المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحليل العلاقات القانونية المتفرعة عن الاعتمادات المستندية: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌أولا: الودائع النقدية:

- ‌تعريف الوديعة النقدية:

- ‌مزايا الإيداع النقدي:

- ‌ أنواع الودائع النقدية:

- ‌الحساب العادي أو البسيط أو حساب الودائع:

- ‌حساب الادخار والتوفير:

- ‌(الحساب الجاري)

- ‌أركان الحساب الجاري:

- ‌الفوائد المتعلقة بالحساب الجاري:

- ‌العمولة على فتح الحساب الجاري:

- ‌وقف الحساب الجاري:

- ‌آثار قاعدة عدم التجزئة:

- ‌قفل الحساب الجاري:

- ‌ استعراض أهم خصائص الودائع والحساب الجاري

- ‌ثانيا: إيداع الوثائق والمستندات:

- ‌آثار العقد:

- ‌التكييف القانوني لعقد إيجار الخزانة:

- ‌التكييف الشرعي لعملية استئجار الخزانة:

- ‌خلاصة عمليات الإيداع

- ‌ عمليات الائتمان

- ‌ الإقراض:

- ‌تكييف الإقراض المصرفي في الفقه الإسلامي:

- ‌حكم الإقراض المصرفي في الفقه الإسلامي:

- ‌ فتح الاعتماد البسيط:

- ‌ تكوين العقد وإثباته:

- ‌ طبيعته:

- ‌ آثار عقد فتح الاعتماد:

- ‌ انتهاء العقد:

- ‌ انتقال الاعتماد:

- ‌حكمه في الفقه الإسلامي:

- ‌الصورة الثانية: خطاب الضمان

- ‌ أنواع خطابات الضمان:

- ‌ شروط خطابات الضمان:

- ‌الصورة الثالثة: الاعتماد بالقبول

- ‌تكييف الضمان المصرفي في الفقه الإسلامي وبيان حكمه:

- ‌ الاعتمادات المستندية

- ‌تحليل العلاقات القانونية المتفرعة عن الاعتمادات المستندية:

- ‌الخلاصة

- ‌ الصرف على المسجد لترميمه وفرشه ونحو ذلك من الزكاة

- ‌ من كان له على مليء دين يبلغ النصاب

- ‌ دفع الزكاة إلى الجمعية مع قيامهم بدفع الزكاة عادة إلى الجهات المختصة في الحكومة

- ‌ كان لإنسان أخت شقيقة متزوجة من إنسان فقير الحال، فهل يجوز لها من زكاة إخوانها شيء

- ‌ الزكاة في ربع الثمرة التي تخص الموصي

- ‌ العقار الذي يؤجر تجب الزكاة في أجرته

- ‌ الزكاة على من لا يتجر ولا يحرث

- ‌بيان مذهب أهل السنة في الاستواء

- ‌ البحوث

- ‌القضاء في الإسلاموأثر تطبيق السعودية له

- ‌ عناية الإسلام بالقضاء

- ‌الدرجة الأولى: المحكمة العامة

- ‌الدرجة الثانية: التقاضي بمحكمة التمييز

- ‌الدرجة الثالثة: التقاضي بالمجلس الأعلى للقضاء

- ‌التمسك بالسنةوأثره في استقامة المسلم

- ‌ أمثلة لأنواع السنة من حيث هي قول وفعل وتقرير

- ‌ الأفعال الخاصة به صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها أحد:

- ‌ ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأمر لمانع من الفعل يذكره سببا للترك ثم يزول هذا المانع

- ‌ ترك الرسول صلى الله عليه وسلم أمرا لم يظهر في عهده ما يقتضي فعله ثم طرأ حال يجعل المصلحة في الفعل:

- ‌ ترك الرسول صلى الله عليه وسلم لأمور لم تكن وسائلها قد تهيأت

- ‌ ما نقله الصحابة رضي الله عنهم من تركه صلى الله عليه وسلم لأمر من الأمور

- ‌ ترك بعض المندوبات خوفا من فهم العامة أنها واجبة

- ‌لفظ الجلالة" الله " هل هو مشتق أو مرتجل

- ‌مثال يدل على تقارب اللغتين العربية والعبرانية

- ‌أمثلة من الكلمات التي قيل إنها وقعت في القرآن من غير العربية

- ‌ أباريق:

