المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المحتويات الافتتاحية خطبة عرفة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٧٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌حكم الإقامة عند القبر بالمدح والأذكار ثلاثة أيام

- ‌من بدع زيارة القبور

- ‌حكم زيارة النساء للقبور

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ صلة الرحم

- ‌ خضاب الرجل يديه ورجليه عند زواجه

- ‌ كيفية اختيار الزوجة

- ‌ راتبة الظهر

- ‌ حكم التسبيح بالمسبحة

- ‌ حكم الشرع في المرأة التي لا ترتدي الخمار

- ‌ حكم صبغ الشعر

- ‌ المرور أمام المصلي

- ‌ رفع اليدين أثناء الدعاء

- ‌ الدعاء بين إقامة الصلاة وتكبيرة الإحرام

- ‌ حكم قول المؤذن في أذانه حي على خير العمل

- ‌ تقبيل الإبهامين عند قول المؤذن (أشهد أن محمدا رسول الله)

- ‌ التذكير قبل صلاة الفجر

- ‌ حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الآذان وبعده

- ‌التوسل المشروع والممنوع

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: التوسل المشروع

- ‌النوع الأول: التوسل بأسماء الله وصفاته

- ‌النوع الثاني: التوسل بالأعمال الصالحة

- ‌النوع الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الصالح الحي:

- ‌المبحث الثاني: التوسل الممنوع:

- ‌النوع الأول: التوسل بوسيلة نص الشارع على بطلانها:

- ‌النوع الثاني: التوسل بوسيلة دلت قواعد الشرع على بطلانها:

- ‌أولا: الأدلة على منعه:

- ‌أولا: شبهاتهم فيما استدلوا به من القرآن

- ‌ثانيا: شبهاتهم فيما استدلوا به من السنة، ومن أقوال وأفعال الصحابة والتابعين

- ‌ثالثا: شبهاتهم من العقل:

- ‌الخاتمة:

- ‌الغلو في الدينمعناه، وتاريخه، وأسبابه

- ‌أولا: حد الغلو

- ‌حقيقة الغلو:

- ‌علاقة الغلو بالإفراط والتطرف:

- ‌الفرق بين التمسك بالنصوص والغلو:

- ‌ثانيا: تاريخ الغلو ونشأته عند المسلمين:

- ‌نشأة الغلو عند المسلمين:

- ‌علاقة نشأة الغلو عند المسلمين بالعقائد القديمة:

- ‌ثالثا: أسباب نشأة الغلو في الدين

- ‌الخاتمة:

- ‌الفتن والمخرج منها

- ‌تعريف الفتن:

- ‌أهمية تأكيد الفتنة:

- ‌فهم الرعيل الأول:

- ‌نماذج من الأشرار:

- ‌المخرج من الفتن:

- ‌التساؤلات:

- ‌قيمة الزمن في القرآن الكريم

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: مفهوم الزمن وأهميته

- ‌أولا: مفهوم الزمن

- ‌ثانيا: قيمة الزمن

- ‌ثالثا: عناية القرآن الكريم بالزمن

- ‌المبحث الثاني: القسم بالزمن في القرآن الكريم

- ‌أولا: القسم بالعصر

- ‌ثانيا: القسم بالفجر

- ‌ثالثا: القسم بالصبح

- ‌رابعا: القسم بالضحى

- ‌خامسا: القسم بالشفق

- ‌سادسا: القسم بالنهار

- ‌سابعا: القسم بالليل

- ‌ثامنا: القسم بالليالي العشر

- ‌تاسعا: القسم بيوم القيامة

- ‌عاشرا: القسم بالعمر

- ‌المبحث الثالث: الأزمان الفاضلة في القرآن الكريم

- ‌ثالثا: شهر رمضان

- ‌رابعا: ليلة القدر

- ‌خامسا: أيام التشريق

- ‌سادسا: يوم الجمعة

- ‌سابعا: وقت السحر

- ‌الخاتمة:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ‌المحتويات الافتتاحية خطبة عرفة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن

‌المحتويات

الافتتاحية

خطبة عرفة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ 7

الفتاوى

من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 37

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 49

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ 67

من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية الإفتاء 85

ص: 4

البحوث

التوسل المشروع والممنوع لفضيلة الدكتور / عواد بن عبد الله المعتق 109

الغلو في الدين معناه، وتاريخه، وأسبابه لفضيلة االدكتور / علي بن عبد العزيز الشبل 223

الفتن والمخرج منها لمعالي الدكتور / محمد بن سعد الشويعر 269

قيمة الزمن في القرآن الكريم لفضيلة الدكتور / عودة عبد عودة عبد الله 323

صفحة فارغة

ص: 5

صفحة فارغة

ص: 6

خطبة عرفة

لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (1)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا ربكم عباد الله، والزموا التقوى إلى أن توافوا الله، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (2) اتقوا ربكم، فتقوى الله سبب لمحبة الله لكم (فإن الله يحب المتقن). اتقوا الله في سركم وعلانيتكم، في الرضا والغضب، في كل الأحوال، فبتقوى الله تصلح الأعمال وتغفر الذنوب ويحصل الثواب العظيم {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (3){يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (4)

(1) سورة الأنعام الآية 1

(2)

سورة آل عمران الآية 102

(3)

سورة الأحزاب الآية 70

(4)

سورة الأحزاب الآية 71

ص: 7

اتقوا ربكم، وتزودوا لمعادكم، فخير زاد للمعاد التقوى، {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (1)، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} (2).

