المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٧٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌حكم الإقامة عند القبر بالمدح والأذكار ثلاثة أيام

- ‌من بدع زيارة القبور

- ‌حكم زيارة النساء للقبور

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ صلة الرحم

- ‌ خضاب الرجل يديه ورجليه عند زواجه

- ‌ كيفية اختيار الزوجة

- ‌ راتبة الظهر

- ‌ حكم التسبيح بالمسبحة

- ‌ حكم الشرع في المرأة التي لا ترتدي الخمار

- ‌ حكم صبغ الشعر

- ‌ المرور أمام المصلي

- ‌ رفع اليدين أثناء الدعاء

- ‌ الدعاء بين إقامة الصلاة وتكبيرة الإحرام

- ‌ حكم قول المؤذن في أذانه حي على خير العمل

- ‌ تقبيل الإبهامين عند قول المؤذن (أشهد أن محمدا رسول الله)

- ‌ التذكير قبل صلاة الفجر

- ‌ حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الآذان وبعده

- ‌التوسل المشروع والممنوع

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: التوسل المشروع

- ‌النوع الأول: التوسل بأسماء الله وصفاته

- ‌النوع الثاني: التوسل بالأعمال الصالحة

- ‌النوع الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الصالح الحي:

- ‌المبحث الثاني: التوسل الممنوع:

- ‌النوع الأول: التوسل بوسيلة نص الشارع على بطلانها:

- ‌النوع الثاني: التوسل بوسيلة دلت قواعد الشرع على بطلانها:

- ‌أولا: الأدلة على منعه:

- ‌أولا: شبهاتهم فيما استدلوا به من القرآن

- ‌ثانيا: شبهاتهم فيما استدلوا به من السنة، ومن أقوال وأفعال الصحابة والتابعين

- ‌ثالثا: شبهاتهم من العقل:

- ‌الخاتمة:

- ‌الغلو في الدينمعناه، وتاريخه، وأسبابه

- ‌أولا: حد الغلو

- ‌حقيقة الغلو:

- ‌علاقة الغلو بالإفراط والتطرف:

- ‌الفرق بين التمسك بالنصوص والغلو:

- ‌ثانيا: تاريخ الغلو ونشأته عند المسلمين:

- ‌نشأة الغلو عند المسلمين:

- ‌علاقة نشأة الغلو عند المسلمين بالعقائد القديمة:

- ‌ثالثا: أسباب نشأة الغلو في الدين

- ‌الخاتمة:

- ‌الفتن والمخرج منها

- ‌تعريف الفتن:

- ‌أهمية تأكيد الفتنة:

- ‌فهم الرعيل الأول:

- ‌نماذج من الأشرار:

- ‌المخرج من الفتن:

- ‌التساؤلات:

- ‌قيمة الزمن في القرآن الكريم

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: مفهوم الزمن وأهميته

- ‌أولا: مفهوم الزمن

- ‌ثانيا: قيمة الزمن

- ‌ثالثا: عناية القرآن الكريم بالزمن

- ‌المبحث الثاني: القسم بالزمن في القرآن الكريم

- ‌أولا: القسم بالعصر

- ‌ثانيا: القسم بالفجر

- ‌ثالثا: القسم بالصبح

- ‌رابعا: القسم بالضحى

- ‌خامسا: القسم بالشفق

- ‌سادسا: القسم بالنهار

- ‌سابعا: القسم بالليل

- ‌ثامنا: القسم بالليالي العشر

- ‌تاسعا: القسم بيوم القيامة

- ‌عاشرا: القسم بالعمر

- ‌المبحث الثالث: الأزمان الفاضلة في القرآن الكريم

- ‌ثالثا: شهر رمضان

- ‌رابعا: ليلة القدر

- ‌خامسا: أيام التشريق

- ‌سادسا: يوم الجمعة

- ‌سابعا: وقت السحر

- ‌الخاتمة:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

صفحة فارغة

ص: 36

‌الفتاوى

‌من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

ص: 35

من فتاوى سماحة الشيخ

محمد بن إبراهيم آل الشيخ

مفتي الديار السعودية رحمه الله

حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وقولهم:

إن الرسول يحضره، وهل يجوز حضور هذه الموالد، والإنفاق عليها؟

من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن بلوشي سلمه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد جرى إطلاعنا على استفتائك الموجه إلينا بخصوص مجموعة مسائل.