- ‌ الآب:

- ‌ ابلعي:

- ‌(أخلد)

- ‌(أسباط)

- ‌ إستبرق

- ‌ السندس

- ‌ أسفار

- ‌التغيير في حياة الأمموعوامل الثبات والاهتزاز

- ‌بين السنن الكونية والسنن الاجتماعية:

- ‌الفطرة والسنن:

- ‌ثبات السنن والقيم في الإسلام واضطرابها عند غيره:

- ‌أسباب الاهتزاز والضعف:

- ‌المراجع

- ‌ثمرات الإيمان بالله واليوم الآخر

- ‌(مكانة الإيمان بالله واليوم الآخر)

- ‌(سبب الكفر بالبعث أو باليوم الآخر)

- ‌واجبنا نحو ثمرة الإيمان بالله واليوم الآخر

- ‌(تقوية عقيدة الإيمان باليوم الآخر)

- ‌(نظرة متدبرة في الأكوان)

- ‌(نظرة متدبرة في آيات القرآن)

- ‌(وقفة متأنية أمام قضيتي الموت والبعث)

- ‌(مكانة عقيدة البعث في الدين الإسلامي):

- ‌(موقف الأنبياء السابقين وأممهم من عقيدة البعث)

- ‌ دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان باليوم الآخر)

- ‌الطائفة الأولى: طائفة أنكرت البعث والجزاء

- ‌الطائفة الثانية: طائفة اعترفت بالله، ولكنها كفرت بجزائه ولقائه والبعث ليوم عظيم

- ‌الطائفة الثالثة: صدقت بالله إلها حقا، قادرا عليما، وعدلا حكيما، واستدلوا على ذلك بعقولهم، وفطرتهم:

- ‌ الشبه التي أثارها منكرو اليوم الآخر) - والرد عليها

- ‌أسئلة وأجوبةمع سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن بازعن الغزو الفكري

- ‌ تعريف الغزو الفكري

- ‌ الوسائل التي يستخدمها الغرب لترويج أفكاره

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌تحليل العلاقات القانونية المتفرعة عن الاعتمادات المستندية:

‌تحليل العلاقات القانونية المتفرعة عن الاعتمادات المستندية:

تقدم أن فتح الاعتماد البسيط ينشأ بين علاقتين: المصرف والعميل، وأن فتح الاعتماد المستندي ينشأ بين علاقات ثلاث: معطي الأمر، والبنك الذي يفتح الاعتماد استجابة للأمر الصادر إليه، والمستفيد من الاعتماد.

وإذا تدخل بنك وسيط في العملية ليؤيد الاعتماد للمستفيد، أضيف بذلك طرف آخر، فأطرافه ثلاثة إذا كان غير مؤيد، وأربعة إذا كان مؤيدا، وفيما يلي كلام للدكتور أمين محمد بدر، حلل فيه العلاقات بين الأطراف إذا كان الاعتماد غير قطعي، أو قابلا للإلغاء، ثم أتبع ذلك بتحليل العلاقات بالنسبة للاعتماد القطعي أو غير القابل للإلغاء، فبين العلاقة بين معطي الأمر والمستفيد، ثم العلاقة بين معطي الأمر والبنك الذي يفتح الاعتماد، ثم العلاقة بين البنك الذي فتح الاعتماد وغير المستفيد.

قال الدكتور أمين محمد بدر:

الاعتماد غير القطعي أو القابل للإلغاء:

في هذه الصورة لا يوجد اعتماد بالمعنى الحقيقي إلا في أضيق الحدود، ذلك أن البنك الذي يفتح الاعتماد يحتفظ لنفسه في كل وقت بالحق في إلغائه دون حاجة إلى إخطار المستفيد بأنه فتح لمصحلته - بناء على طلب معطي الأمر- اعتمادا قابلا للإلغاء.

