الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد يصل إلى الشرك الأكبر إن اعتقد في المتوسل به شيئا من النفع أو الضر دون الله
وقد أجاز بعض المتأخرين هذا النوع من التوسل متمسكين ببعض الشبهات.
وإليك بعض الأدلة على منعه ثم عرض ما تيسر من شبهات من قال به مع المناقشة:
أولا: الأدلة على منعه:
وهي كثيرة منها ما يلي:
الدليل الأول: هذا النوع من التوسل لم يرد له دليل في الكتاب ولا في صحيح السنة ونحن مأمورون بالالتزام بهما وعليه فهو غير مشروع وإنما هو بدعة ممنوعة وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1)»
(1) أخرجه البخاري في البيوع باب النجش، ومسلم في الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، وأبو داود في السنة باب لزوم السنة وانظر: جامع الأصول حديث 75 (المتن والحاشية).
وقال صلى الله عليه وسلم: «وإياكم ومحدثات الأمور (1)» . . . . الحديث)
وإن زعم المخالف أنه موجود فيهما أو في أحدهما، قلنا زعم باطل، إذ لا دليل عليه ومما يؤكد بطلانه أنه لم يعمل به الصحابة ومن أتى بعدهم من أهل القرون المفضلة الذين هم أعلم هذه الأمة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأشدهم حرصا على الالتزام بهما.
فلو كان موجودا لعملوا به أيضل عنه الصحابة ويهتدي إليه هؤلاء المتأخرون؟
الثاني: أن هذا النوع من التوسل ذريعة إلى الشرك (2):
وبما أن الوسائل تابعة للمقاصد في الحكم فهو ممنوع سدا للذريعة وإبعادا للمسلم من قول أو فعل يفضي إلى الشرك، يقول
(1) سنن الترمذي العلم (2676)، سنن أبي داود السنة (4607)، مسند أحمد (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).
(2)
انظر: قاعدة جليلة ص 33 والقول الجلي ص 29 وفتاوى اللجنة الدائمة ج1 ص 347.
ابن القيم: (لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها) إلي أن قال: (فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقا لتحريمه ومنعا أن يقرب حماه ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليها لكان ذلك نقضا للتحريم)(1) ولذا جاءت أدلة كثيرة في الكتاب والسنة تدل دلالة قاطعة على أن سد الذرائع إلى الشرك والمحرمات من مقاصد الشريعة ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (2) فنهى سبحانه وتعالى المسلمين عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله مع أنها باطلة لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب المشركين الإله الحق سبحانه انتصارا لآلهتهم الباطلة جهلا منهم وعدوا.
ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن بناء المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا والإشراك بها
(1) إعلام الموقعين ج 3 ص 135.
(2)
سورة الأنعام الآية 108
الثالث: أن في هذا النوع من التوسل محذورا من وجهين:
الأول: فيه شبه بتوسل المشركين بآلهتهم وقد ذمه الله حيث قال سبحانه: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (1)
ففي الآية عاب سبحانه أمرين:
1 -
عاب عبادة الأولياء من دونه.
2 -
عاب محاولة القربى إليه بالمخلوق، والتوسل بالذات أو بدعاء الميت من الأمر الثاني، قال شيخ الإسلام- عندما سئل عن رجلين تناظرا- فقال أحدهما لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله، فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك، فقال:(الحمد لله رب العالمين إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة يبلغنا أمر الله فهذا حق، وإن أراد بالواسطة أنه لا بد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم يسألونه ذلك ويرجعون إليه فيه، فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء يجتلبون بهم المنافع ويجتنبون المضار)(2).
(1) سورة الزمر الآية 3
(2)
الفتاوى، ج 1، 121 - 123.
الثاني: فيه انتقاص لله سبحانه وتعالى وتنزيل له إلى منزلة المخلوق الذي يحابي في فضله وحكمه فيعطي من له وسيط أكثر مما يعطي غيره أو يحرم من ليس له وسيط لجهله بحاله وبعده عن سماع مقاله (1) والله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (2)
الرابع: أن في هذا النوع من التوسل دعاء ميت- وذلك عند التوسل بدعاء الميت- وقد ورد النهي عنه والوعيد عليه إذ هو شرك أو ذريعة إلى الشرك (3) كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (4){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (5) فبين سبحانه أن دعاء من لا يسمع ولا يستجيب شرك يكفر به المدعو يوم القيامة - أي: ينكره-.
ويعادي من فعله كما قال تعالى: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (6) فكل ميت أو غائب لا
(1) الأجوبة المفيدة ص 145.
(2)
سورة البقرة الآية 186
(3)
قاعدة جليلة ص 33، 34.
(4)
سورة فاطر الآية 13
(5)
سورة فاطر الآية 14
(6)
سورة الأحقاف الآية 6
يسمع ولا يستجيب ولا ينفع ولا يضر.
ولهذا لم ينقل عن أحد من الصحابة- رضي الله عنهم ولا عن غيرهم من السلف أنهم أنزلوا حاجاتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، بل العكس نراهم عام الرمادة توسلوا بدعاء العباس رضي الله عنه؛ لأنه حي حاضر يدعو ربه، فلو جاز التوسل بأحد بعد وفاته لتوسل عمر والسابقون الأولون بالنبي صلى الله عليه وسلم (1)
قال شيخ الإسلام- بعد أن ذكر بعض الأدلة في النهي عن دعاء غير الله-: (ومثل هذا كثير في القرآن ينهى أن يدعى غير الله لا من الملائكة ولا الأنبياء ولا غيرهم، فإن هذا شرك أو ذريعة إلى الشرك بخلاف ما يطلب من أحدهم في حياته من الدعاء والشفاعة فإنه لا يفضي إلى ذلك، فإن أحدا من الأنبياء والصالحين لم يعبد في حياته بحضرته، فإنه ينهى من يفعل ذلك بخلاف دعائهم بعد موتهم فإن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم)(2)
وقال أيضا: "فإن دعاء الملائكة، والأنبياء بعد موتهم وسؤالهم والاستشفاع بهم في هذه الحال هو من الدين الذي لم يشرعه الله ولا ابتعث به رسولا ولا أنزل به كتابا ولا فعله
(1) انظر: تسير العزيز الحميد، ص 661، 662. وقاعدة جليلة، ص 19، 33، 44.
