المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المخرج من الفتن: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٧٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌حكم الإقامة عند القبر بالمدح والأذكار ثلاثة أيام

- ‌من بدع زيارة القبور

- ‌حكم زيارة النساء للقبور

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ صلة الرحم

- ‌ خضاب الرجل يديه ورجليه عند زواجه

- ‌ كيفية اختيار الزوجة

- ‌ راتبة الظهر

- ‌ حكم التسبيح بالمسبحة

- ‌ حكم الشرع في المرأة التي لا ترتدي الخمار

- ‌ حكم صبغ الشعر

- ‌ المرور أمام المصلي

- ‌ رفع اليدين أثناء الدعاء

- ‌ الدعاء بين إقامة الصلاة وتكبيرة الإحرام

- ‌ حكم قول المؤذن في أذانه حي على خير العمل

- ‌ تقبيل الإبهامين عند قول المؤذن (أشهد أن محمدا رسول الله)

- ‌ التذكير قبل صلاة الفجر

- ‌ حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الآذان وبعده

- ‌التوسل المشروع والممنوع

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: التوسل المشروع

- ‌النوع الأول: التوسل بأسماء الله وصفاته

- ‌النوع الثاني: التوسل بالأعمال الصالحة

- ‌النوع الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الصالح الحي:

- ‌المبحث الثاني: التوسل الممنوع:

- ‌النوع الأول: التوسل بوسيلة نص الشارع على بطلانها:

- ‌النوع الثاني: التوسل بوسيلة دلت قواعد الشرع على بطلانها:

- ‌أولا: الأدلة على منعه:

- ‌أولا: شبهاتهم فيما استدلوا به من القرآن

- ‌ثانيا: شبهاتهم فيما استدلوا به من السنة، ومن أقوال وأفعال الصحابة والتابعين

- ‌ثالثا: شبهاتهم من العقل:

- ‌الخاتمة:

- ‌الغلو في الدينمعناه، وتاريخه، وأسبابه

- ‌أولا: حد الغلو

- ‌حقيقة الغلو:

- ‌علاقة الغلو بالإفراط والتطرف:

- ‌الفرق بين التمسك بالنصوص والغلو:

- ‌ثانيا: تاريخ الغلو ونشأته عند المسلمين:

- ‌نشأة الغلو عند المسلمين:

- ‌علاقة نشأة الغلو عند المسلمين بالعقائد القديمة:

- ‌ثالثا: أسباب نشأة الغلو في الدين

- ‌الخاتمة:

- ‌الفتن والمخرج منها

- ‌تعريف الفتن:

- ‌أهمية تأكيد الفتنة:

- ‌فهم الرعيل الأول:

- ‌نماذج من الأشرار:

- ‌المخرج من الفتن:

- ‌التساؤلات:

- ‌قيمة الزمن في القرآن الكريم

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: مفهوم الزمن وأهميته

- ‌أولا: مفهوم الزمن

- ‌ثانيا: قيمة الزمن

- ‌ثالثا: عناية القرآن الكريم بالزمن

- ‌المبحث الثاني: القسم بالزمن في القرآن الكريم

- ‌أولا: القسم بالعصر

- ‌ثانيا: القسم بالفجر

- ‌ثالثا: القسم بالصبح

- ‌رابعا: القسم بالضحى

- ‌خامسا: القسم بالشفق

- ‌سادسا: القسم بالنهار

- ‌سابعا: القسم بالليل

- ‌ثامنا: القسم بالليالي العشر

- ‌تاسعا: القسم بيوم القيامة

- ‌عاشرا: القسم بالعمر

- ‌المبحث الثالث: الأزمان الفاضلة في القرآن الكريم

- ‌ثالثا: شهر رمضان

- ‌رابعا: ليلة القدر

- ‌خامسا: أيام التشريق

- ‌سادسا: يوم الجمعة

- ‌سابعا: وقت السحر

- ‌الخاتمة:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المخرج من الفتن:

‌المخرج من الفتن:

إن كتاب الله العظيم، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه من كلمة له: لا تفنى عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم.

فإن من يتتبع آيات الذكر الحكيم، يجد فيه العظة والحل، لمن أراد الله به خيرا، يقول سبحانه:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} (1){إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (2).

ولا شك أن الفتن، ومن يحركها من هذا الاختلاف، ولا يثيرها في المجتمع الإسلامي إلا من يريد بالأمة فرقة وشرا، وهي من السنة السيئة، التي يتحمل وزرها من سعى فيها، وحركها من نومها، يقول صلى الله عليه وسلم:«من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة (3)» .