وترتيبا على ذلك يستطيع البنك أن يرفض دفع ما يسحبه عليه المستفيد من كمبيالات تنفيذا للاعتماد، ما لم يكن قد سبق لهذا البنك أن وقع على هذه الكمبيالات بالقبول، إذ يلتزم في هذه الحالة التزاما شخصيا مباشرا بدفع هذه الكمبيالات للحامل، وذلك تطبيقا لقواعد الأوراق التجارية، ومن ناحية أخرى يستطيع معطي الأمر إلغاء الاعتماد في كل وقت.

ومتى أعطى البنك أمرا بالإلغاء تعين على البنك تنفيذه، إذ إنه وكيل عن معطي الأمر، ومن واجب الوكيل أن ينفذ تعليمات الموكل على أن البنك لا يسأل عن التنفيذ

ص: 124

أو الإلغاء إلا اعتبارا من الوقت الذي يصل فيه إلى علمه تطبيقا للمادة (91) من القانون المدني، التي نصت على أن التعبير عن الإرادة ينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك.

وقد يحتاج البنك إلى الاتصال ببنك وسيط سبق له أن أنهى إليه فتح الاعتماد لمصلحة المستفيد حتى يكون هو الآخر على علم بواقعة الإلغاء، وفي هذه الحالة لا يحاسب البنك الذي فتح الاعتماد عن عدم تنفيذ أمر الإلغاء إلا بعد مرور الوقت الكافي لإخطار البنك الجديد بالواقعة المذكورة، وإذا ألغى البنك الاعتماد بناء على طلب معطي الأمر، فإنه لا يلزم البنك إخطار المستفيد، وأما إذا تم الإلغاء ابتداء من جانب البنك، فقد ثار السؤال عن التزام البنك بإخطار المستفيد بإلغاء الاعتماد.

ولكن الرأي الغالب استقر على عدم وجود مثل هذا الالتزام؛ لأن كون الاعتماد غير قطعي يفيد بذاته إمكان إلغائه من جانب البنك دون إخطار سابق. على أن الحاصل -عملا- هو أن البنوك تحرص على إخطار المستفيد بواقعة الإلغاء، وأنها لا تقدم على الإلغاء إلا إذا توافرت لديها أسباب جدية مستمدة من إعسار معطي الأمر، أو إفلاسه، أو عدم أهليته الطارئ.

وفضلا عن ذلك فقد استقر الرأي على أن البنك الذي يتلقى من معطي الأمر مقابل وفاء الكمبيالات التي يسحبها عليه المستفيد، لا يجوز له أن يلغي الاعتماد غير القطعي، وإلا كان متعسفا في استعمال حقه، ومسئولا عن تعويض الضرر الذي يصيب معطي الأمر أو المستفيد نتيجة الإلغاء المذكور، والواقع أن هذا الغرض نادر إذ تنعدم مصلحة البنك في الإلغاء في مثل هذه الصورة.

وكما أن الاعتماد غير القطعي يمكن أن يلغى بناء على طلب معطي الأمر، فإنه يتأثر بكل ما يطرأ على هذا الشخص من أمور مؤثرة في حالته القانونية أو في مقدرته المالية، فينقضي بوفائه وبشهر إفلاسه، وبما يطرأ عليه من عدم الأهلية.

ص: 125

ثانيا: الاعتماد القطعي أو غير القابل للإلغاء:

ويأتي في العلاقات المتقدمة وهي:

(أ) - العلاقة بين معطي الأمر والمستفيد:

تخضع هذه العلاقة للشروط المتفق عليها بين الطرفين، فإذا أوجب العقد المذكور على المشتري مثلا فتح اعتماد قطعي لصالح البائع، تعين على المشتري أن ينفذ هذا الالتزام وإلا كان مقصرا، ولا يشفع له في هذا التقصير أية صعوبة ترجع إلى الرقابة على التنفيذ التي قد تفرضها الدولة التي يتبعها، إذ كان يتعين عليه أن يقدر هذه الصعوبة مقدما، وأن يهيئ لها العلاج المناسب، أو أن يرفض ابتداء الالتزام قبل البائع بفتح الاعتماد المستندي قطعيا.

