المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: شبهاتهم فيما استدلوا به من القرآن - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٧٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌حكم الإقامة عند القبر بالمدح والأذكار ثلاثة أيام

- ‌من بدع زيارة القبور

- ‌حكم زيارة النساء للقبور

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ صلة الرحم

- ‌ خضاب الرجل يديه ورجليه عند زواجه

- ‌ كيفية اختيار الزوجة

- ‌ راتبة الظهر

- ‌ حكم التسبيح بالمسبحة

- ‌ حكم الشرع في المرأة التي لا ترتدي الخمار

- ‌ حكم صبغ الشعر

- ‌ المرور أمام المصلي

- ‌ رفع اليدين أثناء الدعاء

- ‌ الدعاء بين إقامة الصلاة وتكبيرة الإحرام

- ‌ حكم قول المؤذن في أذانه حي على خير العمل

- ‌ تقبيل الإبهامين عند قول المؤذن (أشهد أن محمدا رسول الله)

- ‌ التذكير قبل صلاة الفجر

- ‌ حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الآذان وبعده

- ‌التوسل المشروع والممنوع

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: التوسل المشروع

- ‌النوع الأول: التوسل بأسماء الله وصفاته

- ‌النوع الثاني: التوسل بالأعمال الصالحة

- ‌النوع الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الصالح الحي:

- ‌المبحث الثاني: التوسل الممنوع:

- ‌النوع الأول: التوسل بوسيلة نص الشارع على بطلانها:

- ‌النوع الثاني: التوسل بوسيلة دلت قواعد الشرع على بطلانها:

- ‌أولا: الأدلة على منعه:

- ‌أولا: شبهاتهم فيما استدلوا به من القرآن

- ‌ثانيا: شبهاتهم فيما استدلوا به من السنة، ومن أقوال وأفعال الصحابة والتابعين

- ‌ثالثا: شبهاتهم من العقل:

- ‌الخاتمة:

- ‌الغلو في الدينمعناه، وتاريخه، وأسبابه

- ‌أولا: حد الغلو

- ‌حقيقة الغلو:

- ‌علاقة الغلو بالإفراط والتطرف:

- ‌الفرق بين التمسك بالنصوص والغلو:

- ‌ثانيا: تاريخ الغلو ونشأته عند المسلمين:

- ‌نشأة الغلو عند المسلمين:

- ‌علاقة نشأة الغلو عند المسلمين بالعقائد القديمة:

- ‌ثالثا: أسباب نشأة الغلو في الدين

- ‌الخاتمة:

- ‌الفتن والمخرج منها

- ‌تعريف الفتن:

- ‌أهمية تأكيد الفتنة:

- ‌فهم الرعيل الأول:

- ‌نماذج من الأشرار:

- ‌المخرج من الفتن:

- ‌التساؤلات:

- ‌قيمة الزمن في القرآن الكريم

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: مفهوم الزمن وأهميته

- ‌أولا: مفهوم الزمن

- ‌ثانيا: قيمة الزمن

- ‌ثالثا: عناية القرآن الكريم بالزمن

- ‌المبحث الثاني: القسم بالزمن في القرآن الكريم

- ‌أولا: القسم بالعصر

- ‌ثانيا: القسم بالفجر

- ‌ثالثا: القسم بالصبح

- ‌رابعا: القسم بالضحى

- ‌خامسا: القسم بالشفق

- ‌سادسا: القسم بالنهار

- ‌سابعا: القسم بالليل

- ‌ثامنا: القسم بالليالي العشر

- ‌تاسعا: القسم بيوم القيامة

- ‌عاشرا: القسم بالعمر

- ‌المبحث الثالث: الأزمان الفاضلة في القرآن الكريم

- ‌ثالثا: شهر رمضان

- ‌رابعا: ليلة القدر

- ‌خامسا: أيام التشريق

- ‌سادسا: يوم الجمعة

- ‌سابعا: وقت السحر

- ‌الخاتمة:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌أولا: شبهاتهم فيما استدلوا به من القرآن

تعالى فلا يضاهى به غيره) (1)

(1) شرح صحيح مسلم ج 11 ص 105، وانظر الفتاوى ج 1 ص 191.