أمة الإسلام، خلق الله أبانا آدم أبا البشر بيده، ونفخ فيه من روحه، أسجد له ملائكته، وأسكنه وزوجه جنته، فحسدهما إبليس، فزين لهما المعصية، فأهبطهم الله من الجنة، هبط آدم وزوجته من الجنة وهما يحملان نور الإيمان والهداية، أهبطهما الله إلى الأرض تحقيقا لوعده:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (3) ليعمر الأرض بطاعة الله وتوحيده، ولتستضيء الأرض كما استضاءت السماء.

ظل نور التوحيد والهداية يضيء للبشرية قرونا عديدة حتى اجتالت الشياطين بني آدم عن فطرتهم، وزينت لهم الشرك بالله، وأخرجتهم من النور إلى الظلمات. نعم أيها المسلم، ما من مولود يولد إلا وفي قلبه نور الفطرة، الهداية والإيمان، ولكن شياطين الإنس والجن تجتاله عن تلكم الفطرة، تخرجه من النور إلى الظلمات، من

(1) سورة البقرة الآية 197

(2)

سورة النساء الآية 1

(3)

سورة البقرة الآية 30

ص: 8

نور التوحيد الحق والهداية والأخلاق الكريمة إلى ظلمة الشرك والجهل والأخلاق الرذيلة، وصدق الله إذ يقول:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} (1).

كلما أظلمت الأرض بالشرك والضلال والطغيان والابتعاد عن الهدى، وكلما غلب الشرك وطغى وابتعدت البشرية عن الهداية الربانية، أشرقت شمس الهداية بمبعث الرسل، وتتابعت الرسل على العباد بهداية الله، {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} (2).

وفي آخر الزمان عم الأرض ظلام دامس، وابتعد الناس عن الهدى، وغلب الشرك وطغى على البشرية، فأشرقت شمس الهداية بمبعث سيد الأولين والآخرين سيد ولد آدم إمام الأنبياء عليه الصلاة والسلام، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (3){وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (4).

«نظر الله إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب (5)» ، بعثه الله بهذا الدين العظيم، دين الإسلام الذي بدد الشرك بكل أنواعه بنور التوحيد الحق. أنار الله به القلوب، وحررها

(1) سورة البقرة الآية 257

(2)

سورة المؤمنون الآية 44

(3)

سورة الأحزاب الآية 45

(4)

سورة الأحزاب الآية 46

(5)

صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2865).

ص: 9

من عبادة المخلوق تحقيقا للحكمة التي لأجلها خلق الله الثقلين، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) وليطبقوا أمره:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (2).

بدد ظلمات من قالوا في معبوداتهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (3) ومن زعموا أنه لا يدعى الله عز وجل إلا بواسطة بعض البشر بنور {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (4)، وبنور قوله عز وجل:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (5) فلا واسطة بيننا وبين الله في دعائه، بل نرفع أكفنا إليه في أي وقت كان، {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (6).

(1) سورة الذاريات الآية 56

(2)

سورة البينة الآية 5

(3)

سورة الزمر الآية 3

(4)

سورة البقرة الآية 186

(5)

سورة غافر الآية 60

(6)

سورة الرحمن الآية 29

ص: 10

بدد ظلمات من عظموا قبور الأموات وطافوا بها تعبدا، ودعوها من دون الله، وزعموا تعدد الآلهة بنور {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (1).

جاء بنور الإيمان الذي جلا الظلمات عن القلوب، بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.

فإيماننا بالله إيمان بربوبيته وإيمان بكمال أسمائه وصفاته، وإيمان بأنه المعبود بحق، وما سواه فمعبود بباطل.

إيمان بملائكة الرحمن، العباد المكرمون الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} (2){كِرَامًا كَاتِبِينَ} (3){يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} (4).

إيمان بكتب الله التي أنزلها لهداية البشر، وأنها حق وما فيها حق، جاءت بها المرسلون من رب العالمين، نؤمن بما سمى الله لنا في كتابه، فنؤمن بصحف موسى وإبراهيم وزبور داود والتوراة التي أنزلها الله على موسى، والإنجيل الذي أنزله الله على عيسى، ونؤمن بالقرآن وأنه مهيمن على الكتب كلها، مصدق لها ناسخ لها، محق للحق ومبطل للباطل، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (5).

(1) سورة البقرة الآية 163

(2)

سورة الانفطار الآية 10

(3)

سورة الانفطار الآية 11

(4)

سورة الانفطار الآية 12

(5)

سورة المائدة الآية 48

ص: 11

نؤمن برسل الله الذين أرسلهم الله لهداية البشر، فنؤمن بمن سمى الله لنا، فنؤمن بآدم وبنوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من أنبياء الله الذين سمى الله لنا، وأن خاتمهم وأكملهم وأفضلهم سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم.

نؤمن باليوم الآخر وما أخبر الله عنه مما خفي علينا علمه، فنؤمن بالجزاء والحساب وبتطاير الصحف وميزان الأعمال، وأن نهاية البشر إما إلى نعيم مقيم وإما إلى عذاب أليم، نؤمن بهذا كله كما دل القرآن والسنة عليه.

جاء الإسلام بنور العبادات ليبين للعباد كيف يعبدون ربهم، وينير لهم الطريق، فافترض عليهم فرائض الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج، وجعلها أركان الإسلام وفرائض على الأعيان.

أمة الإسلام، المجتمعات قبل الإسلام الجاهلية تعج بالمنكرات والأباطيل والضلالات التي استحق أهلها عقوبة الله، فجاء الإسلام بنور {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1).