ص: 126

(ب) - العلاقة بين معطي الأمر والبنك الذي يفتح الاعتماد:

يلتزم معطي الأمر قبل البنك بأن يرد إليه المبالغ التي دفعها البنك تنفيذا للاعتماد، وتتم تسوية هذا الالتزام عن طريق قيد المبالغ المذكورة في الجانب المدين من حساب معطي الأمر، وقد يحصل القيد المذكور على حسب الأحوال في الوقت الذي يتلقى فيه البنك الأمر بفتح الاعتماد القطعي، وقد يحصل في الوقت الذي يخطر فيه البنك المستفيد بوجود اعتماد قطعي لصالحه، وقد يحصل في الوقت الذي يقبل فيه البنك أن يدفع كمبيالة سحبها عليه المستفيد تنفيذا للاعتماد.

فلا توجد قاعدة في هذا الخصوص، بل يتوقف الأمر على اتفاق الطرفين، وعلى مدى الثقة التي يستشعرها البنك في من أعطاه الأمر بفتح الاعتماد.

ومن ناحية أخرى يلتزم البنك الذي فتح الاعتماد بأن ينفذ بدقة التعليمات الصادرة إليه من معطي الأمر، وأهم التزام يقع على البنك في هذا الخصوص، هو أن يقوم بالتحقيق من مطابقة مستندات الشحن للتعليمات

ص: 126

المذكورة، ويعنينا أن نوضح أن التزام البنك في هذه الناحية إنما يرد على التحقق من مطابقة أوصاف البضاعة المبينة في مستندات الشحن بتلك المحددة في التعليمات الصادرة من معطي الأمر، بمعنى أن البنك لا يلتزم بفحص البضائع ذاتها فحصا ماديا للتحقق من مطابقتها للتعليمات، وعلى ذلك فإذا تحقق البنك من مطابقة الوثائق للتعليمات، تعين عليه أن يدفع قيمة الكمبيالة للحامل وإلا كان مقصرا في تنفيذ التزامه، ولا يشفع للبنك في هذا الخصوص أن يتحقق من أن البضاعة الموجودة على السفينة غير مطابقة لطلبات المشتري.

والأصل أن البنك الذي فتح الاعتماد يجب أن يحتفظ بمستندات الشحن ما دام لم يسترد من معطي الأمر ما دفعه نيابة عنه للمستفيد، ذلك أن البنك لا يستبقي حقه في رهن البضاعة رهنا حيازيا إلا إذا ظل حائزا لمستندات الشحن التي تمثل البضاعة المذكورة، أو تمثل قيمتها في حالة الهلاك أو الضياع، على أن المشتري قد يكون في حاجة ملحة إلى إعادة بيع البضاعة، وهي في طريقها إليه، حتى يستطيع من جانبه أن يوفي مطلوب البنك، وهو لا يستطيع إعادة بيع البضاعة على هذا الوجه إلا إذا كانت مستندات شحنها بين يديه، حتى يستطيع أن يتصرف فيها إلى المشتري الجديد.

وقد سعت البنوك إلى تقدير هذا الوضع، فابتدعت صكوكا تمكن المشتري من التصرف في البضاعة المرهونة للبنك، وفي الوقت نفسه تستبقي فيها البنوك حقها في الرهن، وقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى ترك قانونية هذه الصكوك وأثرها في بقاء الرهن للبنوك أو في زواله لتقدير المحاكم بحسب ظروف كل دعوى، على أن المسلم به في القانون الفرنسي وكذلك الحال في القانون المصري، هو أن تخلي البنك المرتهن عن مستندات الشحن - ولو تخليا مؤقتا - يستتبع زوال الرهن المقرر لصالحه، ذلك أن تنقل الحيازة من المدين الراهن إلى الدائن المرتهن هو أمر يتصل بحماية الغير لحسن النية، ولا يتوقف على مجرد اتفاق الطرفين.

