الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وغلت القدر: إذا زادت حرارتها وارتفعت.
- وغلا في مشيه: إذا أسرع وزاد فيه.
- وتغالى اللحم: ارتفع وذهب، ومنه قول لبيد بن أبي ربيعة:
فإذا تغالي لحمها وتحسرت
…
وتقطعت بعد الكلال حذافها
وهكذا غالبا فإن معنى الغلو الزيادة والارتفاع، سوى بعض اشتقاقاتها التي توضع علما على شيء معين فمظانها كتب المعاجم اللغوية.
- فعليه: الحد اللغوي لكلمة غلو هو: الزيادة ومجاوزة الحد المألوف.
حقيقة الغلو:
لما كان المعنى الاصطلاحي يقوم على المعنى اللغوي، ويخصص عموم إطلاقه، رجعنا إلى النصوص الواردة في الغلو من الكتاب والسنة.
فمن الكتاب:
قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (1)
فقد قال القرطبي في تفسيره 6/ 21 لما ذكر المعنى اللغوي:
(1) سورة النساء الآية 171
ويعني بذلك فيما ذكره المفسرون: غلو اليهود في عيسى حتى قذفوا مريم، وغلو النصارى فيه حتى جعلوه ربا، فالإفراط والتقصير كله سيئة وكفر، ولذلك قال مطرف بن عبد الله الشخير: الحسنه بين سيئتين. وقال الشاعر:
لا تغل في شيء من الأمر واقتصد
…
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
اهـ
- وكذا قال جمع من المفسرين منهم: ابن جرير في جامعه 4/ 46، والبغوي في معالم التنزيل 2/ 313، وابن كثير في تفسيره 1/ 589، وأبو حيان في بحره 3/ 400، والزمخشري في كشافه 1/ 315، وابن طيفور السجاوندي (560 هـ) في عين المعاني 4/ 1348، وعبد الرحمن العليمي الحنبلى (928 هـ) في فتح الرحمن 2/ 755، وصديق حسن خان في فتح البيان 2/ 415، والشوكاني في فتح القدير 1/ 540، ومحمد رشيد رضا في تفسيره 6/ 67، وعبد الكريم الخطيب في تفسيره ص 1107 (وإن كان القول عند بعضهم محتملا)، وحكى ابن الجوزي في زاد المسير 2/ 260 والماوردي (450 هـ) في تفسيره ص 1106، وذكر اختلاف العلماء في تفسير الآية بذكر قول من خصص الآية بالنصارى وحدهم، وهو الذي عليه جمع من المفسرين، وفي بعض من سبق الإحالة إليهم.
فالذي يفهم من هذه الآية {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (1)
(1) سورة النساء الآية 171
عمومها لجميع أهل الكتاب من يهود ونصارى، إذ العبرة بعموم اللفظ ودلالة السياق تدل عليه أيضا، فإن النصارى زادوا وجاوزوا الحد في نبي الله عيسى فرفعوه عن منزلته، وإن اليهود جفوا وفرطوا في حقه فغلوا في الجفاء والتفريط وزادوا فيهما، حتى قذفوا أمه الطاهرة العذرية بما برأها الله تعالى منه.
ومن احتج على خصوص الآية بالنصارى بتقدم سياق الآيات السابقة لها في اليهود، وهذه الآية آخرها يدل على قول النصارى وكفرهم، زعمهم بالأكاذيب الثلاثة، فيجاب عليه بما سبق من عموم لفظة أهل الكتاب، وانطلاقه إلى اليهود والنصارى ما لم توجد قرينة ولم توجد، وباستمرار السياق في بني إسرائيل في هذه الآية وما قبلها يدل على العموم من اليهود والنصارى، إذ كل منهم غلا في دينه كما سيأتي تحديد الغلو، وقول كل منهم على الله غير الحق، فليس عيسى ربا أو ابنا لله، أو ثالث ثلاثة، وليس هو ابن فحش وزنا وبغاء.
ثم إن آخر الآية يختص بالنصارى من قول الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ} (1) وذلك لعظم جرمهم في التوحيد؛ لأن عيسى نبيهم وهاديهم إلى الفطرة السليمة والملة القويمة، وأنهم هم من ادعوا فيه تلك الدعوى الظالمة، فكان آخر الآية مخصوصا بالنصارى لذلك.
ومنه آيات عديدة جاءت في النهي عن الطغيان وهو غلو في الغي كما قال تعالى في آخر سورة طه لبني إسرائيل: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (2)
(1) سورة النساء الآية 171
(2)
سورة طه الآية 81
وقوله عن فرعون وملئه في غير ما آية {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} (1)، وقال عن الخاسر صاحب الجحيم:{فَأَمَّا مَنْ طَغَى} (2){وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (3)
وقال في آخر سورة هود: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (4)
ومن السنة:
- ما رواه الأربعة من قول عمر: " ألا لا تغالوا في صدق النساء ".
- ولما رواه أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تغالوا في الكفن، فإنه يسلبه سلبا سريعا (5)» .
(1) سورة طه الآية 24
(2)
سورة النازعات الآية 37
(3)
سورة النازعات الآية 38
(4)
سورة هود الآية 112
(5)
رواه أبو داود في كتاب الجنائز، باب كراهية المغالاة في الكفن (3154)، من طريق أبي مالك الجنبي، وهو عمرو بن هاشم الكوفي، لين الحديث، وشدد فيه ابن حبان في كتابه، المجروحين.
فقد قال صاحب المنهل العذب المورود 8/ 313، 314: أي لا تبالغوا في ثمنه، ولا تجاوزوا الحد الشرعي فيه، فإن الكفن يبلى على الميت سريعا فلا ينتفع به، والمغالاة في إضاعة المال.
قال: باب كراهية المغالاة في الكفن: " أي الزيادة عن الحد الشرعي، ويقال: غاليت في الشيء وغلوت فيه إذا جاوزت فيه الحد. اهـ. قال البيهقي: وهو ضعيف فيه عمرو بن هشام تكلموا فيه.
وكذا قال نحوه في عون المعبود 8/ 429، 430: وضعف إسناده ونقل عمن ضعفه.
- ومما ورد في السنة أيضا: ما رواه أحمد بإسناده عن عبد الرحمن بن شبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به (1)» .
- وحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته: "القط لي حصى"، فلقطت له سبع حصيات هن حصى الحذف، فجعل ينفضهن في كفه ويقول: "أمثال هؤلاء فارموا، ثم قال: يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين (2)» . رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وغيرهم.
(1) الفتح الربانى 18/ 28.
(2)
سنن النسائي مناسك الحج (3059)، سنن ابن ماجه المناسك (3029)، مسند أحمد (1/ 215).
- وفي حديث أبي هريرة في البخاري مرفوعا: «لن ينجي أحدا عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته، سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا (1)» .
- فمما سبق يتبين أن الكتاب والسنة يخصصان عموم اللغة، وأن الغلو هو: "الإفراط في مجاوزة المقدار المعتبر شرعا في أمر من
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق بهذا اللفظ، باب القصد والمداومة على العمل، وأخرجه أيضا الإمام مسلم في صحيحه في كتاب صفات المنافقين، باب لن يدخل الجنة أحد بعمله برقم 2816.