(إحداها): سؤالك عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله دليه وسلم، وهل فعله أحد من أصحابه أو التابعين وغيرهم من السلف الصالح؟

ج: لا شك أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المحدثة في الدين، بعد أن انتشر الجهل في العالم الإسلامي وصار للتضليل والإضلال والوهم والإيهام مجال، عميت فيه البصائر وقوي

ص: 37

فيه سلطان التقليد الأعمى، وأصبح الناس في الغالب لا يرجعون إلى ما قام الدليل على مشروعيته، وإنما يرجعون إلى ما قاله فلان وارتضاه علان. فلم يكن لهذه البدعة المنكرة أثر يذكر لدى أصحاب رسول الله، ولا لدى التابعين وتابعيهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (1)» وقال أيضا: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2)» . وفي رواية: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3)» .

وإذا كان مقصدهم من الاحتفال بالمولد النبوي تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره، فلا شك أن تعزيره وتوقيره يحصل بغير هذه الموالد المنكرة، وما يصاحبها من مفاسد وفواحش ومنكرات، قال الله تعالى:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (4)، فذكره مرفوع في الأذان والإقامة. والخطب والصلوات وفي التشهد، والصلاة عليه في الدعاء. وعند ذكره. فلقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي (5)» . وتعظيمه يحصل بطاعته فيما

(1) سنن الترمذي العلم (2676)، سنن أبو داود السنة (4607)، سنن ابن ماجه المقدمة (44)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).

(2)

رواه البخاري ومسلم.

(3)

رواه مسلم.

(4)

سورة الشرح الآية 4

(5)

أخرجه الترمذي في الدعوات وأخرجه الإمام أحمد أيضا.

ص: 38

أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع. فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط. ولو كانت هذه الاحتفالات خيرا محضا أو راجحا لكان السلف الصالح رضي الله عنهم أحي بها منا. فإنهم كانوا أشد منا محبة وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم على الخير أحرص. ولكن قد لا يتجاوز أمر أصحاب هذه الموالد ما ذكره بعض أهل العلم: من أن الناس إذا اعترتهم عوامل الضعف والتخاذل والوهن راحوا يعظمون أئمتهم بالاحتفالات الدورية دون ترسم مسالكهم المستقيمة؛ لأن تعظيمهم هذا لا مشقة فيه على النفس الضعيفة.

ولا شك أن التعظيم الحقيقي هو طاعة المعظم والنصح له والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره ويعتز بها دينه: إن كان رسولا، وملكا إن كان ملكا. وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء الراشدين من بعده، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، إلا أن تعظيمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين لم يكن كتعظيم أهل هذه القرون المتأخرة ممن ضاعت منهم طريقة السلف الصالح في الاهتداء والاقتداء، وسلكوا طريق الغواية والضلال في مظاهر التعظيم الأجوف. ولا ريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بكل تعظيم يناسبهم، إلا أنه ليس من تعظيمه أن نبتدع في دينه

ص: 39

بزيادة أو نقص، أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به. كما أنه ليس من تعظيمه عليه الصلاة والسلام أن نصرف له شيئا مما لا يصلح لغير الله من أنواع التعظيم والعبادة. وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين، فقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية. وما زالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية، حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم. ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا، وكما تساهل الخلف لضاع أصل ديننا أيضا، ولكن السلف الصالح حفظوا لنا الأصل، فالواجب علينا أن نرجع إليه ونعض عليه بالنواجذ.

والخلاصة أن الاحتفال بالموالد من البدع المنكرة، والله ولي التوفيق.

(الثانية): ذكرك! عما يقوله بعض الجهال والمضللين: من أن الرسول عليه الصلاة والسلام يحضر الاحتفالات بمولده. وهذا من أبطل الباطل ومما لا يتسع له عقل عاقل.

(الثالثة): سؤالك عن حكم هذه الموالد، وهل يجوز الاشتراك فيها والإنفاق عليها. وقد مر الجواب عن حكم هذه الموالد في معرض جوابنا عن المسألة الأولى. أما الإشراك فيها بالحضور والإنفاق عليها ونحوها فقد سبق لنا القول بأنها بدعة، وأن كل بدعة ضلالة فحضورها ضلال، والإنفاق عليها أو المشاركة في الإنفاق

ص: 40

عليها مشاركة في الضلال والإضلال، وإشاعة الفحشاء والمنكر.

(ص - ف - 2110 - 1 في 21 - 7 - 88 هـ)

ص: 41

وإذا اجتمع مع الاحتفال بمولده

غناء ورقص ومردان واختلاط ونحو ذلك.

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم / إبراهيم بن محمد بن حمد - سلمه الله - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن المسائل الآتية:

(المسألة الأولى): عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وهجرته، وغير ذلك مما ذكرتم في كتابكم.