وإذا استعان البنك الذي صدر إليه الأمر بفتح الاعتماد ببنك آخر في

ص: 127

هذا الخصوص، وأخطأ البنك الوسيط في تنفيذ شروط الاعتماد، فإن البنك الأصلي يبقى مسئولا عن هذا الخطأ قبل معطي الأمر، ما لم يكن هذا الأخير قد رخص للبنك صراحة بالاستعانة بالبنك الوسيط، وهذا الحكم هو تطبيق للمادة (708) من القانون المدني في خصوص الوكالة، فقد نصت المادة المذكورة على أنه إذا أناب الوكيل عنه غيره في تنفيذ الوكالة دون أن يكون مرخصا له في ذلك، كان مسئولا عن عمل النائب، كما لو كان هذا العمل قد صدر منه هو، ويكون الوكيل ونائبه في هذه الحالة متضامنين في المسئولية.

أما إذا رخص للوكيل إقامة نائب عنه دون أن يعين شخص النائب، فإن الوكيل لا يكون مسئولا إلا عن خطئه في اختيار نائبه، أو عن خطئه فيما أصدره له من تعليمات، ويجوز في الحالتين السابقتين للموكل ولنائب الوكيل أن يرجع كل منهما مباشرة على الآخر.

وعلى ذلك فإن من مصلحة البنك الذي يريد الاستعانة ببنك آخر في فتح الاعتماد، أن يحصل من معطي الأمر على ترخيص له بإقامة غيره مقامه في فتح الاعتماد، حتى لا يكون مسئولا عن أخطاء هذا الأخير، وأما إذا قنع بإنهاء واقعة الاستعانة ببنك آخر إلى معطي الأمر، فإن هذا العلم لا ينهض في نظر القضاء بديلا عن الإذن الصريح، ومن ثم لا يجدي البنك في التحلل من المسئولية عن أخطاء البنك الذي استعان به.

ص: 128

(ج) - العلاقة بين البنك الذي فتح الاعتماد والغير المستفيد:

يرتب الاعتماد القطعي في ذمة البنك التزاما مباشرا لمصلحة المستفيد، بحيث يتعين على البنك أن يقبل أو أن يدفع ما يسحبه عليه المستفيد من كمبيالات ما دامت المستندات الموافقة لهذه الكمبيالات مطابقة لشروط فتح الاعتماد، وبعبارة أخرى: يرتب الاعتماد القطعي علاقة قانونية مباشرة بين البنك والمستفيد بحيث يمتنع على البنك أن ينهي هذه العلاقة دون رضاء المستفيد أيا كانت المبررات المستمدة من ظروف معاملاته مع معطي الأمر.

ص: 128

وعلى ذلك لا يستطيع البنك أن يلغي الاعتماد المذكور، لا من تلقاء نفسه، ولا بناء على تعليمات معطي الأمر، ذلك أن علاقة البنك بالمستفيد هي في الأصل علاقة مستقلة عن العلاقات التي تربط بين البنك ومعطي الأمر.

وثمة نتيجة أخرى تلزم عن قيام العلاقة المباشرة بين البنك والمستفيد، وهي أنه يمتنع على البنك أن يحتج على المستفيد بالدفوع المستمدة من العقد الأصلي الذي يربط بين معطي الأمر والمستفيد، وهو في الغالب عقد بيع كما بينا، إذ إن التمسك بهذه الدفوع يخص معطي الأمر وحده، ولكن لا شأن له بالالتزام المباشر الذي ترتب للمستفيد في ذمة البنك الذي فتح الاعتماد.

وهذا الاستقلال بين العملية المصرفية والعملية التجارية من الناحية القانونية، هو أمر مسلم، إذ بدونه تنهار قيمة الاعتماد المستندي القطعي.

وقد قدرت الغرفة التجارية الدولية أهمية هذه الحقيقة، فحرصت على تقريرها في المادة الأولى من مجموعة القواعد والعادات الموحدة في الاعتمادات المستندية، وتابعتها في هذا المسلك لجنة تعديل قانون التجارة الفرنسي في المشروع الذي أقرته في سنة 1951 وقد لخص الأستاذ مصطفى الزرقاء الطبيعة القانونية للاعتماد المستندي، ثم ذكر بعده موقف الفقه الإسلامي من العملية، فقال: الوصف القانوني للعملية هو اعتماد (مالي) يفتحه المصرف بناء على طلب شخص يسمى الآمر، لمصلحة عميل لهذا الآمر، ومضمون بحيازة مستندات ممثلة لبضاعة مستحقة للآمر لدى عميله المذكور، ويستوي أن يكون طريق التنفيذ بالوفاء أو بقبول بفتحه.