(1) سورة آل عمران الآية 104

ص: 12

لقد كان للناس مع والديهم أحوال مزرية وأمور مظلمة، فجاء الإسلام بنور {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (1) عاشت المجتمعات في ظلماتها قطيعة بين الأرحام، فلا الأخ يعرف أخاه، ولا القريب يصل قريبه، فجاء الله بنور {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} (2) وجاء بالوعيد على قطيعة الرحم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (3){أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (4) كم عانى الجيران من ظلم بعضهم لبعض، فجاء الإسلام بنور {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} (5) وبقوله صلى الله عليه وسلم:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره (6)» ، وبقوله صلى الله عليه وسلم:«والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه (7)» .

أما حال المرأة - فحدث عنها ولا حرج - كم ظلمها الظالمون، وجار عليها الجائرون، السنين والقرون، فجاء الإسلام، بالنور المبين، فأعطى المرأة حقها، فهي الأم الواجب برها، والأخت

(1) سورة الإسراء الآية 23

(2)

سورة الرعد الآية 21

(3)

سورة محمد الآية 22

(4)

سورة محمد الآية 23

(5)

سورة النساء الآية 36

(6)

صحيح البخاري الأدب (6019)، مسند أحمد (6/ 385)، موطأ مالك الجامع (1728)، سنن الدارمي الأطعمة (2036).

(7)

صحيح البخاري الأدب (6016)، مسند أحمد (6/ 385).

ص: 13

الواجب صلتها، والزوجة الواجب حسن معاشرتها، والبنت الواجب تربيتها. جاء ليقول لهم: إن للمرأة حقا في الميراث خلاف أهل الجاهلية: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} (1) حجبها بنور الإيمان عن أعين الطامعين المفسدين، {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (2).

كان في الجاهلية معاملات سيئة مبنية على الظلم والجهل والغرر والخداع، فجاء الإسلام بتنظيم تلكم المعاملات، فأمر المتبايعين بالصدق:«فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما (3)» ، و «من غشنا فليس منا (4)» ، وحرم الربا والتعاملات الخبيثة التي تشتمل على الظلم والغرر، وأمر الجميع بالتزام العدل، فنهى البائع والمشتري جميعا، ولم يجعل رضاهما مبيحا للبيع الباطل.

أيها المسلم، وفي النكاح في الجاهلية كم عانت المرأة من العضل وسوء العشرة وجحد الحقوق، فجاء نور الإسلام ليأمر بالعشرة الحسنة، وينهى عن العضل ويحفظ لها حقوقها. كانت في

(1) سورة النساء الآية 7

(2)

سورة الأحزاب الآية 59

(3)

صحيح البخاري البيوع (2079)، صحيح مسلم البيوع (1532)، سنن الترمذي البيوع (1246)، سنن النسائي البيوع (4464)، سنن أبي داود البيوع (3459)، مسند أحمد (3/ 402)، سنن الدارمي البيوع (2547).

(4)

صحيح مسلم الإيمان (101)، سنن ابن ماجه التجارات (2225)، مسند أحمد (2/ 417)، سنن الدارمي البيوع (2541).

ص: 14

الجاهلية لا يسمع لها صوت، ولا يقام لرأيها وزن، فيزوجها أبوها من شاء ويمنعها ممن شاء، فجاء الإسلام بنور:«لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الأيم حتى تستأمر (1)» . كانوا في جاهليتهم يطلقون المرأة، فإذا قاربت انقضاء عدتها استرجعها، وربما تكرر عليها ذلك عنه مئات المرات، فجاء الإسلام بنور:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (2).

في الجنايات كانت الجاهلية في ظلمات الثارات، يقولون: القتل أنفى للقتل، فجاء الإسلام بالقصاص أو الدية أو العفو تحقيقا لأمن المجتمع وسلامته. جاء الإسلام بحدود شرعية تردع المجرمين وتوقفهم عند حدهم، وتأخذ على أيدي المفسد والمبطل، وسبحان الحكيم العليم {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (3).

كانوا في جاهليتهم يتحاكمون إلى الأعراف والعادات الجاهلية بما فيها من ظلم وعدوان، فجاء الإسلام بنور:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (4)، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (5){أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (6)

(1) صحيح البخاري الحيل (6968)، صحيح مسلم النكاح (1419)، سنن الترمذي النكاح (1107)، سنن النسائي النكاح (3265)، سنن أبي داود النكاح (2092)، سنن ابن ماجه النكاح (1871)، مسند أحمد (2/ 434)، سنن الدارمي النكاح (2186).

(2)

سورة البقرة الآية 229

(3)

سورة الملك الآية 14

(4)

سورة المائدة الآية 49

(5)

سورة النساء الآية 65

(6)

سورة المائدة الآية 50

ص: 15

وبالجملة فإن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالنور التام المبين؛ ليحرق به ظلمات الجاهلية على اختلافها، {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} (1){يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (2) ويقيم المجتمع العادل المنتظم بوحي الله السائر على منهج الله.

هذا دينكم دين السماحة واليسر، دين الرحمة والخير، دين حفظ الحقوق، دين الرحمة والصلة، دين مشتمل على خيري الدنيا والآخرة.

(1) سورة المائدة الآية 15

(2)

سورة المائدة الآية 16

ص: 16

إخوة العقيدة، إن الإسلام جاء بعلاج كامل شاف لمشاكل الأمة، ليقيم لها المنهج القويم في حياتها. جاء بحفظ المصالح العليا للأمة، جاء بتنمية اقتصادها، جاء بحفظ الحقوق والاستفادة من كل تقدم نافع، جاء بالأمر بالعدل والتحذير من الظلم ومن مسالك التطرف غلوا وجفاء، جاء باحترام حملة الدين وأهله من الصحابة

ص: 16

ومن سار على نهجهم في الدين، جاء بالأخلاق الكريمة وحذر من الأخلاق الرذيلة.