والجواب: الحمد لله، لم يكن الاحتفال. بمولد النبي صلى الله عليه وسلم مشروعا ولا معروفا لدى السلف الصالح رضوان الله عليهم، ولم يفعلوه مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، فهم أحق بالخير وأشد محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وأبلغ تعظيما له، وهم الذين هاجروا معه وتركوا أوطانهم وأموالهم وأهليهم، وجاهدوا معه حتى قتلوا دونه، وفدوه بأنفسهم وأموالهم رضي الله عنهم وأرضاهم. فلما كان غير معروف لدى

ص: 41

السلف الصالح ولم يفعلوه وهم القرون المفضلة دل على أنه بدعة محدثة، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:«أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (1)» وروى أصحاب السنن عن العرباض بن سارية، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة (2)» قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلية وهي قوله: «كل بدعة ضلالة (3)» بسلب عمومها، وأن يقال: ليست كل بدعة ضلالة، فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل. وقال: إن قصد التعميم المحيط ظاهر من نص الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة الجامعة فلا يعدل عن مقصوده.

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (4)» متفق عليه. وفي رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (5)» . تعرف بذلك أن هذا العمل لما كان مخالفا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مردود على صاحبه؛ لأنه محدث لم

(1) صحيح مسلم الجمعة (867)، سنن النسائي صلاة العيدين (1578)، سنن أبي داود الخراج والإمارة والفيء (2956)، سنن ابن ماجه الأحكام (2416)، مسند أحمد (3/ 371)، سنن الدارمي المقدمة (206).

(2)

سنن الترمذي العلم (2676)، سنن أبي داود السنة (4607)، سنن ابن ماجه المقدمة (44)، مسند أحمد (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).

(3)

سنن أبو داود السنة (4607)، سنن الدارمي المقدمة (95).

(4)

صحيح البخاري الصلح (2697)، صحيح مسلم الأقضية (1718)، سنن أبو داود السنة (4606)، سنن ابن ماجه المقدمة (14)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 256).

(5)

صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).

ص: 42

يكن عليه عمل الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وأصحابه السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم.

إذا عرف هذا فالاحتفال بالمولد بدعة محدث مردود على فاعله، وهو يختلف بحسب ما يعمل فيه من البدع والمحرمات، فإن خلا من المحرمات عموما واقتصر فيه على عمل الدعوة من طعام وشراب وطيب، ولم يحضره مردان ولا اختلط الرجال بالنسوان، واعتقد فاعله أن هذا من الدين الذي يتقرب به إلى رب العالمين. فهذا بدعة محدث مردود على فاعله.

وإن انضم إلى ذلك ما يفعله كثير ممن يقيمون الاحتفالات بالموالد من استعمال الأغاني وآلات الطرب وقلة احترام كتاب الله تعالى. فإنهم يجمعون في هذه الاحتفالات بينه وبين الأغاني ويبدءون به وقصدهم الأغاني، ولذلك ترى بعض السامعين إذا طول القارئ القراءة يملون ويتثاقلون منه لكونه طول عليهم.

وكذلك الافتتان بالمردان فإن الذي يغني في الاحتفالات ربما يكون شابا لطيف الصورة حسن الهيئة، فتجدهم يتثنون ويتكسرون في مشيتهم وحركاتهم ويرقصون ويتعانقون، فتأخذهم أحوال النفوس الرديئة، ويتمكن منهم الشيطان، وتقوى فيهم النفس الأمارة

ص: 43

بالسوء والعياذ بالله من ذلك.

وكذلك ما يحضره من النساء وافتتان الرجال بهن، وتطلعهم إليهن، وسماع أصواتهن، وتصفيقهن، وغير ذلك مما يكون سببا لوقوع مفاسد عظيمة، إلى غير ذلك من الفتن والمفاسد التي لا تخفى على من عرف أحوالهم.

وهذه البدعة أول من أحدثها أبو سعيد كوكابوري بن أبي الحسن علي بن باتكين في القرن السادس الهجري، ولم يزل العلماء المحققون ينهون عنها، وينكرون ما يقع فيها من البدع والمحرمات منذ حدثت حتى الآن، وإليك بعض ما قالوا:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق.

وقال العلامة تاج الدين علي بن عمر اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني في رسالته في المولد المسماة بـ " المورد في الكلام على المولد " قال في النوع الخالي من المحرمات: لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة. ولم ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين بل هو بدعة

ص: 44

أحدثها البطالون، وشهوة اعتنى بها الأكالون، بدليل أنا إذا أدرنا عليها الأحكام الخمسة: إما أن يكون واجبا، أو مندوبا، أو مباحا، أو مكروها، أو محرما، فليس بواجب إجماعا، ولا مندوبا؛ لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت، وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت.