يتضح من هذا التعريف أن فتح الاعتماد هو عبارة عن عهدة مالية يلتزم

ص: 129

بها المصرف عن شخص لمصلحة آخر في صفقة تجارية، ولنضرب لها مثالا يوضحه: تاجر في إنجلترا باع بضاعة لتاجر مصري، وقد لا تكون بينهما ثقة متبادلة أو تكون، ولكنهما يؤثران الحيطة، لا سيما والمستقبل غيب، وقد يحدث ما ليس في الحسبان، فيطلب البائع من المشتري توسيط مصرف يثق به، فيتعهد المصرف بتأدية الثمن المحدد للبضاعة إلى البائع تعهدا معلقا على تقديم البائع إلى المصرف الوثائق المستندية التالية:

1) مستندات شحن البضاعة في الميعاد المتفق عليه.

2) وثيقة تأمين تغطي جميع الأخطار المنصوص عليها في الاعتماد.

3) القائمة والفاتورة، ولا بد أن يتطابق الوارد في الاعتماد مطابقة تامة دون اختصار، أو اكتفاء بتعميم أو تخصيص.

فهذا التعهد من المصرف يسمى فتح اعتماد، ويخبر به البائع لكي يشحن البضاعة اعتمادا عليه.

والغالب أن يكلف المشتري بفتح الاعتماد مصرفا في بلده - مصريا في مثالنا-، وهذا يرسل خطاب الاعتماد إلى مصرف في بلد البائع - إنجليزي في مثالنا - ليبلغ البائع باستعداده للتنفيذ نيابة عن المصرف المصري.

وقد يكون هذا المصرف الإنجليزي مكلفا بتأييد الاعتماد - وفقا لرغبة أخرى للبائع - بحيث يصبح المصرف الثاني مدينا أصليا للبائع بمجرد تبليغه فتح الاعتماد لديه، لا مجرد وكيل بالقبض عرضة للعزل في أي وقت، ويسمى الاعتماد حينئذ: اعتمادا مؤيدا، ولا يكون الاعتماد المؤيد إلا من قبيل الاعتمادات النهائية، أي التي بمجرد تبلغيها إلى المستفيد تصير غير قابلة للرجوع، ولو أفلس الآمر أو أمر بإلغاء الاعتماد أو ثبت بطلان البيع، ما لم تحكم محكمة بصحة الرجوع في هذا الاعتماد بسبب ما، رغم أن الأصل عدم جواز الرجوع فيه.

أما الاعتمادات القابلة للإلغاء بحسب رغبة المصرف أو الآمر فهي -

ص: 130

وإن كانت أقل تكاليف - قلما يعول عليها اليوم، لأنها لا تعطي البائع التأمين الكافي الذي يريده ولا تقبل التأييد.

وإذا قدم البائع المستندات المطلوبة ودفع له المصرف الثاني الثمن، ضم المصرف المذكور هذه المستندات إلى الورقة التجارية المثبتة دفعه الثمن للبائع (الإيصال)، وأرسل الوثائق كلها إلى المصرف الأول - المصري- ليقوم بتأدية مبلغها مع المصاريف - ومنها العمولة - إلى المصرف الثاني في بلد البائع.

وللمصرف الأول - المصري - أيضا عمولته المتفق عليها يستوفيها وسائر التوابع مع مبلغ الاعتماد من المشتري، فإن أبى المشتري الدفع كان للمصرف المصري حق بيع البضاعة؛ لأنها مرهونة بحقه، وقلما تكفي وليس له حق الرجوع جبرا على البائع بحال مهما تكن الأسباب؛ لأن العملية بطبيعتها تتضمن نزول المصرف فاتح الاعتماد عن حقوقه المصرفية تجاه البائع ليطمئن هذا البائع إلى نهاية الوفاء، فإذا أخطأ المصرف، فدفع المبلغ وكانت المستندات غير مطابقة، فلا رجوع له على الآمر - المشتري - كما لا رجوع له على المستفيد - البائع - لأنه هو المقصر وقد كانت لديه المهلة الكافية للتأكد من سلامة هذه الوثائق ومطابقتها، إلا إذا كان المصرف قد شرط الرجوع على المستفيد عند رفض الآمر المستندات مثلا (1).