ص: 148

ثانيا: عرض ما تيسر من شبهات (1) من قال بهذا النوع من التوسل مع المناقشة.

لقد تمسك من قال بهذا النوع من التوسل بشبهات نقلية وعقلية منها ما يلي:

‌أولا: شبهاتهم فيما استدلوا به من القرآن

ومن ذلك ما يلي:

الشبهة الأولى: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2)

، يقول الزهاوي:(لنا على جواز التوسل والاستغاثة دلائل: منها قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (3) إلى أن قال: (بل ظاهر الآية تخصيصها الذوات)(4)

الجواب: يقال لهم الآية حجة عليكم لا لكم، ذلك أن المراد

(1) جمع شبهة وهي دليل أو استدلال باطل.

(2)

سورة المائدة الآية 35

(3)

سورة المائدة الآية 35

(4)

الضياء الشارق ص 487.

ص: 148

بالوسيلة فيها: هي: التقرب إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه (1).

يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: (يقول سبحانه وتعالى آمرا عباده المؤمنين بتقواه وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف عن المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (2) قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس: أي القربة. وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد. وقال قتادة: أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه) (3).

وقال ابن جرير: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (4): واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل) ثم روى عن مجموعة منهم أبو وائل وعطاء، وقتادة، ومجاهد، وعبد الله بن كثير كلهم يقولون بهذا القول (5).

فإذا كان المراد بالوسيلة في الآية: هي التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، فالآية حجة في إثبات شرعية التوسل بالأعمال الصالحة لا ما زعمتم من التوسل بالذوات ونحوها.

(1) انظر: مجموع الفتاوى ج 1 ص 247.

(2)

سورة المائدة الآية 35

(3)

تفسير ابن كثير ج 2 ص 52.

(4)

سورة المائدة الآية 35

(5)

تفسير الطبري ج 6 ص 146، 147.

ص: 149

الشبهة الثانية: قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} (1){أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (2)

يقول الزهاوي في معرض استدلاله بهذه الآية: (إن الكفار يعبدون الأنبياء والملائكة على أنهم أرباب، فيقول الله لهم: أولئك الذين تعبدونهم هم يتوسلون إلى الله بمن هو أقرب، فكيف تجعلونهم أربابا وهم عبيد مفتقرون إلى ربهم متوسلون إليه بمن هو أعلى مقاما منهم)(3) الجواب: يقال لهم استدلالكم باطل، ذلك أن المراد بالوسيلة التي أخبر الله بأن الذين يدعوهم المشركون أربابا يبتغونها إليه؛ لأنهم أهل الإيمان به هي- كما قال شيخ الإسلام (4) ما يتقرب به إلى الله من الواجبات والمستحبات، فهي قربة بطاعة أمر الله بها عباده.

قال الشوكاني: (ولا خلاف في يبتغون أنها بالتحية والوسيلة القربة بالطاعة والعبادة)(5).

(1) سورة الإسراء الآية 56

(2)

سورة الإسراء الآية 57

(3)

انظر: الضياء الشارق ص 497.

(4)

قاعدة جليلة ص 48.

(5)

فتح القدير ج 3 ص 237.

ص: 150

وقال الشنقيطي في تفسير هذه الآية: (وقد قدمنا في سورة المائدة أن المراد بالوسيلة في هذه الآية الكريمة وفي آية المائدة هو التقرب إلى الله بالعمل الصالح). (1)

وعليه فإنها لا تشمل شيئا من التوسل الممنوع، إذ لم يأمر به الله يؤكد ذلك أنه لم يعمل به الصحابة ومن أتى بعدهم من القرون المفضلة الذين هم أعلم هذه الأمة بكتاب الله، ولو كان في هذه أو غير دلالة عليه لعملوا، به أيضل عنه الصحابة ويهتدي إليه هؤلاء المتأخرون؟

