الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سياساتهم تعصبوا لقبائلهم وأغار بعضهم على بعض لأتفه الأسباب وأقل الأمور وهذا دليل الاضطراب والانحلال والضلال.
أما ما أحدثه الإسلام في نفوس العرب من هداية واستقامة فحدث ولا حرج من استقامة في العقيدة وفي العبادة وفي الأخلاق وفي المعاملات، وهذا ما سأعود عليه عما قريب إن شاء الله.
أما جاهلية الغرب الحديث فانظر إلى تحلل الأخلاق واضطراب الموازين والوقوف مع الظالمين من اليهود ضد المظلومين من مسلمي فلسطين، وما تطالعك به حالة الزنوج في أمريكا. . . وجنوب أفريقيا فضلا عما تعج به مجتمعاتهم من منكرات تحمل في طياتها حتفهم وزوال أمرهم.
ثبات السنن والقيم في الإسلام واضطرابها عند غيره:
وإذا كانت الفطرة البشرية قد فطرت على حب الإيمان بالله والاستقامة على شرائعه؛ فإن دور الإسلام أن يجنب هذه الفطرة مزالق الانحراف ويبعدها عن عوامل الزيغ والضلال؛ ذلك أن الله عز وجل جعل هذه الحياة امتحانا لعباده واختبارا لحسن تصرفهم وعملهم، يقول سبحانه وتعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (1)، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2){الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (3) وكان من هذا الامتحان ما خلقه الله في الإنسان من دوافع جبلية تتطلب الإشباع وتدفع إلى تعمير هذه الحياة وتنميتها بالعمل الصالح والسلوك المستقيم، ولكن هذه الدوافع لما فيها من ثورة الشهوة وقوتها كانت سبيل الشيطان إلى نفس الإنسان وحياته لتتم بذلك حقيقة الامتحان وأسلوبه في هذه الحياة، وبذلك يتصارع في الإنسان قوة الخير الذي فطره الله عليه، والدوافع التي يستغلها الشيطان وتكون ميدانه
(1) سورة الكهف الآية 7
(2)
سورة الملك الآية 1
(3)
سورة الملك الآية 2
ومحل إغراءاته وغوايته على نحو ما بين القرآن في وصف الشيطان إذ يقول على لسانه: لعنه الله: {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} (1){وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} (2){يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَاّ غُرُورًا} (3) ومن هنا كانت مهمة الإسلام تزكية الفطرة وتسليحها بشرائع الحق وتكليفها بواجبات الخير والهدى لتنضبط في سيرها وتستقيم في حياتها فلا يميل بها هوى جامح أو شهوة منحرفة عن طرق الحق: وبذلك لا يجد الشيطان إليه سبيلا وصدق الله إذ يقول: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} (4){فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (5){قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (6){وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (7) ويقول في مهمة نبيه الكريم: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (8) هذه التزكية التي جاء بها الإسلام جاءت شاملة لحياة الفرد، والجماعة: لم تترك جانبا من جوانب الحياة ولا أمرا من أمورها إلا بينته ووضحته، وإنك لتجد مصداق ذلك في النظام الحق الذي وضعه العليم الخبير وجاء به الوحي؛ فلا غرو حينئذ أن تكون رسالة الإسلام هي رسالة الحق الكامل التام، يقول الله تعالى لنبيه الكريم:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} (9).
إن هذا الهدى الذي جاءت به هذه الرسالة بثه الله في خلقه ليعمل في الفطرة البشرية كما تعمل النواميس الكونية سواء بسواء، فكما أن الماء ينزل من السماء فيحيي الله به الأرض بعد موتها فكذلك النفوس البشرية إذا اهتدت بالوحي وقامت
(1) سورة النساء الآية 118
(2)
سورة النساء الآية 119
(3)
سورة النساء الآية 120
(4)
سورة الشمس الآية 7
(5)
سورة الشمس الآية 8
(6)
سورة الشمس الآية 9
(7)
سورة الشمس الآية 10
(8)
سورة الجمعة الآية 2
(9)
سورة يونس الآية 108
بالتكاليف حيت وترعرعت. يقول الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) وفي الحديث الصحيح: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها، وسقوا وزرعوا. وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به (2)» .
هذه التزكية التي تحيا بها النفوس وتصلح بها الجماعات هي قوانين الله في خلقه ونواميسه لصلاح عباده يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (3) قال ابن كثير في معنى الآية: ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها، ولم يأت بقرية مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين كما قال تعالى:{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} (4) وقال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (5) ويمشي في سياق الآية التي قدمناها آنفا ويؤكدها قوله سبحانه: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَاّ قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (6){وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} (7).
