الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نشأة الغلو عند المسلمين:
ذكرت وجود حالات فردية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في الغلو لكنها لا تذكر لقلتها ولعدم استمراريتها ولأنها لا تمثل عقيدة أو منهجا، بل سرعان ما تزول عند معرفة الصواب وهو أمر طبيعي في أي دعوة خاصة دعوة الإسلام وسببها- والله أعلم - التباين والاختلاف في فهم أحكام الشريعة ومقاصدها وكذلك اختلاف قوة الدافع نحو هذه الدعوة وأحكام شرعها، لكن النبي صلى الله عليه وسلم استطاع أن يفقه أصحابه ويعلمهم ليصححوا ما قد يحصل من بعضهم من غلو- إن جاز التعبير- كما سبق في الأمثلة، منهم الثلاثة الذين تقالوا عبادته صلى الله عليه وسلم، لكن سرعان ما رجعوا إلى الاعتدال لما فقهوا. .
ولما قتل عثمان رضي الله عنه ظلما وعدوانا وغدرا ظهرت الفتن وثارت أعاصير الشبهات وأقبلت الفتن مهرولة يحمل رايتها الغلو والتطرف فكان غلو الخوارج وتشددهم وخاصة في التكفير وموقفهم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم ظهرت غالية السبائية: نسبة إلى عبد الله بن سبأ أول من أوقد الزندقة في الإسلام
في ذات علي رضي الله عنه، فقد قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص 434: "وفي أيامه- يعني عليا - خرجت المغالية وادعوا أن في علي الإلهية، قال الحافظ ابن حجر: ورد من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل لعلي: إن هنا قوما على باب المسجد يزعمون أنك ربهم، فدعاهم علي وقال لهم: ويلكم إنما أنا مثلكم آكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني وإن عصيته خشيت أن يعذبني فاتقوا الله وارجعوا فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه، فجاءه قنبر فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام، فسأل فأدخلهم، فقالوا كذلك، فلما كان اليوم الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة، فأبوا إلا ذلك، فقال: يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم- عمالا معهم أدوات حفرهم- فخد لهم أخدودا بين المسجد والقصر وقال لهم: احفروا فأبعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه في النار في الأخدود وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا، فقذف بهم حتى احترقوا وقال:
لما رأيت الأمر أمرا منكرا
…
أوقدت ناري ودعوت قنبرا
وإسناده حسن.
وفي الصحيح أن ابن عباس لما بلغه تحريقهم قال: لو كنت أنا
لم أحرقهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تعذبوا بعذاب الله (1)» . ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه (2)» . (3)، فبلغ ذلك عليا فقال: صدق ابن عباس اهـ. (4).
وهذه الحادثة مشهورة في التاريخ ذكرها جملة من أهل المقالات ولولا الإطالة لأحلت إلى كتبهم وقد وقفت على قول لبعض المعاصرين.، ينكر فيه هذه القصة ويدعى أنها:"خبر مختلق من أساسه ولم يرد على صورة فيها ثقة، في كتاب معتبر من كتب التاريخ، وينتهي بنا المطاف إلى فائدة عظيمة هي أن السبئية ركام من التهم ألقيت على جماعة إن عن قصد أو عن غير قصد" اهـ.
قلت: من فمك أدينك، فهذه القصة ليست مختلقة بل توارد
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (3017)، سنن الترمذي الحدود (1458)، سنن النسائي تحريم الدم (4065)، سنن أبي داود الحدود (4351)، سنن ابن ماجه الحدود (2535)، مسند أحمد (1/ 323).
(2)
صحيح البخاري الجهاد والسير (3017)، سنن الترمذي الحدود (1458)، سنن النسائي تحريم الدم (4060)، سنن أبو داود الحدود (4351)، سنن ابن ماجه الحدود (2535)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 282).
(3)
رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله.
(4)
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، للشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ص 434
عليها جمع من المؤرخين وكتاب المقالات كما ذكرت بعضا منهم في كتابك والأعجب من هذا أن رويت بإسناد حسن كما قاله الحافظ ابن حجر.
بل حديث ابن عباس في البخاري قرينة واضحة على وقوع تلك الحادثة، وعليه فلا مدخل من هنا على تكذيب هذه الحادثة لمن نظر وتعقل ومن صحيح الحديث لم يتكدر.
وبعد هذا ندرك كيف كانت هذه الطغمة الفاسدة السبئية أول مظاهر الغلو الحقيقي وأكثرها رواجا على غلاة الرافضة خاصة، وباقي الفرق الإسلامية عامة، وحسبك أن تنظر إلى كتاب واحد من كتب الملل والمقالات لترى.
ولم نعتد بغلو الخوارج على أنه أول للآتي:
- أن غلوهم أخف بكثير من غلو هؤلاء السبئية بعلي رضي الله عنه.
- الخوارج وقعوا فيما وقعوا فيه عن سفه ونقص في عقولهم وبصيرتهم وعلومهم.