إضافة إلى ما ذكرت فإن طائفة من المشركين كانوا يدعون الملائكة والأنبياء، وقيل يدعون الجن فأنزل الله هاتين الآيتين إنكارا عليهم ذلك، لذا فهما تتضمنان النهي عن دعاء غير الله. والآية الأولى كما قال شيخ الإسلام قصد بها بالتعميم لكل ما يدعى من دون الله، فكل من دعى ميتا أو غائبا من الأنبياء أو الصالحين سواء كان بلفظ الاستغاثة أو غيرها فقد تناولته هذه الآية

(1) أضواء البيان ج 2 ص 313.

ص: 151

كما تتناول من دعى الملائكة والجن، إذ أنه شرك أو ذريعة إلى الشرك (1).

وعليه فإن من توسل بدعاء ميت فإن هذا النهي يتناوله إذ فيه دعاء لغير الله وهو دعاء الميت وذلك ذريعة إلى الشرك.

يقول شيخ الإسلام في تعليقه على هذه الآية: (قال طائفة من السلف كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء فقال الله تعالى: هؤلاء الذين تدعونهم هم عبادي كما أنتم عبادي، يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي، ويتقربون إلي كما تتقربون إلي، فنهى سبحانه عن دعاء الملائكة والأنبياء؛ لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم بخلاف الطلب من أحدهم في حياته فإنه لا يفضي إلى الشرك)(2).

وقال أيضا بعد أن ذكر هذه الآية: (ومثل هذا كثير في القرآن ينهى أن يدعى غير الله لا من الملائكة ولا الأنبياء ولا غيرهم فإن هذا شرك أو ذريعة إلى الشرك بخلاف ما يطلب من أحدهم في حياته من الدعاء والشفاعة فإنه لا يفضي إلى ذلك)(3) وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في تعليقه على هذه الآية:

(1) انظر: مجموع الفتاوى ج 15 ص 226 وقاعدة جليلة ص 33.

(2)

قاعدة جليلة ص 36/ 1، 137.

(3)

قاعدة جليلة ص 33.

ص: 152

(وأما ادعاء المنحرفين عن الإيمان من أن الوسيلة هي التوسل إلى الله تعالى بالأنبياء والصالحين فهذا باطل يناقض ما ذكره الله تعالى في أول الآية من تهديد من دعاهم وإنكاره عليهم دعوتهم)(1)

مما ذكر اتضح أن الآيتين إنما تدلان على التقرب إلى الله بالعمل الصالح وهو توسل مشروع كما تدلان على النهي عن التوسل بدعاء الميت وهو من أنواع التوسل الممنوع وعليه فالآيتان حجة عليهم لا لهم.

(1) القول الفصل النفيس ص 42.

ص: 153

الشبهة الثالثة: قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} (1)

يقول الزهاوي - بعد أن ذكر هذه الآية مستدلا بها: (فقد علق الله تعالى قبول استغفارهم باستغفاره عليه الصلاة والسلام وفي ذلك صريح دلالة على جواز التوسل به صلى الله عليه وسلم (2).

الجواب: يقال لهم: استدلالكم خاطئ، فالآية إنما ترشد إلى توسل مشروع وهو التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم حال حياته.

يدل على ذلك ما يلي:

(1) سورة النساء الآية 64

(2)

الضياء الشارق ص 504.

ص: 153

أولا: قوله: {جَاءُوكَ} (1) فإن المجيء إلى الرجل ليس معناه إلا المجيء إلى عين الرجل، أما المجيء إلى قبره فإنه ليس من أفراد المجيء إلى الرجل لا لغة ولا شرعا ولا عرفا، ولا يفهم من هذا اللفظ - بحسب اللغة والعرف- إلا المجيء إليه في حياته الدنيوية المعهودة (2)، ولذا لم يفهم من هذه الآية أحد من السلف والخلف إلا المجيء إليه في حياته ليستغفر لهم (3)

ثانيا: قوله: {وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} (4).