أمة الإسلام. . إن ديننا قد جاء باعتبار المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، وتقديم المصالح المتعدية على المصالح القاصرة، فالمصالح العليا للأمة يجب إعمالها ويحرم إهمالها، أمن الأمة وقوة تماسكها وحماية بيضتها وحفظ مقدراتها أمور هي سبب لانتشار الدين وهيبة الأمة وعز الإسلام.

إن المصالح العليا للأمة يجب إعمالها، ولا يجوز التعدي عليها لأي غرض شخصي أو هوى بدعي، أو مصالح حزبية أو مطامع إقليمية، أو نعرات جاهلية أو عصبية قبلية.

أيها الشعوب والقادة، إن أمتنا تمر بظروف دقيقة خطيرة، تستوجب منا وقفة صادقة نقدم فيها المصالح العامة على المصالح القاصرة، ونقدم درء المفاسد على جلب المصالح حفاظا لكيان الأمة.

أيتها الشعوب المسلمة، التفوا حول قادتكم فيما توجهوا إلي من خير، وتناصحوا معهم فيما يعود على الأمة بالخير، وإياكم ومنابذتهم، أو تكونوا ثغرة للأعداء عليهم.

إن مشاكل الأمة لا تحل إلا بالحكمة والبصيرة والتدبر والتعقل، فاحذروا أن تكونوا يدا لأعدائكم على أمتكم، أو تسهلوا لهم مهمة الاعتداء على أمتكم، فذاك خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.

ص: 17

أيها القادة المسلمون، إن أمن أمتكم ودينها أمانة في أعناقكم، فاتقوا الله في أمتكم. إن حل مشاكل الأمة لا يكون بالارتماء في أحضان الأعداء، ولا بالزج بالأمة في أمور لا تحمد عقباها، بل الحكمة والتروي في الأمور ودراسة الأحوال قبل كل شيء؛ لتكون قرارات الأمة قرارات صائبة مبنية على الحكمة والتروي.

أمة الإسلام، إن أعداءنا لا يألوننا خبالا، ودوا تفرق صفوفنا وتشتيت كلمتنا. إنهم يسعون في خلخلة أمننا، ويسعون في إشغال بعضنا ببعض؛ لنكون لقمة سائغة لهم، فلنحذر من مكائد أعدائنا.

أمة الإسلام، هاهو العالم من حولكم شرقا وغربا قد انتظموا في تكتلات اقتصادية عظمى، قلوبهم متفرقة، اتجاهاتهم الفكرية متغايرة، جمعتهم مصالح ديناهم وخوفهم من عدوهم، فأين أنتم يا أهل الإسلام، يا من تربطكم عقيدة الإسلام ووحدة الإيمان؟! ما هي شكوانا؟! أنشتكي من قلة الموارد؟! فبلادنا بلاد الخيرات على تنوعها. أيشتكي المسلمون من قلة الرجال؟! فالمسلمون من أكثر الأمم عددا. أيشتكون من ضيق الأرض؟! فأرض الإسلام شاسعة امتدت في ثلاث قارات. إنما يشكو المسلمون للأسف الشديد من بعد أبنائهم عن دينهم، من تفرق القلوب وغلبة الأهواء، والقلوب إذا تفرقت صعب جمع الأجساد. نشكو من عدو يؤصل فرقتنا

ص: 18

ويذكي قطيعتنا، ويشجع بعدنا عن ديننا. إن ديننا الحق ليس سببا للتخلف، ألا ترى الله يقول:{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (1)؟!

إن المسلم يتساءل: لماذا لا يكون لأمة الإسلام كيان اقتصادي موحد خال من التبعية؟ لماذا لا يكون لها كيان يستمد منهجه من كتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، كيان خال من الربا أخذا وعطاء، كيان يجعل بلاد الإسلام أسواقا لترويج منتجاتها وصناعتها، كيان يعطينا قوتنا وتميزنا، لست أنادي بنبذ التعاون مع الآخرين، ولكن ليكن للأمة استقلاليتها، ولا يتم ذلك إلا بتعاون الجميع في إيجاد منظمة اقتصادية إسلامية تعالج مشاكل العصر، حتى تكون الأمة على استقلالها كما أراد الله لنا:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (2).

أمة الإسلام، في مثل هذا اليوم وفي مثل غد أعلن المصطفى صلى الله عليه وسلم النداء العام للأمة:«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا (3)» . نعم أيها المسلم، إنه النداء الذي يبين حقوق الإنسان الحقة المبنية على العدل لا على الظلم والجور، حقوق الإنسان كما

(1) سورة الملك الآية 15

(2)

سورة آل عمران الآية 110

(3)

صحيح البخاري العلم (105)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1679)، مسند أحمد (5/ 41)، سنن الدارمي المناسك (1916).

ص: 19

أرادها الإسلام، حفظ للإنسان حقه في الحياة، فحرم الاعتداء على النفس، حفظ حقه في التصرف في المال، فحرم الاعتداء على الأموال، حفظ حفه في تكوين الأسرة وتربية الأولاد، وحقه في الشرف والمكانة، فحرم الاعتداء على عرضه. هذا دين الإسلام دينكم الحق، السباق لكل خير، الذي جعل تعاليمه ديانة يجب التزامها ويحرم التعدي عليها.