ولا جائز أن يكون مباحا بإجماع المسلمين، فلم يبق إلا أن يكون مكروها أو محرما. ثم صور الفاكهاني نوع المولد الذي تكلم فيه بما ذكرناه: بأن يعمل رجل من عين ما له لأهله وأصحابه وعياله، ولا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئا من الآثام. وقال: فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروه وشناعة؛ إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة الذين هم فقهاء الإسلام، وعلماء الأنام. . . إلى أن قال الفاكهاني في " النوع الثاني " من المولد: وهو أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملئى بآلات الباطل من الدفوف والشابابات، واجتماع الرجال مع الشبان المرد والنساء والفاتنات، إما مختلطات بهم أو مشرفات، ويرقصن بالتثني والانعطاف والاستغراق في اللهو. وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذو المروءة

ص: 45

من الفتيان. وإنما يحلو لنفوس موتى القلوب وغير المستقلين من الآثام والذنوب. وأزيدك أنهم يرونه من العبادات، لا من الأمور المنكرات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقال ابن الحاج في " المدخل ": إن نية المولد بدعة، ولو كان الاشتغال في ذلك اليوم بقراءة صحيح البخاري.

وقال ابن حجر الهيتمي في " الفتاوى الحديثة ": إن الموالد التي تفعل عندهم في زمنه أكثرها مشتمل على شرور، ولو لم يكن منها إلا رؤية النساء الرجال الأجانب لكفى ذلك في المنع. وذكر إنما يوجد في تلك الموالد من الخير لا يبررها ما دامت كذلك، للقاعدة المشهورة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

وأما كونهم يرون أن من لم يفعل هذا فهو مقصر بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم ومتنقص له.

فجوابه: وأي تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الاحتفالات التي وصفها العلماء بما تمجه الأسماع، وتنفر منه سليمة الطباع، أليس المرجع في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره إلى ما يفعله به أصحابه وأهل بيته، وما فعله التابعون وتابعوهم بإحسان المشهود لهم بالخير، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم:«كل بدعة ضلالة (1)» وقوله: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو

(1) سنن أبو داود السنة (4607)، سنن الدارمي المقدمة (95).

ص: 46

رد (1)». وعن حذيفة رضي الله عنه: كل عبادة لم يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يترك للآخر مقالا.

وأيضا فأكثر ما يقصد من تلك الاحتفالات التي تقام للرؤساء ونحوهم إنما هو الذكرى وبقاء أسمائهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى من ذلك ما لم يعطه أحد غيره، فقد رفع الله له ذكره دائما قال تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (2){وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} (3){الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} (4){وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (5) فذكره صلى الله عليه وسلم مرفوع ومقرون بذكر ربه كما في الأذان والإقامة وخطبة الجمعة وغيرها، وفي الصلوات، وفي التشهد، وغيرها. فهو صلى الله عليه وسلم أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط.

وقال السيد محمد رشيد رضا في كتابه " ذكرى المولد النبوي ": إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر تعظيم أئمة الدين والدنيا في طور ضعفهم في أمر الدين والدنيا؛ لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس، فيعملونه بدلا مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوى بها أمر المعظم ويعتز بها دينه. وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم، وناهيك ببذل أموالهم

(1) صحيح البخاري الصلح (2697)، صحيح مسلم الأقضية (1718)، سنن أبو داود السنة (4606)، سنن ابن ماجه المقدمة (14)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 256).

(2)

سورة الشرح الآية 1

(3)

سورة الشرح الآية 2

(4)

سورة الشرح الآية 3

(5)

سورة الشرح الآية 4

ص: 47

وأنفسهم في هذا السبيل، ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في مظاهر التعظيم اللساني، ولا شك أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بكل تعظيم، وليس من تعظيمه أن يبتدع في دينه شيء نعظمه به وإن كان بحسن نية، فقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية، وما زالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبرا بشبر وذراعا بذراع لضاع أصل ديننا أيضا، ولكن السلف الصالح حفظوا لنا الأصل، فعلينا أن نرجع إليه ونعض عليه بالنواجذ. انتهى.

وفيما ذكرنا كفاية لإيضاح حكم الاحتفالات بالموالد، وبيان ما يفعل فيها من البدع والمفاسد.

(ص - ف - 1243 في 21 - 6 - 389 هـ).

ص: 48