واستغفاره صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا في حياته ذلك أن الاستغفار كغيره من الأعمال ينقطع بعد الموت لانقطاع التكليف عنه (5) قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له (6)» . ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشمله الحديث لأنه من الإنسان (7).

(1) سورة النساء الآية 64

(2)

انظر: صيانة الإنسان ص 29، 30.

(3)

الصارم المنكي ص 425 (بتصرف).

(4)

سورة النساء الآية 64

(5)

انظر قاعدة جليلة ص 137 وتيسير الكريم الرحمن ج 2 ص 44.

(6)

أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي- انظر: جامع الأصول حديث 8712.

(7)

انظر: الجواب المختار ص 51.

ص: 154

ثالثا: أنه لو كان استغفاره صلى الله عليه وسلم لمن جاءه مستغفرا بعد موته مشروعا لأمر به أمته ورغبهم فيه ولكان الصحابة وتابعوهم بإحسان أرغب شيء فيه وأسبق إليه، فهم أحرص هذه الأمة على الالتزام بأمر الله سبحانه وأشدهم تعظيما لنبيها ومعرفة لقدرته، ولكن شيئا من ذلك لم يحصل إذ لم ينقل عن أحد منهم قط بنوع من أنواع الأسانيد أنه جاء إلى قبره ليستغفر له ولا شكا إليه ولا سأله (1)، كل ذلك يؤكد أنها خاصة في حياته.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومنهم من يتأول قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} (2). ويقولون: إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين فإن أحدا منهم لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئا ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم) (3).

وقال الشيخ ابن سعدي في تفسير هذه الآية: (وهذا المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بحياته؛ لأن السياق يدل على ذلك لكون الاستغفار من الرسول لا يكون إلا في حياته،

(1) الصارم المنكي ص 428 (بتصرف) وانظر: قاعدة جليلة ص 19، 20.

(2)

سورة النساء الآية 64

(3)

قاعدة جليلة ص 19.

ص: 155

وأما بعد موته فإنه لا يطلب منه شيء بل ذلك شرك) (1) وقال ابن عبد الهادي الحنبلي: (وأما دلالتها على المجيء إليه في قبره بعد موته فقد عرف بطلانه)(2).

مما ذكر اتضح أن الآية لا تدل على المجيء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الاستغفار والشفاعة منه أو التوسل بذاته وإنما تدل على توسل مشروع وهو التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم حال حياته.

(1) تفسير ابن سعدي ج 2 ص 44

(2)

الصارم المنكي ص 429.

ص: 156

الشبهة الرابعة: قوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} (1)

وجه الدلالة: قالوا في هذه الآية وعد للمصدقين وهم الأولياء بأن لهم ما يشاءون عند ربهم، فيدخل في ما يشاءونه من الله تلبية من توسل بهم من العباد (2).

يقول محمد الفقي: (وكيف لا يستعان بمن هذه صفتهم ولا يطلب العون ممن هذا حالهم، وقد قال تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (3). (4)

(1) سورة الزمر الآية 34

(2)

انظر: القول الجلي ص 37، والتوسل والزيارة ص 195

(3)

سورة الزمر الآية 34

(4)

التوسل والزيارة ص 197.

ص: 156

الجواب: يقال لهم: أولا: لنقرأ الآية التي قبلها والتي بعدها، وماذا قيل فيها؟

يقول سبحانه وتعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (1){لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} (2){لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3)

قيل: الآية خاصة {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} (4): قيل هو جبريل، وقيل محمد، والذي صدق به: قيل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل أبو بكر، وقيل المؤمنون، وقال النخعي:(الذي جاء بالصدق وصدق به هم المؤمنون الذي يجيئون بالقرآن يوم القيامة)(5)

وقيل: هي عامة عني بها كل من دعا إلى توحيد الله وتصديق رسوله والعمل بما ابتعث به رسوله صلى الله عليه وسلم وهو ما اختاره كثير من المفسرين، كابن جرير، وابن سعدي والشوكاني.