(2)
قاعدة جليلة، ص 33. وانظر مجموع الفتاوى ج 1، ص 330.
أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين" (1)
الخامس: أن من هذا النوع من التوسل، التوسل بالجاه أو الحق ونحوهما وهو باطل من ثلاثة وجوه:
الأول: أنه توسل بعمل الغير، ذلك أن المنزلة والجاه إنما اكتسبها الإنسان بعمله، وعمل الغير مختص به فلو توسل به غيره كان قد سأل بأمر أجنبي عنه ليس سببا لنفعه، قال تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (2).
وقال شيخ الإسلام: (قول السائل لله تعالى: (أسألك بحق فلان وفلان من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم أو بجاه فلان) يقتضي أن هؤلاء لهم عند الله جاه وهذا صحيح، ولكن ليس نفس مجرد قدرهم وجاههم مما يقتضي إجابة دعائه إذا سأل الله بهم حتى يسأل الله بذلك، بل يكون قد سأل بأمر أجنبي عنه ليس سببا لنفعه) (3)
الثاني: أن في التوسل بمنزلة أو حق الغير اعتداء في الدعاء، والاعتداء في الدعاء محرم قال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (4)
(1) قاعدة جليلة ص 19.
(2)
سورة النجم الآية 39
(3)
الفتاوى، ج 1، ص 211، 212.
(4)
سورة الأعراف الآية 55
وقال شارح الطحاوية: (فلا مناسبة بين ذلك (1) وبين إجابة دعاء هذا السائل فكأنه يقول: لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعائي، وأي مناسبة وأي ملازمة، وإنما هذا من الاعتداء في الدعاء، وقد قال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (2) وهذا ونحوه من الأدعية المبتدعة، لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن أحد من الأئمة، والدعاء من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على السنة والاتباع لا على الهوى والابتداع) (3).
الثالث: أن السؤال بحق فلان يتضمن أن للمخلوق حقا على الخالق وليس على الله حق (4) إلا ما أحقه على نفسه بوعده الصادق، يقول القدوري: (المسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنه لا حق للخلق على
(1) وهو قوله (بحق فلان).
(2)
سورة الأعراف الآية 55
(3)
شرح الطحاوية، ص 262.
(4)
القول الجلي، ص 29.
الخالق فلا تجوز وفاقا) (1).
السادس: أن من هذا النوع من التوسل سؤال العبد ربه حاجته مقسما بمخلوق.
وهذا فيه محذور من وجهين:
الأول: أن فيه إقساما بغير الله والإقسام بغير الله على المخلوق لا يجوز قال صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (2)» بل عده الرسول صلى الله عليه وسلم من الشرك، قال صلى الله عليه وسلم:«من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك (3)» فكيف بالإقسام بالمخلوق على الخالق، إنه ليس شركا فقط بل هو تقرب إلى الله بالشرك، والتقرب إلى الله إنما يكون بما يرضيه لا فيما يسخطه. (4).
قال شارح الطحاوية: (وإن كان مراده الإقسام على الله بحق فلان فذلك محذور أيضا؛ لأن الإقسام بالمخلوق على المخلوق لا يجوز
(1) قاعدة جليلة ص 50.
(2)
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، انظر: جامع الأصول حديث 9281.
(3)
أخرجه الترمذي عن سعد بن عبيدة برقم 1535 في الأيمان والنذور، باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله وقال: هذا حديث حسن، انظر: جامع الأصول حديث 9278.
(4)
انظر قاعدة جليلة ص 21، 106 والتوصل ص 191.
فكيف على الخالق؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد أشرك (1)» . (2)
وقال ابن تيمية "وأما القسم الثالث مما يسمى توسلا، وهو الإقسام على الله عز وجل بالأنبياء والصالحين أو السؤال بأنفسهم، فإنه لا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ثابتا لا في الإقسام أو السؤال به ولا في الإقسام أو السؤال بغيره من المخلوقين، وقد ثبت أنه لا يجوز القسم بغير الله لا بالأنبياء ولا بغيرهم، فإذا لم يجز أن يحلف بها الرجل ولا يقسم بها على مخلوق فكيف يقسم بها على الخالق جل جلاله"؟ (3).
الوجه الثاني: أن فيه تعظيما للمخلوق:
ذلك أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به وبما أن المحلوف به يكون أعظم من المحلوف عليه فإن في هذا القسم رفعا للمخلوق فوق منزلة الخالق، ومساواة المخلوق بالخالق شرك فكيف لو جعلناه أعظم منه؟
قال النووي: (قال العلماء: الحكمة في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به، وحقيقة العظمة مختصة بالله
(1) أخرجه الترمذي عن سعد بن عبيدة برقم 1535 في الأيمان والنذور، باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله وقال: هذا حديث حسن، انظر: جامع الأصول حديث 9278.
(2)
شرح الطحاوية ص 262.
(3)
قاعدة جليلة ص 106 وانظر ص 144.