ذلك أن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، وهو أثر رواه القزويني في كتابه: التدوين في تاريخ قزوين، وقال عنه: جاء في الأثر، ولم ينسبه (4).

(1) سورة هود الآية 118

(2)

سورة هود الآية 119

(3)

من حديث مطول رواه مسلم في الزكاة، برقم 1017، والنسائي في الزكاة برقم 5/ 75، 76، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه.

(4)

ج 1: ص 297.

ص: 300

فإن أهل الشر والفساد الذين لا يضمرون للأمة الإسلامية ولا لدين الله خيرا، هم الذين يزينون مداخل الفتن، ويتشوقون إليه، بالأماني والوعود، حتى يسهلوا لأصحاب الأهواء ولمن في قلبه مرض طريق الدخول فيها، وقد يدخل فيها من لا يدرك السر الذي جذبه إليها، ولا الهدف الذي يتجه إليه. وكما يقال: الدخول في الشبكات سهل، لكن الخروج منها صعب.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تحدث عن الفتن وأطال فيها، فقد حفظ ذلك من حفظه، وضيعه من ضيعه، فإنما يحذر أمته منها، ويعطيهم الحلول التي تثبت قلوبهم، عندما تبرز أمامهم بوادر الفتن، وأبان لهم أن في كتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم خير خلف في قيادة الأمة ولحفاظ أبنائها على سلامة الجوهر الذي يعتز به كل مسلم، وهو دينه الذي شرعه الله من أجل التمسك به، والسير على ما يوجد في المنهجين الأساسيين: القرآن والسنة، من توجيه ومخاطبة للعقول السليمة.

وقد يكون من المناسب أن تخاطب عقول بعض من طاشت عقولهم، في حوار يلامس الوجدان ويعين في فتح باب يخرج معه من دخل في الفتن مجرورا أو مقلدا، لعل قلبه يلين، وفكره يستيقظ، إذ هذه الفتن التي مرت بالبلاد، وحصل بسببها جرأة في القول، وعنف بالتصرفات، وتدمير في الممتلكات، وقتل نفوس بريئة، وتموج

ص: 301

آثارها في كثير من المواقع على وجه الأرض، تحتاج من عقلاء الأمة، وعلمائها، إلى مناقشة الأمر بأساليب متنوعة، توضح المخارج من هذه الفتنة، والوسائل المعينة على ذلك .. ما بين وعظية، وعقدية، وبين وجدانية تحرك الأحاسيس والعواطف، وبين تخويف من عقاب الله، ودعوة إلى التوبة إلى الله، فإن الله يقبل توبة عباده، ويفرح بها بشروطها الثلاثة: الإقلاع عن الذنب، والعزم الصادق بعدم العودة إليه، والندم على ما حصل.

وهذا في حق الله سبحانه الذي دعا عباده إليه في آيات كريمة من كتابه الكريم، منها هذه الآية:{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (1){وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} (2) والتوبة من أهم وأفضل المخارج من الفتنة التي تجر إلى المعاصي والآثام، ويرقص فيها عدو الله إبليس طربا، ويريدها أعوانه من شياطين الإنس والجن تأجيجا وترغيبا؛ لأنه يحز في قلوبهم أن تهدأ أمة الإسلام، وأن يكونوا صفا واحدا متراصين، قيادة ومقودين، علماء وعامة.

وهناك شرط رابع في التوبة، وهو المتعلق بالمخلوقين، بأن تعاد

(1) سورة الزمر الآية 53

(2)

سورة الزمر الآية 54

ص: 302

الحقوق إلى أصحابها، واستسماحهم، سواء كانت مالا، أو عرضا، أو غيبة أو غير ذلك، من الحقوق المادية أو المعنوية.

ويؤكد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في رأفة منه بالأمة، ورحمة قبل فوات الأوان، حيث قال:«التائب من الذنب كمن لا ذنب له (1)» .

وفي تحذيره صلى الله عليه وسلم من الفتن، بين المخرج منها، والتوبة التي جاء الحث عليها، في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا، هي أهم المخارج من الفتن.

وجعل صلى الله عليه وسلم من المخرج من الفتنة، لمن وقع فيها، أو خاف مما حوله أن يجره إليها ليقع بقصد أو بغير مقصد، أن السلامة من ذلك: اعتزال الناس، وكسر السيف حتى لا يستعمله فيها، والاعتزال في شعب من الشعاب (2).

- إن كل مخلص لدينه، وأمته وفق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (3)» .

(1) رواه ابن ماجه والطبراني في الكبير، انظر: كشف الخفاء 1: 296.

