الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغلو في الدين
معناه، وتاريخه، وأسبابه
لفضيلة الدكتور علي بن عبد العزيز الشبل (1)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، أما بعد:
فقد ثبت في الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه الحديث. ويقول الناس في أمثالهم: " الزيادة أخت النقصان "، بل ربما يكون ضرر الغلو والزيادة على الدين وصاحبه أشد وأعظم من ضرر النقص والتقصير، لذا حذرنا المولى سبحانه وتعالى، وحاذرنا الغلو في الدين في آيات كقوله من آخر
(1) أستاذ العقيدة، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سورة النساء: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (1) وكقوله في سورة المائدة: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (2)
كما نهانا سبحانه عن طريق الطغيان في غير ما آية: منها قوله من آخر سورة هود: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (3)
ومن السنة في النهي عنه ما خرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة (4)» ، وفي رواية أخرى زاد:«والقصد القصد تبلغوا (5)» .
وحديث ابن عباس المشهور في جمع حصى الجمار قوله صلى الله عليه وسلم له: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين (6)» رواه أحمد وبعض أهل السنن (7).
(1) سورة النساء الآية 171
(2)
سورة المائدة الآية 77
(3)
سورة هود الآية 112
(4)
صحيح البخاري الإيمان (39)، صحيح مسلم صفة القيامة والجنة والنار (2816)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5034)، سنن ابن ماجه الزهد (4201)، مسند أحمد (2/ 537).
(5)
صحيح البخاري الرقاق (6463)، مسند أحمد (2/ 537).
(6)
سنن النسائي مناسك الحج (3057)، سنن ابن ماجه المناسك (3029)، مسند أحمد (1/ 215).
(7)
سيأتي تخريجهما إن شاء الله.
وفي هذا ما وصف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال لما رأى ما أحدث من الأمور: " أيها الناس، من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من دينهم وأخلاقهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"(1)
لهذا كله ولما جره الغلو على المسلمين في دينهم قولا وعملا وقبل ذلك اعتقادا وواقعا وفكرا ومنهجا منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم مرورا بفترات تاريخنا المختلفة إلى عصرنا المشهود وما جره ذلك من الأخطار العظيمة والمصائب الجسيمة والمناهج المتباينة على حياتهم وأحوالهم العلمية والفكرية والاجتماعية والسياسية، وقبل ذلك وبعده الحال الدينية من الغلو في العبادة والغلو في المعصية وفي البدعة، والغلو في العادة، ولما رأيت من الخلط العجيب بين التمسك بالدين والتزامه وبين دعوى الغلو والتطرف والأصولية، وهو الناشئ من الجهل
(1) رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، ورواه غيره.
بأحدهما أو بهما معا، وعدم العود بالغلو إلى أصوله الحقيقية وأسبابه الواقعية التي منها نشأ وتفرع في صور عديدة بين المسلمين وغيرهم، رأيت المشاركة في هذه القضية بهذا المختصر، الذي جمع في متناثر مباحثه وقضاياه: حد الغلو وحقيقته، وتاريخه ونشأته، وعلاقته بالأمم قبلنا، وأسبابه، وما ورد في الشرع الحنيف من التحذير منه وذمه.
هذا مجمل محتواه، فإن أصبت فيه فمن توفيق ربي وهدايته، وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله منه، وأستغفر الله وأتوب إليه، وأشكر هاهنا مشايخ كراما تفضلوا بالاطلاع على المختصر وسددوه وأوصوا بطبعه ونشره، فجزاهم المولى خير الجزء وأوفره.
والله أسال أن يهدينا سواء السبيل، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ومن نزغات الشياطين، وأن ينفع بهذا المختصر من كتبه وقرأه ونشره، ضال المسلمين وجاهلهم، وأن
يجعله لوجهه خالصا، وللزلفى لديه مقربا، ولمرضاته محققا، ومن عذابه وسخطه مخلصا.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم، واتبع هديهم، وسلم تسليما، والحمد لله رب العالمين، الذي بنعمته تتم الصالحات.