إن أقواما رفعوا شعارات براقة ليخدعوا بها الأمم، شعارات طالما تنادوا بها باسم حقوق الإنسان، وإنما هي شعارات زائفة، لاستدلال الأمم والسيطرة عليها، وهانحن نراهم أول من خالفها، ولا نجد لها بينهم ذكرا، فهل حقوق الإنسان لشعب دون شعب أو لزمان دون زمان؟! إن ديننا حفظ حقوق الإنسان منذ مبدئه إلى قيام الساعة. فحفظ دينه ونفسه وعقله ومآله وعرضه، كل هذه جاء الإسلام بوجوب حفظها. تعاليم ديننا ليست شعارات لاستدلال الشعوب ولا لإشغالها، ولكنها المنهج المستقيم والعقيدة الصحيحة، لإصلاح الدين والدنيا معا.

أمة الإسلام إن لربنا سننا كونية لا تتبدل ولا تتغير، من أخذ بهذه الأسباب نال بتوفيق من الله مسبباتها مسلما كان أو غير مسلم، وإذا أعدنا النظر للوراء لأمتنا وسلفنا الصالح حينما استعانوا بربهم وأخذوا بزمام الأمور وعنوا بالعلم، واستفادوا من تجارب

ص: 20

الآخرين، كان لهم في زمنهم القدح المعلى، وكانوا أهل السيادة والرئاسة، وكانت بلادهم قبلة العلوم دينية ودنيوية، استضاءت بلادهم بأنوار المعرفة، بينما كان غيرهم يعيش ظلمات وتقهقرا ورجعية، فلا دين ولا عقيدة، ولا شريعة ولا دنيا يتميزون بها، لكن القوم أطروا أنفسهم على العلم، وجدوا واجتهدوا واستفادوا من تجارب الآخرين، وللأسف الشديد كانت لهم الدولة على المسلمين، {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (1).

إن ديننا ليس السبب في تقهقرنا، وليس انتسابنا لديننا عيبا علينا، فديننا يدعونا إلى العلم، وأن ننطلق في آفاق العلم والمعرفة ليعود لنا كياننا وقوتنا.

أيها المسلم، إن خلافنا مع غيرنا لا يوجب التقوقع والانزواء وعدم الاستفادة مما لدى الآخرين من تقنية أو علوم في الزراعة وفي السياسة وفي الاقتصاد وفي الطب وفي غيرها من أمور الدنيا، فتلك أمور جاءت لإصلاح دنيا الناس واستقامة معاشهم، وإن استفادتنا من غيرنا لا توجب الاغترار والانخداع بهم، ولكنها الوسطية نأخذ من كل شيء خياره.

أمة الإسلام، أمر الله بالعدل وبه حكم {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (2)

(1) سورة آل عمران الآية 140

(2)

سورة النحل الآية 90

ص: 21

العدل كله صلاح وخير وهداية، العدل به أرسل الله الرسل، وبه أنزل الكتب، وبه شرع الشرائع للحفاظ على كيان البشرية، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (1) أمة الإسلام، بالعدل تحقن الدماء، وبالعدل تصان الأعراض، وبالعدل تحفظ الأموال، وبالعدل تطمئن النفوس ولو كان الحكم عليها. العدل ينشده الشرفاء والضعفاء، ويعرف سنة العقلاء، إنه خير ونعمة، وبه صلاح البشرية وقيامها. إنه عدل بين العبد وبين نفسه في طاعته لربه وقيامه بما أوجب الله عليه. عدل في أبنائه بالعدل بينهم، " واتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم ". عدل بين الزوجات، {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} (2) عدل في الأقوال والأفعال، قال الله جل وعلاه:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (3).

(1) سورة الحديد الآية 25

(2)

سورة النساء الآية 3

(3)

سورة المائدة الآية 8

ص: 22

أيها الناس: لقد عاش غير المسلمين مع المسلمين دهورا عديدة، ما اشتكوا هضما، ولا خشوا ظلما، وإنما عاشوا تحت كيان الأمة المسلمة، رضوا بعدل الإسلام، وقرت به عيونهم، لم تكن الأمة تفرض دينها بالقوة على البشرية؛ لأن ذلك ينافي تعاليم الإسلام، ولكن الناس لما رأوا حملة هذا الدين رجالا صادقين مع ربهم، صادقين مع أنفسهم، صادقين مع غيرهم، رأوا رجالا تسبق الأعمال الأقوال، رأوا رجالا على الحق في سرهم وعلانيتهم، رأوا العدل في الإسلام بصورته المضيئة، لا غلو ولا جفاء، لا إفراط ولا تفريط، دخلوا في دين الله طائعين منقادين راضين، فانتشر الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجا على أيدي أولئك الرعيل الأول الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وتحقيقا لقوله جل وعلا:{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (1).

إني أناشد صناع القرار في العالم أن يعوا ويعلموا أن الظلم حرمه الله على نفسه، وجعله محرما بين عباده. فيا من سلطوا على الأمة الإسلامية بمعاصيهم، ويا من ابتليت بهم الأمة، اعلموا أن الظلم ظلمات في الدنيا والآخرة، عاقبة الظلم ضرر على البلاد والعباد والأموال، وقد قال الله في الحديث القدسي: «يا عبادي، إني

(1) سورة التوبة الآية 33

ص: 23

حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا (1)».

