الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحال تنفسه. فما المراد بهذين القيدين وما سر التقييد بهما؟
قال ابن فارس: "السين والفاء والراء أصل واحد يدل على الانكشاف والجلاء". ومن ذلك السفر سمي بذلك؛ لأن الناس ينكشفون عن أماكنهم، أو لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم، فيظهر ما كان خافيا منها. ومنه قوله تعالى:{وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} (1) بمعنى أضاء وانكشف الظلام (2).
أما التنفس فهو في الحقيقة خروج النفس من الحيوان والإنسان، ولكنه استعير هنا لظهور الضياء من خلال الظلام، على تشبيه خروج الضياء بخروج النفس، على طريق الاستعارة المصرحة. أو لأنه إذا بدا الصباح أقبل معه نسيم فجعل ذلك كالتنفس له على طريق الاستعارة المكنية؛ بتشبيه الصبح بذي نفس، مع تشبيه النسيم بالأنفاس (3).
وأما الحكمة من القسم بالصبح فهي ما أشرت إليه آنفا في "القسم بالفجر" من مشابهة خروج الضوء من الظلام، بالنشور بعد الموت.
(1) سورة المدثر الآية 34
(2)
ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (سفر)، ج 3، 82.
(3)
الزمخشري: الكشاف، ج 4، ص 697. ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج 30، ص 154.
رابعا: القسم بالضحى
يقال في اللغة: الضحو والضحوة والضحية، وتعني: ارتفاع
النهار. ويطلق الضحى ويراد به الوقت من طلوع الشمس إلى أن يرتفع النهار وتبيض الشمس (1).
وأقسم سبحانه وتعالى به فقال: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} (2) وقال: {وَالضُّحَى} (3)، ولأهل التفسير في المراد بالضحى في قوله:{وَالضُّحَى} (4)(5) وجهان (6):
الأول: أن المراد به وقت الضحى، والذي يمتد من طلوع الشمس إلى ارتفاع النهار كما أشرت سابقا.
الثاني: أنه يعني النهار كله. واحتج أصحاب هذا الوجه بأن الضحى جعل في مقابلة الليل كله.
والصحيح هو المعنى الأول، وهو ما يراه الأكثرون على ما ذكره النيسابوري في "غرائب القرآن "(7).
أما القول بأنه يعني النهار كله، فغير وجيه. والاحتجاج على
(1) ابن منظور: لسان العرب، مادة (ضحا)، ج 14، ص 474، 475.
(2)
سورة الشمس الآية 1
(3)
سورة الضحى الآية 1
(4)
سورة الضحى الآية 1
(5)
انظرهما في: الطبري: جامع البيان، ج 30، ص 273. الرازي: التفسير الكبير، ج11، ص 190.
(6)
انظرهما في الطبري: جامع البيان، ج 30، ص 273، الرازي: التفسير الكبير، ج11، ص 190.
(7)
انظر: النيسابوري: غرائب القرآن، ج 6، ص 514.
ذلك بأنه جعل في مقابلة الليل كله لا يصح، وذلك لأنه إنما جعل في مقابلة الليل في حال سجوه؛ أي في حال استقرار الظلام وسكون الليل والناس فيه، ولا ريب أن سجو الليل هو جزء من الليل لا كله، فهو بمنزلة الضحى من النهار. ويمكن الاستئناس في ذلك بوقت صلاة الضحى، فإن وقتها لا يكون بعد الزوال، مما يؤكد ضعف القول بأن الضحى يمتد ليشمل النهار كله.
أما قوله: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} (1)، فمن المفسرين من قال بأن ضحاها هو ضوؤها. وقال بعضهم: حرها. وقال آخرون: النهار كله.
والذي أراه راجحا أن يكون المقسم به هو وقت الضحى كذلك. أما القول بأن المراد به النهار كله، فقد بينت ضعفه. وأما القول بأن "ضحاها" يعني: ضوؤها أو حرها، فهما أمران متلازمان، فمتى اشتد حرها، فقد اشتد ضوؤها وبالعكس. وهذان المعنيان موجودان في وقت الضحى، حيث ضوء الشمس وحرها، فيكون ما ذهبت إليه هو الأولى.
أما مناسبة القسم بالضحى في هذا السياق، فيظهر فيها رونقا
(1) سورة الشمس الآية 1
وكما ميز الله بعض الأزمان، فإنه ميز كذلك بعض الأماكن والبلدان على غيرها، كالبلد الحرام، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى وما حوله.
وهو سبحانه العليم بالحكمة التي لأجلها فضل زمن على زمن، وفضل مكان على مكان، فهي أمور ثابتة من الله، ولا يبطلها إلا إبطال من الله، كما أبطل تقديس السبت بالجمعة، فليس للناس أن يغيروا ما جعله الله تعالى من الفضل لأزمنة أو أمكنة أو ناس.
وأستعرض فيما يلي الأزمان الفاضلة في القرآن الكريم:
أولا: الأزمان المقسم بها
وهي الأزمان التي أشرت إليها في المبحث السابق، ولا شك أنها أزمان فاضلة، بدليل قسم الله سبحانه وتعالى بها.
ثانيا: الأشهر الحرم
فالأشهر الحرم إذا هي أربعة أشهر كما هو صريح النص القرآني "منها أربعة حرم "، ولكن أي أربعة هي من شهور السنة؟ هذا ما حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وصلنا من
(1) سورة التوبة الآية 36