فيكون المراد من الآية أن كل من آمن بالله وعمل صالحا فله ما يشاء عند ربه، وعليه فهي ليست خاصة سماعة بعينهم، كما

(1) سورة الزمر الآية 33

(2)

سورة الزمر الآية 34

(3)

سورة الزمر الآية 35

(4)

سورة الزمر الآية 33

(5)

تفسير الشوكاني ج 4 ص 463.

ص: 157

يزعمون.

ثانيا: المراد بقوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ} (1) في الآخرة لا في الدنيا.

بدليل قوله: {عِنْدَ رَبِّهِمْ} (2).

يقول ابن جرير: (لهم عند ربهم يوم القيامة)(3)، وبدليل قوله تعالى:{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (4).

وعليه فإن تلبية من توسل بهم لا تدخل في ما يشاءونه؛ لأنها من أمور الدنيا.

ثالثا: على فرض دخول الأمور الدنيوية في ما يشاءونه فإن هؤلاء المحسنين كانوا يدعون إلى توحيد الله والعمل بما يرضيه، ولذلك وصفهم بالمتقين، وهم الذين اتقوا الله بتوحيده والبراءة من الأوثان والأنداد وأداء الفرائض واجتناب المعاصي (5) ومن كان كذلك فلن يشاء الشرك أو شيئا من وسائله، وبذلك يتضح بطلان استدلالهم بالآية.

(1) سورة الزمر الآية 34

(2)

سورة الزمر الآية 34

(3)

تفسير الطبري ج 24 ص 4.

(4)

سورة الشورى الآية 22

(5)

انظر تفسير الطبري 24 ص 4.

ص: 158

الشبهة الخامسة: استدلوا بقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} (1)

وقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (2) قالوا: الآيتان تفيدان أن الأولياء أحياء بعد قتلهم وما داموا كذلك فيجوز نداؤهم والتوسل بهم كالأحياء في الدنيا (3)

يقول محمد الفقي: (وحيث ثبتت حياة المتوفى في البرزخ بما أوردناه وبقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (4) جاز طلب العون منهم) (5) الجواب: يقال لهم هاتان الآيتان نزلتا في حق الشهداء (6):

فالآية الأولى: توجيه للمؤمنين أن لا يقولوا لمن يقتل في سبيل الله هو ميت، فإن الميت من سلب حياته وأعد حواسه فلا يلتذ لذة ولا يدرك نعيما، أما من قتل في سبيل الله فإنهم في حياة

(1) سورة البقرة الآية 154

(2)

سورة آل عمران الآية 169

(3)

انظر: إتحاف الأذكياء ص 13، 14 وتطهير الجنان ص 59 والبروق النجدية ص 30.

(4)

سورة آل عمران الآية 169

(5)

التوسل محمد الفقي ص 188.

(6)

انظر: أسباب النزول للسيوطي بها هامش (تفسير وبيان) ص 43، ص 109، 110.

ص: 159

ونعيم فرحين بما آتاهم الله من فضله.

والآية الثانية: إخبار من الله تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار كما جاء في صحيح مسلم عن مسروق قال: «سألنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل (1)» . . . . " الحديث وعليه فالآيتان إنما تفيدان أن الشهداء أحياء بعد قتلهم حياة برزخية لا يعلم كنهها إلا الله سبحانه لا تقاس بالحياة الدنيا ولا تعطى أحكامها.

بل إن فيما زعمتم مصادمة لكتاب الله؛ لأن الله يقول {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (2) فلم يجعلهما الله سواء بل فرق بين الأحياء والأموات وإذا لم يكونوا سواء فإنه يبطل قياس حياة

(1) صحيح مسلم الإمارة (1887)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3011)، سنن ابن ماجه الجهاد (2801)، سنن الدارمي الجهاد (2410).

(2)

سورة فاطر الآية 22

ص: 160