أمة الإسلام، إن هناك حملات تشن على أهل الإسلام، حملات عسكرية، حملات فكرية، حملات اقتصادية، حملات إعلامية، كلها ضد هذا الدين، وصفوا هذه الأمة بأنهم الأمة الإرهابية، وصفوهم بأنهم الإرهابيون، وصفوهم بأنهم متخلفون، ووصفوهم بأنهم منتقصو حقوق الإنسان، اتهموهم بانتقاص حريات البشر، عقدوا المؤتمرات، وحاكوا المؤامرات، ورموا الأمة عن قوس العداوة ظلما وجورا، وإلا فالإسلام هو دين العدل والحق وحفظ الحقوق واحترام الحريات لمن تدبر تعاليمه ومبادئه وسبر ذلك جيدا وبعين الإنصاف.

أمة الإسلام، لئن فرح غيرنا بانتسابه لمناهج فلسفية شرقية أو غربية لا طائل تحتها، لا تزيد من الله إلا بعدا، إن بحثت معهم في أسماء الله وصفاته وآثار ربوبيته لم تجد عندهم شيئا، إن بحثت معهم في توحيد الله وإخلاص الدين له وجدت ما يخالف ذلك، إن بحثت فيما بعث الله به الرسل من الهدى والحق لم تجد عندهم شيئا من ذلك، فاحمد الله أيها المسلم أن جعل منهج حضارتك وأساس بنائك كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. إياك أن تنخدع بحضارة علمت هشاشة بنائها وسوء تأسيسها، لا تمجد رموزهم،

(1) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2577).

ص: 24

ولا تنخدع بهم ولا بآرائهم، ولا تجعلها عوضا عن كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

أمة الإسلام، إن من عظيم ما ابتليت به أمة الإسلام ما كان من بعض أبنائها الذين أغواهم شياطين الإنس والجن بسوء توجيههم وقبح توجهاتهم، فأطاعوهم مع الأسف الشديد، ركبوا مركب التكفير فأرداهم، كفروا الأمة، استباحوا الدماء المعصومة، وخفروا الذمم، وسعوا في الأرض فسادا، تفجيرا وتدميرا وقتلا للأبرياء وترويعا وانتهاكا لحرمة المسلمين وتنقصا لولاة المسلمين.

تلي القرآن عليهم، وسمعوا السنة، ونقل لهم إجماع علماء عصرهم وما عليه سلف الأمة، فأصروا مستكبرين كأنهم لم يسمعوا ذلك، أرهبوا أهل الإسلام، وفرحوا فيهم أهل الكفر والطغيان، وشمتوا بالمسلمين، الحاقدين المتربصين، فهذه صفقة خاسرة والعياذ بالله.

أيها الشاب المسلم، يا من رتع في هذا المرتع الوخيم، كيف تقابل الله؟! أتقابله بدماء بريئة قتلتها، أو ساعدت في قتلها؟! كيف تجيب إذا سألك المقتول يوم القيامة: يا رب، سل عبدك لم قتلني؟! أم تلاقي ربك بذمم خفرتها وعهود غدرتها، ومجتمعات إسلامية أقضضت مضاجعها وعبثت بمقدراتها، وانتهكت حرماتها وسلطت

ص: 25

الأعداء عليها؟! أم أتلقى ربك بأشلاء مزقتها حينما فجرت نفسك إرضاء للشيطان واتباعا للهوى وطاعة للأعداء الحاقدين، أو اتباعا لهوى المتعالمين الذين لا يزنون الأمور ولا يعرفون قدر الأحداث والأمور؟!

أيها الشباب المسلم في عالمنا الإسلامي، أوصيكم بتقوى الله، أوصيكم بالتثبت في الأمور، احذروا أن يتخذكم أعداؤكم مطايا لتنفيذ أغراضهم، تظنون بهم خيرا، وتحسنون الظن بأولئك، وهم يريدون القضاء عليكم وعلى أمتكم. فاحذروا أن تنقادوا لكل دعاية، قفوا عند كل داع وفكره، وزنوا هذا الفكر وماذا يراد، ادرسوا الأمور حقا، وانظروا ما وراء السطور، فكم من عدو متلبس بالأمة يظهر لهم النصح والتوجيه، لكن يريدهم حربة في نحور الأمة، حتى إذا تم لي الأمر جعل أولئك حطب الآخر. فاحذروا مكائد الأعداء، ولا تنقادوا لكل داع، وزنوا كل قول ومن جاء به، وادرسوا الأمور على حقيقتها، والجئوا إلى الله في تبصير قلوبكم، ثم لعلماء أمتكم المعروفين الموثوقين ليبصروكم ويهدوكم الطريق المستقيم.

ص: 26

أمة الإسلام، إن الله اختار محمدا صلى الله عليه وسلم فجعله سيد الأولين والآخرين، واختار له صحابته الكرام أبر الناس قلوبا

ص: 26

وأصدقهم ألسنا وأصبرهم عند اللقاء، قوم صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقلوا أقواله وأفعاله، ونصروا سنته، شهدت لهم دموع جرت من خشية الله، ودماء سالت في سبيل الله، وأموال أنفقت في سبيل مرضاة الله، أثنى الله عليهم:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (1){لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (2).

هم الذين نقلوا لنا دين الله بكل صدق وأمانة، فهم الصادقون، هم القانتون، هم المعدلون، هم المهديون المرضي عنهم، حبهم إيمان، وبغضهم نفاق. إنا نحبهم ونحب آل بيت رسول الله المتمسكن بشرع الله، نحبهم لمحبتنا لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ونحب التابعين لهم بإحسان الذين لهم قدم صدق في العالمين وحسن بلاء في هذا الدين، نحب علماء الأمة الذين نصروا هذا الدين ونشروا هذا الدين، من حملة الحديث وحملة التفسير والفقه وغيره من علوم الإسلام، الذين نقلوا هذه الشريعة لنا، ونحب كل بر تقي في أي زمان ومكان.

