شيئا جديا في هذا الحقل فإنا سنحفظ على الأجيال المسلمة القادمة في هذه البلاد دينها وعقيدتها
ما أن استقر المسلمون في المناطق التي يعيشون فيها اندفعوا بوحي من الإحساس بالخطر في تأليف جمعيات إسلامية تمثل المسلمين في المنطقة وكان الهدف الرئيسي من تأليف هذه الجمعيات أن
تتعاون على تحقيق هدفين: الأول إيجاد مكان للصلاة يتخذ مسجدا بصورة من الصور ويلحق به الاستعدادات الخاصة بالوضوء وما يلزم المسلم عمله إذا تعرض لحدث سعيد أو مؤلم كالزواج والموت، وهما من طبيعة الحياة. . ولهذا تألف عدد من الجمعيات بعدد الأحياء التي يعيش فيها مسلمون وكثيرا ما تحمل هذه الجمعيات أسماء البلاد التي وفد منها الأعضاء المؤسسون لها، وأخذت تستأجر بعض الأماكن أو تشتريها إن أمكنتها ظروفها المالية، وتباشر فيها الصلوات وتعلم فيها الأطفال، ومن المؤسف أن هذه الأماكن لم يتوفر فيها ما يجب توفره في المسجد من النظافة وحسن الاستعداد، ولا تلبث الجمعية أن تبحث عن شخص يؤم الصلاة ويعلم الأطفال والمحفوظ منهم هو الذي يعثر على شخص يحفظ القرآن وإن لم يفهم ما يعني، ولم يكن له دراية بالفقه وأمور التشريع وأهداف الإسلام ومناهجه، فما دام يحفظ القرآن ويطلق لحيته فهو إمام المسجد، وعلى هذا الأساس قام بالإمامة في عدد من المساجد جماعة كبيرة، ولا يلبث الخلاف أن ينشب بين أعضاء الجمعية تنازعا على الرئاسة وقد يأخذ الإمام جانبا دون جانب، ثم يضطر إلى ترك المكان، وقد يجدون شخصا آخر يؤم الصلاة وقد لا يجدون، وقد تنضب موارد الجمعية فتعجز عن أداء راتب الإمام فيضطر للبحث عن مكان آخر وهكذا دواليك. . ليس هناك تخطيط ولا إعداد، وإنما هو شيء خير من لا شيء.
ونظرا لضعف الموارد المالية وعدم الفهم الصحيح نشأت مجموعة من الناس تحترف الإمامة بالمساجد وتعيش عليها، وحسبها أن تؤم الصلاة وتقرأ القرآن أما شرح الإسلام للمسلمين وبيان مثله وآدابه وسلوكه فليس هناك ما يعين على تقديمه، وبالطبع فالعجز بالنسبة لتقديم الإسلام لغير المسلمين أو الإجابة على الاستفسارات التي تقدم أكثر وضوحا ويمكن أن يقال بوجه عام: إن المساجد في انجلترا تعاني من عدم الكفاءات الدينية التي تتولى الإمامة، وتعاني من الضعف المالي الذي يعجز القائمين عليها عن الوفاء بالتزامات المسجد، وقد يكون هذا سببا في النقص الأول أيضا، والمسجد في بلد مثل إنجلترا مطالب بأداء وظائف كثيرة إلى جانب وظيفته التقليدية، ولا يمكن أن يقوم بذلك إلا بوجود الإمام المستنير وهذا يدفعنا إلى أن نفكر جديا في وسيلة إعداد الدعاة إعدادا يتفق مع متطلبات العصر، ويجب أن ينطلق هذا التفكير من القائمين على التوجيه الديني في العالم الإسلامي، وإعداد تخطيط جديد لتخريج أفواج من الدعاة مزودين بزاد كاف من المعرفة ورحابة الأفق والقدرة على مواجهة الأحداث الجديدة بعقل مستنير ودين متين وخلق قويم وقلب متفتح نقي وإدراك واع لظروف الحياة من حولهم ويا حبذا لو اتخذت الخطوة الأولى في مؤتمرنا هذا.