(2)

يراجع في هذا باب الفتن، عند البخاري وعند مسلم وغيرهما، وأحاديث حذيفة رضي الله عنه خاصة.

(3)

رواه مسلم والنسائي وأبو داود عن تميم الداري رضي الله عنه جامع الأصول لابن الأثير 11: 557 - 559، برواياته.

ص: 303

فإن من النصيحة والإرشاد لمن يريد المخرج من الفتن التي استشرفت ديار المسلمين، ووراءها ما وراءها، دعوة من ولج بابها، أو وقع في بعض الأعمال التي تدعو إليه، إلى مراجعة النفس، في ساعة صفاء وتعقل، كما تعقل بعضهم، ممن أنار الله قلبه، وبعد ما رأى حسن المعاملة والتسامح، وبالحوار الفكري المستمد من كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، مع الهدوء والتعقل في النقاش، حيث أبان بصدق وإخلاص خطأ ما سار فيه ودعا من يتب إلى التوبة والتبرؤ من العمل، وبعد ذلك نسألهم عن أمرين متضادين: الأول: ما الهدف وما المصلحة من هذا الأمر الذي اندفع فيه بعضهم، وهل يوافق شرع الله، وما قاله العلماء قديما وحديثا في الفتن .. وخاصة الأحاديث التي اختص بها الصحابي الجليل: حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.

الثاني: ماذا جنت الأمة حتى توقعوها في الفتنة؟ وهل لكم أجر عند الله بهذا العمل، أم هو مخالف بشدة لأمر الله سبحانه وتحذيره بقوله الكريم:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1) وهل فكرتم في جزاء من خالف أمر الله وأمر رسوله؟!!.

(1) سورة الأنفال الآية 25

ص: 304

فقد خالفتم وبإصرار أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:«ستكون فتن: القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تتشرفه، ومن وجد فيها ملجأ فليعذ به (1)» .

فإذا وضعنا الأمور في كفتين، فإن كفة الخير هي التي ترجح، وهي ما اهتم به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبار التابعين، بعد ما عصفت بالأمة الفتن، التي تركت آثارا سلبية على خير القرون، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بانت في وقعتي: الجمل وصفين، بينما ملتم إلى كفة الشر، بأعمال ظهرت، وأقوال برزت، خطأكم فيها الخاصة والعامة، والبعيد قبل القريب. ولا معادلة بين الكفتين: إلا بالتوبة إلى الله، والبراءة من هذا العمل المشين. وفي هذا المجال، نجد من المناسب طرح بعض التساؤلات مع هؤلاء الذين تجرؤوا على أمتهم بعملهم التكفيري: لولاة الأمر، من حكام وعلماء، ومحكومين، بل في كل من يختلف مع منهجهم، ومسلكهم التخريبي وفكرهم المنحرف .. فكيف وهم قوم يدعون

(1) رواه مسلم من طريق أبي هريرة رضي الله عنه برقم 9 كتاب الفتن وأشراط الساعة 5: 734.

ص: 305

الإسلام، ينشرون الشر والتخريب، في أرض القداسات: عند حرم الله بمكة المكرمة، وعند مسجد رسول الله بالمدينة المنورة.

فنحب أن نخاطب عقولهم، ونحرك ضمائرهم، لعل الله ينير بصائرهم، ليحاسبوا أنفسهم قبل أن تحاسب، وليعرفوا الحق حقا ويرجعوا إليه، والباطل باطلا فيبتعدوا عنه، ولا يتغلب عليهم الشيطان ليصروا على أفعالهم وفكرهم؛ لأن الرجوع إلى الحق، خير من التمادي في الباطل يقول سبحانه:{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} (1)، وإنها لأمانة نحملها من سمع ليبلغ فرب مبلغ أوعى من سامع حيث نسائلهم بالله الذي يجب أن يستشعروا عظمته وجبروته بين أعينهم ويضعوا الخوف منه في سويداء قلوبهم، وأمام خواطرهم، بأن يتمعنوا في هذه التساؤلات، ويجيبوا بينهم وبين أنفسهم أولا، مراقبين الله في هذا، ثم مطبقين بعد أن يلين الله القلوب، لمعرفة الحق وما يصححه من الدليل: من الكتاب والسنة، وأقوال العلماء المعتبرين.

فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سأل بالله فأعطوه، ومن استعاذ بالله فأعيذوه ومن دعاكم فأجيبوه (2)» ومن السؤال بالله هذه التساؤلات وما تحمل من معنى،

(1) سورة آل عمران الآية 8

(2)

من حديث أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ينظر جامع الأصول لابن الأثير 11: 692.

ص: 306