(1) سورة التوبة الآية 100

(2)

سورة الفتح الآية 18

ص: 27

أمة الإسلام، إن ديننا دين الأخلاق الكريمة والبعد عن الأخلاق الرذيلة والخلال الذميمة، الله جل وعلا قال في حق نبينا:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (1). فلولا أن للأخلاق شأنا لما مدح بها خير الأنبياء صلى الله عليه وسلم في خير كتب الله عز وجل. إن أطر النفس على الأخلاق الكريمة سبب لنجاتها من عذاب الله، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} (2){فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (3){قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (4){وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (5) إن الخلق الكريم سبب للخيرية، «خيركم أحسنكم أخلاقا (6)» ، وقد ضمن البيت بيتا في الجنة لمن حسن خلقه. إن الاهتمام بالأخلاق الكريمة وتنميتها سبب لسعادة الأفراد في الدنيا والآخرة، حماية الفضيلة ومحاربة الرذيلة وحصن يقي الأمة من الانهيار.

لنعد إلى أنفسنا وأبنائنا وبناتنا، فلنربهم على الأخلاق الكريمة في هذا الزمن الذي كثرت فيه أسباب الشر وقل المنكرون وأعلنت كثير من القنوات الفضائية حربها على العقيدة، وحربها على الأخلاق والقيم، وحربها على الفضائل، فلنحصن أبناءنا بدين الله، فعسى الله أن يجعل في ذلك خيرا وبركة، ومخرجا من تلك الفتن.

(1) سورة القلم الآية 4

(2)

سورة الشمس الآية 7

(3)

سورة الشمس الآية 8

(4)

سورة الشمس الآية 9

(5)

سورة الشمس الآية 10

(6)

صحيح البخاري المناقب (3559)، مسند أحمد (2/ 218).

ص: 28

أيها المسلم، إن المسلم ليهتم كيف أولئك الذين يفكرون دائما في الفساد والإفساد، ما همهم إلا إفساد الأمة، تارة يخرجون المرأة من بيتها باسم العدالة، أو ينزعون حجابها باسم الحرية، مطايا لشياطين الإنس والجن فيما يجلبون به على الأمة المسلمة، وهمهم هدم الإسلام، معاول هدم للأخلاق والقيم، فنسأل الله أن يرد الجميع إلى الهداية والتوفيق، نسأل الله أن يرد الجميع إلى الهداية وصلاح القول والعمل.

يا علماء الأمة المسلمة، أنتم ورثة الأنبياء، وأنتم حملة الرسالة، عليكم التبعة، فبصروا عباد الله، اهدوهم سبيل الرشاد، تكلموا بالحق، فلا تكتموا الحق، ولا تقولوا باطلا، بصروا الناس، وأفتوهم بشرع الله من غير تساهل ولا تشدد، بل دين الله وسط بين من غلا وجفا.

أيها الدعاة إلى الله، ادعوا إلى الله على علم وبصيرة، وادعوا إلى الله بإخلاص، وحاولوا إصلاح أوضاع أمتكم، وبينوا الحق بحكمة وبصيرة، {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1).

يا شباب الإسلام، إن أمتكم بأمس الحاجة إليكم علماء

(1) سورة النحل الآية 125

ص: 29

عاملين وجنودا منضبطين وحملة للشريعة ودعاة لكل خير، فاحذروا المسالك الرديئة غلوا أو تفريطا، وكونوا على الخط المستقيم، هدانا الله وإياكم لكل خير.

ص: 30

أيها المسلمون، إني أناشد أهل الإسلام في العالم الخارجي، أناشد الأقليات من إخواننا المسلمين في العالم الخارجي: اتقوا الله، والزموا دين الله، اتقوا الله، واعلموا أنكم قلة وصوتكم ضعيف، فاحذروا - إخواني - المسالك الرعناء والمصادمات الهوجاء التي لا تخدم مصالحكم، احفظوا إسلامكم، وربوا أبناءكم على الخير، واحذروا أن يستغلكم عدوكم لأغراضه الدنيئة وآرائه السيئة، استقيموا على دين الله لعلكم تفلحون.

يا رجال الإعلام، اتقوا الله في أنفسكم، وسخروا إعلامكم فيما يخدم الأمة، احذروا أن يكون الإعلام موجها ضد العقيدة، أو ضد ثوابت الأمة أو نشر الفواحش. ويا من يملكون القنوات الفضائية وقد استرعاكم الله على ذلك، اتقوا الله، بم تواجهون ربكم يوم القيامة؟! أبأفلام هابطة أو بأجساد عارية أو بأغان فاحشة؟! إنكم مسؤولون أمام الله، فسخروا هذه الأجهزة لخدمة هذه الشريعة.

إننا - وللأسف الشديد - نعاني من بعض القنوات الظالمة التي

ص: 30

أخذت على عاتقها الطعن في الأمة وتفكيك كلمتها، والبحث عن المعايب والسعي في تضليل الأمة وإحداث الفوضى بين صفوفها، تدعي الإصلاح أحيانا، وتدعي الخير أحيانا، وإذا نظرت إلى هذه الأجهزة وهذا الإعلام الجائر وجدته مجانبا للصواب فيما يقول ويفعل. فلنتق الله، وليحذر كل أن يقول ما سيندم عليه، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (1).