2 -

أما موقف الفقه الإسلامي من هذه العملية، فقال الأستاذ مصطفى الزرقاء: هذه المعاملة صحيحة إجمالا فيما يبدو من وجهة نظر الفقه الإسلامي، على أحد الأسس الآتية:

الأساس الأول: توكيل ورهن، فيمكن تخريج هذه المعاملة على أنها تتضمن عقد وكالة بعوض في أداء الدين - هو حق المستفيد على الآمر-، وفي تسلم مستندات البضاعة قبل الأداء، فالتوكيل بالأداء مقيد بكونه بعد تسلم

(1) الموسوعة الفقهية نموذج 3 الحوالة ص 243 - 244، ومحاضرة أمين بدر 16 - 24.

ص: 131

المستندات الصحيحة، والوكالة المقيدة يلتزم فيها قيدها، وهذا التوكيل يتضمن رهنا ضمنيا للبضاعة لدى الوكيل إلى أن يستوفي الثمن الذي وكل بأدائه من ماله، وهو رهن ضمني مستنده العرف، وتثبته نصوص القوانين، وهذا التخريج الفقهي يفسر لنا أمورا مهمة في هذه المعاملة وهي:

1 -

نهائية الالتزام، وعدم قبوله الرجعة من جانب الوكيل - وهو هنا المصرف الوسيط فاتح الاعتماد - لأن الوكيل بأجر يجب عليه القيام بما وكل فيه ويجبر على ذلك، لا سيما أنه تعلق بالوكالة هنا حق الغير وهو البائع، كما أن عقد القرض - بمجرد انعقاده - لازم عند المالكية من جانب المقرض ليس له الرجوع فيه حتى ينتفع به المقترض على العادة في مثله.

والمقرر عرفا وقانونا في هذا الشأن أنه إذا أصر الموكل - في مسألة فتح الاعتماد - على الامتناع من الدفع بغير حق وتعذر الاستيفاء منه، كان للمصرف حق التصرف في البضاعة؛ ليستوفي حقه بأن يبيع منها بقدر الحاجة، وهذا سائغ عند فقهاء الشريعة دون رجوع إلى القاضي إذا كان عن شرط، بل له ذلك عند الشافعية من غير تعذر الاستيفاء ما دام الخصم ممتنعا من دفع الحق الثابت عليه.

2 -

عدم مسألة المصرف بعد قيامه بالدفع وفق شروط الاعتماد مهما تكن حال البيع نفسه، إذ لا شأن للمصرف بذلك، فإن الوكيل بالأقباض ليس وكيلا في عقد مالي، فلا عهدة عليه كالرسول.

3 -

نهائية الالتزام من جانب الآمر - هو المشتري طالب فتح الاعتماد -، فيكون الاعتماد من هذه الناحية غير قابل للإلغاء على أساس أنه توكيل تعلق به حق الغير، فيمتنع على الآمر الموكل الرجوع عنه.

ملاحظة: قد يرد على هذا الحل أنه قاصر لا يفسر لنا كون المصرف يصبح

ص: 132

مدينا أصليا للمستفيد حل محل الآمر فبرئت بذلك ذمة الآمر تجاه المستفيد كما هو الحكم المقرر قانونا.

وحينئذ يمكن إحلال الحوالة محل الوكالة في هذا التخريج، فتعتبر معاملة الاعتماد المستندي حوالة على المصرف فاتح الاعتماد بأمر الآمر، فيكون له عليه حق الرجوع بعد الأداء، ويكون المستفيد البائع محالا قد قبل الحوالة بقبوله فتح الاعتماد لمصلحته، ويبرأ تجاهه الآمر، وهو هنا المشتري طالب فتح الاعتماد كما نوضحه في الأساس الثاني.

