الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه السلام، لكن ما حيلة من شرق بها إلا ذلك.
والملاحظ أن المتمسكين بمدلولات النصوص الشرعية يكونون غلاة متشددين بنسبتهم إلى المفرطين الذين يحملون الإسلام وصفا، وعند نسبتهم إلى ميزان الشريعة لم نجد عندهم معنى التمسك المطلوب، فالمقصرون يلمزون المتمسكين بالغلو والتطرف على أن ما هم عليه هو اعتدال الإسلام وتوسطه، وما أظهروه هو الاعتدال وهو في الحقيقة ليس كذلك إذ هو التقصير والتفريط في بعض شعائر الإسلام وأحكامه ولا يخفى أن من يتهم البعض بالتطرف أو الغلو غايته التنفير والتحذير منهم وليس لكونهم متجاوزين لحدود الشريعة ووسطية الإسلام كمن اتهم دعوة الشيخ السلفية الإصلاحية بذلك.
أعني أن هذه الدعاوى ليست من باب الأسماء والأحكام أو لتبين معاني شرعية بقدر ما هي لأغراض وأهواء ذاتية أو محدودة، فتكون بذلك من تحميل مصطلحات الشارع ما لا تحتمل، ومن استعمال المعاني الشرعية في الأغراض الشخصية الضيقة والغايات السياسية المحدودة.
ثانيا: تاريخ الغلو ونشأته عند المسلمين:
الغلو قديم في البشرية وجد قبل إرسال الله تعالى الرسل،
وذلك بعد آدم عليه السلام بزمن إلى أن أرسل الله رسوله نوحا عليه السلام. فلقد غلا قوم نوح قبل مجيئه إليهم في أقوام كانوا صالحين فغلوا في محبتهم حتى عبدوهم من دون الله، ثم أنهم صوروا لهم أصناما تكون رمزا لعبادتهم حتى ظهرت بدعتهم إلى جاهلية العرب قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (1).
أخرج البخاري بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما، قال في هذه الآية:"صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطفان، وأما يعوق فكانت لهمذان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت"اهـ.
والأنصاب جمع نصب وهو الصنم ينصب للميت لتخليد ذكراه، هذه في الحقيقة تمثل نوعا من الغلو، في باب الغلو في
(1) سورة نوح الآية 23
الأشخاص.
ثم وجد بعد ذلك نوع من الغلو عند بني إسرائيل من يهود ونصارى كما سبق في قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (1)، كما وجد الغلو في التكفير عند كل من اليهود للنصارى والعكس حتى أدى بهم الأمر إلى استباحة دم كل منهما الآخر. .
فاليهود تقر مبدأ القتال لأنه مرتبط بوجودهم وبقائهم وأنهم أبناء الله وأحباؤه وما سواهم خدم لهم مسخرون لأجلهم وأميون.
والنصارى تقرر أنها وارثة اليهودية بشريعة عيسى عليه السلام، كما نقموا على اليهود لأنهم صلبوا عيسى عليه السلام كما يظنون.
(1) سورة النساء الآية 171
(2)
سورة المائدة الآية 18