وقفة أخيرة: وقفة ثناء واعتراف بالجميل، إنني في هذا الموقف لأشكر الله على نعمته أن يسر للحجيج أمرهم وهيأ لهم أسباب الخير، وإنا لنشكر الله على هذه النعمة، ثم نشكر لكل القوى المشاركة في أمن الحجيج، ومن أعظمهم رجال أمننا والمسئولون عن لجان الحج واللجنة المركزية ومن أعانهم، فلهم منا التقدير والثناء، ونسأل الله لهم السداد في القول والعمل، فتلك مهمة عظمى، نسأل الله أن يعينهم ويثبت أقدامهم، ويجعل مساعيهم مساعي خير وصلاح.

حجاج بيت الله الحرام، ها أنتم قدمتم إلى بلد الله الأمين، قد سهلت لكم السبل، وذللت أمامكم العقبات، فاشكروا الله على نعمته، واسألوه المزيد من فضله. هذا بيت الله الحرام، آمن بأمان الله، {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} (2)، هذا بيت الله الحرام، حرام بتحريم

(1) سورة ق الآية 18

(2)

سورة التين الآية 3

ص: 31

(1) سورة الحج الآية 30

(2)

سورة الحج الآية 25

ص: 32

حجاج بيت الله الحرام، لقد مضى على سلفنا قرون عديدة، الحج من أشق الأمور عليهم، لا يصله الإنسان إلا بشق الأنفس، يحج الحاج، فربما مات في الطريق، وربما ضل عن الطريق، وإذا وصلوا إلى البيت ضاق بهم ذرعا من حمل الماء ووعورة السبل، وربما حصل قتال، وربما وجدت أقاليم من أقاليم الإسلام لم يحج منها أحد، أما اليوم وقد هيأ الله لهذا البلد الأمين رجالا أرجو لهم من الله التوفيق والصلاح، اهتموا بهذا البيت أعظم اهتمام، فوفروا أمنه ومرافقه الصحية ومواده الغذائية، وهونوا وذللوا كل الصعاب، وشقوا الطرق، وهيئوا المشاعر، واستنفدوا وسعهم وأوقاتهم، وأنفقوا الأموال الطائلة في ذلك، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا، وبارك الله، في مساعيهم، وجعل ذلك في ميزان أعمالهم. والمسلم حينما يرى هذه التسهيلات وهذه المهمات ليسأل الله لهذه القيادة مزيدا من التوفيق والصلاح، وأن يجعلهم أئمة هدى ودعاة خير وصلاح، إنه على كل شيء قدير.

ص: 32

أيها الحاج المسلم، اتق الله في حجك، وراقب سنة نبيك، قفوا بعرفة إلى غروب الشمس، فإنها الموقف العظيم لكم، والنبي يقول:«الحج عرفة (1)» . فقفوا بهذا المشعر، صلوا به الظهر والعصر جمعا وقصرا، أفيضوا إلى مزدلفة، وصلوا بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا.

ارموا جمرة العقبة من بعد منتصف ليلة النحر إلى صباح اليوم الحادي عشر، أي: أن جمرة العقبة زمنها ثلاثون ساعة، من رمي في آخر الليل أو الضحى أو العصر أو بعد المغرب أو بعد العشاء أو قبيل الفجر فقد أدى النسك إن شاء الله. ارموا الجمار في أيام التشريق، واعلموا أن كل الليل محل لرمي الجمار إلى طلوع الفجر، كل هذا من التيسير.

أيها الحاج الكريم، جنب النساء العاجزات عن الرمي في وقت الذروة، واختر وقتا مناسبا، والعاجز من الرجال ينيب غيره، فارموا الجمرة عن العاجزين من الرجال والنساء، لا تعرضوهم للزحام الشديد، إما أن تختاروا وقتا مناسبا، أو جنبوهم وقت الذروة والزحام، فذاك من تيسير الله عز وجل.

أيها الحجاج، اتقوا الله في حجكم، وتعاونوا على البر والتقوى. أوجه خطاب لحملات الحجيج والمسئولين عن حملات الحج عموما أن يتقوا الله ويتعاونوا مع السلطة قي سبيل تفويج الحجاج، وفي سبيل الراحة، وفي سبيل الانتظام، فراعوا الأنظمة واحترموها،

(1) سنن الترمذي الحج (889)، سنن النسائي مناسك الحج (3016)، سنن أبي داود المناسك (1949)، سنن ابن ماجه المناسك (3015)، مسند أحمد (4/ 310)، سنن الدارمي المناسك (1887).

ص: 33

وإياكم وانتهاكها، فإنها وضعت لمصالح الحجيج عموما.

أيها المسلم، إن نبيك صلى الله عليه وسلم يقول:«من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (1)» ، فاتق الله في جوارحك ولسانك، في أقوالك وأفعالك، اتق الله في حجك، وكن بعد الحج خيرا منك قبل الحج بتوفيق من الله.

أيها المسلم، تذكر وأنت تلبس الإحرام، تذكر يوم تدرج في أكفانك وتحمل إلى قبرك، تذكر يوم وقوفك بين يدي الله في ذلك الموقف العظيم، تذكر أهوال الآخرة، فعساها أن تكون حادية لك إلى الخير والتزود من الأعمال الصالحة.

اللهم وفق الأمة الإسلامية إلى كل خير، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، وجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجمع قلوبهم على طاعتك، واكفهم شر الأشرار وكيد الفجار، وبصرهم فيما ينفعهم في حاضرهم ومستقبلهم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

صفحة فارغة

(1) صحيح البخاري الحج (1819)، صحيح مسلم الحج (1350)، سنن الترمذي الحج (811)، سنن النسائي مناسك الحج (2627)، سنن ابن ماجه المناسك (2889)، مسند أحمد (2/ 494)، سنن الدارمي المناسك (1796).

ص: 34