الأساس الثاني: وقد يسعنا أن نقول استنادا إلى وجهة نظر أخرى: أنه حين ينص على نهائية الالتزام من طرفيه -أو يكون ذلك كالمنصوص - يكون الآمر إذا محيلا بدين المستفيد على المصرف الوسيط فاتح الاعتماد، ورضا الأطراف الثلاثة قائم، وليست هذه الحوالة معلقة على شرط - تسليم المستندات- بل حوالة مطلقة منجزة بدين مؤجل يحل عند تقديم هذه المستندات، وقد قبلها المحال عليه - المصرف الوسيط- بأمر المحيل، فيحق له الرجوع عليه، وقد يدفع الآمر جانبا من مبلغ الاعتماد مقدما إلى المصرف، ففي هذه الحال يكون طلب فتح الاعتماد توكيلا بالأداء إلى الدائن فيما قدمه الآمر، وحوالة في الباقي.

ولا بأس فيها بالعمولة المصرفية، لأنها منفصلة عن الحوالة، فليست حوالة بأجر حتى يقال: إن ذلك يتنافى مع طبيعتها من كونها عقد إيفاء واستيفاء لا غير، أو عقد إرفاق إنما هي أجرة مستحقة لأجير - هو المصرف - على الأعمال الكثيرة التي يقوم بها، كما حررناه في بحث التحويل المصرفي (ر: ف / 362)، وقد يعترض على هذا الحل بأنه لا يطابق ما هو مقرر في التقنينات الحديثة من أنه لا علاقة للمصرف الذي أصدر الاعتماد بصحة البيع أو بطلانه، ذلك لأن الحوالة - من الوجهة الشرعية الإسلامية - تبطل إذا تبين بطلان البيع الذي بنيت عليه، وإذا كان المحال عليه قد دفع إلى المحال فإنه يتخير بين الرجوع على القابض، لفساد قبضه، والرجوع على المحيل، كما في الحوالة الصحيحة (ر: ف / 257).

ص: 133

وللرد على هذا الاعتراض يلزم توضيح الفارق بين نظرة الفقه الإسلامي إلى الحوالة، وبين موقف التقنينات الحديثة في الاعتماد المستندي.

فالفقه الإسلامي يجعل بين الحوالة والبيع الذي أحيل فيه بالثمن أو عليه علاقة وثيقة، فإذا تبين بطلان البيع كان طبيعيا أن تبطل الحوالة المرتبطة به.

أما الاعتماد المستندي فينظر إليه القانونيون نظرة مستقلة تماما عن البيع الذي فتح الاعتماد تنفيذا له، لاختلاف أطرافه وأساسه القانوني، ولذلك كان طبيعيا عندهم ألا يتأثر الاعتماد ببطلان البيع.

على أن هذا الفارق نظري، إذ النتائج من الناحية العملية واحدة، ففي الاعتماد المستندي يرجع المصرف على الآمر فاتح الاعتماد بالقيمة طالما أنه نفذ التزامه بتسليمه المستندات المطابقة لشروط فتح الاعتماد، بصرف النظر عما إذا كان عقد البيع صحيحا أو باطلا.

وفي الفقه الإسلامي يرجع المحال عليه - المصرف هنا- بعد أداء القيمة إلى البائع - المحال- على الآمر فاتح الاعتماد - المعتبر محلا- في كل الأحوال، أي سواء أكان البيع صحيحا أم باطلا، كما أن للمصرف - بمقتضى مذهب الحنفية - الخيار في حالة تبين بطلان البيع بين الرجوع على المحيل، وبين الرجوع على المحال القابض - البائع في مثالنا- فالنظر القانوني إنما قطع فقط طريق الرجوع على القابض وبذا يتبين أن النتائج العملية واحدة وإن اختلف الأساس النظري.

الأساس الثالث: إن البحث في الاعتبارين السابق شرحهما لتخريج الاعتماد المستندي على أساس من العقود التقلدية في كتب الفقه، لا يعدو أن يكون محاولة لتصنيفه على أساس هذه العقود على أنه قد سبق أن بينا أن الأصل في المعاملات جواز استحداث ما يتلاءم مع الحاجات المتجددة المتنوعة طالما لم يصادم العقد المستحدث أصلا شرعيا.

وهذه التخريجات الثلاثة نقدمها على أساس تجريد الاعتماد المستندي مما ليس

ص: 134