هذا من ناحية الإمام وهو حجر الزاوية في نجاح المسجد، أما من ناحية الإدارة فإن الشعور بالمسئولية يدعونا أن نضع لها من الترتيبات والضمانات ما يحميها من الأهواء الشخصية ويرتفع بها فوق رغبات النفس وحب الرياسة
إنني وأنا أكتب هذا المعنى ويتمثل في خاطري الحالة المحزنة لمسجد نور الإسلام بكاديق وهو مسجد بناه المسلمون اليمنيون هناك منذ عام 1947 بأموالهم الخاصة وأقاموا من حوله خمسة منازل ينفق من ريعها على احتياجات المسجد، وظل الأمر مستقيما حتى دب الخلاف بين أفراد الجالية وتأثر المسجد وآلت المنازل للسقوط وصار المسجد مبنى متواضعا بين مجموعة من الخرائب تصد النفس عنه وتؤذي إحساس ذوي الخلق والدين، ولو كان هناك مؤسسة عامة ترعى شئون المساجد في إنجلترا لأمكن أن يتفادى مثل هذه الحالة المحزنة وهي مثل ينطبق على كثير غيره
وتفاديا لوقوع مثل هذه الأمور أقترح أن تنشأ لجنة ترعى شئون المساجد في إنجلترا يكون مقرها المركز الإسلامي بلندن، تتكون من مدير المركز وأعضاء من السفارات التي تقدم تبرعات للمساجد، وتقدم الدول المتبرعة الأموال إلى هذه اللجنة وتحال عليها الطلبات المقدمة للمساعدة، أو تقترح هي ما تراه، ويوكل إلى هذه اللجنة اتخاذ ما تراه من وسائل لحماية المساجد واختيار الأئمة الصالحين للقيام بمهمة الإمامة، وأعتقد أن هذا سيساعد كثيرا على تحسين أوضاع المساجد في إنجلترا ومساعدتها على تأدية رسالتها.
وتقوم اللجنة أيضا بالإشراف على النشاط الثقافي وتقديم التوصيات بما يصح أن يطبع ويوزع ولا بأس أن ينضم إلى اللجنة بعض الأفراد المعروفين بالاستنارة والنشاط والإخلاص والفهم من أعضاء الجالية.
هناك نقطة أخيرة ترتبط بحياة المسلمين في بلد كإنجلترا ويكون للإمام المستنير أثر فعال إذا ما استطاع أن يضمن معاونة بعض المؤسسات الإسلامية في تنفيذها: ذلك أن المسلمين الذين يعيشون في إنجلترا بحكم التزاماتهم الأسرية يبحثون كغيرهم في إقامة مساكن لهم ولأسرهم ويرغبون في شراء بعض المنازل، وليس أماهم إلا أن يتقدموا لشركات البناء كغيرهم من المواطنين لمعاونتهم، وبتقديمهم لشركة البناء فإنهم يقبلون شروطها التي تعني أن يقبلوا التعامل بالربا، وصورة التعامل هكذا: أن يذهب الراغب في الشراء إلى الجمعية ويبدي رغبته في شراء بيت معين يملك جزءا من ثمنه وتدفع له الشركة الباقي وتتقاضى منه شهريا مبلغا محددا لعدد من السنوات ويصل ما تسترده الشركة أضعاف ما دفعته، وهو مضطر أن يقبل وفي قبوله موافقة على التعامل بالربا ونستطيع أن نحمي المسلم من التعامل بالربا ونحقق لأصحاب رءوس الأموال منا ربحا حلالا، وذلك بأن ننشئ جمعية إسلامية للمباني تساعد المسلمين الذين يريدون شراء منازل على أن تكون الشركة شريكة للمشتري بنسبة ما تدفعه وما يسدد شهريا يعتبر جزء منه إيجارا لنصيبها والجزء الآخر يحتسب من الثمن، ويتفق على أن تؤول ملكية البيت كله إلى المشتري بعد فترة يتفق عليها وبذلك ينجو المسلم من التعامل بالربا وينمو مال صاحب الأموال نموا حلالا.
ومثل هذه الصورة: رجل الأعمال المسلم الذي يتعامل مع غيره ويحتاج أن يشتري صفقة قد يلجأ إلى البنك ليدفع عنه نظير ربح معين، فلو أنشأنا شركة أو بنكا إسلاميا يتعامل مع رجال الأعمال المسلمين على أن يكون التعامل على أساس الشركات التي اعترف بها الإسلام لأنشأنا مجالا للتعامل الإسلامي يشجع الكثيرين على العمل والكسب الحلال.
وصورة ذلك في الإسلام مأخوذة من أن يقدم صاحب المال ماله لصاحب الخبرة يعمل له فيه ويتقاسمان الربح حسب اتفاقهما.
نسأل الله أن يلهمنا الصواب والسداد والعمل بما يقتضيه الإسلام. . .
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} (1){وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} (2){وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (3){وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} (4){وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} (5)
صدق الله العظيم
(الآيات 19 - 23) سورة الحجر
(1) سورة الحجر الآية 19
(2)
سورة الحجر الآية 20
(3)
سورة الحجر الآية 21
(4)
سورة الحجر الآية 22
(5)
سورة الحجر الآية 23