وسنن الله عز وجل تعمل عملها في نفوس عباده ومجتمعاتهم وتؤتي ثمرها لمن عمل بها ووفاها حقها والتزم بها حتى ولو كان غير مؤمن، ولكنها في الكافر تقف عند
(1) سورة الأنعام الآية 122
(2)
متفق عليه، رياض الصالحين طباعة دار الشعب بالقاهرة، ص394
(3)
سورة هود الآية 117
(4)
سورة هود الآية 101
(5)
سورة فصلت الآية 46
(6)
سورة القصص الآية 58
(7)
سورة القصص الآية 59
حد هذه الحياة الدنيا ولا تتجاوزها. قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} (1){أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2).
ولكن الفرق بين عمل السنن في المجتمع المؤمن وعملها في المجتمع المنحرف: أنها في المجتمع المؤمن مستقرة وثابتة مطردة وخالدة، إذ هي مرتبطة بمعايير أخلاقية وبقيم معنوية تتجاوز هذه الحياة إلى الدار الآخرة وما أعد الله فيها للمحسنين من ثواب مقيم وأجر جزيل وهذا من شأنه يربط الأمة كلها بمثل ثابتة لا تختلف باختلاف الناس ولا البيئات وصدق الله:{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (3)، {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (4) أما في المجتمع غير المسلم فهي غير مستقرة وغير ثابتة ومتغيرة؛ لأنها مرتبطة بالقيم المادية، ومن شأن القيم المادية التغيير وعدم الثبات؛ إذ أساسها المنفعة والمتعة، لذلك تكون الأخلاق فيها نسبية والقيم مهتزة وتصبح القاعدة:(الغاية تبرر الوسيلة) وها أنت ترى كيف أحل اليهود لأنفسهم أموال غيرهم بغير حق، وكيف عم طوفان الوسائل الدنيئة الحياة الاقتصادية - من رشوة وتجارة بالرقيق الأبيض وإفساد الذمم - حياة الناس اليوم لدرجة أن الدول تنادي الآن لعمل ميثاق دولي يحاسب الشركات ويأخذ على يد المفسدين ولكن هيهات؛ فقد اتسع الخرق على الراقع وعمت البلوى ولا بد للأمر من علاج جذري، وصدق الله تعالى:{وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَاّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} (5).
إن المجتمع المسلم تضبطه قاعدتا التكاليف والأخلاق، فالتكاليف تذكره دائما بالله وأن الغاية من الحياة هي عبادة الله عز وجل، وبذلك تصبح أنشطة الحياة
(1) سورة هود الآية 15
(2)
سورة هود الآية 16
(3)
سورة آل عمران الآية 101
(4)
سورة إبراهيم الآية 27
(5)
سورة الأعراف الآية 58
وسائل لهذه الغاية؛ ومن شأن هذه التكاليف أن تثمر الأخلاق الطيبة الكريمة، ويأتي قانون الشريعة فيدعم هاتين القاعدتين الهائلتين في حياة الناس ويظلهم بالمظلة الواقية من الانحراف فيدعم هاتين القاعدتين الهائلتين في حياة الناس ويظلهم بالمظلة الواقية من الانحراف أو الفسق، ويضبط العلاقات بينهم على أساس حقوق الله وحقوق الناس، وعلى أساس قاعدة الحلال والحرام، وصدق الله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (1) ويقول الرسول الكريم: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. . ومنهم: إمام عادل (2)» ويقول صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد (3)» .
وإذا كان المجال يقتضي أن يوضح الأمر بمثال فلنأخذ قضية البيع والشراء في الإسلام وكيف تنضبط بالمعايير الخلقية السليمة، ويدخل فيها وازع الإيمان وابتغاء رحمة الله ورجاء ثوابه، وكيف تتدخل الشريعة لتحسم الأمر عند الانحراف وتجاوز الأخلاق الطيبة. . يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (4) ويقول صلى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما (5)» .
وبناء على نص القرآن الكريم والحديث الصحيح فقد أصبح محرما استعمال أي وسيلة باطلة للحصول على المال، ووجب أن تكون الوسائل كلها صالحة ومستقيمة؛ فإذا حدث وكتم البائع شيئا من صفات المبيع أو دلس بأن ظهر المبيع على غير وجهه، فعلاوة على أن الله عز وجل ينزع بركته من هذا البيع يستلزم ذلك اكتشاف كذب البائع وعدم صدقه، وفي هذا نزع للثقة فيه وعدم احترامه في المجتمع
(1) سورة النحل الآية 90
(2)
رواه البخاري
(3)
متفق عليه
(4)
سورة النساء الآية 29
(5)
رواه البخاري